السبت، 4 فبراير 2012

*الجزء الثاني

عولمتنا - دولة الأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
الجزء الثاني:.



الحمد لله الذي لا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء وصلى الله تعالى على محمد أشرف الأنبياء وعلى أوصيائه سادة الأوصياء ورحم الله شهداءنا الأبرار الأتقياء ، وغفر الله لنا ولهم ما نعلم وما لا نعلم ، أنه بالمؤمنين رءوف رحيم ، وسبحان الله الذي عَلِمَ بما كان قبل ان يكون ونحن نرى تأويل ما أخبر به رسله الأولين والآخرين ، والحمد لله رب العلامين .
سنتناول في هذا الجزء الظروف الدولية والمحلية قبل وقوع الحرب التي وقعت كما توقعناها في محرم 1424هـ استناداً إلى ما جاء في الروايات واعتماداً على تهيئة الظروف الدولية التي تساعد على مثل هذا التوّقع، وأخذ الأحاديث والروايات التي تنبأ بذلك ، ومطابقتها مع الواقع ومع مجريات الأحداث .سيكون ذلك قبل الخوض في المرحلة الجديدة من مراحل العولمة الانقلابية ومراحل الدولة العالمية الإلهية . دولة الإمام المهدي ( عج ) .


تداعي الأمـم :
بعد إن وقعت حرب عام 1991م كما وصفها الإمام علي عليه السلام بقوله ( حلوٌ رضاعها …علقم عاقبتها ) وتكشّفت الحقائق لأكثر شعوب الأرض وأكثر حكومات الدول بأنها وقعت فريسة الخدعة التي خدعتها بها القيادة الانقلابية ، انشغلت طوال العقد الذي أعقب الحرب ( العاصفة ) بمحاولة معالجة الآثار الخطيرة والمدمرة التي ترتبت على نتيجة الحرب وهيمنة الانقلابيين على القرار الذي يقرر مصير العالم ، ولكن ابتلاع السُم لا يمكن التخلص منه بالتقيؤ . فكيف كان حال الدول العربية في هذه الفترة التي أعقبت الحرب الأولى حتى وقوع الحرب الثانية – حرب الاحتلال – ؟
قال رسول الله ( ص ) : ( يوشك الأمم تداعى عليكم تداعي الأكلة على قصعتها، قيل من قلة نحن يومئذ ؟ قال بل انتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله المهابة منهم وليقذفن في قلوبكم الوهن ، قيل وما الوهن يا رسول الله ؟ قال: حب الدنيا و كراهية الموت .) (1) .
والغُثاء هو العشب اليابس المحطّم من السحق ، ما أدق هذا الوصف الذي هو وحيٌ يوحى . فإذا كان ( تداعي الأمم ) المقصود هو تداعي الأمم في حرب العاصفة ، فإنها لم تتداعَ على العرب كافة ، بل على العراق خاصة . على عاصمة الدولة العالمية الإلهية …ولكنه كان البداية لجعل العرب ( غُثاء ) لا حول ولا قوة لهم ، لا قيمة ولا اعتبار لرأيهم وموقفهم ، مسلوبوا الإرادة كأنهم أشباح أو سكارى … بل إنهم موتى ، وذلك جزاء جريمتهم بتدمير العراق ووضع عنقه في قبضة القيادة الانقلابية التي تريد كل شيء – أو لا شيء ، وهي واثقة من حصولها على كل ما تريد .
إذن فالتداعي العام هو هذا الذي بدأ بـ (الضفدع النطاط) وتجيش الأمم لجيوشها لتبدأ بالعراق احتلالاً ثم الزحف أو النط إلى الدول العربية الأخرى بدءً بالشام ( سوريا ولبنان والأردن وباقي الأراضي الفلسطينية ) ثم وصولاً إلى نهر النيل ، النهر الخامس بعد ( سيحون وجيحون – في افغانستان – ودجلة والفرات – في العراق وسوريا ) هذه الأنهار الخمسة التي يمتلكها الكفار في زمن الكرَّة كما جاء في الروايات قبل بدء ساعة الصفر من وعد الآخرة لبني إسرائيل في الكتاب .
في كتاب ( ثواب الأعمال) عن جابر انه قال : ( كان النبي (ص) ذات يوم جالسا بين أصحابه إذ هبط عليه جبريل(ع) فقال : السلام يقرؤك السلام ويخصك بالتحية و الإكرام بالإسلام . فقال له النبي(ص) : يا أخي جبريل ، وما الإسلام ؟ قال : هي الأنهر الخمسة ، سيحون، و جيحون، و الفراتان، و نيل مصر ، قد جعلت هذه الخمسة الأنهر لك و لأهل بيتك و شيعتك ، ويقول و عزتي وجلالي كل من شرب منها قطرة واحدة ، وقام الخلائق للحساب يوم الحساب، لن ادخل الجنة احد إلا من رضيت عنه و جعلته من مائها في حل . عند ذلك تهلل وجه النبي(ص) وقال : يا أخي لوجه ربي الحمد والشكر. فقال له جبرائيل : أبشرك يا رسول الله بالقائم من ولدك ، لا يظهر حتى يملك الكفار الخمسة الأنهر، فعند ذلك ينصر الله بيتك على أهل الضلال ولم يرفع لهم راية أبدا إلى يوم القيامة.) (2)
فأما سيحون و جيحون و الفراتان فقد ملكها الكفار ، و أما النيل ، فان البكاء الأمريكي على دارفور و أهلها وعلى متمردي السودان ، فهو لأجل ملك نهر النيل من المنبع قبل وصوله إلى مصر ، و سيملكه الكفار قريبا إذا شاء الله
وعلى أية حال فانه رغم بروز موقف دولي جديد ، وهو انقسام العالم إلى معسكرين ، معسكر السلام ، ومعسكر الحرب – وهو أمر سيشهد كثير من التقلبات بين التوافق مرة و الاختلاف أخرى حتى ينتهي بالاختلاف – إلاّ إن تداعي الأمم على المنطقة العربية عموماً ، وعلى منطقة الظهور خصوصاً ، يجري وفق السيناريو الموصوف في الروايات بشكل دقيق ، ومن لم يشارك بجيشه في حرب الاحتلال ، سيشارك لاحقاً في تثبيت الاحتلال وقمع المقاومة وفرض الهيمنة اليهودية على المنطقة . فبالإضافة إلى أمريكا وبريطانيا وأسبانيا وإيطاليا وأستراليا والدنمارك ، بدأت تنظم الدول الأخرى التي أيدت الحرب ودعمتها سياسياً وعلى رأسها بولندا … بولندا ليش فاليسا ، التي كانت فيما مضى الحلقة الرابطة لحلف و أرشو ، ثم أصبحت بعد حرب العاصفة .. اللّغم الذي فجّر حلف وارشو ، ثم بلغاريا و أوكرانيا و سلوفاكيا و رومانيا و السلفادور و تايلاند و دول في الطريق كثيرة.

المحرّم وما المحرّم :
لقد عاشت شعوب الأرض كلها عموماً حرب محرم لاحتلال العراق في السابع عشر من محرم الحرام ( 1424 هج)، عاشته على شاشات التلفزة وبالنقل الفوري لمعظم جوانب الحرب ، ولكن ما خفيّ منها أكثر بكثير ، ورغم ذلك فإن الظاهر وحده كافي لإعطاء صورة واضحة عن همجية ووحشية القيادة الانقلابية وإصرارها على التدمير والقتل بالأسلحة المحرمة والمحللة ، ولذلك لسنا بحاجة لنصف الحرب والعمليات العسكرية والأسلحة المستخدمة والمؤامرات والخُدَع والتضليل والخيانات والغدر . إلاّ إن ما لم تستطيع وسائل الإعلام نقله هو سبب سرعة انهيار النظام في العراق ( وطبعاً نقصد الأسباب المادية وليس التدبير الإلهي ) ، فقد كان العراقيون يقاتلون الشيطان – فهو يراهم وهم لا يرونه – وتلك كانت المعضلة الكبرى التي حيرت العالم .. فقد كانت الطائرات تطير على ارتفاعات شاهقة خارج مدى تدمير أسلحة الدفاع الجوي العراقي ، وتقوم بعملياتها آمنة كل الأمن من اي خطر يتسبب بإسقاطها إلاّ ما ندر ، ثم كانت السفن الحربية تطلق صواريخها من البحار والخليج ، والجيش العراقي يعرف مكانها على الخارطة فقط ، وليست لديه أية وسيلة للوصول إليها … كانت الطائرات تستخدم الأسلحة المحرمة دولياً .. فقد استخدمت القنابل العنقودية بكثافة غير معهودة وتلقي بها على التجمعات المدنية والعسكرية على حد سواء .. كانت الخسائر البشرية التي تعلنها القيادة العراقية شيء لا يذكر بالنسبة إلى الخسائر الحقيقية التي يراها ويعلمها الشعب والجيش على حد سواء ، إن كان في الجانب المدني أو العسكري ، لأن القيادة العراقية كانت تخاف من الشعب العراقي أكثر مما تخاف من الجيش المعادي ، وتخاف من التمرد والانتفاضة أكثر مما تخاف من الاحتلال ، ولهذا السبب كان صدام قد وضع كل قيادات الجيش ، وخاصة الصنوف ذات الأهمية وذات التجهيز العسكري الجيد والتدريب الجيد تحت قيادات من أقاربه وأعوانه ومواليه الذين عرفهم الجيش العراقي والشعب العراقي بالجبن والانهزامية والخيانة …وكانت هي أول من تسبب بالهزيمة وتحديد نتيجة الحرب المعروفة سلفاً ، أما عموم الجيش العراقي فقد كان ممزقاً بين انتمائه الوطني ورغبته بتدمير العدو وبين اغتنام الفرصة لترك نظام صدام والأمريكان يأكل بعضهم بعضاً ، ولكن واقع الحال أن من توفرت له الفرصة للقتال والمواجهة قد قاتل بضراوة وبسالة مشهودة ومعروفة ، ولكنه لم يكن لديه الكثير ليفعله بعد أن تركه صدام منذ قبل حرب عام 1991 بلا غطاء جوي يحميه من صواريخ الطائرات والقنابل العنقودية قبل أن يدخل بأي مواجهة برية حقيقية مع جيش العدو . كما تميز جيش الاحتلال بأجهزة الرؤية الليلية التي كان لها الدور الحاسم خلال الأيام الثلاثة الغبراء ، التي وصل فيها مدى الرؤيا إلى الصفر .. هذه الأيام الثلاثة الغبراء من أيام محرم التي هي عندنا من الآيات الموعودة والمنتظرة وهي آية زوال ملك بني العباس ، وتكون في اليوم الأول صفراء ، وفي الثاني حمراء ، وفي الثالث سوداء ، كما جاء ذلك في الصحيفة التي حصل عليها ( محمد بن الحنفية ) من أخويه الإمامين الحسن والحسين ( ع ) عندما جاء يطالبهما بميراث أبيه من العلم . وقد وقعت الآية كما هو الموعود .. وسبحان الذي عَلِمَ بما كان قبل أن يكون ، وفي خطبة رسول الله (ص) في حجة الوداع التي خطبها وهو ممسك بحلق باب الكعبة ( فإذا أوتيتم هذه الخصال فتوقعوا الريح الحمراء ) (3) .
وسيكون فيما يأتي ثلاثة أيام غبراء أخرى كلها صفراء لا يتميز الليل من النهار ، من شدة الصفرة ، وهو أية زوال ملك بني أمية ، و تكون في زمن السفياني بعد رجب الذي فيه العجب ،وهو قوله تعالى ( وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) (4).
وعلى أية حال ، كان لهذه الأيام الثلاثة دور حاسم في تغلغل ( الضفدع النطاط) إلى عمق المدن العراقية ،بل وإلى ضواحي مدينة بغداد ، عندما أصبح الجيش العراقي فاقد للرؤيا تماماً ويقاتل كالأعمى . بل إن أهم معركة وقعت فيها هي المعركة الموعودة عندنا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بمعركة الكفل و استيلاء اليهود عليها ، فهذه المعركة في كتب الملاحم والفتن التي تتحدث عن علامات الظهور هي كالنار على علم ، لا يكاد أحد إلاّ يعرفها ويترقبها ، ولقد وقعت كما وصفوها بشكل عجيب وقتل خلالها خلق كثير. كان بعض ممن أعرفهم شاركوا فيها بنقل العتاد للمقاتلين ، شاهدوا الواقعة وعاشوا المعركة لحظة بلحظة … ما يقرب من ثلاثة آلاف عراقي قتلوا خلال ساعات قلائل ، في منطقة صغيرة جداً وبمواجهة قوة صغيرة جداً من العدو .. دبابتان فقط تم نقلهما بطائرات النقل المروحية إلى المنطقة ، شوهدتا على الجسر تحصدان الناس … مقاتلين ومدنيين وأطفال ونساء ، والطائرات المروحية تمطر الناس بالمدافع الرشاشة وبالصواريخ ، والطائرات القاصفة تلقي بحمم من القنابل العنقودية ، وكانت مدفعية المحاويل تقصف المنطقة المحتلة ومنطقة الجسر … الإحداثيات التي لدى المدفعية غير صحيحة ، والغبار يجعلك لا ترى من هو بجانبك .. بل لا ترى كفك .. محاولات عديدة لمقاتلين يحملون قاذفات ( آر . بي . جي ) يتقدمون من اتجاهات مختلفة نحو تلك الدبابتين ، منهم من حصدته المدافع الرشاشة للدبابات ومنهم من استطاع الوصول إليها وضربوها بالقاذفات ولكن الدبابة تهتز من أثر الضربة ثم تعاود الرمي والدوران والتحرك . وفقد المقاتلين ثقتهم بسلاحهم .. تبين فيما بعد حسب قول البعض ممن نجا منهم أن صواريخ تلك القاذفات لم يكن مخصص ضد الدروع ، بل ضد الآليات غير المدرعة وضد التجمعات. وكان القصف المدفعي لمدفعية المحاويل يشتد وحممه تسقط على البيوت والمقاتلين وعلى الناس .. لا شيء سوى الصراخ والقذائف والغبار ، اليهود ينظرون بأجهزة الرؤية الليلية .. يشاهدون كل شيء و يعلمون أين يضربون ، والعراقيون كالعميان يتلمسون طريقهم في نهار كأنه الليل المظلم بحثاً عن جثث تتطاير وأشلاء تتناثر ، والكثيرون يتلمسون طريق الهروب من الجحيم الذي بدا كأنه درك واطئ من دركات جهنم ، وصدام كان قد أصدر إلى قيادته قراراته المعروفة في مثل هذه الظروف ، وهو قتل كل من في ساحة المعركة وكان قد فعل ذلك مرات ومرات في حربه مع إيران .. عندما لا يرى أن النصر معه يضرب الفريقين بالأسلحة الكيمياوية لمجرد أن يقتل بضعة أفراد من عدوه .. وعلى كل حال هو يعتبر الجميع عدوه .
وهنا في هذا الغبار الشديد الكثافة كانت الأبصار مفقودة والعيون مغمضة والأفواه تبصق وتبصق طين الغبار .. في هذا الغبار كانت الحضارات تتصارع ولا تتحاور .. من هذا البرجوازي الساذج الذي يقبع الآن في هذا الغبار والجحيم في مكتبه الأنيق المكيف النقي من الغبار ويتسفسط بحوار الحضارات ؟ على أية أرضية تتحاور الحضارات ؟ بل على أية مفاهيم ؟ هنا جاءت كل الحضارات لتتحاور من خلال الغبار والقذائف والمؤامرات والمكائد والغدر لقتل شعب وتدمير أُمّة وتدمير حضارة . أنه ليس حوار الحضارات .. أنه حوار الانقلابيين ، وقيادة الانقلابيين جاءت بنفسها لتحاوركم وليس في خياراتها أن تحاور إلاّ على واحد من خيارين، هو أما الموت .. أو الموت. ولا شيء آخر . جاء الانقلابيون ليعلنوا هنا سقوط الحضارات كلها ، حضارتهم هي التي يجب أن تحيى ، هي التي يجب أن تسود . جاءوا ومعهم البديل المارد الذي يقضي على – الإرهاب الذي هم يشعرون بقدومه واقترابه .. إرهاب الدولة العالمية الموعودة .. إرهاب الرجل الشرقي ، أو العربي أو الإسلامي ، الذي يريد أن يوّحد العالم بأمة واحدة ودين واحد وحضارة واحدة ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويقضي على حضاراتهم ، على نزعاتهم التدميرية .. على رغباتهم ومساعيهم ليقبضوا على عنق العالم ويخيّروه بين الاستسلام أو الموت ، في هذا الغبار تداعت الأمم ، وتداعت الشرور ، وتداعت الهمجيات ، على هذه الأرض التي تعيش على الحلم .. وتعيش على الأمل ، وتنتظر بصبر مجيء هذا الوريث لكل الرسالات السماوية ، هذا الذي تجمع قضيته قضية كل التاريخ .. وقضية كل الأنبياء وقضية كل الأمم ، جاء الانقلابيون للقبض على قضيته ، والقبض على المؤمنين به وإرسال الجميع إلى غوانتينمامو ، هذه القضية( الإرهابية ) هي التي جاءت من أجلها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل والأمم الذيلية لها . والعرب في كل هذا ليسوا إلاّ غثاء أحوى .. هشيم تذروه الرياح ، عشب مسحوق بالأقدام والسنابك والحوافر ، وشرطة مكافحة الشغب ، وفيالق المخابرات العربية .. وإعلام الحكومات العربية التي تكره الإرهاب ، وتنادي بالأخوّة العربية – الأمريكية الإسرائيلية ، ولكن المصيبة أن شعوبها لا تريد أن تتعلم ( التحضر والمدنية ) ، فأصبح الجميع غُثاء .. إنا لله وإنا إليه راجعون .
ولنرى ما ورد عن رسول الله (ص) عن طائرات ( التحالف) " الأجنحة " :
حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن أبي هريرة قال ويل للعرب بعد الخمس والعشرين والمائة ، ويل لهم من هرج عظيم الأجنحة ، وما الأجنحة ، والويل في الأجنحة رياح قفا هبوبها ، ورياح تحرك هبوبها ، ورياح تراخي هبوبها ، ألا ويل لهم من الموت السريع والجوع الفظيع والقتل الذريع ، يسلط الله عليها البلاء بذنوبها ، فيكفر صدورها وتهتك ستورها ويغير سرورها ، ألا وبذنوبها ، تنتزع أوتادها وتقطع أطنابها وتكدر رياحها ويتحير مراقها ، ألا ويل لقريش من زنديقها ، يحدث أحداثا يكدر دينها ويهدم عليها خدورها ويقلب عليها جيوشها ، ثم تقوم النائحات الباكيات ، باكية تبكي على دنياها وباكية تبكي على ذل رقابها وباكية تبكي من استحلال فروجها وباكية تبكي من قبل أولادها في بطونها وباكية تبكي من جوع أولادها وباكية تبكي من ذلها بعد عزها وباكية تبكي على رجالها وباكية تبكي خوفا من جنودها وباكية تبكي شوقا إلى قبورها) (5) .




حرب الاحتلال في خُـطَب أمير المؤمنين عليه السلام :
لقد أشرنا في الجزء الأول إلى خطبة الإمام علي عليه السلام التي تناول فيها هذه الفتنة بعنوانها فقط ، وسننقل هنا الجزء الخاص بالحرب من الخطبة وهي خطبة طويلة ، وسنتطلع من خلالها إلى مسيرة الجيش المحتل وإفرازات الحرب ونتائجها .
قال الأمام عليه السلام
( ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف – القاصمة الزحوف ، فتزيغ قلوب بعد استقامة ، وتضلُّ رجالٌ بَعْدَ سلامة ، وتختلف الأهواء عند هجومها ، وتلتبس الآراء عند نجومها ، مَنْ أشْرَفَ لها قَصَمتْهُ ، ومن سعى لها حَطَمَتْهُ ، يتكادمون فيها تكادُم الحمر في الغابة ، فَدْ إضطرب معقود الحبل وعَمِيَ وجه الأمر ، تغيض فيها الحكمة وتنطقُ فيها الظَلَمَة ، وتدقُّ أهل البدو بمَسْلَحِها وترضُّهم بكلكلها ، يضيع في غبارها الوحدان ، ويهلك في طريقها الركبان ، تَرِدْ بمُر القضاء ، وتحلب عبيط الدماء ، وتلثم منار الدين وتنقض عقد اليقين ، تهرب منها الأكياس ،وتدبرها الأرجاس . مِرعادٌ مِبراق ، كاشفةٌ عن ساق ، تقطَعُ فيها الأرحام ، ويفارق عليها الإسلام . بريُّها سقيم ، وضاعنها مقيم ، بين قتيل مطلول وخائفٍ مستجير ، يختلون بعَقْدِ الإيمان وبغرور الإيمان ، فلا تكونوا أنصاب الفتن وأعلام البدع ، وإلزموا ما عقد عليه حبل الجماعة وبنيت عليه أركان الطاعة ، وأقدموا على الله مظلومين ولا تقدموا عليه ظالمين ، واتقوا مدارج الشيطان ومهابط العدوان ، ولا تدخلوا بطونكم لُعق الحرام ، فإنكم بعين من حرّم عليكم المعصية وسهل لكم سبل الطاعة ) (6) .
و ولله لو لم يكن في بحثنا هذا وكل المواعظ والحكم ، وكل ما يقول القائلون إلاّ هذه السطور مما أنبأ به أمير المؤمنين عن النبي الأكرم صلوات الله عليهما عن رب العرش العظيم تبارك وتعالى ، وما فيها من الموعظة والهدى والتحذير والإنذار والإرشاد ، لكفى بها موعظةً بليغة عن كلّ ما عداها وسواها ، ولكن ( فما تُغْني النُذر )
فسبحان الذي علم بما كان قبل أن يكون ، وصلى الله عليك يا أمير المؤمنين ، كم من قناع إزاحته هذه الفتنة ، وكم من مستغيث في بحر الظلم المتلاطم لمّا نجاه الله إلى جانب البر إذا هو من المعرضين ، وكم من اختلاف والتباس وقع عند قادة الانقلابيين بشأنها .
إذ كانت كل أعذارهم ومبرراتهم كاذبة وكل حججهم داحضة وكل خدعهم مفضوحة ، ولكنهم كانوا كأنما حصرت صدروهم فهي ضيقة حرجة كأنمّا تصّعّد في السماء ولابد من الحرب لتنفس عن غيظها ، وكم جدّ الجادّون من أبناءنا في المحافظات الجنوبية والوسطى للتصدي لها فقصمتهم وعمي وجه الأمر عليهم بين غيرةٍ وشرف ودين يدعوهم أنْ قاتلوا أئمة الكفر، وبين رغبة في التخلص من الطاغوت الذي يظلمهم ويضطهدهم ، فانفرط العقد .
ولقد غاضت فيها الحكمة ، ونطقت الظلمة ، فكم من ( أثرمٍ لعين ) كان خفيَّ صوته، ضئيل شخصه، لما نعر الباطل نَجَمَ نجوم قرن الماعز ، وقفز من غار الفئران إلى ركب الفرسانً .
تناولت جميع خطب الإمام علي (ع) في الملاحم و الفتن و كل الروايات ، ناهيك عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه و آله هذه الفترة الحرجة من مراحل وعد الآخرة و أنواع الولايات و السلطات و الحكومات التي تتولى الأمور فيها ، و أجمعت على معنى واحد وهو إن أرذل الناس و أحطّهم هم الذين يستولون على مقاليد الأمور، فقوله هنا (ع) ينطق فيها الظلمة ،و يدبرها الارجاس يرادف في المعنى قوله في خطبة البيان ( و ارتحل الأفاضل من العالم و ولي الاسافل المظالم) و قول النبي (ص) ( يستذل فيها الأخيار و يسود فيها الفجّار) و أقوال كثيرة بنفس المعنى ، و الواقع الحاصل الآن الذي نعيشه نحن فهو تماما كما قالوا ولا عجب، فنحن نعرف أصل و تاريخ كل الذين استولوا على مقاليد الأمور الآن و ذلك إن الأحرار و الأخيار يأنفون من وضع أيديهم بيد الغزاة تحت أي مبرر أو ذريعة ، ولقد سحقت الفتنة البدو بمسلحها ، ورضّتهم بكلكلها متجنبةً حرب المدن في أولها ، تدور في القرى والصحاري ، وإنها ليضيع فيها الوحدان وسيضيع المزيد منهم في غبارها الذين ليس لهم قائد يقودهم أو عالم يتفقهون منه معتد به يهديهم سبل الرشاد ، فاتكلوا على آرائهم ، واعتمدوا على أهواءهم وسًنّوا لأنفسهم سُنّتهم وشرعوا لحياتهم شريعتهم ، وذلك بعد رحيل الأفاضل من العالم قتلا أو موتاً ولم يبق غير الأدعياء أو المغلوبين على أمرهم لا يسمع احد لهم قول ، فتاهت الناس،وأتبعوا كل شيطان مريد . ولسوف يقع ما يكون أدهى وأفضع ، إنّا بالله عائذون ، لقد جاءت " مرعاد" بصوت سلاحها فكأنه الرعد ، ومبراق بضوء سلاحها فكأنه البرق ، ومن النباهة الخارقة والفراسة الحاذقة أن ينتبه ابن أبي الحديد في قراءة ما وراء كلام أمير المؤمنين (ع) ، إذ قال في شرح النهج في شرحه للخطبة(مرعاد مبراق ) :" الرعد هو صوت السلاح والبرق هو ضوء السلاح الذي سيستخدم" ، وكان ذلك قبل ثمانمائة سنة ، وهكذا هو من يتذوق ويصدق بكلام أمير المؤمنين عليه السلام .

وسنتعرض للنقاط المهمة التالية:
1. قوله عليه السلام (فتزيغ قلوب بعد استقامة وتضل رجال بعد سلامة) وهو ما أكد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في تقلب القلوب و تغير الولاء و المعتقدات التي تحدث للناس عند وقوع الفتنة ، فهناك الكثير ممن عُرفوا بالاستقامة والهداية وسلامة الدين وحسن السلوك، يسقطون في الفتنة ويتسافلون ويسوء دينهم وسلوكهم وأخلاقهم وعقيدتهم، وكان مصداق ذلك هي الأحزاب الإسلامية الشيعية المعارضة ، بينما ترى مجموعات أخرى عُرفت بسلوك سيء وفسوق في الدين وفساد في العقيدة ، تجلي الفتنة معدنهم الأصيل ويظهر جوهرهم النقي فيصحّ دينهم ويستقيم خُلقهم ويرتقون بموقفهم حتى يكونون خيار الناس وفضلاءهم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ففي بحار الأنوار، عن الإمام الصادق (ع) قال : ( إن بين يدي القائم سنين خدّاعة ، يكذب فيها الصادق و يصدق فيها الكاذب ، و يقرب فيها الماحل ، وينطق فيها الرويبضة ) . ثم فسر الماحل بالماكر و الرويبضة بالتافه من الناس يتكلم بأمر العامة(7) .
2. قوله (ع) (من أشرف لها قصمته ومن سعى لها حطمته) ويفسر هذا القول قوله الآخر (ترد بمر القضاء وتحلب عبيط الدماء) فإن مما قدّره الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الغزاة هو الملك والدولة والانتصار، ولا يمكن الوقوف بوجههم عند هبوب الفتنة، فلو اجتمعت الناس والأمم على هزيمتهم، لم يتمكنوا من ذلك (وذلك تقدير العزيز العليم ).
وهذا يعني إن المقاومة في أول بداية الحرب وقوع الفتنة هي مهلكة للأنفس دون جدوى، ولكنها ليست مهلكة للدين، أي إنها كالمعارك التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يحقق فيها النصر حتى عهد بالراية (إلى رجل عدل نفسي)، فحمل أمير المؤمنين عليه السلام الراية بعد فشل الآخرين، ونصره على أعداء الله.. والمعنى الذي نستخلصه من هذا هو أن ما هدى إليه رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وتبعهما الأئمة (ع) في ذلك هو مما يتماشى ويتطابق مع الخطط العسكرية الحديثة التي تتبعها الجيوش الحديثة في مواجهة الحملات العسكرية الشرسة كما حصل في الحرب العالمية الثانية كما تذكر الوقائع التاريخية تفاصيل ذلك. فالجيش المهاجم يكون قد اتخذ كل التدابير وإعداد العدة الكاملة الهجومية آخذاً بنظر الاعتبار قوة الخصم وتسليحه وقدرته الدفاعية. فكان مما استخدمه (ستالين) في مواجهة الهجمات العنيفة للجيش الألماني للسيطرة على ( بطرسبورغ) ما سماه قادته العسكريين (الحقيبة الفارغة)، وتتلخص بامتصاص زخم هجوم العدو، بإفراغ المدينة محل الهجوم من السكان والقوات المدافعة بشكل مخادع وترك العدو يقصف ويرعد ويزبد على هدف أجوف وفارغ وبذلك استنزفوا طاقة الجيش الألماني قبل القيام بالهجوم المضاد والمباغت.
أي بمعنى آخر أوضح: إن الأحاديث والخطب والروايات لم تنه عن المقاومة أبداً، ولكنها تنصح بالانحناء للعاصفة في بداية هبوبها لأنها عاصفة هوجاء تكتسح كل شيء، وقال ابن ابي الحديد في شرحه :
ثم قال ( واميطوا عن سننها ) أي تنحوا عن طريقها ، وخلوا قصد السبيل لها ، أي دعوها تسلك طريقها ولا تقفوا لها فيه فتكونوا حطبا لنارها .) (8)
والخطبة بحاجة إلى تحليل أكثر من هذا ومقارنة كل فقرة مع ما وقع من فعل، إلاّ إن هذا ما قمنا به فعلاً عبر مواضيع البحث عموماً ولا يستحب الدوران أكثر حول المعاني ذاتها، فأوقد ذهنك تجد ضالتك. وهنا نقول باختصار إن هذه التدابير وهذا الانحناء للعاصفة هو نوع من (التحرّف للقتال) من قوله تعالى (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحيزاً إلى فئة أو متحرفاً لقتال فقد باء بغضب من الله ) (9). وتبقى أوامر القرآن الكريم وعزائمه على حالها من الأمر بالجهاد والنفور ومقاتلة أعداء الله، وما حث عليه القرآن الكريم من إغلاظ القول لهم والتوكل على الله في منابذتهم.
ولكن ما تنبئ به آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والروايات عن أهل البيت عليهم السلام، إن النصر لا يكون إلا بالأمر الإلهي أما هذا الجهاد وهذه المقاومة، فكما قال الإمام علي عليه السلام (إني لأعلم أن هذا الأمر يؤول إلى معاوية ولكني أقاتل لأُعذر عند الله). وقول الإمام الحسين عليه السلام في رسالته إلى بني هاشم عندما توجه إلى العراق :(من لحق بي منكم قُتل ومن تأخر لم يدرك الفتح )(10) ،أي لم يدرك ظهور الإمام المهدي( ع ).
فقطع عليهم العذر وألقى عليهم الحجة. فالذي يجاهد في سبيل الله ليس عليه تحقيق النصر، وليس عليه هزيمة العدو، بل عليه فقط الإخلاص والصدق في ما أمره الله به من الجهاد، وما النصر إلا من عند الله فهو الحسيب وهو الوكيل، وقد وعد سبحانه وتعالى بالنصر عند مجيء (الأمر).و سنتناول هذا الموضوع في الجزء الرابع .


الترك و إخوانهم :
من هم الترك ؟ و من هم إخوان الترك ؟
من خطبة الإمام علي (ع) في وصف الترك :
( كأني أراهم قوما كأن وجوههم المجان المطرقة ، يلبسون السرق والديباج ، ويعتقبون الخيل العتاق ، ويكون هناك استحرار قتل حتى يمشى المجروح على المقتول ، ويكون المفلت أقل من المأسور ) (11)
وفي كنز العمال ، أبي هريرة عن النبي (ص) : لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك ، صغار الأعين ، حمر الوجوه ، زلف الأنوف ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر ، وليأتين على أحدكم زمان لان يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله .) (12)
وفي فتح الباري : ( عن أبي هريرة " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما كأن وجوههم المجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر" ، قوله حمر الوجوه فطس الأنوف : الفطس الانفراش و دلف الأنوف ، تشمير الأنف عن الشفة العليا ، قيل إن بلادهم ما بين مشارق خراسان إلى مغارب الصين وشمال الهند إلى أقصى المعمور. ) (13) .
* الحسن بن محمد الطوسي في ( المجالس ) معنعن ، عن حذيفة بن اليمان قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " تاركوا الترك ما تركوكم ، فان أول من يسلب أمتي ملكها وما خولها الله ، لبنو قنطور بن كركر وهم الترك "(14)
*( ... وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية ، وستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة ، وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة ، فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كل ارض من ناحية المغرب ، فأول أرض تخرب الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات راية الأصهب ، وراية الابقع ، وراية السفياني ) (15).
فمن هم الترك ومن هم إخوان الترك ؟
( في شرح النهج لابن أبي الحديد عند ذكره للتتر قال : ( ولكنا وجدنا ذكر أصناف الترك من القفجاق واليمك والبرلو والتفرية واليتبة والروس والخطا والغرغر والتركمان . ولم يمر بنا ذكر هذه الأمة سوى كتاب واحد ، هو مروج الذهب للمسعودي فأنه لفظهم هكذا (التتر) والناس اليوم تقول (التتار) بألف . وهذه الأمة كانت في أقاصي بلاد المشرق في جبال طمغاج من حدود الصين ) وسيمر بنا النص كاملا في العرض التاريخي في الجزء الرابع .
( كأن وجوههم المجان المطرّقة) : والمجان هي الدروع ، ومطرّقة ، أي كثيرة الاحزمة ، فلا يكاد يبين الوجه من احزمة الشد لخوذة الرأس ، والطرق هو الحزام ، ولونهم كالطماطم ـ كما في الروايات .
أما إخوان الترك فيميل لونهم إلى الأصفر، وكلاً من الترك وإخوان الترك يسمونهم ( بني قنطورا) كما جاء في الأحاديث والروايات. وقنطورا هي إحدى بنات نبي الله نوح (ع) ولدت جنسين الأول( الترك) واكبر أمم الترك هم الروس ودول أوربا الشرقية ودول حلف وارشو و البلقان و تركيا ، وجاء منهم بولندا وبلغاريا وهنغاريا وأوكرانيا وسلوفاكيا ورومانيا وجورجيا .
والجنس الثاني ( الأجناس الصينية) وتشمل الصين واليابان والكوريتين والفلبين والسلفادور وتايلاند وكوستاريكا واندنوسيا وماليزيا وسنغافورة وباقي دول جنوب شرق آسيا، وهؤلاء يسمونهم إخوان الترك في الروايات والأحاديث الشريفة وذلك لأخوتهم للترك من جهة الأم (قنطورا) .
وهذه من الأمم التي اخبر عنها رسول الله (ص) في الاحاديث السابقة ، ويعتبر غزو بني قنطورا والترك من أهم علامات الظهور ووردت فيه عشرات الأحاديث عن رسول الله (ص) والإمام علي (ع) وجميع الأئمة (ع) ومتواترة في جميع الكتب التي تتحدث عن الظهور مما لا يخلو منها كتاب.
ولكن المشكلة هي في معرفة هويتهم الحقيقية وها نحن نقدمها للقارئ الكريم وسنأخذ روايات منها:
* حديث الرسول (ص) قال : ( ارض يقال لها البصرة أو البصيرة يأتيهم بني قنطورا حتى ينزلوا بنهر يقال له دجلة ذي نخل فيفترق ثلاث فرق : فرقة تلحق بأصلها فهلكوا ، وفرقة تأخذ على نفسها فكفروا، وفرقة تجعل عيالاتها خلف ظهورها فيقاتلونهم قتلاهم شهداء ، يفتح الله على أيديهم). (16) .
وأهمية هذا الحديث هو إن الذين قاتلوهم ويقاتلونهم هم الفرقة الناجية التي يفتح الله لها وعلى يدها. ولم يقاتلهم أحد سوى جيش الأمام المهدي( ع) والفرقتين الأخريين هما :
فرقة أصبحت عملاء لهم… فهلكوا… وفرقة تقول ( التقية) فكفروا.. و الفرقة التي جلت ذراريها خلف ظهورها و قاتلتهم .. هم ( جيش الإمام المهدي ) الذراع المسلح في التيار الصدري .
وحديث آخر مهم عن كعب قال : ( يسرع الترك على نهر الفرات فكأني بدوابهم المعصفرات يصطففن على نهر الفرات.) (17).
* اما الأهم من ذلك فهو خطبة الإمام علي (ع) المسماة التطنجية وهي من خطب الملاحم والفتن في علامات الظهور. قال عليه السلام ( واكبر العلامات بني قنطورا وملكهم العراق ، إذا جاءوا من شواطىء جيحون إلى بلاد بابل. وأول خراب العراق في أيامهم.) (18) وشواطئ جيحون في أفغانستان حيث أن جيحون نهر يقع اليوم في أفغانستان.
وهذا ما كان عليه الأمر. وصدق الله ورسوله. حيث إنهم جاءوا من حرب أفغانستان إلى وسط العراق. ومقر قيادة القوات البولندية وغيرها كلها الآن في القصور الرئاسية في مدينة بابل الأثرية. وهنا في هذه القصور تحاك كل المؤامرات لمشروع الشرق الأوسط الكبير – أي إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ـ فهل في ذلك خبر لذي حجر؟
والشيء المهم في الخطبة هو ما فيها من إخبار مما سيأتي حيث يقول (ع) بعد ذلك ( ثم يأتي بنو قنطورا من شواطىء جيحون الى فارس و نصيبين) وهو ما سيحدث لاحقاً، أي احتلال مناطق من إيران ووقوع الحرب الأمريكية الإيرانية والمناطق التي سيتم احتلالها، كما في الخطبة هي مناطق غرب إيران والأهواز وخراسان ومناطق عربستان.
فمن الافاطس الذين ظهروا حتى الآن – اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايلاند، والفلبين، والسلفادور وكوستاريكا). وقوله عليه السلام، يؤمهم الكساكس . أي إن القيادة بيد الكساكس. والكساكس هم الذين يبرز لديهم الفك الأسفل على الفك الأعلى ، وهي صفة مشهورة ومعروفة عند الإنجليز، والأمريكان من أصل انجليزي. ويمكنكم ملاحظة هذه الصفة الهامة لدى (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع الأمريكي والجنرال كميت وغيرهم الكثير من القادة العسكريين الأمريكيين والبريطانيين الذين تشاهدونهم على شاشات التلفزة.
إن هذه هي الخرجة الثانية للترك. أما الأولى كما في الحديث عنه (ص) ( للترك خرجتان في احديهما يخرجون إلى أذربيجان، والثانية يسرعون منها على شط الفرات).
فالخرجة الأولى هي الحرب العالمية الثانية احتلال الترك لدول القوقاز وآسيا الوسطى فيما يعرف بدول حلف وارشو ومن ضمنها أذربيجان. والشيشان وباقي جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق- الإسلامية.
وهذه هي الخرجة الثانية التي يكون فيها أو على أثرها ظهور قائم آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
يظهر من هذه الروايات إن التحالف بين أمريكا وبريطانيا من جهة وبني قنطورا من جهة أخرى سيستمر إلى اقتراب الحرب الأمريكية الإيرانية ويظهر الاختلاف فيما بينها بعد ذلك ويقتتلون فيما بينها.
إن سبب الاختلاف الجوهري بين الروم وبني قنطورا هو ما تحدثنا عنه في الجزء الأول من طبيعة هذه الحرب القائمة على الغدر وخيانة العهود والمواثيق. والمبنية على الاستئثار حيث ان الروم وحلفاؤهم يريدون من الأمم الأخرى ان تقاتل معهم كمرتزقة، يعطونهم بعض العطايا ويصرفونهم إلى بلدانهم بعد أن يستتب الأمر .
اما بني قنطورا أي ( بولندا، بلغاريا، هنكاريا، أوكرانيا ورومانيا وسلوفاكياو جورجيا من الترك، واليابان وكوريا الجنوبية والسلفادور وكوستاريكا وتايلاند والفلبين- التي تراجعت مؤقتاً- من الأجناس الصينية) فان هؤلاء يريدون أن يكونوا شريكا كاملاً في العملية كلها، سواء في اقتسام الغنائم أو اتخاذ القرارات أو تشكيل خارطة العالم المستقبلية، وطبعاً ذلك مالا يمكن أن تسمح به الولايات المتحدة الأمريكية خاصة تحت إدارة (المحافظين الجدد) وبالأخص تحت قيادة الرئيس بوش الابن، صاحب البلاء الموعود . وهذه النية الأمريكية مبيتة ومخطط لها منذ البداية واتخاذ قرار الحرب، ويظهر ذلك من خلال توزيع الأدوار الذي قامت به الولايات المتحدة لمناطق النفوذ. وهو ما أخبرت به الروايات التي تقول ( اذا نزل الروم الرملة والترك الجزيرة) فقامت الولايات المتحدة بإشراك بريطانيا معها بالسيطرة على المناطق المهمة (الرملة) ، والرملة يظهر من واقع الأحداث إن المقصود بها ( الرميلة الشمالية والرميلة الجنوبية) ذات الآبار النفطية، التي كانت تستثمرها شركات النفط الروسية، وكذلك جزر مجنون وسفوان، وهذه مناطق رملية ذات رمال متحركة وآبار نفطية دسمة.
وسيطرت الولايات المتحدة على كركوك وايطاليا على المناطق النفطية في الناصرية وما بين الناصرية والسماوة.
أما بني قنطورا (المساكين) فأنزلوهم الجزيرة التي لا يوجد فيها سوى الشوك والمقاومة. وتمتد الجزيرة الى مناطق واسعة من محافظات العراق وتشمل صحراء السماوة والديوانية وصحراء النجف، والمناطق الصحراوية بين النجف وكربلاء، والخط الممتد في المسيب وجرف الصخر الى عامرية الفلوجة، ويتصل بالصحراء الواقعة ما بين الحلة وكربلاء باتجاه الشارع الذي تقع عليه منشآت التصنيع العسكري سابقاً بين المسيب والفلوجة فهذه كلها مناطق صحراوية ويسميها رعاة الأغنام بالجزيرة. إضافة إلى جزائر أخرى في الموصل وتكريت ينتظر أن ينزلها أقوام من بني قنطورا لاحقاً.و أهمها جزيرة ربيعة التي تقع فيها ملحمة لم يأت أوانها بعد ، و الجزيرة التي فيها ( منابت الشيح و القيصوم ) وتمتد مما خلف مدن محافظة الانبار الواقعة على نهر الفرات باتجاه الحدود السورية ، و صحراء النجف باتجاه الحدود السعودية ) ولكن فيما موجود حالياً هو مصداق دقيق للرواية حيث هذه المناطق وهذه المحافظات نزلها بني قنطورا ويتصرفون مع الناس بفضاضة وسوء خلق ومضايقات شديدة ميزتهم عن سواهم.وسنخصّص الجزء الرابع لتفاصيل هذا الموضوع لأنه واسع و مهم . ولكن فقط نقول إن هذا هو احد المصاديق ، وسيكون في المستقبل مصداق أهم ، وهو نزول الترك الجزيرة العربية، و جزيرة ربيعة و غيرها ، ونزول الروم الرملة من ارض فلسطين ، وذلك في الملحمة الكبرى عند الفتح .
وعلى العموم فقد قلنا إن العلاقة بين الانقلابيين قائمة على الغدر ، والاستئثار ، وخيانة العهود ، وإن من التدبير الإلهي أن الله سبحانه وتعالى ( يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ) و ( يلقي بينهم العداوة والبغضاء ) فإن كثير من التحالفات ستتحول إلى عداوات ، فحليف الأمس عدو اليوم ، وحليف اليوم عدو الغد .. والله عزيز ذو انتقام .

اختـلاف الأحـزاب :

بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وما ترتبت عليها وما تذرعت به الإدارة الأمريكية من الذرائع لشن هجمة شرسة على الإسلام والمسلمين في كل أرجاء العالم ، وأولهم مسلمي أمريكا ذاتها ، تعالت كثير من الصيحات والاحتجاجات من مفكرين إسلاميين ورجال سياسة تسمي ما يحدث بأنه(حرب صليبية جديدة ) ثم حصل انقسام دولي عميق ، رغم ما يبدو في ظاهر الأمر بأنه خلافات سياسية أو اقتصادية ، فأنه صحيح أن أوربا لم تعارض الحرب حبّاً بصدام أو حتى بالعراق بل كرهاً بأمريكا وسياسة أمريكا ، وخشية من الهيمنة الأمريكية ليس على منابع النفط وأسواق التجارة فقط ، بل وعلى المناطق الحيوية في الجغرافية السياسية وتسويق ثقافتها الفاسدة ، ولكن الجوهر في الانقسام الدولي هو ما تناولناه في الجزء الأول في موضوع التدبير الإلهي للأمر ، والآيات الكريمة في القرآن وهي كثيرة جداً ، هي التي بدأ تأويلها يأتي ويتحقق وفق قوله تعالى( فلا تعجل عليهم إنّما نعدّ لهم عَدّا ) (19) .
وهذا الإعداد الإلهي والتدبير له أبواب لا يحاط بها فصّلتها الآيات الكريمة وتطرّقت إلى جوانب منها ، ومنها ما هو في باب الإملاء والاستدراج كقوله تعالى( وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) (20)
وقوله تعالى في الإملاء (} وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا ) (21) .
ومن أبوابه الأغراء بالنعم الدنيوية من الأموال و الأولاد ، وصرف الأنظار عن الاهتمام بالعاقبة بقوله تعالى ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ *) (22) .
ومن أبوابه إلقاء الرعب كقوله تعالى ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) (23) ، ومن أبوابه تقيض القرناء من الشياطين ، والموضوع واسع جداً منه ما في السرّاء ومنه ما في الضرّاء ولا يسع المجال لبحثها هنا .
وعلى أية حال ، نقول إن ما يحدث الآن من انقسام دولي بين معسكرين ، احدهما مؤيد للحرب ، وآخر معارض لها ، فالذي يظهر من الروايات أن هذا الانقسام الآن لا يمكن التعويل عليه ، لأنهم سيتفقون في مرحلة لاحقة على وحدة الهدف .
ولكن الاختلاف المرتقب ، هو ما نزل به القرآن الكريم بقوله تعالى } فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ * أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ *وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ {(24) ، هذا الاختلاف سيكون في الملحمة العظمى ( ملحمة الفتح ) التي سنتناولها في الجزء الرابع ، وفيها قضاء الأمر ، إذ يقول تعالى(إذ قضي الأمر ) و سنتناول معه معنى الأمر الإلهي و معنى "قضاء الأمر" و كيف يقضى وما نتيجته ؟
إلا انه بشكل مختصر ، فان مما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، بان اختلاف الأحزاب الذي تتحدث عنه الآيات الكريمة المتقدمة ، هو اختلاف عام يشمل كل العالم ، اختلاف بين الدول ، و اختلاف بين الأمم ، واختلاف بين الحكومات و الشعوب ، و بين مكونات الحكومة الواحدة ، و بين مختلف التنظيمات السياسية و الاجتماعية ، و بين العقائد و الأديان و المذاهب و الطوائف و بين مكونات الطائفة الواحدة ، و التنظيم السياسي الواحد ، و أهم الاختلافات هي التي ستتولد عن ذلك ، وهي اختلاف المعسكرات الدولية و الأحلاف العسكرية حتى يقضي بعضهم على بعض ( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) ، والاختلاف المرجو الذي فيه انتظار الفرج ، هو اختلاف أهل الشام كما ورد عن أمير المؤمنين (ع) قال :
( انتظروا الفرج من ثلاث ، اختلاف أهل الشام فيما بينهم والرايات السود من خراسان ، والفزعة في شهر رمضان ) (25)
والسبب في انتظار الفرج من اختلاف اهل الشام هو لظهور السفياني الموعود ، الذي لابد من ان يملك قبل الامام المهدي (ع) ولا ينزع المهدي الملك الا من السفياني ، وسنتناول امره لاحقا في الجزء الثاني .


الصيحـة والحرب النـووية :
لقد نوهنا إلى هذا الموضوع في الجزء الأول ولكن من جانب واحد الهدف منه الاستدلال على قرب الظهور ، ونتوقع أن تكون آراء أخرى غير ما نرى ولهذا لابد من بحث الموضوع من الجوانب الأخرى التي لم نوليها أهمية بسبب الهدف المحدد للبحث.
لقد اختلفت الروايات والأحاديث التي تتحدث عن الصيحة في طريقتها ووقتها بسبب الخلط عند الرواة الذين نقلوا الروايات عن المعصومين( ع ) وبسبب جهلهم لأهمية وخطورة كل رواية ووقتها لأنهم كما يبدو كانوا يظنون أنها مجرد علامات لتنبيه المؤمنين عن الظهور ، وسنبين مبنى اعتقادنا بأن الصيحة هي حرب نووية؟
إن الذي يظهر من آيات الكتاب الكريم ، إن هنالك أكثر من صيحة واحدة، أما من الروايات فهناك هدّة وصوت (كل من يسمعها يقول أنها وقعت في ناحيته)
وهناك صيحة في ليلة القدر أي ليلة الثالث والعشرين من رمضان ، و هذه الصيحة بصوت جبريل ( ع ) ، وهناك صيحة ثالثة في يوم الظهور المبارك ، أي فجر العاشر من محرم الحرام، وربما يكون صوت الأمام عليه السلام بأمر إعجازي كما هو المرجح عندنا . وقبل كل هذا لدينا نداء من السماء بثلاث صيحات وذلك في رجب الذي فيه العجب .
وإنما الذي يخصنا في موضوع البحث الآن هو الصيحة التي في النصف من رمضان يوم الجمعة ضُحى .
ولنرى أولا ما معنى الصيحة ؟ وفيمن وقعت ؟ وما كانت نتائجها ؟ وأين توعدنا الله بنظيرتها ؟ كل ذلك من كتاب الله تعالى.
قال تعالى (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (26) . فمن الواضح إن الصيحة هنا ، هي و الخسف و الحاصب و الطوفان أو الغرق، هي أسلحة إلهية للدمار الشامل يأخذ بها الله سبحانه الأمم الظالمة التي جاء اجلها ، أما الأمم التي وقعت فيها الصيحة ، فهم ثمود قوم صالح (ع) ، و أهل مدين قوم شعيب (ع) ، كما يتبين من كتاب الله .
ففي ثمود قوم صالح (ع) قال تعالى (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ) (27)
وفي أهل مدين قوم شعيب (ع) قال تعالى ( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ(28) .
أما الصيحة التي توعّدنا الله بها في كتابه فوردت في عدة سور قرآنية ، وعدة آيات متفرقة ستمر علينا في موضوع السنن الإلهية، ولكن أوضحها التي نزلت بشكل صريح و مباشر، هي في سورة (ص) قوله تعالى مخاطبا امة النبي صلى الله عليه و آله (وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) (29).
وسننقل هنا نص أحدى الروايات التي ربما تكون جامعة واشمل من سواها في كتاب الفتن لنعيم بن حماد :
( - قيل يا رسول الله وما الصيحة ؟ قال : هذه تكون في النصف من شهر رمضان يوم الجمعة ضُحى ، وذلك إذا وافق شهر رمضان ليلة الجمعة فتكون هدّة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزلازل والبرد، فإذا وافق شهر رمضان ليلة جمعة فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة في النصف من شهر رمضان فادخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدّوا الكوى ودثّروا أنفسكم وسدّوا آذانكم ، وإذا أحسستم بالصيحة فخّروا لله سُجّداً وقولوا:" سبحان القدوس ربّنا القدوس"، من فعل ذلك فقد نجا) (30).
وربط الطباطبائي في تفسيره الرواية نفسها في البحث الروائي مع الروايات التي تتحدث عن الدخان والزكام وهو ربط موفق جدا :
واخرج الحاكم و صححه عن ابن عمر قال : ( ... ثم يخرج الدخان فيأخذ المؤمن منه كهيئة الزكمة، ويدخل مسامع الكافرحتى يكون كالشيء الخفيف . ) (31) . وسنتابع رواية الزكام بتفاصيلها .
و يمكن أن تكون الهدّة التي في الليل هي بداية الحرب النووية في دول بعيدة عنا فلا يصل تأثيرها إلينا سريعا ، ولكننا نشعر بالهدة و ارتجاج الأرض .
إلا أن الذي يتبين مما في " الجفر" ، إن الهدة هي ما جاءت به الآيات القرآنية عن رج الأرض في " بلاد الأمارك " أو " ارض الحمر المسلوبة " ـ أي الهنود الحمر ـ كما جاء في الجفر عن أمير المؤمنين (ع) ، ومنها قوله تعالى : (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا *فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا ) (32).
إذن هناك هدّة تسبق الصيحة ، في الليل ( توقظ النائم وتقعد القائم … ) هذه غير الصيحة ، وإنما التي تهمنا هي التي يوم الجمعة ضحى ، وقوله صلى الله عليه وآله ( أدخلوا بيوتكم – أغلقوا أبوابكم – سدّوا الكوى –دثّروا أنفسكم – سدّوا آذانكم – اسجدوا )
لو قرأت هذه التعليمات على أي عسكري في الجيش صنفه ( كيمياوي ) لقال لك دون أي تردد ( إنها ضربة نووية ) ولا يمكن أن تكون كيمياوية أو بايولوجية ، لأن الضربة الكيمياوية والبايولوجية يكون فيها صوت الانفجار خافت واقل من صوت انفجار الرأس الحربي التقليدي ولا يستوجب معه القول ( سدّوا آذانكم ) ، أما الإجراءات الأخرى فتنطبق على كل أسلحة الدمار الشامل في حال عدم وجود ملاجئ مخصّصة للوقاية من أسلحة الدمار الشامل .
و سنقدم دليلين لا يمكن دحضهما على أن هذه الصيحة هي حرب نووية :
الدليل الأول : وسنقوم هنا بأجراء مقارنة بين الإجراءات الوقائية التي أمرنا النبي (ص) بإتباعها في هذا الحديث، وبين الإجراءات التي تتبعها الآن أحدث الجيوش للوقاية من الضربة النووية.
وسنعتمد في هذه المقارنة على الكراسة الصادرة من مديرية الصنف الكيمياوي في رئاسة أركان الجيش العراقي.
( كراسة التعبئة وواجبات الأركان الكيمياوية، المجلد الخامس- الجزء الخامس- الدفاع الكتلوي) وهو كراس مترجم عن الروسية ويدرس في الجيش الروسي أيضا.

مـقـــارنـة :
1 ـ قال النبي (ص) : ( ادخلوا بيوتكم وأغلقوا الأبواب) .
النص العسكري : ( إن الحماية تجاه العصف تشتمل أساسا على الحماية التي تؤمن إزاء موجة العصف وتأثيرات الرياح والأنقاض المتطايرة. وعلى ذلك يجب أن يبقى الأفراد مستترين تحت سقف إلى أن تمر موجة العصف ويتوقف تساقط الأنقاض)، ( تتكون الحماية ضد الأشعة النووية الأولية أساسا من وقاية الأفراد تجاه إشعاعات كاما ذات القدرة العالية على النفاذ ومن النيوترونات ، فيما يؤدي المدى القصير لجسيمات (ألفا وبيتا) في الهواء إلى جعلها قليلة الأهمية ، ما عدا الخطر الذي ينجم عن التماس بها... وعموماً تطبق نفس التدابير الدفاعية المستخدمة تجاه الأشعة النووية الأولية لتأمين الحماية ضد المتساقطات) (33).
2 ـ قال رسول الله (ص): ( سدّوا الكوى).
النص العسكري : ( ويجب أن يكون الملجأ محكم السد مع غلق جميع الفتحات ، وإبقائها مغلقة طالما إن الخطر باقي) (34) .
3 ـ قال رسول الله (ص) : (تدثروا تحت الفراش).
النص العسكري : ( إن الأقسام المغطاة من الجسم بالملابس ستكون محمية إلى حد كبير ، وينبغي على قدر الإمكان حماية السطوح المكشوفة من الجلد. إن الحماية التي توفرها الملابس الفضفاضة تجاه حروق الوميض تعتبر أفضل من الحماية التي توفرها الملابس الضيقة ، كما أن الملابس المتكونة من عدة طبقات توفر حماية أفضل، وعندما تكون دقائق الغبار سبباً في صعوبة التنفس وعدم الشعور بالراحة يمكن وضع منديل أو قطعة قماش فوق الأنف والفم) (35).
4 ـ قال رسول الله (ص) :( سدّوا آذانكم ) .
وفي كراسة المعلمين الكيمياويين الخاصة بتدريب الأفراد على الوقاية من الضربة النووية الإجراءات التالية( سد الآذان بواسطة راحتي اليدين في حين تشبك الأصابع خلف الرأس، على منطقة المخيخ، مع إبقاء الفم مفتوحاً لتجنب تمزيق طبلة الأذنين نتيجة الضغط العالي والترددات العالية لصوت الانفجار والعصف.)
5 ـ قال رسول الله (ص): ( اسجدوا).
النص العسكري : ( وكما هو الحال مع الأسلحة شديدة الانفجار، يجب على الأفراد أن يستتروا مع وجوب القيام بما يلي :
( الانبطاح على الأرض ، أو في قعر الخندق مع الاحتفاظ بالوجه بعيداً عن كرة النار) (36)
6 ـ قال رسول الله (ص) : ( بل يصيبكم منها كما يصيبكم الزكام.)
النص العسكري : ( ولا يظهر الإعياء الإشعاعي قبل مرور عدة ساعات بعد التعرض إلى الإشعاع النووي ، إن الأعراض الأولى هي الصداع، الغثيان ، التقيوء ، غالباً ما تزول هذه الأعراض، ويرجع الفرد إلى حالته الطبيعية.) (37)
أقول : من الواضح جدا إن ما جاء في النصوص العسكرية ، هو شرح و تفسير للسبب لكل إجراء وقائي أمر به رسول الله (ص) .
إن هذه المقارنة تبين لنا إن الصيحة التي في النصف من رمضان هي حرب نووية ، ولا يمنع أن تكون مزدوجة. أي أن تكون مع الأسلحة النووية أخرى كيمياوية. والله العالم بحقيقة الأمر، ولكن المؤكد إن هذه الإجراءات ليس لها قيمة بدون تسبيح القدوس تقدّست أسماؤه ، أي انه كركوب نوح (ع) و أصحابه السفينة ولكن الركوب وحده لا ينجي من الهلاك ما لم يقولوا ( بسم الله مجراها و مرساها) ،أي لابد من القول مع هذه الإجراءات ( سبحان القدوس، ربنا القدوس ). ولو تلاحظ بدقة هذه المقارنة فانك ستلاحظ وكأن الإجراءات العسكرية في النص العسكري هي شرح و تفسير لمعنى و سبب كل إجراء ورد في الحديث النبوي الشريف و إظهار العلة من وراءه والله العالم .
واعتقد بأنه من السذاجة البالغة أن يغلق الرجل على نفسه الباب ويغلق الفتحات ،ويتدثر تحت الفراش ويسد آذانه من صيحة بصوت جبريل عليه السلام فينجو من الهلاك .

الدليل الثاني :
فيما ذكره ابن حجر من الاشراط وقام بمناقشته ،عدة أمور تقع بشكل مفاجئ، منها حديث الرجلين ينشران الثوب فلا يتبايعانه ولا يطويانه، إلى أن قال: ( ووقع في حديث عقبة بن عامر، عند الحاكم ، لهذه القصة وما بعدها مقدمة .. قال " قال رسول الله (ص) : تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس، فما تزال ترتفع حتى تملأ السماء ، ثم ينادي مناديا : أيها الناس ـ ثلاث مرات ـ يقول في الثالثة (( أتى أمر الله )) "(38) .
و روى الحديث ذاته الطبراني في المعجم الكبير ج 17 ص 325 ، و الحاكم في المستدرك ص 539 ، إلا أن ابن حجر وضعه في موضعه الصحيح في الحديث عن الموت الفجأة ، ونقول ( أو الأخذ بغتة )
أقول : انه وصف عجيب للسحابة أو الغيمة الناتجة عن الانفجار النووي ، تماما كما نعرفه اليوم ، حيث توصف بأنها " مثل نبتة الفطر، أو مثل الترس " وهذا هو الوصف العسكري ، و الأكاديمي ، على السواء للغيمة الناتجة عن الانفجار النووي كما أصبح اليوم معلوم للجاهل و العالم ، من خلال عرض ذلك على شاشات التلفزة بشكل متكرر وليس بحاجة إلى نص مكتوب للاستدلال .
وذكر الحديث نعيم عن ابن عباس بصورة اخرى : ( نوح بن أبي مريم عن مقاتل بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا بينهما الثوب فلا يتبايعانه ولا يطويانه حتى تقوم الساعة ، والرجل قد رفع لقمته فلا يضعها في فيه حتى تقوم الساعة ، والرجل قد لاط حوضه فلا يكرع فيه حتى تقوم الساعة ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولتأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ) (39)
ولذكر المزيد من التوضيح حول الزكام الذي يصيب المؤمن دون الكافر ، وللدلالة على الارتباط بين سورة الدخان والحرب النووية ، نورد هذه الروايات الدالة دلالة واضحة على ما نقول :
ففي فتح الباري : ( وجاء عن علي ، فأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم من طريق الحارث عن علي (ع) قال " آية الدخان لم تمض بعد ، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام ، وينفخ الكافر حتى ينفذ " ) (40)
وفي تفسير الصافي : ( روي في حديث أشراط الساعة أول الآيات الدخان ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر قيل وما الدخان فتلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وقال يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره .)
وفي الجوامع عن الإمام علي عليه السلام : ( دخان يأتي من السماء قبل قيام الساعة يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام ، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ، ليس فيه خصاص يمتد ذلك أربعين يوما ) (41)
وبسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أول الآيات الدجال ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام ، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا ، والدخان - قال حذيفة رضي الله عنه يا رسول الله وما الدخان ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ " - يملا ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ، وأما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة ، وأما الكافر فيكون بمنزله السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره " ) (42)
أقول : إن في قول أمير المؤمنين عليه السلام (حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ) فالحنيذ هو المشوي ، كما قال تعالى في ضيف إبراهيم (ع) " فما لبث أن جاء بعجل حنيذ "، ويفيد قوله وكذلك قول حذيفة عن رسول الله (ص) بان خطر الحرب النووية ، والإشعاعات الناتجة عنها وكل النتائج الثانوية يستمر خطره لمدة أربعين يوما ، فليأخذ المؤمن بالحسبان طول هذه الفترة فيما يعده من طعام وماء محفوظا من خطر التلوث الإشعاعي ، كما أن الروايات الأخيرة هذه بينت بما يفهم منه ، أن الصيحة و الدخان هما أمر واحد ، والوقاية منهما بذات الإجراءات التي قدمناها في المقارنة السابقة ، إن كان من الحديث الشريف ، أو النص العسكري . ويفيد قول أمير المؤمنين عليه السلام " وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ، ليس فيه خصاص يمتد ذلك أربعين يوما" ، أن الأرض كلها تكون كالبيت المحترق والذي أوقدت فيه النيران ، وليس فيه خصاص ، أي لايشمل بلد دون آخر ، بل كل مدن وبلدان وأراضي العالم ، إنا بالله مستجيرون من شرّ ذلك.
إن الذي يجعلنا نعتقد بوقوعِ الصيحة قريباً في السنوات الفردية المتبقية من هذا القرن القمري الذي ينتهي بسنة ( 1439 هج ) ـ على الاحتمال الأقوى لفهم معنى الظهور ، حيث يكون في وتر من السنين ، كما في الروايات :
في المستجاد للعلامة الحلي :( فأما السنة التي يقوم فيها القائم عليه وعلى آبائه السلام ، روى الحسن بن محبوب عن على بن أبى حمزة عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه السلام قال لا يخرج القائم عليه السلام إلا في وتر من السنين، سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع ) (43)
وفي ينابيع المودة : ( ومن أمارات ظهور الإمام المهدي ( ع ) خروج السفياني ، هو يرسل ثلاثين ألفا إلى مكة ، وفي البيداء تخسفهم الأرض ، فلا ينجو منهم إلا رجلان ، وتكون مدة حكمه ثمانية أشهر ، وظهور المهدي في هذه السنة . قال مقاتل في تفسيره : والصيحة التي تكون في شهر رمضان تكون في ليلة الجمعة ، ويكون ظهور المهدي عقبه في شوال . ومن أمارات خروج الإمام المهدي ( ع ) مناد ينادي ألا إن صاحب الزمان قد ظهر ، وهو في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان ، فلا يبقى راقد إلا قام ، ولا قائم إلا قعد ، وإنه يخرج في شوال في وتر من السنين ، ويبايعه بين الركن والمقام ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من الأخيار ، كلهم شبان لا كهل فيهم ، ويكون دار ملكه الكوفة) (44).
ان الالتفاتة المهمة في الحديث الشريف في مكان آخر قوله ( تكون في سنة كثيرة الثلج – وهنا قوله ( ص ) في سنة كثيرة الزلازل والبرد ) فان الذي نعتقده هو وقت وقوع الصيحة فيه ثلوج كثيرة وبرد شديد – أي النصف من رمضان – لأن استخدام الأسلحة النووية يؤدي إلى ارتفاع في درجات الحرارة لا يكون معه حياة ، حيث تصل درجة الحرارة في مركز الانفجار إلى ما يقرب من(عشرين ألف درجة مئوية ) ثم تنخفض كلما ابتعدنا عن مركز الانفجار . أو منطقة الصفر كما تسمى عسكريا ، فإذا وقعت الضربة في الصيف ، فإنه بدون انفجار نووي تصل درجة الحرارة في بعض أيام الصيف في بغداد إلى أكثرمن(55) درجة مئوية مع ملاحظة أن الضربة النووية ستدمر كل شيء بضمنها شبكة الكهرباء ولا توجد أي وسائل للتبريد سوى من يلحق بالغطس في نهر دجلة فأنه مع الانفجار ستتحول ( الزوراء ) إلى فرن حقيقي يشع حرارته إلى المحافظات الأخرى ،ومن لا يهلك بالعصف الذي يسببه الانفجار والإشعاع والغبار الذري سيهلك بالحرارة ، التي ستمتد إلى منطقة واسعة جداً في المناطق الموعودة بالضربة وهي ( الزوراء والشام والمغرب ) ، ولكن رحمةً من ربك وتخفيفاً من العذاب جعلها الله سبحانه وتعالى في ( سنة كثيرة الثلج ) أي وقت الضربة لمعالجة آثار الحرارة التي ستصهر كل شيء ، وهذا يعني أنها ستكون في سنة فيها رمضان أو منتصف رمضان في وقت الشتاء أو وقت من الوارد فيه سقوط ثلج ، ( حتى وإن جاء على شكل موجة برد ) وهذا غير وارد أن يكون في أشهر الصيف الحارة –مع الأخذ بالاعتبار التغيرات الفلكية المرتقبة وتأثيراتها المناخية –، لذا نتوقع وقوع الصيحة في وقت قريب إن شاء الله قبل أن يتقدم منتصف رمضان نحو أشهر الصيف الحارة التي يستحيل معها سقوط الثلج ، وإلاّ يعني تأخرها ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً حتى يجتاز رمضان كل أشهر الصيف ويتقدم إلى شتاء جديد ، وهو أمر مستبعد باعتقادنا ، لأن القرن الموعود أن يكون فيه الظهور ـ وهو القرن الثاني عشر ـ كما ورد عن أمير المؤمنين (ع) ، يكون قد انقضى ، وهو يتعارض مع الاشراط الأخرى ، والله العالم .
وقد يتساءل سائل حول رواية الخسف عن أمير المؤمنين ( ع ) في الزوراء وقوله:حتى يمر زائران فيشيران بأيدهما ويقولان …هنا كانت الزوراء) .
فهو لا يعني بالضرورة هلاك جميع سكان بغداد ( الزوراء ) وخرابها بشكل كامل وجعلها ركاماً ، بل إن من ينجون بإذن الله ، وخاصة المؤمنون الذين يتبعون التعليمات التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله – كما ذكرناها سابقاً – فإنه لا يبقى في هذه المدينة أحد ويهجرها الجميع بسبب التلوث الإشعاعي القاتل وركود الغبار الذري في أرضها وطبيعتها فيصبح السكن فيها يعني الهلاك ولذلك تُهجر تماماً فيقال ( ها هنا كانت الزوراء ).
فاحذروا ولا تكذّبوا كما كذّب الذين من قبلكم ، فإذا لاحظتم العلامات غادروا هذه المدن (الزوراء – الشام – المغرب) .
وهناك ملاحظة نود إلفات الانتباه إليها وهو إن الصيحة وكسوف الشمس سيكون في نفس اليوم على الرواية التي تقول " إذا انكسفت الشمس لخمسة عشر وخسف القمر لآخر الشهر " وربما تكون هذه الرواية أرجح لما لكسوف الشمس في نفس اليوم أثر زائد في تخفيض حرارة الجو الناتجة عن الانفجار و ( عسى ربكم أن يرحمكم ) .


ملاحظة هامة :
لقد ورد في الطبعات السابقة توقعنا للصيحة والآيات الأخرى في سنة زوجية وليست فردية بناءا على فهم متسالم عليه ورد في الروايات أن الظهور يكون في وتر من السنين ، وهناك إشكال في فهم المقصود بالظهور ، فان المشهور أن الظهور يكون في العاشر من محرم ـ وهي العشر الأولى من سنة جديدة ـ فتكون الملحمة والآيات في السنة السابقة من حيث التاريخ رغم إن ذلك لا يسبق الظهور إلا ببضعة اشهر اوأسابيع وبعضها أيام ـ كقتل النفس الزكية ـ فهل المقصود بالظهور هو يوم العاشر من محرم ؟
إن الرواية التي سبقت (ومن أمارات خروج الإمام المهدي ( ع ) مناد ينادي ألا إن صاحب الزمان قد ظهر ، وهو في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان ، فلا يبقى راقد إلا قام ، ولا قائم إلا قعد ، وإنه يخرج في شوال في وتر من السنين ، ويبايعه بين الركن والمقام ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من الأخيار) كما في فتح الباري ، إضافة إلى رواييتين مهمتين عند نعيم بن حماد في كتاب الفتن ، مرفوعة عن النبي (ص) :
الأولى : " ظهور السفياني في خمس وثلاثين أو سبع وثلاثين أو تسع وثلاثين "
الثانية : ( قال ابن لهيعة وأخبرني عبد العزيز بن صالح عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : إذا كان خروج السفياني في سبع وثلاثين كان ملكه ثمانية وعشرين شهرا وإن خرج في تسع وثلاثين كان ملكه تسعة أشهر ) (45) .
فهذا ما يجعلنا في حيرة من الأمر ، وهو : معنى ما ترمي إليه الروايات من المقصود بالظهور ، فان الظهور هو ليس الخروج ، فان العاشر من محرم هو يوم الخروج والقيام بالسيف ، وأما الظهور بمعنى رفع الحجاب عن الإمام عليه السلام فيسبق ذلك ويكون في شوال ، بعد الصيحة والسفياني ، وهنا تصح أطروحات السيد الشهيد الصدر ( رض ) في الموسوعة عن معنى ( خفاء الشخصية وخفاء العنوان ) ، التي أساء الكثير من القراء فهمها ، فهي خاصة لهذه الفترة الممتدة ما بين شوال ومحرم ، وليس بخصوص الغيبة الممتدة لأكثر من ألف ومائة وثمانين سنة ، وعليه فيكون الظهور والصيحة والسفياني والآيات كلها في السنة نفسها ، ويكون الخروج والقيام في العشر الأولى من السنة اللاحقة .
إلا أن الرواية الأولى ومثلها كثير ، كما عند العلامة الحلي (لا يخرج القائم عليه السلام إلا في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع ) ، وبالتالي فان الإشكال واقع بين ( القيام والخروج ) وبين ( الظهور ) فكلا الصنفين من الروايات تقول ( في وتر من السنين ) وهذا إشكال لا يمكن التغاضي عنه حيث انه لا يمكن أن يكون السفياني والظهور و الخروج أو القيام بالسيف في نفس السنة ، حيث أن الآيات والسفياني والملحمة العظمى وحصول الإذن الإلهي بالظهور أي رفع الحجاب ، وكذلك مقتل النفس الزكية الذي هو رسول الإمام المهدي عليه السلام ، يكون في سنة ، بينما الخروج والقيام بالسيف ، في العاشر من محرم ، أي في العشر الأول من السنة التالية ، وهذا بالطبع على المفهوم والمعمول به عندنا من التاريخ الهجري المعروف الذي يبدأ باليوم الأول من شهر محرم الحرام ، كأول يوم من السنة الهجرية ، ولكن الرويات تشير إلى أن التاريخ عند أئمة أهل البيت عليهم السلام يبدأ بالاول من ربيع الاول ، وهذا يحل مشكلة الخلاف بين الظهور والخروج ، ففي هذه الحالة يكون كلاهما في نفس السنة .
ويروي المسعودي في ( الاشراف و التنبيه ) الى ان امير المؤمنين عليه السلام يؤرخ من يوم هجرة رسول الله صلى الله عليه وأله ، ولكن ( الجماعة ) لم يلتزموا بما اشار عليهم .. انهم مجتهدون !
وعليه فالأولى والأحرى الترقب في كل السنوات المتبقية من هذا القرن الموعود ، أي إلى سنة 1439 هج ، وترها وشفعها ، أي السنوات الفردية و الزوجية على حد سواء ، حتى يظهر حقيقة وتأويل ما وعد الله .

( بني اسر ائيل ) بين التنزيل و التأويل (46) :

قال تعالى : ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * ) (47).
في البداية لابد من تنبيه القارئ إلى الخطأ الشائع في فهم بداية السورة المباركة في قوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ) ، فإن الشائع أن المسجد الأقصى الذي اُسري إليه برسول الله (ص) هو المسجد الأقصى الذي فلسطين ، بينما عند أهل البيت عليهم السلام أن المسجد الأقصى الذي اُسري بالرسول إليه ، هو أقصى مسجد في السماء السابعة واقرب مسجد إلى العرش ،
بسنده عن اسماعيل الجعفي ، قال : كنت في المسجد الحرام قاعدا وأبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام في ناحية ، فرفع رأسه إلى السماء مرة ، وإلى الكعبة مرة ، ثم قال: ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) فكرر ذلك [ ثلاث مرات ] ثم التفت إلي وقال : أي شئ يقول أهل العراق في هذه الاية يا عراقي ؟ قلت : يقولون اسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس . قال : ليس كما يقولون ، لكنه اسري به من هذه - يعني الأرض - إلى هذه- وأومئ بيده إلى السماء وما بينهما ) (48)
وهنا في هذا المسجد رأى رسول الله من آيات ربه الكبرى ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) وكان مما اوحي اليه إفسادي بني إسرائيل وعلوهم الكبير ، وذلك لعظمة وخطورة هذا الخبر وعلاقته بالآيات الكبرى التي أراه الله إياها . فما هو المقصود حقيقة من مرامي هذه السورة ؟ ومن هم بني إسرائيل ؟ وما الافسادان وما العلو الكبير ؟ وما علاقة ذلك بظهور الإمام المهدي عليه السلام ؟
وسنورد جملة من الروايات والأحاديث المختلفة المعاني ثم نقدم التحليل الصحيح لها بإذن الله .
في كنز العمال : ( من مسند علي ) عن علي (ع) في قوله تعالى : ( لتفسدن في الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا)قال الأولى قتل زكرياوالأخرى قتل يحيى ) (49) .
وفي التبيان للطوسي : قال ابن عباس وقتادة : المبعوث عليهم في المرة الأولى جالوت إلى أن قتله داود ، وكان ملكهم طالوت . وقال سعيد ابن المسيب : هو بخت نصر ، وقال سعيد بن جبير : هو سنحاريب وقال الحسن : هم العمالقة ، وكانوا كفارا . والفساد الذي ذكره : هو قتلهم الناس ظلما وتغلبهم على اموالهم قهرا واخراب ديارهم بغيا ) (50).
وفي جوامع الجامع للطبرسي : أوليهما : قتل زكريا وحبس إرميا حين أنذرهم سخط الله ، والأخرى : قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى .
وعن علي ( عليه السلام ) : " عبيدا لنا " وهم سنحاريب وجنوده ) (51).
وفي جامع البيان للطبري : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان إفسادهم الذي يفسدون في الأرض مرتين : قتل زكريا ويحيى بن زكريا ، سلط الله عليهم سابور ذا الاكتاف ملكا من ملوك فارس ، من قتل زكريا ، وسلط عليهم بختنصر من قتل يحيى ) (52)
وفي تفسير القمي : للعياشي عن الباقر عليه السلام : إن العباد أولى بأس هم القائم وأصحابه ، وقوله " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب" أي أعلمناهم ، ثم إنقطعت مخاطبة بني إسرائيل ، وخاطب الله أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال " لتفسدن في الارض مرتين " يعني فلانا وفلانا وأصحابهما ونقضهم العهد ، "ولتعلن علوا كبيرا " : يعني ما إدعوه من الخلافة ، " فإذا جاء وعد أولاهما" يعني يوم الجمل ، " بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد " يعني أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه ، " فجاسوا خلال الديار" : أي طلبوكم وقتلوكم ، " وكان وعدا مفعولا " يعني : يتم ويكون ، " ثم رددنا لكم الكرة عليهم " يعني لبني أمية على آل محمد ، " وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا " من الحسن والحسين عليهما السلام ابني علي وأصحابهما وسبوا نساء آل محمد صلوات الله عليهم " فإذا جاء وعد الاخرة " يعني القائم وأصحابه، " ليسوؤا وجوهكم" يعني يسود وجوههم " وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وأمير المؤمنين عليه السلام " وليتبروا ما علوا تتبيرا " أي يعلو عليكم فيقتلوكم ، ثم عطف على آل محمد فقال : "عسى ربكم أن يرحمكم " أي ينصركم على عدوكم ، ثم خاطب بني أمية فقال ، "وإن عدتم عدنا " : يعني إن عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد صلوات الله عليهم ، "وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " حبسا يحصرون فيها ) (53).
وفي الكافي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله تعالى : " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين " قال : قتل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وطعن الحسن ( عليه السلام ) " ولتعلن علوا كبيرا " قال : قتل الحسين ( عليه السلام ) " فإذا جاء وعد أوليهما " فإذا جاء نصر دم الحسين ( عليه السلام ) : بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار " قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ( عليه السلام ) فلا يدعون وترا لآل محمد إلا قتلوه " وكان وعدا مفعولا " خروج القائم ( عليه السلام ) " ثم رددنا لكم الكرة عليهم " خروج الحسين ( عليه السلام ) في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب لكل بيضة وجهان المؤدون إلي الناس أن هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه وإنه ليس بدجال ولا شيطان والحجة القائم بين أظهرهم ) (54) .
ونستنتج من هذه الأقوال الأمور التالية :
1 ـ أن هناك ثلاثة احدث ، فالإفساد الأول ، ثم الثاني ، ثم العلو الكبير ، وهو أعظم من الافسادين .
2 ـ ان لهم في كل أثني عشر قرن افسادين وعلواً كبيرا ـ وقلنا أن القرن هو ستون سنة والدورة التاريخية سبعمائة وعشرون سنةـ. فمن يدرس التاريخ ، يجد إن لهم في كل دورة تاريخية إفسادين وعلواً كبيرا، ونستنتج من قول الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام أن الفترة بين الإفساد الأول ، و الإفساد الثاني ، والعلو الكبير ، هي بحدود الفترة الفاصلة بين بيعة ابي بكر وبيعة عمر ، و معركة الجمل ثم صفين .
أو الفترة الفاصلة بين قتل أمير المؤمنين ثم قتل الإمام الحسن ثم قتل الإمام الحسين عليهم السلام .
3 ـ أن المقصود ببني إسرائيل الذين يُفسدون مرتين ثم يعلون علوا كبيرا ، هو ليس مخصوصا ببني إسرائيل ، بل كل من يتبوء منزلة بني إسرائيل الذين فضلهم الله على العالمين يوم بعث إليهم الرسول والأنبياء .
أي إن المقصود بهذا القول ليس بني إسرائيل ، بل امّة النبي ( ص ) و ذلك لقولهم ( ع ) : ( التنزيل في بني إسرائيل و التأويل فينا) ... وهذا يشمل كل التنزيل. ولعل تأويل ذلك الآن ما فعلته بني إسرائيل المحمّدية ( العباسيين و الأمويين و الخوارج ) بشيعة أهل البيت خلال حرب الخليج الأولى عام ( 1991 م ) و بالشعب العراقي عامة ، ثم المقابر الجماعية الشهيرة لصدّام بالشيعة خاصة ( سواء عرب أم أكراد ) ، وهو الإفساد الأول، إلى الحرب الثانية لغزو العراق و دعم الدول الخليجية و العربية له ، إلى ما يحدث الآن من مجازر بشعة بالسيارات المفخّخة و غيرها بالشيعة خاصة ، وهو الإفساد الثاني ، و لعلّ العلوّ الكبير هو قتل ( النفس الزكية ، بين الركن والمقام ) ، و الله العالم .
امّا في الدورة التاريخية السابقة ، فتأويله ما قام به جبابرة بني العباس في أواخر ملكهم من أعمال شنيعة بشيعة أهل البيت الذين يقصدون زيارة المرقد الشريف للإمام الحسين (ع) بتغريمهم في البداية ب ( مائة دينار ذهبي ) ثم إذ لم ينفع ذلك ولم يردع فرضوا ضريبة ( قطع الكف ) المشهورة ، و التي جعلها الله سبحانه سببا لرد الكرّة عليهم على أيدي التتر المغول الذين فعلوا بهم الأفاعيل ( جزاءا من ربّك وفاقا ) . و بمعنى أوسع واشمل ، حسب تأويل الإمام الصادق (ع) فان الخطاب القرآني موجّه إلى امة النبي (ص) بالتورية ، ومن الجانب الآخر هو خبر قرآني عمّا اُنزل إلى بني إسرائيل في التوراة ، فإن الأمتين ستسلكان ذات السلوك و تفسدان ذات الفساد و تعلوان ذات العلو ، وسيُجري الله سبحانه فيهما ذات السنّة الإلهية .
وتأويل ما يقوله الإمام الصادق (ع) نجده واقعا تاريخيا .. الآن و فيما مضى ، أي في كل دورة تاريخية ، و كذلك كما إن خبر الافسادين و العلو الكبير و البعث المبعوث عليهم من قبل عباد أولي بأس شديد هو موجّه إلى أعداء أهل بيت النبوّة صلوات الله عليهم ، فإن الخطاب في قوله تعالى ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم و إن أسأتم فلها ) فإن هذا الخطاب موجّه إلى شيعة أهل البيت ، فهل سيحسنون لأنفسهم ؟؟؟؟
وكذلك فان فجار وفساق الشيعة لهم مثل ذلك ( افسادان و علو كبير )
وهذا هو التفسير الوحيد الذي يزيل الالتباس وتنافر الأقوال والله العالم . ولكن هناك نقطة مهمّة نود لفت الانتباه إليها ، ووجدنا إن العلماء الذين تناولوا هذا الموضوع قد اخطئوا فهمها ، و قدموا أطروحات على أساس هذا الفهم ، وهو قول الإمام الصادق (ع ) في الإفسادين و العلوّ الكبير ( أي قوله (ع ) قتل الإمام علي و طعن الحسن و قتل الحسين عليهم السلام . ) ، فالحقيقة إن هذا الكلام كله من التأويل أي أوله و آخره .
ويدل ما ورد في تفسير القمي : ( سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان ويعملون لهم ويجبونهم ويوالونهم ، قال : ليس هم من الشيعة ولكنهم من أولئك ، ثم قرأ أبو عبد الله عليه السلام هذه الآية " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * ـ إلى قوله تعالى ـ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * " ، قال الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى .... " فنهى الله عزوجل أن يوالى المؤمن الكافر إلا عند التقية ) ، يدل دلالة أكيدة أن المقصود ببني إسرائيل ، هو كل من يتبوأ مكانة بني إسرائيل ، الذين فضلهم الله على غيرهم ، فتشمل قريش في صدر الاسلام ، فلهم افسادان وعلو كبير ، ثم بني امية مثلهم ، ثم بني العباس مثلهم ( ولكن مكرر ) ، ثم فساق و فجار الشيعة مثلهم ، الذين يتولون اليهود والنصارى ( قوات الاحتلال الأمريكي وحلفاءهم ) .
والإفساد الأول الذي أفسدوه كان في حكومة ( أياد علاوي ) ، والإفساد الثاني في حكومة بعدها وتفعل فعلها وايضا تستهدف التيار الصدري ، والعلو الكبير : (قتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ) ، وسيمر بنا في الجزء الرابع .
ويدل واقع الأحداث ومجرياتها على أن هؤلاء جميعا ( الذين كفروا من بني إسرائيل ، والأمويين ، والعباسيين ، و فساق الشيعة ) سيشتركون في الافسادين والعلو الكبير الأخيرة قبل قيام الساعة وظهور الإمام المهدي عليه السلام ، من خلال تحالفهم الستراتيجي من اجل الدفاع عن مصالحهم ، ولذلك قال تعالى (ومن يتولهم منكم فانه منهم ) .
وعلى أية حال فقد أصبح بيّناَ لنا بعض جوانب الحكمة الإلهية في رد الكرّة لليهود علينا قبل وعد الآخرة – كما يبدو لنا والله أعلم – بسبب البُنية المعقّدة للأنظمة الدكتاتورية الفاسدة في المنطقة وتركيبة أجهزتها الأمنية والعسكرية المتداخلة في خطوط من العسير على أية حركة إصلاحية أو أي انتفاضة شعبية تدمير هذه البنية وإنشاء بُنى جديدة قائمة على الحق والعدل والشرعية ، ذلك إن الفساد لم يقتصر على هذه السلطات وأجهزتها بل استشرى الفساد في طبقات هذه المجتمعات نتيجة يأس الجماهير من تحقيق انتصار حاسم على هذه الدكتاتورية الفاشية فبدأت تصانع وتداهن حتى نشأت قيم جديدة بطابعها العام هو الفساد والارتداد الديني والأخلاقي بحيث أصبح بيّناً أن مجتمعات المنطقة لا يمكن أن ينهض لإصلاحها حتى نبي مرسل سلاحه الحجّة القاطعة والعلم الرباني والدليل الذي لا يُدحض والإنذار والوعيد ، وتُفهم هذه الحالة الإنسانية من حالات الحياة الظاهرة والموت الباطن من قول الإمام علي عليه السلام ( وسَيُميث الله قلوبكم كما يماث الملح في الماء . – قيل كيف ذلك يا أمير المؤمنين ، قال – ترون المنكر ولا تستطيعون تغييره )
إن هذه الشبكة المعقدة من الأجهزة الأمنية والاستخبارية والعسكرية والجيوش التي سُخِرَّت فقط للدفاع عن السلطة بدلاً من الدفاع عن البلد ضد الخطر الأجنبي ، عَلِمَ الله سبحانه وتعالى إن أفضل سبل تدميرها بشكل نهائي هو بتسليط قوة أشد ظلماً منهم وأكثر بطشاً منهم وأقل احتراماً لحقوق الإنسان واقل اعتباراً للمعايير الدولية والقوانين التي تحكم العلاقات الدولية ، يُلقى الله سبحانه وتعالى في قلوبهم العداوة والإغراءات والروح العدوانية والانتقامية ضد هذه السلطات وأجهزتها بحيث يهيئ الله سبحانه ظروف الاختيار الحر قبل الظهور لكي لا يقول أحد ( إنا كُنّا مستضعفين ) .ومن جانب آخر فإن الحركات الاجتماعية الإصلاحية التي ركنت نفسها جانباً تحت ظل سلطة الدكتاتوريات لابد وأن يستفز الاحتلال الأجنبي وخاصة الإفساد الديني الذي يقوم به الاحتلال ، لابد من جديد تبحث عن أسباب مشكلاتها وتبحث عن حل ، أو تبحث عن المنقذ ، وحركات تحرير البلدان التي تعرّضت للاحتلال في مختلف بقاع الأرض كلها تؤكد هذه الحقيقة ، وهنا يبدأ البحث عن المنقذ إذا أراد الله سبحانه أن يجعل لهم سبيلاً لهدايتهم . إن عَلِمَ صدق نيتهم ، عندما يتحول العراقيون من كونهم (عباداً لنا أولي باس شديد ، فجاسوا خلال الديار ) إلى سبايا في بلدهم وإلى سبايا في قصور صدام حسين – نبو خذ نصر سواء، في بابل وغير بابل ، لابد وأن تكون لهم وقفة مع أنفسهم ، ويتساءلون … ماذا أفسدنا وبِمَ عَلَونا لنصبح نحن السبايا ؟ ومن هذا التساؤل لابد أن تبدأ المرحلة الجديدة لتغيير ما في أنفسهم إقتداء بقوله تعالى " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " فلكي يغير الله سبحانه ما بهم من السوء والذل والمهانة والبأساء والضراء إلى النعمة والرحمة ، لابد أن يغيروا ما بأنفسهم من الأعراض عن أمر الله والتفريط بنعمة الله وتعطيل الحدود التي ضربها الله على العباد ، ومحاددة أولياء الله وسلوك سبل المعاصي والآثام ، ولابد أن تكون ثمرة ذلك كله هي البحث الجاد عن المنقذ والاستعداد للمرحلة الجديدة التي يقف فيها المنقذ الإلهي خلف حجاب الله ينتظر نضوجهم وتوبتهم واكتسابهم الأهلية لظهوره من الغيبة .
إن ما جاءت به الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تخبرنا بأن هؤلاء سيكونوا قلّة وإن الأكثرية ستسقط في هذا الاختبار الأخير، وتفرط في هذه الفرصة الأخيرة ويكونوا عبيداً للطاغوت ومطايا الشيطان وحرباً على الله وخليفته ( عج ) ولكن تلك القلّة ستكون - من حيث النوع والمؤهلات بسبب التجارب المريرة التي تخوضها – مستوجبة للتأييد الإلهي والنصر المبين بل والفتح اليسير مجازاةً لها على صبرها ورحمةً بها على تحملها الشقاء والشدائد ، واستحقاقها دخول العالم الجديد …عالم الرضوان .
إن جواب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وتفسيره للرؤيا التي رآها أحد الانصار وقصّها على الرسول ( ص ) – وهي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله يقف على منبر ذي سبع درجات والرسول يقف في الدرجة السابعة ، ففسَّر الرسول ( ص ) له الرؤيا بقوله [ إنما الدنيا سبعة أيام من أيام الله آخرها جمعة ، أنا وأهل بيتي لا نملك إلاّ في اليوم السابع ، فلا يبقى أهل بيت إلاّ ملكوا قبلنا لئلا يقول أحد لو إنّا ملكنا لفعلنا مثل ما فعل آل محمد ] ، وهو يعني إن الدنيا أي عقوبة النفي إلى هذه الأرض التي نسكنها من الأرضين السبع أنما هي سبعة آلاف سنة يكون ظهور القائم من آل محمد صلوات الله عليهم في الألف السابع – يخبرنا هذا الحديث الشريف عن نوع الإمارات التي ستتولى السلطة في هذه الفترة القليلة المتبقية التي تسبقها قبل الاحتلال ، سوى إن تلك الدكتاتوريات بَنَت بنيانها برتابة وتأنٍ ودقّة طابوقة طابوقة ، أما التي يولدها الاحتلال فإنها ترث الموروثات الثقافية والعقائدية والسلوكية لتلك الدكتاتوريات العريقة ، سوى إنها تتقمص شخصيتها، وتضع نفسها بديلاً لها في فترة قياسية تبدو للجماهير مثاراً للسخرية والاحتقار، ولا تستطيع أبداً أن تفرض هيبتها وإرادتها على الجماهير ، فإنها في نظر الجماهير كالقزم يرتدي حذاء طول كعبه متر أو أكثر فيبدو مهرجاً أكثر منه سلطة حاكمة .
وهذا جزء أو حلقة في التدبير الإلهي الذي تحدثنا عنه في الجزء الأول لتدبير الأمر لولي الأمر ( عج ) في كسر هيبة السلطة في نفوس الجماهير ليكتشفوا حقيقة قوله تعالى (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ) (55)، وتكون هذه بداية التمرد على الجبابرة وأقزام الجبابرة ، والامتثال إلى صاحب الأمر صلوات الله عليه وعلى آبائه المطهرين .
وأخيراً فيمكن عدّ تأثر المحتل بثقافة البلد الذي يقوم باحتلاله هو جانب آخر من جوانب الحكمة الإلهية في ردّ الكرَّة لليهود علينا فلقد قام هولاكو باحتلال بغداد وبلاد الإسلام ، ثم خرجوا من هذه الأرض مسلمين أفضل أسلاماً من بعض العرب ، بل إن كل ما يشنّع به التاريخ على هولاكو لإغراقه المكتبات الضخمة في نهر دجلة حتى اصطبغ ماء دجلة من هذه الكتب لكثرتها فإنها في الواقع تسليط من الله سبحانه لإتلاف الفساد الفكري والعقائدي لهؤلاء المفسدين في الأرض الذين يسمونهم ( الفلاسفة والمتكلمين ) وكل حوارياتهم وسفسطاتهم الضالة المضلة التي لم يكن لّها همّ ولا هدف إلاّ طمس مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام ومحاربته ، والواقع إني لم أكن مع هولاكو ولم اقرأ تلك الكتب التي أغرقت ، ولكن من قراءة مثيلاتها من كتب المعتزلة والأشاعرة ممن عاصَرتها ، يمكنك أن تحكم على تلك الكتب التي أغرقها الله في اليم . وليس صدفة أبداً أن ينجوا منها ( شرح نهج البلاغة – لابن أبي الحديد المعتزلي – الموضوعي بعض الشيء ) ، وأقول .. عسى أن يجعل الله في هذا الاحتلال وفي بعض جوانب الحكمة منه تبليغاً لهؤلاء المحتلين ومواطني بلادهم لقوله تعالى (لأُنذركم به ومن بَلَغ ). فإن كانوا غافلين فقد شاهدوا بأُم أعينهم ونقلت شبكاتهم التلفازية في أول أسبوع يحتلون فيه العراق ، شاهدوا أكثر من سبعة ملايين زائر عراقي يحجّون إلى مرقد الإمام الحسين عليه السلام في زيارة الأربعين سائرين على الأقدام مئات الكيلومترات ، ولابد أن يسألوا عن قضية الحسين ووالد الحسين وأم الحسين وأبناء الحسين وعلاقة هذه القضية بقضية السيد المسيح عليه السلام الذي بكى في حياته على الحسين (ع) وما يجري عليه وعلى أبنائه ، فتبلغوا بذلك ويبلَّغوا بلدانهم إذا رجعوا ، وربما يجعل الله البعض منهم ممن يكون عوناً للسيد المسيح عليه السلام في تدمير عروش الانقلابيين (والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) .
ولكن الأمر الأهم الذي ربما لا يظهر في الآية الكريمة في قوله تعالى ( ثم رددنا لكم الكرّة عليهم ) وبينته الأحاديث الشريفة و الروايات ، هو أن ردّ الكرّة شامل لكل شيء على كل شيء ، وقيل حتى الحمق له كرّة على الحكمة ، والكرّة للمظلومين على الظالمين ، وللعبيد على الأسياد ، وللفقراء على الأغنياء ، وللضعفاء على الأقوياء.. وهكذا حتى يصبح أعلى كل شيء أسفله ، و أسفله أعلاه ‘ ويروى أن قوم وردوا على رسول الله صلى الله عليه وآله، فسألهم عن رؤيا رأوها فأنكروا وقالوا : ما رأينا شيء يا رسول الله ، فقال : لتُخبرنني . فقالوا : رأينا حماراً تعلوه قوائمه ، فقال : فما أوّلتم ؟ قالوا : أوّلنا ، أن أسافل الناس تكون في أعلاها و أعلاها في أسفلها ، فقال صلى الله عليه وآله : " فإنه كما أوّلتم" .
ولعلّ من بواطن ما رمى إليه قوله تعالى( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها ) هود، هو هذا المعنى وذلك بالطبع عند مجيء وعد الآخرة، والله العالم .

ما قيل في " التقية " :
من الملاحظ انه كلما تعرضت الأمة أو الطائفة لفتنة أو عدوان ، يشتد الجدل حول " التقية " ، و يحتج كل فريق بجملة من الأحاديث و الروايات التي تبرر سلوكه للسبيل الذي سلكه ، سواء كان الأسلوب المقاوم ، أو أسلوب " التقية " ، الذي ورد قي قوله تعالى ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) ، وورد عن أكثر من إمام من أئمة أهل البيت (ع) ، ( ولا دين لمن لا تقية له ) ، ولكن الاختلاف هو في حدودها ، و متى يجب التخلي عنها .
فقد قال الإمام الصادق (ع) : ( إنما وضعت التقية لحقن الدم ، فإذا بلغ الدم فلا تقية ) و المعنى واضح وضوح الشمس ، فليس من المعقول أن تتعرض الناس للقتل ، والدين للهتك ، و البلاد للخراب ، ثم تقف مكتوف الأيدي و تقول " تقية " .
أما ما يقوله العلماء في التقية. ففي حقائق التأويل للشريف الرضي رحمه الله يقول:
(... و منها قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض و من يتولهم منكم فانه منهم " ، فكل ذلك أن يعاملوا بالمخاشنة و المغالظة ، دون الملاينة و الملاطفة . وقال بعضهم : ( الاّ أن تتقوا منهم تقاة ) معناه : الاّ أن يخاف الخائف منهم تلف النفس أو بعض أجزاء الجسم فيظهر الموالاة من غير اعتقاد لها أو صدق فيها . و قد ذهب المحققون من العلماء إلى إن من اُكره على الكفر فلم يفعل حتى قُتل ، انه أفضل ممن أظهر الكفر بلسانه ، و إن اضمر الإيمان بقلبه ، و قالوا : قد أسرَ المشركون بمكة خُبيب بن عدي ، وطالبوه بإظهار كلمة الكفر أو العرض على القتل ، فلزم الحنفية ،ولم يعط التقية حتى قتل على ذلك ، و كان عند المسلمين أفضل من عمار بن ياسر، حين أعطى التقية ، و أظهر كلمة الكفر عند الإلحاح عليه بالعذاب ، من جره على الرمضاء و تحريقه بالنار، و إن كان قلبه مطمئنا بالإيمان ، ويستدلون بذلك على إن إعطاء التقية رخصة ، و إن الأفضل ترك إظهارها. و كذلك قالوا في كل أمر فيه إعزاز للدين ، فإقامة المرء عليه حتى يُقتَل ، أفضل من الأخذ بالرخصة في العدول عنه حتى يَسلَم . و هذه الآية (وأخواتها ) دلالة على انه لا ولاية للكافر على المسلم في شيء من الأشياء . ) (56) .
وأما أعمق ما قيل في هذا الأمر ، فهو ما يقوله أمير المؤمنين (ع) حيث يقول :(إذا كان القدر لا يرد فالاحتراس باطل ) (57) أي يمكن القول بهذا الصدد : اذا كان الله سبحانه كتب عليك القتال (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) (58) ليبتلي المؤمنين ويميز الصادق من الكاذب ، فالاحتراس باطل ، بل عليك بالمواجهة وجهاد العدو ، ثم يفعل الله ما يشاء .

الـولاية والأمـانـة :


أن قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (59) ، هو مثل يضرب به الله سبحانه وتعالى للناس ، كقوله تعالى :
(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (60)، فالجبل على صممه وجموده وصلابته وحجمه لو كان هو المخاطب بهذا القرآن ، لتصدّع و خشع مما في هذا القرآن من الوعيد والإنذار والتحذير ، وعلى ما فيه من عظيم القول وثقيله (سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ) ، وكذلك الأمانة فإن السماوات والأرض التي لا خلق أعظم من خلقهما أبت أن تحملها مع ما في حمل الأمانة من الزلفى والقربى إلى الله . وذلك لما وراءها من شديد العقاب وعسير الحساب … فما هي هذه الأمانة ؟ .
لقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أكثر من معنى وأكثر من أمانة .
أما احدها : فما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل مع احد اليهود ، جاء فيه : ( وكان فيما أوحى إليه : الآية التي في سورة البقرة قوله : " لله ما في السماوات وما في الأرض وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير " وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى أن بعث الله تبارك وتعالى محمدا ، وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها ، وقبلها رسول الله وعرضها على أمته فقبلوها ، فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها فلما أن سار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه ، فقال : " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ - فأجاب صلى الله عليه واله مجيبا عنه وعن أمته - وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ " فقال جل ذكره " لهم الجنة والمغفرة على أن فعلوا ذلك " فقال النبي صلى الله عليه واله : أما إذا فعلت ذلك بنا ، فغفرانك ربنا واليك المصير ، يعني المرجع في الآخرة ، قال : فأجابه الله عزوجل قد فعلت ذلك بك وبأمتك ، ثم قال عزوجل : أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمتك حق علي أن أرفعها عن أمتك وقال : " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ - من خير - وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ " من شر ) (61)

وأما الأخرى :
حدثنا احمد بن محمد عن ابن أبى عمير وغيره عن محمد بن الفضيل عن أبى حمزة الثمالى عن أبى جعفر عليه السلام ، قال ، قلت جعلت فداك إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية "عم يتساءلون * عن النباء العظيم " قال، فقال ذلك إلي إن شئت أخبرتهم وان شئت لم اخبرهم ، قال ، فقال : لكنى أخبرك بتفسيرها ، قال ، فقلت : عم يتساءلون ؟ قال ، فقال : هي في أمير المؤمنين عليه السلام ، قال: كان أمير المؤمنين يقول ما لله آية اكبر منى ولا لله من نبأ عظيم أعظم منى ولقد عرضت ولايتي على الأمم الماضية فأبت أن تقبلها.
قال، قلت له : قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون ، قال هو والله أمير المؤمنين عليه السلام . ) (62) .
وقد مر علينا في هامش ، عن الإمام زين العابدين (ع) عن مغاضبة يونس (ع) وما قدره الله عليه في بطن الحوت ، عندما تلكأ في قبول الولاية لعلي (ع) .

وأما التي نحن بصددها :
يوضح ذلك أمير المؤمنين عليه السلام في خطبه بأنها الأمانة على الدماء والأموال والفروج ، وما ينظّمها من الأحكام والتشريعات والحدود ، ولذلك ولعدم وجود أي هوادة عند الله سبحانه وتعالى مع من يفرّط بهذه الأمانة أو يخونها أو لا يكون
أهلاً لحملها ، فأنه سبحانه اختص صفوة من عباده لحمل هذه الأمانة أحاط بما لديهم خُبُرا ، وعلم بسرائرهم وأضاء لهم من نوره كل ظلمة … بل خَلَقهم خلقاً خاصاً ومن طينة خاصة ، ليكون هو المسئول عز و جل عن خطأهم أو ضلالهم أو زللهم أو معصيتهم لأنه هو الذي اختارهم وانتدبهم لحمل هذه الأمانة فيعصمهم عن ارتكاب الخطأ أو ارتكاب المعاصي والمآثم ، فلا يقول المخلوق للخالق سبحانه … أنظر يارب هذا اختيارك أنظر ماذا فعل .. فأنه سبحانه لا يكلهم إلى أنفسهم ، بل يتوّلاهم بالهداية والرعاية والتسديد وسلوك سبل الرشاد ، ويزيد من علمهم ووعيهم وإفهامهم عن بقية الخلق . أمّا دون هذه الصفوة فقد ( وخلق الإنسان ضعيفاً ) وقال تعالى (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) (63) ، فإذا كان الله سبحانه خلقه بهذه الصفات من الضعف والهلع والجزع والشُح فكيف يحمّله أمانةً لعظمتها أبت السماوات والأرض أن تحملها .
من هنا نفهم أن أهل بيت النبوة عليهم السلام الذين حملهم الله هذه الأمانة واختصهم بها ، ليسوا موكولون إلى أنفسهم ، بل أن مولاهم الذي حملهم هذه الأمانة هو الذي يعصمهم و يؤيدهم ويسددهم بما يجعلهم أهلا لحمل هذه الأمانة وحدهم دون سواهم .
فكل من نَصَب صدره لحمل هذه الأمانة فإنه ( ظلوماً جهولاً ) وهو المسئول عن زج نفسه بما لا قَبِلَ له عليه ولا طاقة له به ، ولولا طبيعته الظالمة والجاهلة – بظلمه لنفسه وجهله لعواقب فعلته – لأعتبر بالسماوات والأرض وأطلق ساقيه للريح هرباً من التورط بحمل ما لم يؤتمن عليه ولم يكلّف به . والموضوع المهم هنا …هو ، إن هذه الأمانة لأنهم وحدهم يعلمون عظمتها وخطورتها وعواقبها ، فهم ليسوا مسرورين على طريقة السلاطين والأمراء والملوك والرؤساء ومن دونهم بحمل هذه الأمانة ، بل طاعتهم لأمر الله وتفانيهم عن عبادة الله وحبّهم في كسب مرضاة الله ورغبتهم في التقرب إلى الله وعرفناهم بأنعام وأفضال الله جلّ شأنه كان هو مَدْعاتهم لحمل هذه الأمانة الثقيلة ج
وفي جانب خوفهم وحذرهم من هذه الأمانة هو قول الإمام علي عليه السلام الذي حملها حملاً فعلياً بولايته ( لو أعطيت الأقاليم السبعة وما تحت أفلاكها على أن أسلُب نملةً جُلبةَ شعير من رزقها ما فَعَلْت ) .
ومن علمه بعواقبها قوله عليه السلام ( لو تعلمون ما وراءكم من الحساب والعقاب لتركتم أموالكم لا حارس عليها ولا رقيب ولَما همّت أمرء منكم إلاّ نفسه)
وهنا لابد من الوقوف مع قضية الحسين عليه السلام وعلاقتها بقضية الأمام المهدي ( عج ).



قضية الأمام الحسين عليه السلام :

أصل القضية وعلاقتها بقضية الأمام المهدي ( ع ) :
عندما أمر الله سبحانه سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام بإعادة بناء البيت الحرام ، بعد إن تداعى أثناء الطوفان الذي اغرق الله به قوم نوح ( ع ) ولم تتبقَّ منه إلاّ القواعد ، كانا كلما أقاما الأركان انهدمت (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (64)، حتى رأى سيدنا إبراهيم (ع) في الرؤيا إن قواعد البيت لا تقوم إلاّ بذبح سيدنا إسماعيل وتقديمه كقربان لله عزّ وجل ، وعرض الأمر على ولده إسماعيل : ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ، قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* ) (65)، ولم يتردد إسماعيل في تقديم نفسه كقربان لتقوم قواعد البيت (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ )
إن هذا الأمر برمته في الحقيقة لم يكن إلاّ ظاهر الأمر ، وإنما كان له باطن وعمق بعيد أراد الله سبحانه أن يعلمه إبراهيم وإسماعيل ( ع ) ويبتليهما بالقدرة والاستعداد على حمل هذا الأمر ، فالبيت ليس هو محض البيت الحرام ، ولكن ما يمكن استنباطه في التفكر في هذه الآيات وربطها مع عموم الفلسفة التي يطرحها القرآن الكريم هو :
إن البيت كان رمزاً للدين ، وإن الدين لا تقوم أركانه بالنية الصالحة والعمل الصالح وحدهما مهما بلغا من درجات الإخلاص ، ولكنه بحاجة إلى قربان ، وهذا القربان يختلف عن القرابين التي تقدم لوجه الله ، كالهدي يوم النحر في مناسك الحج ، أو قربان تأكله النار عند أنبياء بني إسرائيل ، فتلك القرابين كما قال تعالى ( لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله منكم التقوى ) ، أما هذا القربان، فهو تقديم استشهادي من ولد إبراهيم (ع) ترتفع بشهادته قوائم الدين، ولا يستقيم الدين الاّ باستشهاده ، ولم يقع الاختيار على إسحاق ( ع ) لما علمه الله سبحانه من أهلية إسماعيل ومقدرته للقيام بهذا الواجب وهذا الدور ألاستشهادي ، ثم بمجرد قبول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام القيام بالواجب بسماحة نفس ورحابة صدر وطيب خاطر من حيث المبدأ ، كتب الله سبحانه لهما قبولهما ورَضيهُ منهما كقربان لابد منه .
ولكن الله سبحانه كانت قد سبقت كلمته وقضاءه في أن يخرج من ذرية إسماعيل صفوة خالصة كانت نوراً حول عرش الله تبارك وتعالى ، وسيعني القبول الفعلي بالقربان نهاية إسماعيل الذي لم يكن قد خرج ما في صُلبه بعد، وهو يعني عدم وجود ذرية لإسماعيل ، وهو يعني إن هذه الصفوة من ذرية إسماعيل التي هي نور خلقه الله قبل خلق آدم ستقطع السلسلة الطبيعية التي تولد منها , ولكن القضية الأساسية بقيت قائمة على حالها وهي إن أركان الدين بحاجة إلى استشهادي ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) ، فتمت عملية فداء إسماعيل بفدية عظيمة أخذت من هذه الصفوة الخالصة ومن هذا النور من ذرية إسماعيل وهم محمد وآل محمد صلوات الله عليهم و الوديعة الإلهية التي عندهم ، وهو الإمام الحسين عليه السلام ، وذلك هو ( الذبح العظيم ) الذي قبله وارتضاه رب العرش العظيم ليس فقط فداءً لإسماعيل (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) بل لأن الله سبحانه كان يريد قرباناً أعظم لا يرقى إليه قربان آخر ، وقد تم تقديم هذا القربان العظيم وهذا ألاستشهادي و الاستشهاديين الذين معه يوم ألطف لتقوم قواعد البيت وأركان الدين .. وهذا هو المعنى الحقيقي الذي رمى إليه هذا ألاستشهادي عن نفسه وعن الاستشهاديين الذين معه بقوله (إذا كان دين محمد لا يستقم إلاّ بقتلي فيا سيوف خذيني ) وهو ليس قول عابر ، بل هي نبوءة أنبأها إياه جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله بأن دين محمد لا يستقم إلاّ بقتل الحسين عليه السلام ، وهكذا كان ( الذبح العظيم ) أعظم من القربان الأول بعد أن رضي حبيب الله ( ص ) أن يقدم في سبيل هذا الحب فلذة كبده وريحانته من الدنيا قرباناً إلى ربه ، وبعد أن رضي هذا القربان ليس بالصبر وحده ، بل بالإقدام والعزم ، أن يرفعوا قواعد البيت وأركان الدين ، برأس الحسين ( ع ) المفصول عن الجسد ، وترفعه الرماح ، حتى كأنه راية تخفق في السماء ، وبأكف أخيه المقطوعة ، وبأجساد أطفاله الممزقة ، وبأكباد الرضّع الحرّى من العطش ، وبحرمات نسائه المنتهكة .. ثم رُفع رأس سيد الشهداء على رؤوس رماح الانقلابيين مشيّعاً بموكب بهي جليل ، سار من ارض كربلاء ومازال سائراً إلى فصل الخطاب .
في كل بلدة وفي كل قرية وفي كل عاصمة يمر بها هذا الموكب تثور الثائرة ، وتوقف الموكب في كونغرس الانقلابيين ليقف ولده الأمام السّجاد عليه السلام عريفاً للحفل معرّفاً بنفسه ومعرفاً بهذا الموكب في قصر يزيد : (أنا ابن من دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن المذبوح بكربلا ) وهدرت الصرخات .. وتعالت الاحتجاجات . وانهمرت العبرات .. واتقدت الزفرات ، إذا كانت الموؤدة ليس لها من يسأل عنها ويطالب بثأرها إلاّ ربّها ( بأي ذنب قُتلت ) فإن هذا القربان له صفوف من الملائكة استأذنت ربها للقتال معه ولم تدرك ما أرادت ، و له العشرات من الملايين الهادرة ، كلما شربوا كاس ماء بارد وكلما دخلوا بيتاً آمناً ، وكلما رأوا أطفالاً يلعبون ورُضّعاً يرضعون وكلما رأوا حريماً لم تنتهك حرماتها ذكروا الطف .. الصرخة الكبرى بالضمير الإنساني .. الاستفزاز الأكبر لأخلاقيات المجتمع البشري .. التحدي الأكبر لقضية الحق والعدالة ، ومازال الموكب يسير باتجاه فصل الخطاب والملايين الهادرة خلفه لا تريد أن تشفى صدورها ، ولا يريد أن يذهب غيظ قلوبها ، فلا يطفئ نار غضبها إلاّ أن تجاب على السؤال ( بأي ذنب قتلت ) ؟؟ بل لا شيء أبدا يطفئ نار غضبها ، ولكنها تهتف ومازالت تهتف ، ولسوف تبقى تهتف .. يا لثارات الحسين ، ويقتلون في سبيل الحسين ، وهم الموؤدة ، التي ألقى الله في قلوبهم مودة القربى ( قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى ) ، قيقتلهم الظالمون بسبب مودتهم لقربى رسول الله صلى الله عليه وآله .
كلما ذهب جيل وجاء جيل آخر ، كلما مرت الأزمان وولد مؤمنون جدد ، علموا بقضية الحسين و أولاد الحسين و أصحاب الحسين (ع) أحسّوا وكأنما قد خُطف الحسين من بين ظهرانيهم غدرا ، فثارت ثائرتهم ... لزموا العمل بالتقية في كل شيء مع أعدائهم ، ورضخوا للكثير من الذل ، و قدموا الكثير من التنازلات لأعدائهم ، ولكن عندما تصل القضية عند زيارة الحسين ، والتمسك بشعائرهم في ذكرى إحياء فاجعة الحسين ، سحقوا بأقدامهم كل التنازلات و التوافقات التي انتزعها منهم أعدائهم ، وثارت ثائرتهم على محاولات أعدائهم التي لم ترتدع يوما ولم تعتبر يوما لطمس ذكرى الحسين (ع) في قلوبهم .. لا سلام في الأرض ، ولا سلام بين الفريقين، مادام الحسين لم ينعم بالسلام .. فسلام على الحسين ، وعلى أبناء الحسين ، وعلى أصحاب الحسين ، أو لا سلام لأحد دون ذلك ..
بلى والله .. لقد أرادها الله هكذا .. ناراً متقدةً في القلوب، غيظاً يغلي في الصدور على الانقلابيين وأفعالهم .. الذين لا تنفع معهم حجّة ولا بيّنة ولا ينفع معهم إلاّ السيف البتار ، ودون ذلك لن يستقيم دين محمد ، ولسوف يبقى هذا السيف يستمد تغيّظه من (الذبح العظيم ) حتى يظهر القائم بن محمد، القائم بن علي ، القائم بن الحسين صلوات الله عليهم ، هذا القائم الذي إن قام لا يُقعدهُ أحد ، حتى يعيد حُرمة البلد ، وحُرمة الذي استُحلّت حرمته في البلد (ص) ، وحرمة الوالد وما ولَد (ع) التي استُحلَّت في البلد وغير البلد (66)..بلد الله الذي حرّمه واستحلّه الانقلابيون ، لُيطفِئوا نور الله بسيوفهم ، أينما هاجر نور الله قتلوه .. أينما قام نور الله طعنوه .. أينما لاذ نور الله سمّموه .. فغيّبه الله عنهم لِيُتِمَّهُ حين يأتي الأجل الموعود. لِيُتِمّهُ من النار التي أوقدها(الذبح العظيم ) في قلوب المؤمنين .. ويأبى الله إلاّ أن يُتِمَّ نوره ولو كره الكافرون الانقلابيون .. وويلٌ يومئذٍ للمكذبين .
وفي كفاية الأثر، في حديث معنعن عن أبي سلمة عن عائشة ، قالت : ( كانت لنا مشربة ، وكان النبي (ص) إذا أراد لقاء جبرائيل (ع) لقيه فيها ، فلقيه رسول الله (ص) مرة ، وأمرني أن لا يصعد إليه احد ، فدخل عليه الحسين بن علي (عليه السلام) ـ وفي ثلاث نسخ ، يقول " ولم تعلم حتى غشيها ـ فقال جبرائيل : من هذا ؟
فقال رسول الله (ص) : ابني ، فأخذه النبي (ص) فأجلسه على فخذه ، فقال له جبرائيل : انه سيقتل .
فقال له رسول الله (ص) : ومن يقتله ؟
قال : أمتك تقتله .
قال رسول الله (ص) : تقتله ؟
قال : نعم ، و إن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها ، و أشار بيده إلى ألطف بالعراق ، و اخذ منه تربة حمراء فأراه إياها ، و قال ، هذه من تربة مصرعه ، فبكى رسول الله فقال جبرائيل : يا رسول الله لا تبك فسوف ينتقم الله منهم بقائمكم أهل البيت .
فقال رسول الله : حبيبي جبرائيل ، ومن قائمنا أهل البيت ؟
قال : هو التاسع من ولد الحسين ، كذا اخبرني ربي جل جلاله ، انه سيخلق من صلب الحسين ولدا سماه عنده عليا ، خاضعا لله خاشعا ، ثم يخرج من صلب علي ابنه و سماه عنده محمدا ، قانتا لله ساجدا ، ثم يخرج من صلب محمد ابنه ، و سماه عنده جعفرا ، ناطقا عن الله صادقا في الله ، و يخرج من صلبه ابنه ، وسماه عنده موسى ، واثقا بالله محبا في الله ، ويخرج من صلبه ابنه ، وسماه عنده عليا ، الراضي بالله و الداعي إلى الله ، و يخرج من صلبه ابنه وسماه عنده محمدا ، المرغب في الله و الذاب عن حرم الله ، ويخرج من صلبه ابنه و سماه عنده عليا ،المكتفي بالله و الولي لله ، ثم يخرج من صلبه ابنه و سماه عنده الحسن ، مؤمن بالله ومرشدا إلى الله ، ويخرج من صلبه كلمة الحق و لسان الصدق و مظهر الحق ، حجة الله على بريته ، له غيبة طويلة ، يظهر الله به الإسلام و أهله ، ويخسف به الكفر و أهله .
ثم قالت عائشة لأبي سلمة : اكتم علي ما دمت حية )(67).
لماذا يا أم المؤمنين ؟ الم تقرأ أم المؤمنين قوله تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (68) ؟

الحسـين (ع) عند الأنـبياء :

لقد بقيت قصة هذا الفداء تتواتر على الأنبياء و الرسل ، وجاء زكريا (ع) و بلغ منه الكبر ولم يكن له عقب ، ودعا زكريا (ع) في أكثر من موقف أن يرزقه الله الولد ، عندما رأى مريم (ع) وما أكرمها الله به من الكرامة (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) (69) .
ولكن متى و أين استجاب الله سبحانه دعاء زكريا ؟
كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) (70) .
إذن هنا في هذا الذكر رحم الله عبده زكريا ، في ذكر "كهيعص " ، عندما ذكر كربلاء ، و الهجرة أو هلاك أهل البيت، ويزيد و فعلته ، و العطش ، و الصبر ، أراد زكريا (ع) أن يكون له أسوة برسول الله صلى الله عليه و آله ، أن يرزقه الله بولد تقع محبته في قلبه كمحبة رسول الله لولده الحسين (ع) ، و يفجعه الله كفاجعة رسول الله (ص) بولده الحسين (ع) ، كان زكريا (ع) قد علم أن الله سبحانه اتخذ إبراهيم (ع) خليلا ، وكلم موسى (ع) تكليما ، و جعل عيسى (ع) روحه و كلمته ألقاها إلى مريم ، و لكنه تعالى اتخذ النبي الأمي صلوات الله عليه حبيبا ، هذه هي الكرامة و المنزلة العظمى ، أن يكون حبيب الله ، فسال جبريل (ع) عن هذا الحبيب ، بأي شيء استحق هذا الحب ، و قصّ عليه جبريل (ع) قصة الحسين (ع) ، و دعا زكريا (ع) فاستجاب الله دعاءه ، و أعطاه ما سيعطيه للحسين (ع) " لم نجعل له من قبل سميا " ، فكان يحيى أول من يسمى بهذا الاسم ، كما سيكون الحسين أول من يسمى بهذا الاسم ، و تمطر السماء دما عبيطا لمقتله ، كما ستمطر دما عبيطا لمقتل الحسين ( ع) ، فكان يحيى (ع) وما وقع له .
بالحب وحده استجاب الله سبحانه الدعاء ، لان زكريا أراد أن يحبه الله ، كما يحب النبي الأمي (ص) ، ولان زكريا أحب رسول الله و أحب الحسين (ع) ، لهذه الأبعاد يقول رسول الله ( أحب الله من أحب حسينا ) ، لان حب الحسين هي دعوة إبراهيم (ع) ، يقول رسول الله (ص)" أنا دعوة إبراهيم" ، لان إبراهيم ( ع) قال ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ * ) (71) ، وكل من يحب الحسين (ع) هو دعوة إبراهيم (ع) عندما قال (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ *) (72) ، فهذه أفئدتنا تهوي إليهم أينما كانوا ، و متى ما كانوا ، حاضرهم و غائبهم ، بدعوة إبراهيم (ع) ، فسلام على إبراهيم يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا ، و تعسا لمن لم يحب حسينا ، فانه من الظالمين ، لان الله سبحانه استجاب دعوة إبراهيم ، و استثنى ، قال ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّـتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * ) (73) فالظالمون هم الذين لم تهو أفئدتهم إلى الحسين و إلى أولاد الحسين و إلى أهل بيت الحسين ، و الحمد لله الذي جعل لنا أفئدة تهوي إليهم ، و عسى أن يجعلنا من القوم الذين يحبهم و يحبونه (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (74).
وفي كامل الزيارات ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : إن إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه : ( واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ) ، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم ( عليه السلام ) ، بل كان نبيا من الأنبياء بعثه الله إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه ، فأتاه ملك عن الله تبارك وتعالى فقال : إن الله بعثني إليك فمرني بما شئت ،
فقال : لي أسوة بما يصنع بالحسين ( عليه السلام ) (75) .





شخصيات وعلامات :

نتناول في هذا الباب بعض الشخصيات التي وردت في الروايات وأبعادها الفلسفية والسياسية ، ونتناول بعض علامات الظهور التي ربما تكون مثار جدل أو بحاجة إلى تحليل وبحث .

السفيانـي :

قبل الدخول في هذا الموضوع المهم ، علينا تقديم موجز عن شجرة بني أمية لنفهم بعض المصطلحات التي ترد في الروايات و يحصل بعض الإشكال في فهمها .
قال ابن أبي الحديد : ( و بنو أمية صنفان ، الاعياص ، و العنابس ، فالاعياص : العاص و أبو العاص، و العيص و أبو العيص . و العنابس : حرب و أبو حرب ،و سفيان و أبو سفيان ، فبنو مروان و عثمان من الاعياص ، و معاوية و ابنه من العنابس, و لكل من الصنفين المذكورين و شيعتهم كلام طويل و اختلاف شديد في تفضيل بعضهم على بعض، و كانت هند تذكر في مكة بفجور و عهر، و قال الزمخشري : كان معاوية يعزى إلى أربعة ( آباء) إلى مسافر بن أبي عمر، و إلى عمارة بن الوليد بن المغيرة، و إلى العباس بن عبد المطلب ، و إلى الصباح مغن . ) (76).
يبين من الروايات إن السفياني هو نطفة خبيثة من ذرية يزيد بن أبي سفيان أو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، ينقله الله سبحانه من الأصلاب اللئيمة إلى الأرحام الخبيثة ولا يعلمه إلاّ الله ، ولا يظهر أمره إلاّ قبل ظهور الأمام المهدي ( ع ) بسَنة أو قريباً منها، ويقول عنه أئمة أهل البيت عليهم السلام ( السفياني أعتا أعداءنا )، وسيقوم في حياته السياسية بفظائع في أهل البيت وسوف يحيى الله سبحانه بالسفياني كل التاريخ الأموي وفظائعه في أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم ويوغر به صدور المؤمنين ويزيد به نار القلوب المتقدة منذ مذبحة الطف تأجّجاً لينتقم التاريخ لنفسه ويغسل ما جلّله به الأمويون من العار ، ويشفي به صدور المؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم، استجابةً من الرحمن الرحيم لكل بواكينا على ( الذبح العظيم) ، ولتبدأ صفحة جديدة من تاريخ ما بعد الظهور المبارك للإمام المهدي ( عج ) قلوب الناس فيه عامرة بالإيمان والتسامح ونزع الغل والأحقاد بما يليق بدولة الوعد الإلهي .
وهناك أطروحات في قضية السفياني لعل أهم من تناولها بشكل تحليلي هو السيد الشهيد الصدر ( قدس ) في الموسوعة يرى فيها أن السفياني رمز لحركة سياسية ضالة في الوسط السياسي العربي ، وهي أطروحة من حيث المبدأ صحيحة .
ولكن القضية الأهم التي تؤكد عليها الروايات أن السفياني حقيقة و ليس رمز ، أي انه قائد سياسي يجتمع عليه أمر أهل الشام عند وقوع الفتنة الكبرى وهو من ذرية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ولكن الناس لا تعلم بهذا الأمر أو لا تعير له أهمية في وقته نتيجة التخبط و الفوضى السياسية التي تعيشها المنطقة ، و يكون أول صراعه مع المروانيين من ذرية مروان بن الحكم ثم مع بني العباس ثم مع الشيعة ثم مع الترك ، وهمه الأكبر هو القضاء على الشيعة ، ويكون النصر معه إلى ظهور الإمام المهدي (ع) فيقضي عليه ، وظهوره متوافق مع ظهور اليماني و الخراساني في رجب ، ولعل أهم ما يميز و يكشف حقيقة شخصية السفياني هو قوله ( يارب ثأري ثم النار )
- حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن - إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان عن عمر بن يزيد قال : قال لي أبو عبد الله الصادق عليه السلام : إنك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس ، أشقر أحمر أزرق ، يقول : يا رب ثاري ثاري ثم النار ، وقد بلغ من خبثه أنه يدفن أم ولد له وهي حية مخافة أن تدل عليه ) (77).
فالتشابه بينه وبين إبليس كبير جدا ، فكلاهما موقن انه في جهنم خالدا فيها ولكن ذلك ليس هو ما يهمه ، بقدر ما يهمه الانتقام الناتج عن الحقد و البغض لأولياء الله ، أما أهم صفاته ، فانه كما وصفوه، ضخم ، وحش الوجه، في وجهه أثر جدري، واسمه يبدأ بحرف الشين، وهو متنصّر، يحارب المتدينين بشكل عام و الشيعة بشكل خاص،وعلاقته بالغرب وطيدة و مدعوم من قبلهم .
في كتاب الفتن لنعيم ، عن بن عياش قال : قال الإمام علي (ع) : يخرج رجل من ولد الحسين اسمه اسم نبيكم ، يفرح بخروجه أهل السماء و الأرض ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين فالسفياني ما اسمه ؟ قال : هو من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان ، رجل ضخم الهامة ، بوجهه آثار جدري وبعينه نكتة بياض ، خروجه خروج المهدي ، ليس بينهما سلطان ، يخرج من الشام من وادي من ارض دمشق ، يقال له وادي اليابس ) (78)... وحسب هذه الرواية انه يقرب الفقهاء و المتدينين ليقوم بدعوته مستظهرا بهم مستغلا ظاهرة صعود المد الديني الأصولي عند الناس ، ولذلك يصعب معرفة اتجاهه الفكري و العقائدي من خلال الروايات ، سوى انه رجل مستعد للذهاب إلى ابعد مما ذهب إليه يزيد بن معاوية ، وحسب استنتاجاتنا ، فان الأرجح أن يكون من بعض تنظيمات " القاعدة " التي تعمل في بلاد الشام أولا ، ثم تنتقل إلى العراق ، ثم يعود إلى الشام ، وله ارتباطات مشبوهة كثيرة ـ شانه شان الكثير من قيادات تنظيم القاعدة ـ فهو على اتصال سري بالمخابرات الأمريكية و الإسرائيلية ، رغم الشعارات التي يرفعها بخلاف الحال ، ويبدأ تنظيمه في العراق في محافظة ديالى ( رميلة الدسكرة ) ، ثم يخرج إلى الشام ربما لمواجهة ( حزب الله ) ، ولكن تحصل أمور مفاجئة بينه وبين جهات لبنانية أو شامية و سعودية ممن هو متحالف معهم و يستقدمونه لمواجهة الشيعة و حزب الله ، فيحصل اختلاف بينه و بين حلفائه ويقع بينهم الاقتتال ، فينضم إليه كثير من مؤيدي تنظيم القاعدة في الشام ، وهم يحسبون انه ( مقاومة إسلامية ) ستحرر فلسطين المحتلة ، فيفعل بهم ما تفعله القاعدة بأهل العراق ، تماما ، كما حصل في العراق ، حيث أن قيادات بني العباس في العراق هي التي احتضنت تنظيم القاعدة لمواجهة الشيعة ، فتكون القاعدة عذاب على بني العباس و شيعتهم ، وتقتلهم كما تقتل الشيعة .
أما خروجه إذا فهمنا الخروج بمعنى استيلاءه على السلطة وبداية توسيع دائرة سلطانه ففي شهر رجب قبل بضة أشهر من ظهور الإمام المهدي (ع) ، وأما ظهوره العام بمعنى بداية حركته ودعوته ، فقبل ذلك بستة أشهر، حيث انه يقاتل ستة أشهر حتى يستولي على السلطة ويستقيم له الأمر ، و الشهر الذي يظهر فيه وهو شهر رجب الذي فيه العجب هو ذات الوقت الذي يظهر فيه اليماني و الخراساني . أما الأمر الذي يجب التسليم به دون أي أماني زائفة فإن أمر السفياني من المحتوم الذي لابد منه ، فإذا لم يكن سفياني فلا ظهور ، أي إن الأمور ستتغير وتتطور ويعود الملك لبني العباس مرة أخرى ، فلا ينزع الملك من بني العباس كل أمم الأرض لو اجتمعت ضدهم ، بل يعود إليهم مرة أخرى كما عاد إليهم بعد زواله عنهم على يد التتر المغول ، وهذا ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وليس قولنا بالطبع . أي انه بين ملك بني العباس و ملك آل محمد صلوات الله عليهم ، لابد لابد أن يملك بني اميّة ، فلقد تقصينا كل الأخبار و الروايات عن أئمة أهل البيت (ع) ووصلنا إلى هذه الحقيقة وكل من يقول بغير ذلك فهو جهل بحقائق المقادير الإلهية التي قدرها الله سبحانه و تعالى . ويبدو إن الشيعة طالما كانوا يلحون في السؤال عن السفياني ، وما إذا كان من المحتوم ؟ وهل يبدو لله في المحتوم ، وكأنهم يتمنون لو أن لا يكون هناك سفياني ، و ما زال الشيعة إلى اليوم على هذه الحال ، إما استعجالا أو جزعا ، فلا تجزعوا ولا تستعجلوا ، فإن أمره هين بإذن الله ، وشرّه على غيركم أعظم . وسنذكر بعض الروايات بشأنه لحسم الموضوع و البقية لخصّنا لكم مضامينها فيما تقدم .
عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام قال: ( لو أن أهل السماوات و الأرض خرجوا على بني العباس لسقيت الأرض من دمائهم حتى يخرج السفياني، قلت له : يا سيدي ، أمره من المحتوم ؟ قال : من المحتوم، ثم أطرق ، ثم رفع رأسه وقال : ملك بني العباس مكر وخدع ، يذهب حتى لم يبق منه شيء ، و يتجدد حتى يقال ما مرّ به شيء ) (79) .
و الروايات كثيرة كلها بهذا المعنى ، أما فترة ملكه فاختلفت الروايات بين تسعة أشهر و ثمانية أشهر ، ولعل الاختلاف منشأه الرواة ، حيث أن أكثر الروايات تقول ( حمل امرأة ) وربما يتدخل الرواة هنا و يضيف كل منهم توضيح خارج عن النص الروائي لتفسير ( حمل امرأة ) ولذلك فسّر كلٌ حسب اعتقاده ، والذي ينتج عنه إنه ثمانية أشهر فقط .
ففي كمال الدين للصدوق، عن البجلي قال : ( سألت أبا عبد الله عن اسم السفياني ، فقال : وما تصنع باسمه إذا ملك كور الشام الخمس ، دمشق وحمص و فلسطين و الأردن و قنسرين فتوقعوا عند ذلك الفرج . قلت : يملك تسعة أشهر؟ قال : لا، ولكن ثمانية أشهر لا يزيد يوم ) (80).
وفي غيبة النعماني ، عن الحسن بن الجهم قال : قلت للرضا ( عليه السلام) ، أصلحك الله ، إنهم يتحدثون إن السفياني يقوم وقد ذهب ملك بني العباس، فقال : كذبوا، انه ليقوم وإن سلطانهم لقائم ) (81) .
وبالطبع فان سلطانهم ـ وان زال من الزوراء ـ ولكنه قائم في اغلب البلدان العربية وخاصة الحجاز ، ولكنه يزول من مصر إذا قتل أهل مصر أميرهم كما في الروايات ( ويحاول البعض تفسير ذلك بمقتل أنور السادات ، وهو جهل مطبق ) بل إن تأويل ذلك عند قيام الملحمة ، ويزول من اليمن إذا قام اليماني ، ويقتل ويعزل بعضهم ، ولكن بعضهم باق إلى السفياني حتى تقام مأدبة الله من لحومهم لطير السماء و سباع الأرض في قرقيسياء حسب الروايات ، وما ربك بظلاّم للعبيد .
لقد ورد في روايات أن اسمه عثمان بن عنبسة ، والذي يبين من الروايات إن من الممكن أن يكون تحديد لهويته بأنه من العنابس من فروع بني أمية ، أي الفرع الذي منه يزيد بن معاوية ، وليس الفرع الذي منه مروان بن الحكم ، و من هنا سنشاهد الصراع بينه و بين المرواني ( عبد الله عبد الرحمن ) ، و لعل من الأمور التي فيها البداء هي بعض الأسماء التي تم الإعلان عنها و كشفها و منها اسم السفياني ، ومن الممكن جدا أن يكون هناك لحن في القول ، فقد ورد عنهم عليهم السلام ( ليس منا من لا يلحن ) ، أي يجب أن لا يوضح كل التوضيح والصراحة ، فكأن يكون لقبه ( العبسي ) مثلا وليس عنبسة .
لذلك فان المرجح عندنا هو ما ورد عن الإمام علي (ع) أن اسمه يبدأ بحرف الشين ، و مما ورد عن الشيخ البسطامي في الينابيع :







فان المقصود بخروج حرف الميم هو الحرف الأول للاسم الصريح للإمام المهدي (ع) ، و قوله ( من بعد شينه ) فان الشين ، هو الحرف الأول لاسم السفياني (مثل : شاكر ، و شامل ... )، وهذه المعلومات مأخوذة من " الجفر" الذي هو أدق و اصدق و أوضح وليس فيه تمويه .وقد مر علينا في موضوع الصيحة قول الإمام الصادق (ع) " فمن ادعى المشاهدة قبل الصيحة و السفياني فكذبوه " فأما الصيحة فقد عرفتموها و من نصوص القرآن الكريم ، و أما السفياني فهذه حاله ، وكلا هذان الأمران يحصلان بعد رجب الذي فيه العجب و طلوع الشمس من مغربها ، وفي سنة الملحمة العظمى ، عسى أن تكونوا على بينة من الأمر .

الدجال :

إن الروايات والأحاديث الشريفة في الدجال وصفاته وأعماله قد تسبب الإرباك في البحث عن الشخصية الحقيقية للدجال ، ولكني أعتقد من النظر في الأحاديث والروايات بأنه يمكن وضع أطروحتان للدجال :
الأطروحة الأولى : و بالاستفادة من أطروحات السيد الشهيد الصدر(قدس) يمكن أن نقول :
هناك شخصيتان للدجال ، ، شخصية مادية، وشخصية معنوية .
الأول : وهو الأعور الدجال وهو شخص آدمي في طبيعته وشكله ، شيطاني في روحه ، مشوّه الخلقة ، له عين واحدة في جبهته ، وبكلمة مختصرة أنه ممسوخ ، يقوم بأعمال خارقة جداً تربك كل ذي عقل – إلاّ من هدى الله – وهو ضال مضّل ، يظهر ويختفي ، يتبعه سفهاء الناس .
الثاني : وسميّ في بعض الأحاديث ( المسيح الدجال ) وهو دجال معنوي، رمزي وليس ماديا حقيقيا ، وإنما يسمى المسيح الدجال في الروايات لان دعوته في العَلَن دعوة السيد المسيح (ع) وأفعاله أفعال أعتى أعداء الله سبحانه وتعالى ،و كلاهما يقول (أنا ربكم الأعلى ) . أما دعواته فهي – حقوق الإنسان ـ الديمقراطية – الحرية – السلام العالمي – محاربة الإرهاب – محاربة الدكتاتوريات .. بل … والعولمة .
وأما أفعاله فهي الاستعلاء في الأرض والفساد فيها ، والطغيان والأنانية ، والعنصرية ، والاحتكارات ، ومحاربة الأديان ، والاحتلال العسكري .
و قال ابن حجر : ( لأنه يسيح بالضلالة ، وعيسى (ع) يسيح بالهدى . ) ، الا ان التسمية الصحيحة التي عثرنا عليها في الجفر تقول " المسيخ الدجال " بالخاء المنقوطة ، أي من المسخ
أما قوله ( أنا ربكم الأعلى ) فهو ضربه عرض الحائط بالشرعية الدولية والقانون الدولي والرأي العام العالمي ، وقرارات مجلس الأمن وقرارات الأمم المتحدة ، والمعاهدات الدولية ، كل ذلك إذا تعارضت مع أهدافه هو وما يريد هو
أن الأعور الدجال هو الصورة الرمزية للدجال الأكبر والعلاقة بينهما هو التشابه بينهما في تشوّههما الروحي والخلقي وفي شيطنتها .. وفي ضلالها وإضلالها للناس ، وفي إتباع السفهاء من الناس لهما ، وفي خوارقهما ومعجزاتهما ، وفي إصرارها على الغي ، ثم في نهايتهما ومصيراهما المحتوم ، والصفات المشتركة بينهما ليست بحاجة إلى كثير شرح ـ أما تشوّههما وشيطنتهما فواضحة في سياستهما وأهدافهما في الفساد والإفساد والاستكبار وتشوههما الخلقي فالأول ممسوخ بطبيعة خلقه وله عين واحدة في جبينه ، والثاني ممسوخ بطبيعته الحضارية والاجتماعية وينظر للأمور بعين واحدة من منطلق أنانيته وقصر نظره ومعاييره المزدوجة والكيل بمكيالين فلا يكيل دائماً إلا لنفسه فيُخسر الميزان.
والأول يدق الطبول ويضرب بها ويعزف على المزامير كما في الروايات ويتبعه في ذلك سفهاء الناس .
والثاني يدق طبول الحرب بمؤسساته الإعلامية والسياسية وتقوم هذه المؤسسات بالدعاية لعقيدته وأهدافه وسياساته ويتبعه سفهاء الناس .
والأول له معجزات وخوارق بالسحر والإفك .
والثاني : له معجزات وخوارق بواسطة الوسائل التكنولوجية المتطورة وخاصة الإلكترونية .
وباختصار فإن الأعور الدجال هو المخطط الكتلوي ،أو النموذج الهندسي المصغّر ، أو الكاتالوك للدجال الكبير وهو دليل عليه وتشريح له في شخصية الأعور الدجال .

الأطروحة الثانية :
انه مهما وجدت من أطروحات تتنكر لوجود الدجال بصفته الموصوفة ، أو تأويلها إلى صورة رمزية ، هي مخالفة للنصوص النبوية و تكذيب بنبوة رسول الله(ص) ، و يجب حملها على أن محدودية قدراتنا العقلية على صحة الوصف ،ليست مبرر لجعل قدرات الله سبحانه وتعالى محدودة أيضا ، فان الدجال من الآيات العظمى ، التي تأتي في زمن نزول الآيات، وكل الآيات هي خارج قدراتنا العقلية على تصورها ، ومن هنا نشهد لرسول الله صلى الله عليه وآله بأنه بلّغ و انذر و حذّر ، فمن ضلّ فإنما يضل على نفسه.
في الدر المنثور ، اخرج احمد و الطبراني عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول ، ليكونن قبل يوم القيامة ، المسيح الدجال، و كذابون ثلاثون أو أكثر)(82).
عن حذيفة بن اليمان ، عن رسول الله (ص) قال : ( بينما الشياطين مع الدجال يزاولون بعض بني آدم على متابعة الدجال ، فيأبى عليه من يأبى ، و يقول له بعضهم : إنكم شياطين ، وان الله تعالى سيسوق إليه عيسى بن مريم بإيليا فيقتله، فبينما انتم على ذلك حتى ينزل عيسى بن مريم بإيليا وفيها جماعة المسلمين و خليفتهم بعدما يؤذن المؤذن لصلاة الصبح .... ، حتى قال : إنما أحدثكم بهذا لتعقلوه و تفهموه و تعوه ، و اعملوا عليه و حدثوا من خلفكم ، وليحدث الآخر الآخر ، وان فتنته اشد الفتن .) (83) .
وهنا نقطتان مهمتان نود لفت الانتباه إليها:
1 ـ إن عدداً من الأطروحات التي قدمها السيد الشهيد الصدر( قدس) في تفسير بعض العلامات بأنها رمزية وحملها على محمل التأويل و أهمها فيما يخص الدجال ، فان لهذه الأطروحات الأثر الأكبر الذي استهوى الباحثين و المفكرين المعاصرين بالاهتمام بقضية الإمام المهدي (ع) و بحثها بأساليب معاصرة تتوافق و عقلية العصر ، بعد أن سيطرت على عقلية المجتمعات عموما النزعة الواقعية ، ونفورهم من الأطروحات الدينية باعتبارها ( أساطير الأولين ) كما قال الذين سبقوا من قبل ، ولكن السيد الشهيد إنما قدمها كأطروحات محتملة وليس تقريراً منه رحمه الله ، و ترك الباب مفتوحا لتقديم أطروحات جديدة وفهم جديد للباحثين المهتمين بالأمر، وحسب اعتقادنا انه لولا أطروحات الشهيد في الموسوعة لما اهتم احد بقضية الإمام المهدي (ع) كل هذا الاهتمام الواسع الذي نجده اليوم ، والمهم في هذه الأطروحة كما نعتقد ، إن الظروف التي كتبت فيها كانت الولايات المتحدة خصوصا والغرب عموما يشكل لنا في ثورته العلمية و التكنولوجية وخاصة في مجال الصناعات الالكترونية شيئا مذهلا و مدهشا إلى درجة يجعلنا نعتقد إن هذا العلم لا يمكن أن يكون أمرا طبيعيا ، ولكن الآن و بعد انتشار هذه العلوم و الصناعات و تيسرها بأيدي ابسط الناس و أخذت تصنعها اصغر و أفقر الدول و الشركات المحدودة ، فقد سقط سحرها ولم تعد تخلب الألباب ، كما إن الأسلحة التي كانت تحتكر صناعتها هذه الدول ، أصبحت اليوم بأيدي الجميع ، بل ربما بأيدي العصابات ، ولذلك لم يعد مستساغا اعتبار حلف معين أو حضارة معينة بأنها هي الدجال الموعود .
2 ـ إن بقاء مخلوقات من الخلق الأول مما لم يعترض عليه احد أو يشكك به احد ، مثل إبليس لعنه الله، أو أصحاب الكهف ، أو الخضر (ع) إلى ظهور الإمام المهدي (ع) يجعلنا ملزمين بالأخذ بروايات الدجال على حقيقتها كخلق من الخلق الأول أخره الله تعالى إلى اليوم المعلوم ، بصفته التي ذكرتها الروايات دون مزيد، و أفعاله و قدراته التي وإن بدت لنا غريبة ، إلا أنها ليست غريبة على الإطلاق بالنسبة للذين سبقوا ، لذا فان من يكذب بهذه الروايات على ما جاء فيها من الخبر، لابد وان يفتتن بها و يضل بل ويهلك ، وذلك بسبب تكذيبه بالآيات ، فإننا نعلم من الروايات بان الدجال مسلط على رجل من المؤمنين ـ قيل انه النبي اليسع ، وقيل غيره ـ يقتله ثم يحييه ، وهو بذلك يقول : أنا ربكم الأعلى ، و يقول : أنا احيي و أميت . ولكن هذا الرجل هو الوحيد الذي يأذن الله سبحانه و تعالى للدجال أن يميته و يحييه ليبتلي الله الخلق بهذه الفتنة العظيمة ، ثم يقول هذا المؤمن نفسه للدجال : لم أكن أكثر مني بصيرة بأنك أنت الدجال ، فيحاول الدجال قتله ولكن الله سبحانه لا يسلطه عليه .
3 ـ من الواضح إن الدجال له دراية بأكثر علامات الظهور وقد حصل له العلم بوقوعها من خلال ما أخبرت به الرسالات السماوية و من هنا فهو يستغل علمه المسبق بها فينسب سبب وقوعها إلى نفسه و إلى قدرته ليضل السفهاء من الناس ، و من ذلك علمه باستدارة الفلك ، و طلوع الشمس من مغربها ، ففي الروايات انه يسال الناس قبل طلوع الشمس من مغربها بقليل و يقول لهم : هل تريدون أن اجعل لكم الشمس تطلع من المغرب ؟ ثم بطلب من الناس يزعم انه سيجعلها تطلع من المغرب ، وحين يأمرها الله سبحانه أن تطلع من المغرب ، فانه يدعي ذلك لنفسه عليه اللعنة .
إذن نحن الذين نعلم هذه الوقائع و نؤمن بها فانه عندما تقع نقول : صدق الله و رسوله ، هذا ما وعد الله و رسوله ، ولكن الذي لا يعلم ولا يؤمن بذلك فانه عندما يقع هذا الأمر سيضل و يهلك ويعتقد باطلا و جهلا بان الدجال إله ، فيتبعه و يطيعه ، فعندئذ من سيكون المسؤل عن الضلالة ؟ هل إن رسول الله قصر في التبليغ و التحذير و الإنذار ؟ كلا بالطبع و حاشاه عن ذلك و لكن الناس يهلكون أنفسهم وهم لا يشعرون وذلك بتكذيبهم بآيات الله الموعودة.
ففي المرة الثالثة التي دخل بها على الدجال ودعاه إلى الشهادة والتسليم له بالنبوة ورد عليه الدجال اللعين ( إنك لست أحق مني بالأمر... بل تشهد أنت إني رسول الله)، كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد خبّأ له شيء وأراد أن يختبره من جهة ويثبت كذبه وفشله وعجزه من جهة أخرى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله (إني قد خبّأت لك خباء فما هو؟). فقال الدجال (ألدخ ... الدخ). وكان في ذلك اليوم قد نزلت (سورة الدخان) التي ترتبط في فتنة الدجال وجبل الدخان الذي يأتي معه والعذاب الذي يغشى الناس من هذا الدخان ، وكانت هي سورة (الدخان) التي خبأها رسول الله صلى الله عليه وآله للدجال، إلاّ إن الدجال لم يعرف سوى بعض الحروف، وبدأ يتمتم بها، فهي تمتمة بلا معنى. وهو يعني إنه لا يقع على حقيقة الأشياء ولا حقيقة المقادير، وكل ما عنده هذا الادعاء بالباطل، والاستكبار على الحق والإصرار على الغي، والتبجّح بالمعرفة والعلم. فكان رد رسول الله (ص) عليه نابعاً من قلبه المطهر وإيمانه الراسخ، وعلمه المنزّل من السماء، وتسليمه للمقادير التي قدّرها الله سبحانه فقال له بثبات ورسوخ ( اخسأ فإنك لن تعدو أجلك، ولن تبلغ أملك، ولن تنال إلاّ ما قدّر الله لك)84.
فإن مما قدره الله سبحانه للدجال وأتباع الدجال ، هو هذه الهيمنة على العالم ليبتلي الناس به وبأتباعه، وليعلم سبحانه من يؤمن بالغيب ! وهنا التفت رسول الله صلى الله عليه وآله للناس وقال : (أيها الناس ما بعث الله عزّ وجل نبيّاً إلاّ وقد أنذر قومه الدجال، وإن الله قد أخره إلى يومكم هذا، فما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور، إنه يخرج على حمار عرض مابين أذنيه ميل، يخرج ومعه جنة ونار، وجبل من خبز ونهر من ماء، أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب، يدخل آفاق الأرض كلها، إلاّ مكة ولا بيتها، والمدينة ولا بيتها) (85).
إذن فهذا هو ما قدّره الله للدجال، أن يدخل آفاق الأرض كلها ، إلا هذه الأماكن الثلاثة التي تحرسها الملائكة يومئذ . وهنا يتبادر إلى أذهاننا تساؤل عن الحكمة من فتنة الدجال هذا وما وراءها !
فنقول : إن الله سبحانه و تعالى الذي وصف نفسه بأنه ( ليس كمثله شيء ) و ( الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ) ، و ( يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار ) و مثل هذه الأسماء و الكلمات التي وصف نفسه تقدست أسماؤه ، و تكلم الربانيون بما تكلموا به عن ساحة قدسه ، و خاصة أمير المؤمنين عليه السلام ، فهل لعاقل أن يصدق أو يشك للحظة بان القدوس السبوح تبارك و تعالى ، هو هذا المخلوق المجسم المشوه ، المحدود بمكان ، و يمشي في الأسواق ، حتى لو كان هذا المخلوق متمكنا تمكينا عظيما من السحر و الافك ؟ أين قلوب العارفين و المؤمنين من كل هذا ؟ ولكن مع ذلك .... !
قال المسعودي : ( وفي حديث تميم الداري انه خرج في بعض الأسفار فوقع إلى جزيرة ، فرآه وخاطبه ، وسأله عن ظهوره ، وانه وجده مغلولا ، مشدودا إلى صخرة ، وأن الشياطين تأتيه بما يأكله ، على ما يقول . وفي خبر آخر أنه لا يحتاج إلى الغذاء ، ورآه تميم الداري ، وله عين واحدة ، وحدث بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يرويه عنه فيقول : " حدثني تميم الداري" ، ويذكر طرفا من خبر الدجال . ويقال إن أمه امرأة من الجن عشقت أباه حويلا ، فتزوجته فأولدها الدجال وهو خوص بن حويل ، وكان مشوها مبدلا ، وكان إبليس يعمل له العجائب ، فلما كان وقت سليمان عليه السلام دعاه فلم يجبه ، فحبسه في جزيرة في البحر . وقيل إن أباه استهوته الشياطين لما كانت أمه منهم ، وانه من مدينة ماريول التي غلبت عليها الجن ، وهي من مدائن المغرب ، وأن الجن في طاعته . وقيل إن مجلسه كان في قبة بوادي برهوت في اليمن ، وكانوا يحجون إليه ، وقيل انه لم ينم قط ، وأنهم كانوا يرون فوق عينيه نارا بيضاء ، وكذلك عن الموضع الذي هو فيه مسجون انه يعلوه بالليل نار مضيئة ، وبالنهار دخان ) (86)
بقي لنا أن نعرف انه قبل ظهور الدجال الموعود ، إن من الناس من هم دجالين وهم على عقيدة الدجال وأخلاقياته ضالين مضلين يدعون إلى النار وليس خطرهم ولا شرهم بهين ، فقد اخرج أبو يعلي عن الجلاس قال :
( سمعت عليا رضي الله عنه يقول لعبد الله السبائي ، لقد سمعت رسول الله (ص) يقول إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا و انك لأحدهم ) (87) .
وفيه أيضا عن ابن عمر عن رسول الله (ص) : ( إن في أمتي لنيفا و سبعين داعيا كلهم داعي إلى النار، لو أشاء لأنبأتكم بأسمائهم و قبائلهم ) .
وبالطبع فان مما بينته الروايات أن هؤلاء الدجالين و الكذابين لهم مزاعم مختلفة و عقائد مختلفة ، كلها من الافك بأنواعه المختلفة تستوجب الحذر الشديد ، و الخلاص منها بان يكون المؤمن على بينة منها قبل وقوعها .وجاء في خطبة لأمير المؤمنين (ع) : و أحذركم الدجالين من أولاد فاطمة (ع) فان من أولاد فاطمة دجالين ، و أولهم الدجال الذي يظهر من دجلة البصرة ) (88).
ولهؤلاء الدجالين مزاعم مختلفة ، فمنهم من يروج للاحتلال الأجنبي لبلاد المسلمين ، و منهم من يدعي انه الإمام المهدي (ع) ، و منهم من يدعي انه(الحسني ) أو ( اليماني ) أو( القحطاني) أو ( النفس الزكية ) و غير ذلك ، بل إن أخطرهم ، بعد الدجال الأعور، هو الذي سيمر علينا ذكره في خطبة للإمام علي (ع) ، وهو" الكاهن الساحر" الذي ينبع في الكوفة كما ينبع الماء ، ويسمى في بعض الروايات ( الشيصباني ).
لذا يجب الحذر الشديد منهم لأنهم بالتأكيد يهلكون الناس ، و من المؤكد أن اغلب هؤلاء يعملون برعاية مخابرات الدول المعادية لبلاد الإسلام و لقضية الإمام المهدي (ع) تحديدا . فان وقعتم ضحية لأحد الدجالين بعد هذا البيان ، فبما كسبت أيديكم ولا تلوموا إلا أنفسكم .



استـدارة الفـلك :

لقد اشرنا في الجزء الأول بشكل موجز إلى التغيرات الفلكية المرتقبة وأهميتها والغاية منها ، وهذا الموضوع في الحقيقة واسع جداً بودنا لو ننطلق منه لبحث القصور الذي تعاني النظريات العلمية في نشأة الكون بالاستناد إلى ما جاء به القرآن الكريم والذي يصعب فهم ما يرمي إليه لولا التوضيح والتفسير والتوسّع الذي تطرّقت إليه خطب أمير المؤمنين (ع) في هذا المجال ، ولكن الموضوع الذي يشغلنا الآن هو معرفة ما يجري على الساحة السياسية وما سيكون عليه العالم في الفترة القصيرة القادمة في مجال الطبيعة والفلك وارتباط ذلك بتدبير الأمور السياسية التي ستقع ضمن حلقات التدبير الإلهي للأمر ، والأهم من ذلك متى سيقع ذلك ؟
قال ابن عباس : ( حججنا مع رسول الله (ص) حجة الوداع فاخذ بحلقة باب الكعبة ، ثم اقبل علينا بوجهه و قال : " ألا أخبركم باشتراط الساعة ؟ .... ـ إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه و آله ـ : و يمطرون في غير أوان المطر. ) (89) .
إن هذه الرواية تدلنا بشكل واضح عن علاقة التاريخ القمري بالتاريخ الشمسي أي الهجري بالميلادي . و ( غير أوان مطر ) يعني أشهر الصيف الحارة.
أما لماذا تمطر في غير أوان مطر فذلك بسبب التغيرات الفلكية المرتقبة والموعودة في خطبتي الأمام علي ( ع ) التي ذكرناهما في الجزء الأول – الأولى التي يقول في آخرها ( فيا عجباً كل العجب بين جمادي ورجب ). والثانية التي يوضح فيها بعض أسباب العجب قائلاً :
روى ألمدائني ، قال : خطب على عليه السلام ، فذكر الملاحم ، فقال : ( سلونى قبل أن تفقدوني ، أما والله لتشغرن الفتنة الصماء برجلها ، وتطأ في خطامها . يا لها من فتنه شبت نارها بالحطب الجزل ، مقبلة من شرق الأرض رافعة ذيلها ، داعية ويلها ، بدجلة أو حولها (90). ذاك إذا استدار الفلك ، وقلتم : مات أو هلك ، بأي واد سلك ! ) (91)
واستدارة الفلك ، مما سنتناوله أيضا في "الآيات" في الجزء الثالث .
ومن هذه الرواية نستدل إن رجب الذي فيه العجب واستدارة الفلك يتوافق تاريخه في وقت الظهور مع أشهر الصيف الحارة في التاريخ الشمسي ، وإذا تذكرنا ما قلنا سابقاً من أن هذه الآيات يجب أن تكون في سنة الظهور المبارك ، الذي سيكون في سنة فردية ـ هذا على أطروحة أن السنة الهجرية عند أهل البيت عليهم السلام ، تبدأ في ربيع الاول ـ :
{ عن أبى عبد الله عليه السلام قال لا يخرج القائم عليه السلام إلا في وتر من السنين ، سنة إحدى ، أو ثلاث ، أو خمس ، أو سبع ، أو تسع } (92) ، وفي هذه السنوات سيصادف فيها رجب ( الذي فيه العجب ) يتوافق مع التوقعات السابقة المستندة إلى الأحاديث وخطب أمير المؤمنين عليه السلام في وقوع الظهور المبارك في هذه السنوات إن شاء الله .
أما ما سيحدث فهو كما قلنا في الجزء الأول وهو إننا نتوقع إعادة استدارة الفلك ومواقع الكواكب إلى زمن ما قبل الطوفان الذي أغرق الله سبحانه به أهل الأرض في زمن النبي نوح عليه السلام بعد إن فرّط أهل الأرض بالنعمة التي أنعم الله بها عليهم وكفروا بها فنقلهم إلى فلك آخر .
إن قوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ* فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (93)وبغض النظر عن قول المفسرين في تفسير هذه الآية ، تتحدث هذه الآية كما نعتقد عن امرين ،الاول : استدارة الفلك وطلوع الشمس من مغربها ، وغروب الشمس من مغرب غير المغرب المعروف حالياً ، وهذه الآية المخاطب بها هم أمة النبي صلى الله عليه وآله الذي سيشاهدون مشرقين ومغربين ، وهما المشرق والمغرب الحالي ، والمشرق والمغرب الذي سيكون في رجب قبل الظهور ببضعة أشهر ونقل أهل الأرض إلى فلك جديد تتباطأ فيه سرعة دوران الأرض إلى واحد من عشرة ، ويبتعد الموقع الجغرافي لعاصمة الدولة العالمية الإلهية عن المسقط العمودي لأشعة الشمس ، وتكثر الأمطار ويتحسن المناخ بحيث يصبح أكثر إعتدالا مما هوعليه الآن . وهذا احد معنيين للآية .
أما المعنى الثاني :
ففي كتاب نعيم : ( حدثنا الحكم بن نافع عن جراح عن أرطاة قال يقتل السفياني كل من عصاه وينشرهم بالمناشير ويطحنهم بالقدور ستة أشهر ، قال : ويلتقي المشرقين والمغربين .) (94) .
فذلك ما ترمي إليه الآية ، إلى الملحمة العظمى حيث المشرقين ( مشرق بلاد الإسلام ـ العراق وإيران وأهل اليمن ـ اليماني ـ ، ومشرق الأرض ، أي أمم شرقي الأرض ـ الترك والصين والهند والإبر والديلم والطالقان وبقية أمم الملحمة من أهل المشرق ) ، والمغربين ( مغرب بلاد الإسلام ـ البربر ، والمروانيين ـ عبد الله عبد الرحمن ، والرايات الصفر المساندة لهم ـ قيس ـ ومن والاهم من أهل الملحمة ، ومغرب الأرض ـ أمم الملحمة ، الروم والإفرنج والأندلس والصقالبة والاهتردة وغيرهم من الأمم الغربية ) فالمعنى ، وعيد لهم بان يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض .
وفي تفسير البيان للسيد الخوئي ( قدس) قال : ومن الأسرار التي كشف عنها القرآن قبل أربعة عشر قرنا : وجود قارّة أخرى . فقد قال سبحانه وتعالى : " رب المشرقين ورب المغربين ". وهذه الآية الكريمة قد شغلت أذهان المفسرين قرونا عديدة ، وذهبوا في تفسيرها مذاهب شتى . فقال بعضهم : المراد مشرق الشمس ومشرق القمر ومغرباهما ، وحمله بعضهم على مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما . ولكن الظاهر أن المراد بها الإشارة إلى وجود قارة أخرى تكون على السطح الآخر للأرض يلازم شروق الشمس عليها غروبها عنا .) (95)
أقول : سيبين لنا مما في "الجفر" عن أمير المؤمنين (ع) أن هذه القارة مكشوفة ومعروفة ، ولهم أنبياء مبعوثون ، والآية تتحدث عن نزول الآيات التي هي من اشراط الساعة وظهور الإمام المهدي (ع) ، مع تقديرنا العالي لهذا العالم الفاضل.

الأدلة التاريخية على استدارة الفلك :
رؤيا الملك سوريد : [ كان سوريد ملكا على مصر قبل الطوفان بثلاثمائة سنة فرأى في منامه كأن الأرض قد انقلبت بأهلها ، و كان الناس يهربون على وجوههم ، و كأن الكواكب تتساقط و يصطدم بعضها ببعض بأصوات هائلة مفزعة ، فرجف قلبه و أرعبه ذلك و علم انه سيحدث في العالم أمر عظيم ، ثم رأى بعد ذلك كأن الكواكب الثابتة نزلت إلى الأرض في صورة طيور بيض كأنها تخطف الناس و تلقيهم بين جبلين عظيمين ، وكأن الجبلين قد انطبقا عليهم ، و كأن الكواكب النيرة كاسفة مظلمة ، فانتبه أيضا مذعورا فزعا. فلما أصبح، أمر رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر، و كانوا مائة و ثلاثين ، فخلا بهم و حكى لهم جميع ما رآه ، فأعظموه و أكبروه و تأولوه على أمر عظيم يحدث في العالم . فقال لهم الملك : خذوا ارتفاع الكواكب و انظروا هل من حادث ، فبلغوا غايتهم في استقصاء ذلك ، فاخبروه بأمر الطوفان و بعده النار التي تحرق العالم ، فأمر ببناء الأهرام ...
رؤيا الكاهن فيلمون :
عندما قص الملك رؤياه قال رئيس الكهنة ـ الكاهن فيلمون ـ انه رأى رؤيا قبل سنة ولم يقصها على احد ، فقال الملك قصها علي يا فيلمون ، فقال الكاهن ( رأيت كأني قاعد مع الملك على رأس المغار الذي في أشمون ، و كأن الفلك قد انحط من موضعه حتى قارب رؤؤسنا و كان علينا كالقبة المحيطة بنا ، و كأن الملك رافع يديه إلى السماء ، و كواكبا قد خالطتنا في صور شتى مختلفة ، و كأن الناس يستغيثون بالملك وقد انجفلوا إلى قصره ، و كان الملك رافع يديه إلى أن يبلغ رأسه ، و أمرني أن افعل مثله ، ونحن على وجل شديد إذ رأينا منه موضع قد انفتح و خرج منه ضياء يضيء ، ثم طلعت علينا منه الشمس ، فكأنا استغثنا بها فخاطبتنا بان الفلك سيعود إلى موضعه إذا مضت له ثلاث و ستون دورة ، وهبط الفلك حتى كاد أن يلصق بالأرض ثم عاد إلى موضعه فانتبهت فزعا . ] (96)...
وسنذكر لكم بان الكاهن فيلمون هذا دبر حيلة وهرب فيما بعد إلى بابل ، ليلتقي النبي نوح عليه السلام وآمن به و ركب معه السفينة وكان من الناجين ، ولهذا فان رؤياه تكتسب أهميتها من هنا . و الأهم انه اخبرنا بان " استدارة فلك " كانت ستقع آنذاك ، وهو أول ذكر نقع عليه يخبرنا بما جرى ، و الأكثر أهمية انه اخبرنا بموعد رجوع الفلك إلى موضعه ، أي الاستدارة التالية ، وهي ( بعد ثلاث و ستين دورة ) ، أي ثلاث و ستون قرن ، أي ثلاثة آلاف و سبعمائة و ثمانون سنة .. وهو ما يعادل الفترة الزمنية المتوقعة من الطوفان حتى الآن . وسنعود للموضوع بعد الفراغ مما في أيدينا.
أما من الناحية العلمية فما الذي سيحدث ؟
لقد جاء في الجفر في صفة نجم ( نجم الآيات ) عن أمير المؤمنين (ع) :
( ويسبق المهدي ظهور النجم ذو الذنب العجيب ، ليس ما ترونه نجم ثلثي العقد الواحد ، ولا نجم ثلثي القرن ، ولا نجم كل قرن ، إنما النجم ذو القرون ، له قلب و فيه نار و ثلج و تراب و هواء ، يمتد ذنبه ما أسرع ما أسرع في جريه سرعة نور الشمس ما انفجر الفجر . يعود أوله على آخره كأنه الطوق العظيم ، يكون له وهج في ليل كأن شمس أشرقت ، ثم يروح لدائرته ، وبعد هلاك وموت كثير ، خيرا لأهل الخير ، وشرا لأهل الشر )(97)
فان نجم الآيات هو الذي يقوم بقلب محاور الكواكب ، بما يسببه من تنافر مغناطيسي مع الأرض بحيث يقلب القطب الشمالي محل الجنوبي ، والقطب الجنوبي محل الشمالي(علماً بأن الأقطاب المغناطيسية ليست ثابتة أساساً,بل تنحرف سنوياً بمقدار طفيف جداً ومحسوب بدقة متناهية ويسمى "الانحراف" وتختلف قيمته حسب الموقع الجغرافي ويعتبر أحد أهم الوسائل لدى علماء الآثار لمعرفة عمر موقع أثري معين عند توفر الأسباب لذلك). وبنفس الوقت الذي يقلب فيه نجم الآيات الأقطاب المغناطيسية للأرض والكواكب الأخرى فانه وبسبب التنافر المغناطيسي يدفعها إلى الفلك الجديد . وهنا طبعاً سيكون طلوع الشمس من المغرب الحالي .
إن الذي يساعد على هذا الاعتقاد ، هو ما سيحدث في القمر أيضا ، فإنه كما جاء في الروايات إننا سنرى وجه آخر للقمر أكثر إشراقاً واشدّ إضاءة ، فلو كان النجم يقوم فقط بعكس دوران الأرض والقمر، فأننا لن نشاهد وجه جديد للقمر ،بل يبقى نفس الوجه مع انعكاس الدوران الذي ربما لا نستطيع ملاحظته .
ومن الطبيعي ولكي يستقر التوازن المغناطيسي في المجموعة الشمسية فلابد أن يشمل هذا التغيير جميع كواكب المجموعة الشمسية ما لم يشمل كواكب مجموعات شمسيه أخرى في مجرّتنا (درب التبّانه ) أو لربما حتى في مجرّات أخرى – ولكننا لن نلاحظ ذلك إلاّ في القمر والأرض وباقي الكواكب والنجوم ومجموعات البروج التي تعودّنا على مشاهدتها ورصدها.
وبالطبع فإن الاضطرابات المناخية من أمطار وعواصف سيبقى مستمر حتى دفع جميع كواكب المجموعة إلى مداراتها الجديدة حيث تستقر على حالة جديدة أخرى.
من الموعود في الوضع الجديد للفلك أن تكون الأيام أطول من الأيام الحالية بعشرة مرات وهو ما يسميه أئمة أهل البيت ( لبوث الفلك ) .
وروى أبو بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : " إذا قام القائم عليه السلام سار إلى الكوفة فهدم بها أربع مساجد ، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمه وجعلها جما ، ووسع الطريق الأعظم ، وكسر كل جناح خارج في الطريق ، وأبطل الكنف الميازيب ، ولا يترك بدعة إلا أزالها ، ولا سنة إلا أقامها ، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم ، ويمكث على ذلك سبع سنين من سنيكم هذه ، ثم يفعل الله ما يشاء " . قال : قلت له : جعلت فداك ، وكيف تطول السنون ؟ قال : " يأمر الله تعالى الفلك بالثبوت وقلة الحركة ، فتطول الأيام لذلك والسنون " . قال : قلت : إنهم يقولون : إن الفلك إن تغير فسد ؟ قال : " ذلك قول الزنادقة ، فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك وقد شق الله القمر لنبيه ، ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون ، وأخبر بطول يوم القيامة وإنه (كألف سنة مما تعدون ) (98)
وهذا معناه أن سرعة دوران الأرض حول نفسها سيكون أبطأ مما هو عليه الآن وهذا يعني أن تكون سرعة دوران الأرض في فلكها (حول الشمس ) أبطأ مما هي عليه الآن بشكل تناسبي بحيث يتسنى لنا معايشة فصول السنة الأربع خلال دورة واحدة للأرض في فلكها حول الشمس بحيث تبقى مدة الفصل الواحد ثلاثة أشهر ولكن أيامه طويلة إستنادا لوحدة قياس الزمن المستخدمه الآن وبالنتيجة سيشمل التغيير حتى زاوية ميلان الأرض في الأفق السماوي (60 درجه ) لما لهذه الزاوية والعوامل الأخرى المذكورة آنفا ( دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس وموقعها في الكون وزاويتها المدارية ، بالإضافة إلى طبقات الغلاف الجوي والطبيعة الجيولوجية للأرض كوجود الجبال على سبيل المثال) من تأثير مباشر على توازن دوران الأرض وعلى طبيعة ونوعية التوازن والمغناطيسي الذي نعيشه ونقع تحت تأثيره الآن، وهذا ما نعنيه بتقليل تأثير المجالات الكهرومغناطيسية على الإنسان والكائن الحي ، وتأثيرها على وضعه العصبي والنفسي ، وتأثيرها على فسلجة خلايا جسم الكائن الحي ، وهو ما قلناه في الجزء الأول حيث كان السبب في تناقص عمر الإنسان والكائن الحي ، ونشوء الروح العصبية وسرعة الاستفزاز وكثرة الاختلاف ثم نشوء التباغض والشحناء والروح العدوانية ، الذي كان له السبب الرئيسي في كثرة الحروب وسفك الدماء ، والله أعلم . حيث يمكن فهم ذلك من خلال تأثيره على التجمعات السكنية التي تعيش قريباً من خطوط الضغط العالي لنقل الطاقة الكهربائية ، وتأثير المجالات الكهرومغناطيسية على هذه التجمعات دون سواها ، حيث إن هؤلاء يكونون عصبي المزاج ومتوترين وسريعي الإثارة وربما يكون لديهم ميل للعدوانية أكثر من غيرهم حسب الدراسات الخاصة بذلك .وهذه الأطروحة إستناداً إلى معلوماتنا الفلكية المتواضعة جداً.
أما السؤال لماذا يكون هذا التغيير مباغتا ويسقط حساب الفلكيين والمنجمين ( كما جاء في الروايات ) ؟
فهو استحالة الرصد بسبب التردد العالي للطاقة العالية لضوء الشمس (فيما لو جاء متخفياً في زاوية حجب الشمس ) كما هو المتوقع . وهناك أمر جديد عثرنا عليه في " الجفر" ، وهو أن سرعة هذا الكوكب بسرعة الضوء كما يقول أمير المؤمنين (ع) " ما أسرع في جريه سرعة نور الشمس " و المعروف علميا أن حجم المذنب يتناسب طرديا مع سرعته ، فكلما كان أسرع كلما كان اكبر ووهجه أعظم .
يقول ستيفن هوكنغ : ( إن الضوء القادم من نجم بعيد عنا من الذي يمر بقرب الشمس صدفة سوف ينعكس بزاوية صغيرة تجعل النجم يظهر في موقع غير موقعه بالنسبة للراصد الموجود في الأرض ) وهذه طبعاً من تنبؤات النظرية النسبية .
ثم يقول بعد ذلك ( ولعل من الصعب جداً علينا أن نلاحظ هذا التأثير لأن الضوء المنبعث من الشمس يجعل رصد النجوم التي تبدو قريبة من الشمس في كبد السماء أمراً مستحيلاً ) انتهى. ولهذا لا يستطيع أحد رصد نجم الآيات قبل ظهوره المفاجئ ) وللمزيد من المعلومات راجع كتاب ( موجز تاريخ الزمن ) لستيفن هوكنغ – الفصل الثاني .
وهنا يبرز اخطر و أهم سؤال في هذا الموضوع : وهو ، هل يمكن أن يكون ما تتحدث عنه الروايات في استدارة الفلك و طلوع الشمس من مغربها هو أمر رمزي و كناية عن ظهور الإمام المهدي ( عج) دون وقوعه حقيقة ؟؟
فنقول : إن كل ما نزل به قرآن لا يمكن إلا أن يكون كما جاء به القرآن الكريم مهما كانت عقولنا تستعظمه ، وخصصنا الجزء الثالث لبحث السنن الإلهية و منها سنّة الآيات ، وفيها بحث الموضوع قرآنيا، حيث يتبين لنا بان ذلك من الآيات الموعودة قبل الظهور المبارك ، أما الآن فنقدم بعض الروايات التي تشرح عن رسول الله صلى الله عليه و آله كيفية حدوث ذلك لتكونوا على بينه ولا تكذبوا بآيات الله العلي القدير.
اخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي (ص) في حديث طويل منه قال: ( فلا تزال الشمس تجري من مطلعها إلى مغربها حتى يأتي الوقت الذي جعله الله لتوبة عباده ، فتستأذن الشمس من أين تطلع ! و القمر من أين يطلع ! فلا يؤذن لهما ، فيحبسان مقدار ثلاث ليالٍ للشمس و ليلتين للقمر، فلا يعرف مقدار حبسهما إلا قليل من الناس ، وهم بقية أهل الأرض وحملة القرآن ، يقرأ كل واحد منهم ورده في تلك الليلة ، حتى إذا فرغ منه نظر فإذا ليلته على حالها، فيعود فيقرا ورده فإذا فرغ نظر فإذا ليلته على حالها، فلا يعرف طول تلك الليلة إلا حملة القرآن، فينادي بعضهم بعضا، فيجتمعون في مساجدهم بالتضرع و البكاء و الصراخ بقية تلك الليلة، ومقدار تلك الليلة ثلاث ليال، ثم يرسل الله جبرائيل (ع) إلى الشمس و القمر فيقول :
إن الرب عز وجل أمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها . ) (99) .
و اخرج البهيقي ، و أبو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن مسعود انه قال ذات ليله لجلسائه : ارايتم قول الله عز وجل ( تغرب في عين حمئة) ماذا يعني بها ؟ قالوا الله اعلم ، قال : ( فإنها إذا غربت سجدت لله وسبحته و عظمته و كانت تحت العرش، فإذا حضر طلوعها سجدت له و سبحته و عظمته و استأذنته فأذن لها، فإذا كان اليوم الذي تحبس فيه، سجدت له و سبحته و عظمته ، فيقال لها اثبتي، فإذا حضر طلوعها سجدت له وسبحته و عظمته و استأذنت فيقال لها اثبتي ،فتحبس مقدار ليلتين ، و يفزع إليها المجتهدون و ينادي الرجل جاره ، يا فلان ما شئننا الليلة ! لقد نمت حتى شبعت وصليت حتى أعييت ، ثم يقال لها اطلعي من حيث غربت ، فذاك يوم لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل . ) (100).
ومع كل ذلك يبقى الأمر الذي ليس فيه خفاء ولا يجوز معه أي اجتهاد من أي كان ، هو التنبيه ولفت الأنظار الذي جاء في رسالة الإمام المهدي (عج) إلى الشيخ المفيد رحمه الله ، التي قال فيما قال فيها : ( إذا حل جمادي الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه ، ستظهر لكم آية في السماء جلية ، ومن الأرض مثلها بالسوية. ) (101). وهو بالطبع يشير هنا إلى ما جاءت به الرواية عن الإمام الصادق (ع) :
( إذا آن قيام القائم مطر الناس جمادي الآخر و عشر أيام من رجب ، مطرا لم تر الخلائق مثله ، فينبت الله به لحوم المؤمنين و أبدانهم في قبورهم ، فكأني انظر إليهم مقبلين من جهة جهينة ينفضون شعورهم من التراب ) (102) . ثم إلى النداءات الثلاث ، ثم استدارة الفلك وطلوع الشمس من مغربها ، ثم توالي الآيات الأخرى تباعا في رجب الذي فيه العجب.
ولعل قائلاً يقول ، إن ما لفت إليه الإمام المهدي (ع) في هذا الأمر هو خاص بتلك السنة ( 410 هج ) ، فنقول : بل انه يشير بذلك إلى السنة التي تسبق الظهور ، أي جمادي و رجب الذي يسبق محرم الذي فيه الظهور المبارك ، ويدل على ذلك قوله (عج) : ( وهي إمارة لأزوف حركتنا و مبائتكم بأمرنا و نهينا والله متم نوره ولو كره المشركون ) . وهو يعني انه (ع) ربما كان يتوقع الإذن بالظهور ، ولكن الأمر لله ، وشاء الله سبحانه تأخير الظهور إلى الأجل اللاحق ، وكان الأمر كما قال تعالى ( قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا ) ، فان الأمر كله لله ليس لأحد ولا حتى الإمام المهدي (ع ) له من الأمر شيء ، بل انه كذلك ينتظر الإذن من الله سبحانه وتعالى ، ولكن تبقى العلامات التي نبه وأشار إليها قائمة وواقعة في وقتها والله العالم .
وفي خطبة الامام الحسين عليه السلام يوم الطف قبل المعركة ، وكما رواه رجال ابن عساكر:
( ألا ثم لا تلبثون إلا ريث ما يركب فرس حتى تدار بكم دور الرحا ويفلق بكم فلق المحور ، عهدا عهده النبي إلى أبي ( ع ) فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون " ) (103) ، و "فلق المحور" هو وصف آخر لما قاله امير المؤمنين (ع) من ان النجم ( يحرف المحاور) ، وقوله (ع) ( الا ريث ما يركب فرس ) هي الفترة التي تنزل فيها الآيات وتستمر ثمانية اشهر ، اعتبارا من رجب الذي فيه العجب .
وفي تاريخ الطبري ، عن ابن عباس قال : ( أرسل الله المطر أربعين يوما وأربعين ليلة فأقلت الوحوش حين أصابها المطر والدواب والطير كلها إلى نوح وسخرت له فحمل منها كما أمره الله عزوجل من كل زوجين اثنين وحمل معه جسد آدم فجعله حاجزا بين النساء والرجال فركبوا فيها لعشر ليال مضين من رجب وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم فلذلك صام من صام يوم عاشوراء ) (104) . إنها المقادير الإلهية ، تماما كما سيحدث قبل الظهور ( أي من العاشر من رجب إلى العاشر من محرم ) .
وفي الكافي ، وبإسناده ، عن المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( سأل رجل أبي صلوات الله عليه عن حروب أمير المؤمنين عليه السلام وكان السائل من محبينا فقال له أبو جعفر عليه السلام : " بعث الله محمدا صلى الله عليه واله بخمسة أسياف ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، وسيف منها مكفوف وسيف منها مغمود سله إلى غيرنا وحكمه إلينا " ) (105) .
وفي كتاب التوحيد للصدوق ، عن أمير المؤمنين علي (ع) في شرح مطول :
[ وقوله : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ) يخبر محمدا صلى الله عليه واله وسلم عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله وللرسول ، فقال : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ) حيث لم يستجيبوا لله ولرسوله ( أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ) يعني بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى ، فهذا خبر يخبر به النبي صلى الله عليه واله وسلم عنهم ، ثم قال : ( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في أيمانها خيرا ) يعني من قبل أن يجيء هذه الآية ، وهذه الآية طلوع الشمس من مغربها ، وإنما يكتفي أولو الألباب والحجى وأولو النهى أن يعلموا أنه إذا انكشف الغطاء رأوا ما يوعدون ] (106) .
وفي الخصال للصدوق ، بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : كنا جلوسا في المدينة في ظل حائط قال : وكان رسول الله صلى الله عليه واله في غرفة فاطلع علينا فقال : فيم أنتم ؟ فقلنا نتحدث قال : عم ذا ؟ قلنا : عن الساعة فقال : إنكم لا ترون الساعة حتى ترون قبلها عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها والدجال ، ودابة الأرض ، وثلاثة خسوف في الأرض : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، وخروج عيسى بن مريم عليه السلام ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وتكون في آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحدا ، تسوق الناس إلى المحشر ، كلما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر .) (107) .
وفي تفسير الميزان للطباطبائي: ( وقد ورد طلوع الشمس من مغربها في أحاديث كثيرة جدا من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ومن طرق أهل السنة عن جمع من الصحابة ، والأنظار العلمية اليوم لا تمنع تبدل الحركة الأرضية على خلاف ما هي عليه اليوم من الحركة الشرقية أو تبدل القطبين بصيرورة الشمالي جنوبيا وبالعكس إما تدريجا كما يبينه الأرصاد الفلكية أو دفعة لحادثة جوية كلية .) (108)
وهذا التحليل كله مبني على أساس فهمنا لاستدارة الفلك على أنها انحراف محاور الكواكب وتغير المدارات وطلوع الشمس من مغربها فهل هذا هو المقصود باستدارة الفلك ؟

معنى استدارة الفلك حسب الإمام المهدي (ع)
ولكن حديث الإمام المهدي عليه السلام مع إبراهيم بن مازيار، ربما يعطينا صورة تختلف بعض الشيء عن هذه الصورة ، كما في غيبة الطوسي :
قال إبراهيم بن مازيار عن أول لقاءه بالإمام المهدي عليه السلام :
( فلما أن رأيته بدرته بالسلام ، فرد علي أحسن ما سلمت عليه ، وشافهني وسألني عن أهل العراق ، فقلت سيدي قد ألبسوا جلباب الذلة ، وهم بين القوم أذلاء فقال لي : يا بن المازيار لتملكونهم كما ملكوكم ، وهم يومئذ أذلاء ، فقلت ، سيدي لقد بعد الوطن وطال المطلب ، فقال :
" يا بن المازيار ( أبي ) أبو محمد عهد إلي أن لا أجاور قوما غضب الله عليهم ( ولعنهم ) ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم ، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها ، ومن البلاد إلى عفرها ، والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج ، فقلت يا سيدي متى يكون هذا الأمر ؟ فقال : إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة ، واجتمع الشمس والقمر واستدار بهما الكواكب والنجوم ، فقلت متى يا بن رسول الله ؟ فقال لي : في سنة كذا وكذا تخرج دابة الأرض بين الصفا والمروة ، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان ، يسوق الناس إلى المحشر . " (109)
وهذه الصورة هي ما أشار إليه قوله تعالى (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَخَسَفَ الْقَمَرُ* وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ* ) (110) ، ورغم أن هذه الآيات من سورة القيامة ، إلا أننا لا نعلم بواطن ما ترمي إليه ، فهي على هذه الرواية لعلها تشير إلى قيام القائم من آل محمد صلوات الله عليهم ، فتكون استدارة الفلك هي اجتماع الشمس والقمر ثم تستدير النجوم والكواكب حولها كالحلق ، فتكون آية مشهودة في السماء ، ولها دلالة على آية أخرى غير مشهودة ، وهي اجتماع الشمس والقمر ـ أي ، رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام ـ وتستدير حولهما النجوم ـ أي ، أئمة أهل البيت عليهم السلام ـ استعدادا لرجعة ، والله العالم .
وفي المستدرك :( اخبرنا ) أبو زكريا العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق أنبأ جرير عن الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه في قوله عزوجل " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل " ، قال طلوع الشمس من مغربها ، ثم قرأ هذه الآية " وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يقول الإنسان يومئذ أين المفر" ، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) (111).
والظاهر أن رافع الحديث هو عبد الله بن مسعود ، والحديث الشريف يستدل بأية القيامة ، كما وصف ذلك الإمام المهدي عليه السلام ، فهذا أوضح وأدق تفسير لمعنى ( استدارة الفلك ) التي وردت في خطب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكثرت التأويلات والتفسيرات له ، ونجد أن هذا التفسير هو الذي يأخذ بالأعناق بقوة الدليل .
والآن نعود إلى موضوع الكاهن فيلمون لنعثر على....

أول ذكر للإمام المهدي (ع) في كتب الأولين :
يذكر المسعودي عن الأقباط الأوائل ، إن أول من ملك مصر بعد الطوفان هو مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح ،وذلك بدعوة سبقت له من جده عليه السلام والسبب في ذلك ، إن فيلمون الكاهن سأل نوح (ع) أن يخلطه بأهله وولده ، وقال له : يا نبي الله إني تركت أهلي وولدي ، فاجعل لي رفقة اُذكر بها بعد موتي . فزوج عليه السلام مصرايم بن بيصر بن حام بابنة فيلمون الكاهن ، فولدت له ولد سماه باسم جده ( فيلمون ) . فلما أراد نوح عليه السلام قسمة الأرض بين بنية ،قال له فيلمون : ابعث معي يا نبي الله ابني ، حتى امضي به إلى بلدي و أظهره على كنوزه ، و اُوقفه على علومه ، واُفهمه رموزها . فبعثه مع جماعة من أهل بيته ، وكان غلاما مراهقا ،) . ويروي المسعودي الكثير من العجائب و الغرائب التي أطلعهم عليها فيلمون ، و ما قاموا به هم من أعمال عمرانية عظيمة ، ولكنهم امتنعوا عن التحصين بالطلاسم و علم التنجيم ، و أصبحوا يتحصّنون بأسماء الله الحسنى . حتى اقترب اجل مصرايم فأمر بنيه أن يحفروا له نفق في الأرض و فرشوه بالمرمر وفيه مجلس مصفح بصفائح من الذهب ، و فيه جميع كنوزه من الذهب الفضة و الجوهر و تدفن معه في هذا القبر العجيب .
إلى أن يقول المسعودي : ( و اجلسوا جسده في مجلس زبرجد اخضر ، و زبروا عليه " مات مصرايم بن بيصر بن حام بعد سبعمائة سنة مضت لأيام الطوفان ، مات ولم يعبد الأصنام ، فصار إلى حيث هو لا يوم هرم ولا سقم ولا حزن ، وجعل جسده و ماله في هذا السرب و حصّنه بأسماء الله العظام ، و بما لا يصل إليه بعده الاّ ملك له من جدوده سبعة ملوك ، يأتي في آخر الزمان ، يدين للملك الديان ، ويؤمن بالمبعوث بالقرآن ،الداعي إلى الإيمان ، في عواقب الأزمان"(112).
فصلاة الله وسلامه عليك سيدي .. كم من القلوب المؤمنة هي بانتظارك منذ آلاف السنين ! وكم من الذين لُعنوا مصرّين على عداوتك منذ آلاف السنين، من أمويي الأمم العاصية ! وكم هو خبث هذه الشجرة الملعونة و جذورها الممتدة في الأمم ، لتنصب العداء للشجرة المباركة لآلاف من السنين ، حتى لم يعد لها من علاج سوى أن يقلعها الله من جذورها ، بظهورك المبارك .


المحافظون الجدد و استدارة الفلك :
لعل من المهم أن نعرف اهتمام المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية باستدارة الفلك منذ فترة حكم الرئيس الأمريكي ( رونالد ريغن ) و تخصيص مليارات الدولارات لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا " لمعرفة ما سيحدث ، و أفضل السبل للنجاة منه ، ومن هنا بدا مشروع ( حرب النجوم ) الذي طرحه الرئيس الأمريكي ( رونالد ريغن ) و حارب من اجله حرب شعواء حتى استطاع إقناع الدول الأوربية بالمشاركة في هذا المشروع الخيالي ، و يتلخص بحمل منظومة صاروخية نووية في الفضاء لمواجهة الكوكب الذي يقوم باستدارة الفلك ، وما يتوقع من سقوط نيازك و شهب منه على الولايات المتحدة و أوربا ، ووضع خطط لتدميره في الفضاء بالصواريخ النووية ، و رغم إن المشروع يثير السخرية و الرثاء لعقول هؤلاء الفراعنة الجدد ، إلا أن الأمر الأخطر هو ليس هذا المشروع ، بل البديل الذي وضعوه لمواجهة العواقب التي تتبع استدارة الفلك ، حيث انه حسب اعتقادهم ، إن الشرق سيكون ارض النعمة و المناخ و الطبيعة المباركة ، وان الغرب سيتعرض للتصحر و شحة المياه و تغير مناخي مخيف ، فبدءوا منذ ذلك الوقت بالإعداد لغزو الشرق و قتل أهله ، و الاستيلاء عليه ، و إعادة تجربتهم مع الهنود الحمر في أمريكا ، أما ملوك المسلمين فلو انك أخبرتهم الآن باستدارة الفلك ، فسيقولون لك ( إن هي إلا أساطير الأولين )
وأما الأحزاب والحركات والمنظمات المتقاتلة على السلطة الآن في العراق ، فلو أقسمت لهم بكل الأيمان ، وجئتهم بكل الأدلة ، على أن نوايا أمريكا الحقيقية هي القضاء على الجميع بدون استثناء ، تنفيذا لمشروعهم بالسيطرة والاستيلاء على شرق بلا بشر ، فما كانوا ليؤمنوا حتى يقضي الله أمرا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


استدارة الفلك و المقادير الإلهية :
لعل أهم ما في هذا الموضوع " استدارة الفلك " هو ما قدمنا للحديث عنه في أول الكتاب ، وهو" المقادير الإلهية"
إلا أننا في الواقع حذرون جدا من الحديث في هذا الموضوع ، لأنه موضوع خطير ، و ينبغي لمن يتكلم فيه أن يكون لديه علم غير طبيعي ، و إلا فانه يكون من "المتكلفين " و يقحم نفسه فيما لم يكلف به . فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام ، في حديثه مع المنجم الفارسي الذي نصحه بعدم المسير إلى الخوارج ـ وهو حديث مشهور ـ قال (ع) : ( هذا علم لا يعلمه إلا نحن و أهل بيت في الهند ) (113) ـ ويروى أن أهل البيت الذي في الهند المشار إليهم ، هم ذرية احد أوصياء النبي إدريس (ع) وهو أول من علمه الله علم الحروف وأسرارها ـ
إلا انه دون الخوض في الأمور العميقة التي كان يتكلم بها ( من عنده علم الكتاب ) عليه السلام ، كما مر في الجزء الأول ، نقول انه يمكن فهم أمور سطحية من كلام أمير المؤمنين عليه السلام بشكل إجمالي دون معرفة عمقها و أسرارها ، وذلك حسب التالي :
إن المقادير الإلهية ترتبط بشكل غير مفهوم و غير معروف لدينا ، بالبروج ، و مواقع النجوم ، و أفلاك الكواكب ، وهذا ما أشارت إليه عدة آيات قرآنية تتوعد بمجيء الأمر الإلهي بهذه الاشراط ، كقوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) (114)، و قوله تعالى ( و السماء ذات البروج و اليوم الموعود ) (115) ، وذلك ليس بتأثير الكواكب ، ولكن للدلالة والعلامة .
و قلنا في أول الكتاب إن من المقادير الإلهية أن تقوم دولة عالمية على الرقعة الجغرافية التي ذكرناها وفق متوالية زمنية ( وهي اثني عشر قرن قمري) ، و سيمر علينا في تفسير و تأويل العديد من الآيات القرآنية الخاصة بالأمر الإلهي ، أنها على هذا السبيل ، و الذي يبدو أن هذه المقادير الإلهية ، هي ما يقوم عليه برنامج الخلق هذا هو لفترة خاصة ، وهي الفترة المحصورة ما بين الطوفان الذي حصل في زمن النبي نوح (ع) ، و إلى استدارة الفلك ، التي تكون من اشراط الظهور المبارك ، ولهذا فانه عندما تحدث استدارة الفلك تتغير المقادير ، ( يسقط حساب المنجمين ) كما ورد في الروايات ، لأنهم لا يعلمون حينئذ المقادير الجديدة ، ولا ينطبق عليها ما بأيديهم من علم مشوش و بأسس و قواعد غير صحيحة ، وهو كما قيل أن أصله هو( ما اُنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت) ، و بالتالي فان كل ما يقوم عليه علم التنجيم و قراءة الأبراج سيسقط عند استدارة الفلك .
و مما يدل من كلام أمير المؤمنين (ع) بوجود علاقة و ترابط بين المقادير الإلهية و بين ،البروج ، و مواقع النجوم ، و الأفلاك، قوله عليه السلام للمنجم : ( أعالم أنت بالنجمين اللذين ما ظهرا إلا عن مكيدة ولا غابا إلا عن مصيبة ؟ وأنهما طلعا ثم غابا فقتل قابيل هابيل) (116)، و قوله (ع) في الدعاء (إن دعاء أربعة عشر مؤمنا في مسجد ، يحل ما عُقدت عليه الأفلاك) .
والذي يبدو لنا ببساطة من علاقة البروج والكواكب بالمقادير الإلهية ، هو أن الكواكب والبروج ليست عاملا فاعلا ، بل هي لوحة القراءة ، فكما أن لكل منظومة مركبة ومعقدة وواسعة تحتاج إلى ( لوحة سيطرة وقيادة ) تستدل مما فيها من المؤشرات والعلامات الضوئية وأمثالها على ما يحدث في المنظومة ـ مثل شبكة الكهرباء ، أو حتى السيارة والطائرة والباخرة ـ فكذلك السماء وصورة البروج والكواكب هي ليست مؤثرة بحد ذاتها ، ولكنها لوحة السيطرة والقيادة التي يستدل منها العالِم بها على ما يحدث في العالَم .
ووجدت في كتاب ( فرج المهموم ) للسيد ابن طاووس الحسني ، جدل عنيف فيما بينه و بين السيد الشريف الرضي ( رحمه الله ) حول هذا الموضوع ، حيث أن ابن طاووس يدافع عنه ، بينما ينفيه السيد الشريف الرضي استنادا إلى حوار الإمام علي (ع) مع ذلك المنجم ، أما قولنا فهو كما بيناه بشكل مبسط ، وهو أمر وسط فيما بينهما ، و الله العالم .
ولكن من الظريف أن نجد في دلائل و جدليات ابن طاووس ما يدل على اعتقادنا بحصول استدارة فلك أيام نوح (ع) ، وذلك من خلال تغير مواقع الأبراج في نفس الفترة ،وكما يلي:
كان ابن طاووس يحتج و يبطل قول المنجمين ، ليس بأصل العلم ، و إنما بالخطأ في فهمهم و استقرائهم له ، و كان يناقش كتاب احدهم ،وهو( الصوفي ) .. و كتاب الصوفي كما ذكر ابن طاووس كان يتحدث بتاريخ ( ثمان و عشرين و أربعمائة للهجرة) أي فبل ألف سنة من الآن تقريبا ، ثم ذكر ما يقوله الصوفي في موضوع لم يعترض عليه ، حيث يقول : { و الصوفي يقول في كتاب " الصور " : إن مواضع هذه الصور، التي كانت على منطقة فلك البروج ، كانت منذ ثلاثة آلاف سنة على غير هذه الأجسام ، وأن صورة الحمل كانت في القسم الثاني عشر .... الخ } (117)..
و يدل ما يقوله الصوفي الذي قال ذلك قبل ألف سنة ، بان تغيير ما قد حصل قبل ذلك بثلاثة آلاف سنة ، و يكون المجموع ( أربعة آلاف سنة تقريبا ) من أيامنا ، وهو ما يتقارب من الفترة المقدرة لأيام الطوفان ، بان استدارة فلك قد حصلت في ذلك الوقت .
و سيمر بنا مما في الإنجيل أيضا مما يؤيد ذلك . و بالطبع إن كل ما نقصده بالدرجة الأولى ، هو التصديق بآيات الله الموعودة ، و عدم التمادي في تفسير كل شيء تفسيرا رمزيا ، لمجرد أننا لا نفهم ما يقوله ( الذي عنده علم الكتاب "ع" ) .






أرض العجائب والمتناقضات :
ليس على وجه الأرض منذ بداية التاريخ وحتى اليوم وربما إلى يوم القيامة ليس أعجب ولا أغرب من هذا البلد – العراق – وليس أعجب ولا أغرب من شعبه وما فيه من النقائض والمتضادات ، فأما الأرض ففيه البصرة مهبط إبليس التي فيها تسعة أعشار الشر ، وفيه الكوفة التي ما من نبي إلاّ وصلى فيها وما أرادها جبار بسوء قط إلاّ رماه الله بقاتل ، وفيه خير الخلق والخليقة بعد رسول الله وهو أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، وفيها شر الخلق والخليقة ( ذو الثدية ) (118) وأشقى الأولين والآخرين ابن ملجم وفيه أعظم كنوز الأرض وأكثرها (القليل جداً منه ما هو معروف والقسم الأعظم مدخر لصاحب الأمر " عج" ) ومع ذلك فهو أكثر شعوب الأرض حرماناً من ثرواتهم .
يستلقي بين رافدين عظيمين ، وبين فترة وأخرى يهلك أهله وزرعه ومواشيه من العطش .
وعبر كل تاريخ الرسالة المحمدية وحتى اليوم ليس بلد بكى مصائب أهل بيت النبوة وسفكت دماء أبنائه بسبب ولائهم ومحبتهم لأهل البيت ، وهو البلد الذي ليس مثله وعلى أرضه سفكت دماء أوصياء رسول وأهل البيت حتى لا تكاد تجد مدينة أو قرية إلاّ وفيها شاهد على الجريمة الكبرى في تاريخ البشر .
والقائمة لها أول وليس لها آخر من المقارنات المتناقضة ولكن ما يثير الاستغراب الآن هو ما يحصل الآن ، فلو تطلعت إلى أسماء البلدان التي يخرج منها أصحاب الإمام القائم المهدي ( عج ) (ورغم الكنز من الرجال في الطالقان) لوجدت لهذا البلد سهما كبيرا من هذه الصفوة التي يختارها الله سبحانه لينتصر بهم لدينه وهم خير البرية ، وفيه شر البرية من جبابرة الأمة و من الذين سيأتون من الجزيرة و من الشام يسفكون الدماء و ينتهكون المحارم ، هل هم ضحية تاريخهم ؟ هل هم ضحية ظروفهم ؟ هل هم ضحية سياسات الجبابرة والطواغيت الذين تسلطوا عليهم منذ استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام حتى اليوم .
ربما يقول قائل بذلك ، ولكنه يلتمس لهم الأعذار دون جدوى فهم ليسوا سوى منقلبين على أعقابهم ، فهم الذين قال فيهم تعالى ( وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ،ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا )
نعم كذلك هم الانقلابيون عبر كل تاريخهم ، لا يؤمنون إلاّ بما يلمسونه من رغبة أو رهبة ، أو يكون لهم فيه هوىً في أنفسهم ، عندما وجدوا يوسف (ع) لا تهواه أنفسهم القوه في غيابة الجب ، ثم قالوا في أخيه (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) (119).
ثم أزعجهم أن يترفّع الله سبحانه وتعالى عن مقامهم ويضع دون نفسه الحجب ودونهم ( وإذ قلتم لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً ) ،( فقالوا أرنا الله جهرةً فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ) (120) ، وهكذا عندما ردعهم الله سبحانه ردعاً شديد القسوة ، أعرضوا عنه واتخذوا العجل . إنهم يريدون إلهاً يلمسونه بأيدهم ويستمتعون ببريقه( وإذا اتخذتم العجل وأنتم ظالمون ) ، فحلّت عليهم لعنة الرب وأظَلّهم على علم فجعل عجلهم له خوار ، ومن خوار العجل بدأت النظرية المادية وخوارق الدجال ومعجزاته ، من أثر الرسول ، من التراب الذي وطئته فرس جبريل عليه السلام .
ثم توعدّهم الله سبحانه بالملك البابلي ( بخت نصّر ) ، وأرادوا قتله وهو فتىً صغير فمنعهم جبريل عليه السلام من ذلك وقال لهم إن كنتم صادقين أو على حق فسيهلك الله دولتهم ويدمرها بيده أو بيد غيره ، وإن كنتم مخطئين فقد قتلتم نفساً بغير حق .
ومن أجل هذا أعلنوا عداوتهم لجبريل عليه السلام (قل من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) .
وهكذا بدأوا يضعون الشروط ويضعون البدائل ويقترحون الاقتراحات ولهذا رفضوا دعوة رسول الله ( ص ) في أول الأمر لأن جبريل هو الذي جاء بها من السماء .
(من كان عدوّاً لجبريل وميكال واسرافيل فإن الله عدو للكافرين) (121)، ولما وجدوا الله وضع حمايته لجبريل ( ع ) بدأوا يشترطون شروطاً أخرى ، وكان قبل ذلك لهم صولات وصولات في قتل الأنبياء وآخرها محاولتهم قتل السيد المسيح عليه السلام .
وجاءوا بشروط جديدة على الله سبحانه في قبول رسالته ودينه وهو أن يستبدل خاتم الأنبياء بنبي آخر يرشحونه هم للمنصب ( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (122) ثم لما عجزوا عن ذلك ووجدوا أنفسهم مقهورين بدءوا يقترحون اقتراحات جديدة .
(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه) (123).
إنهم لا يريدون نبيا ولا رسالة ، بل يريدون مسرحاً للألعاب السحرية يتسلون به ويرفهون عن أنفسهم ، وكانت حربهم وشروطهم على النبي ( ص ) لا هوادة فيها ، ولما وجدوا إنهم مغلوبون على أمرهم ، لم يرتدعوا عن وضع البدائل والشروط حتى تمت الرسالة وتم استخلاف النبي ( ص ) ثم تسمية الأوصياء من بعده ، وهم أولي الأمر من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وهنا بدأت الحرب الدموية وبدأ الانقلاب الأعظم في تاريخ الانقلابات .
أعلنوا الحرب على أمير المؤمنين ( ع ) وعبدوا الجمل والتفّوا حوله يقاتلون من أجله كما عبدوا العجل من قبل، ولما عُقِرَ الجمل انهزموا وتفرّقوا ، كما تفرّقوا عن العجل حين أحرقه موسى ( ع ) ونسفه في اليم نسفا ، ثم تجمّعوا حول صدام وهم يكتبون له وثائق بالدم أن يقاتلون دونه ، ولمّا فرّ صدام فرّوا وذابوا كالملح في الماء ، إنهم بحاجة دائماً إلى عجل أو جمل أو حمار يعبدونه ويلتفون حوله ، الانقلابيون يلتفون الآن حول الدبابات الأمريكية والدولارات الأمريكية …إنها عجلهم الجديد أو جملهم الجديد أو إلههم الجديد ، الذي سيظلون عاكفين عليه حتى حين . أمير المؤمنين عليه السلام قال ( وإن أمريء دلّ على قومه السيف وساق إليهم الحتف لحريٌ أن يمقته الأقرب ولا يأمنه الأبعد )، الانقلابيون لم يكتفوا بأن دلّوا السيف على قومهم وبلدهم ودينهم وأعراضهم ، بل ركبوا معهم الطائرات المروحية وهم يدعوننا لاستقبالهم والاستسلام لهم ، الأمريكيون يقولون عن أنفسهم وعلى لسان رئيسهم إنهم محتلون ،و الانقلابيون يقولون عنهم محررين وأصدقاء، الأمريكيون وحلفاؤهم يسمون أنفسهم وباعتراف من مجلس الأمن سلطات احتلال ، و الانقلابيون يسمونهم سلطات تحالف ، فكان حريٌ أن لا يأمنهم الأبعد فنبذ المحتلون كثير من الانقلابيين .
وظهر انقلابيون جُدد مردوا على النفاق ، أصبحوا مجلس حكم و وزراء و محافظين وقانونيين وإداريين وقضاة وشرطة و… شيوخ ، تصوّروا شيوخ ، نفس الأعراب المخلفين الذين وصفهم القرآن بأنهم ( اشدّ كفراً ونفاقاً ) كما هزجوا لصدام ورقصوا ، يرقصون الآن لليهود ويقدمون لهم سيوفا عربية هدايا ويستضيفونهم في … ! وأن تعجب فعجبٌ قولهم إنا يجب أن نطيع سلطات الاحتلال .
( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم ) هذه هي سنّتهم وأخلاقياتهم عبر كل تاريخهم ( تشابهت قلوبهم ) والآن يشترطون آخر شروطهم على الله ، يريدون ما أرادوا من قبل، وضع البديل، إنهم يجدون فكرة دولة الإمام المهدي ( عج ) فكرة لا باس بها ، ولكن عندهم بديل ، على الرب تعالى أن يأخذ به ، يجب أن يكون هذا الأمام القائم المهدي ( رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) والقريتان العظيمتان هما ( الولايات المتحدة ، وإسرائيل ) هل استمعتم إلى الرئيس ( بوش الابن ) قبل بدء الحرب وهو يقول أنه يوحى إليه ، لقد قال كذلك وأسالوا إن كنتم لا تعلمون ، وقادة إسرائيل لم يقولوا ذلك صراحةً ولكنهم في سرهم أيضا يؤمنون بأنهم يوحى إليهم .
ولذلك يرى الانقلابيون وضع بديل افتراضي لهذا الإمام، على أن يكون رجل من القريتين عظيم ، أمريكا ، أو إسرائيل !! بوش أو رئيس وزراء إسرائيل !! ليس هناك مشكلة كبيرة فكلاهما عظيم ، وداخل البيت الانقلابي يتفاهمان على الإمامة وولاية العهد.
الانقلابيون في العراق يتذرّعون بصدام ، ويقولون لولا الاحتلال ما تخلصنا من صدام ونظامه ، لقد كان صدام ونظامه كالديدان المعوية يعيشون في أمعائنا ، يمتصون دماءنا وغذاءنا وطاقاتنا ، ويقلقون نومنا وراحتنا ، ولكن هل نقتلهم بأن نتجرع كأساً كبيراً من السم الزعاف فنقتل أنفسنا كي نقتل هذه الديدان ؟ كلا والله إنها حجة داحضة ، ولكنهم الانقلابيون ليس غير . فلو كان غير ذلك لعلموا إن مالك الملك هو الذي يؤتي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء . ولعلموا ( إن لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون ) ، ولو كانوا يؤدبون أنفسهم بعلم أمير المؤمنين ( ع ) لاستمعوا إليه وهو يقول ( إن لبني أمية مدة فإذا انقضت مدتهم لو كادتهم الضباع لغلبتهم ) .
ولقد كنا نعلم انقضاء مدة صدام ونظامه بما منّ الله على نبيه وأهل بيته من العلم وأفضوه إلينا من غير تقصير منهم . بل ونعلم كل ما ستفعلونه أيتها الديدان أنتم وقادتكم ، ونعلم مدتكم ، ولكنكم لا تعلمون ّعمّاذا سيسفر الصبح ، وإن الصبح لقريب بإذن الله ، وإنا لصابرون بتثبيت من الله .
ولكن لهفي عليك سيدي ومولاي ، وفداك أرواحنا … كيف تجرّعت أفعال الانقلابيين كل هذه القرون . إن أرواحنا لتزهق وقلوبنا امتلأت قيحاً حتى كرهنا الدنيا وتمنينا الموت والذهاب إلى جوار ربنا الرحيم ، وكل ما رأيناه بضع عشرات من السنين .
وأنت مولاي اثنا عشر قرناً يعتصرُ قلبك ، وتدمع عينك . تُبرد النفس بزفراتك ، وتختنق بعبراتك …ولا من أحد يشاركك ألمَكَ ولا غير الله تشكو له همّك … ولا من سمير يواسيك ، ولا من صاحب يسمع بواكيك، ومع ذلك تجوب مشارق الأرض ومغاربها ، تتفقد حالنا وتهدينا سبلنا … كيف احتملت وحدك أن تكون الشاهد على ما يفعله الانقلابيون، اثنا عشر قرناً وأنت تشاهد جريمتهم وانحطاطهم وإفسادهم واستكبارهم ، وتحتمل ذلك وحدك ، بينما نحن نلهو ، ونتنعّم بالطيبات .
سيدي لا نقول لك أدركنا وأغِثنا … بل نقول لك هَلُمّ إلينا ، نشكو إليك وتشكو إلينا …نحميك وتحمينا …… نُصبرك وتصبّرنا ، أين هذا العاجز الذي اشتكى من البيداء فيقول ( أمّا الأحبّةُ فالبيداء دونَهُمُ ) ، ليت ما بيننا وبينك بيداء … إذن لقطعناها زاحفين ، ليت ما بينا وبينك بحراً … إذن لعبرناه سابحين ، ليت ما بيننا وبينك ناراً أو شوكاً …إذن لاجتزناهما صابرين ، ولكن بيننا وبينك حجاب الله الذي لا يُهتك …
هَلُمّ مولاي نبتهل وإيّاك إلى ربنا أن يجمعنا بعد الفراق …ننتصر لك وتنتصر لنا ، فقضيتنا واحدة وأمرنا واحد … إنّهم الانقلابيون، وأن قضيتنا واحدة …هي إنّا إلى ربّنا راغبون ، وقضيتنا واحدة ، هي إنّا لربنا ونبينا وأهل بيت نبينا عاشقون .

انتهى الجزء الثاني بعون الله ويليه الجزء الثالث / ربيع اول 1424 هج



1( ) الملاحم والفتن لابن طاووس ص 157
2( ) الملاحم والفتن لابن طاووس ص 197
3( ) الزام الناصب ص137
4( ) سورة الروم 51
5( ) كتاب الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي ص 116
6( ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج9 ص 349
7( ) بحار الانوار ج 52 ص 243
8( ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج13 ص 98
9( ) الانفال 16
10-مختصر بصائر الدرجات
11-شرح نهج البلاغة ـ ابن ابي الحديد 8 / 215
12-كنز العمال ـ المتقي الهندي ج 14 ص 205
13-فتح الباري ـ ابن حجر ج 6 ص 447
14( - وسائل الشيعة (آل البيت ) - الحر العاملي ج 15 ص 57
15( - وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي ج 11 ص 41 ، الغيبة ص 284
16( ) ملاحم ابن طاووس ص 128 عن زكريا ، و ص 91 عن نعيم
17( ) الملاحم و الفتن لابن طاووس ص 93
18( ) الزام الناصب ج2 ص 247
19 ( ) سورة مريم 84
20 ( ) الاعراف 182 ، 183
21 ( ) آل عمران 178
22 ( ) المؤمنون 55 ـ 56
23 ( ) آل عمران 151
24( ) سورة مريم 37ـ 40
25( ) غيبة النعماني ص 251
26( ) العنكبوت 40
27( ) هود 67 ، 68
28( ) هود 94
29( ) سورة " ص " آية 15
30( ) كتاب الفتن لنعيم بن حماد ص 132 :
31( ) الدر المنثور ج3 ص 60
32( ) الواقعة 4 ـ 6
33( ) كراسة التعبئة وواجبات الاركان الكيمياوية ص 73 ـ 74
34( )كراسة التعبئة وواجبات الاركان الكيمياوية 153
35( )نفس المصدر ص 73
36( )نفس المصدر ص 75
37( ) كراسة التعبئة وواجبات الاركان ص 78
38( ) فتح الباري لابن حجر 13 / 78
39( ) فتح الباري لابن حجر 13 / 78
40( ) الفتن ـ نعيم بن حماد ص 386
41( ) التفسير الصافي ـ الفيض الكاشاني ج 4 ص 405
42( ) تفسير ابن كثير ج 4 ص 150
43( ) المستجاد من الارشاد ـ العلامة الحلي 262
44( ) ينابيع المودة لذوي القربى ـ القندوزي ج 3 ص 220
45( ) كتاب الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي ص 169
46( ) لاهمية هذا الموضوع وسعته ، اصدرنا كتابا خاصا به وبالعنوان نفسه يمكن لطالب المعرفة والاستزادة الرجوع اليه
47( ) سورة الاسراء 4 ـ 7
48( ) نوادر المعجزات ـ محمد بن جرير الطبري ( الشيعي) ص 66
49( ) كنز العمال ـ المتقي الهندي ج 2 ً ص 452
50( ) التبيان ـ الشيخ الطوسي ج 6 ص 448
51( ) جوامع الجامع ـ الشيخ الطبرسي ج 2 ص 360
52( ) جامع البيان ـ ابن جرير الطبري ج 15 ص 29
53( ) تفسير القمي ـ علي بن ابراهيم القمي ج 2 ص 14
54( ) الكافي ـ الشيخ الكليني ج 8 ص 206
55( ) العنكبوت 10
56( ) حقائق التأويل للشريف الرضي ص 75 ـ 76
57( ) مختصر بصائر الدرجات ص 139
58( ) البقرة 216
59( ) سورة الاحزاب 72
60( ) سورة الحشر 21
61( ) الاحتجاج للطبرسي 1 / 327 ، وكتاب سليم بن قيس
62( ) بصائر الدرجات ـ محمد بن الحسن الصفار ص 96 .
63( ) المعارج 19 ـ 21
64( ) البقرة 127
65( ) الصافات 102 ـ 108
66( ) اشتقاق من شورة البلد
67( ) كفاية الاثر ص 188
68( ) البقرة 140
69( ) آل عمران 37 ـ 38
70( ) سورة مريم 1 ـ6
71( ) البقرة 129
72( ) ابراهيم 37
73( ) البقرة 124
74( ) المائدة 137
75( ) كامل الزيارات ـ جعفر بن محمد بن قولوية ص 137
76( ) شرح نهج البلاغة ج1 ص 111
77( ) كمال الدين وتمام النعمة ـ الشيخ الصدوق ص 651
78( ) الفتن لنعيم بن حماد ص 425
79( ) بحار الانوار 52 / 250
80( ) كمال الدين للصدوق ص 651
81( ) غيبة النعماني ص 303
82( ) الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 52
83( ) الفتن لنعيم ص 106
84- إكمال الدين وإتمام النعمة ص 493
85- إكمال الدين وإتمام النعمة ص 493
86- اخبار الزمان ـ المسعودي ص 122
87( ) الدر المنثور للسيوطي ج6 ص 52
88( ) ملاحم ابن طاووس
89( ) وسائل الشيعة ج 11 ص 278 ، و تفسير الصافي 5 / 25
90( ) وقد ورد في كثير من المنسوخات هذه الجملة ( بذحلة ومثلها ) وهو خطأ من النساخ ، كما انه ليس له معنى ، وإنما القول الصحيح في هذا المصدر ( بدجلة أو حولها ) يعني بغداد وضواحيها
91( ) شرح نهج البلاغة ـ ابن ابي الحديد ج 6 ص 136
92( ) المستجاد من الإرشاد ـ العلامة الحلي ص 262
93( ) كتاب الفتن ـ نعيم بن حماد ص 178
94( ) الرحمن 18،17
95( ) - البيان في تفسير القرآن- السيد الخوئي ص 73 :
96( ) اخبار الزمان للمسعودي ص 135
97( ) المفاجأة لمحمد عيسى بن داوود ص 204 ، وقد اضفنا هذه المعلومة في وقت لاحق نقلا عن كتاب علي عاشور ص 225
98( ) إعلام الورى باعلام الهدى للطبرسي ج 2 ص 291
99( ) الدر المنثور للسيوطي ج3 ص 62
100( ) الدر المنثور للسيوطي ج3 ص 62
101( ) الارشاد للشيخ المفيد ، وبحار الانوار ج 52 ص 175
102( ) بحار الانوار ج 52 ص 90
103( ) ترجمة الامام الحسين عليه السلام ـ ابن عساكر ص 370
104( ) تاريخ الطبري ـ الطبري ج 1 ص 127
105( ) الكافي للكليني ج 5 ص 10
106( ) كتاب التوحيد للشيخ الصدوق ص 254 ـ 266
107( ) الخصال للشيخ الصدوق ص 449
108( ) تفسير الميزان ـ السيد الطباطبائي ج 7 ص 391
109( ) غيبة الطوسي ص 266
110( ) سورة القيامة 7ـ 9
111( ) المستدرك ـ الحاكم النيسابوري ج 2 ص 509
112( ) اخبار الزمان للمسعودي ص 182
113( ) مدينة المعاجز ص 52
114( ) الواقعة 75 ـ 76
115( ) البروج 2،1
116( ) مدينة المعاجز لهاشم البحراني ص 52
117( ) فرج المهموم لابن طاووس ص 69
118( ) ذو الثدية راس من رؤوس الخوارج ورد ذكره كثيرا في التاريخ الاسلامي وقصته مشهورة ، كونه اتهم روسول الله (ص ) بعدم العدالة ، ثم اخبر رسول الله عنه انه يُقتل في النهروان مع الفئة الباغية ، راجع كنز العمال للمتقي الهندي ج 11 ص 301 ، والسنن الكبرى للنسائي ج 5 ص 163 ، والسنن الكبرى للبهيقي ج 2 ص 371 ، واشهر ما قاله فيه رسول الله ( ص) كما في مسند احمد بن حنبل وذكره ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 2 ص267 قال : [ وفى مسند أحمد بن حنبل ، عن مسروق ، قال : قالت لي عائشة : إنك من ولدى ومن أحبهم إلي فهل عندك علم من المخدج ؟ فقلت : نعم ، قتله على بن أبى طالب على نهر يقال لأعلاه تامرا ، ولأسفله النهروان ، بين لخافيق وطرفاء ، قالت : أبغنى على ذلك بينة ، فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلك ، قال : فقلت لها سألتك بصاحب القبر ، ما الذي سمعت من رسول الله ( ص ) فيهم ؟ فقالت : نعم سمعته ، يقول : إنه شر الخلق والخليقة ، يقتله خير الخلق والخليقة ، وأقربهم عند الله وسيلة ] .
واسمه حرقوص ، ويسمى ذو الثدية لان يده اليمنى اشبه بثدي المرأة ، ويوصف بالمخدج
وفي كنز العمال : (عن سويد بن غفلة قال : سألت عليا عن الخوارج فقال : جاء ذو الثدية المحدجي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم فقال : كيف تقسم ؟ والله ما تعدل ! قال : فمن يعدل ؟ فهمّ به أصحابه فقال : دعوه ! سيكفيكموه غيركم ، يقتل في الفئة الباغية ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، قتالهم حق على مسلم .
وفي سنن البهيقي : (مالك بن الحارث قال كنت مع علي فقال : اطلبوه ـ يعنى المخدج ـ فلم يجدوه فجعل يعرق جبينه ويقول والله ما كذبت ولا كُذبت فاستخرجوه من ساقيه ، فسجد * )
وفي نهج البلاغة ج2 ص156 ذكره الامام علي (ع) في خطبة قال (" ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي والنكث والفساد في الأرض ، فأما الناكثون فقد قاتلت ، وأما القاسطون فقد جاهدت . وأما المارقة فقد دوخت . وأما شيطان الردهة فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه ورجة صدره . " ) مشيرا اليه بشيطان الردهة ، وهي اشبة بحفرة ماء وجدت جثته غاطسة فيها بعدما قتله امير المؤمنين عليه السلام .
119( ) يوسف 77
120( ) النساء 153
121( ) البقرة 175
122( ) سورة
123( ) الاسراء 90 ـ 93

هناك تعليق واحد:

  1. لكل قراءمدوناتي :
    لا اسألكم عليه اجرا إن أجري إلا على الله

    ردحذف