السبت، 28 يناير 2012

** التكوير والتكرير

فلسفة التأريخ عند الأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام )

نظرية التكوير والتكرير.






مقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب السموات و الارضين ، ورب الأولين والآخرين ، بارئ النسم وذراي الأمم ، محصي عددهم ، وراقب رصدهم ، مستنسخ أعمالهم و أقوالهم ، ومسمي آجالهم ، و جامعهم ليوم الجمع لا ريب فيه ، و موفيهم أجورهم ولا يُظلًم عند ربك أحدا ، وصلى الله على محمد وآله صلاة ينجز بها لم ما وعد ، انه لا يخلف الميعاد .

أما بعد :

إذا كان التاريخ يعني سجل حوادث الأيام و الأزمان و الدهور ، وما مر على الأمم و البلدان و الشعوب من تغير الأحوال أو مصارع الآجال ، أو مداولة الأيام بينهم بين فاتح و مفتوح وآكلٍ ومأكول ، وإذا شهد تاريخ الأمم بضعة مواقف من رجحان العقول ، و تحالف الفضول، وتلاقح الأصول ، فان فلسفة التاريخ تبحث في ما وراء الحدث ، ومجرى الحدث ، من كيفية ونوعية ، وهل من نظام يتحكم بعوادي الدهر و نوائبه ! وجيشان فتنه و مصائبه ! وعمران الأرض وخرابها ، و ربيع الأنفس و عذابها !

أم هي العشوائية والاعتباطية ! أم هو التربص واقتناص الفرص ! أم هي حيلة المقهور .. التمسكن و التعامي حتى يغفل القاهر ! أم هي المصادفات ، وليتني أصادف مصادفة واحدة أقيم بها الأود ، و اُجهش بها العدد ، و اُشفي صدور الأحرار و الأخيار من الكمد . ولكن .. هيهات ورب العرش العظيم ، فكل شيء عنده بمقدار .

ولقد فكرت لبعض الوقت ، أن اسلك سبيل من هم من بين يدي و من قبلي ، من باحثين و مفكرين و كتاب ، واستعرض خوض الخائضين في فلسفة التأريخ ، وفطاحل الترف الفكري ، و تجديف العصافير المبللة لانتشال تيتانك التاريخ من أمواج المحيط وجبال الجليد ، كتقديم تقليدي للدخول إلى صلب الموضوع ، إنما أثناني عن ذلك ما هو قائم بالفعل ، وذلك إرهاق فكر الطالب للمعرفة بالكثير من الكلام الذي لا يفضي إلى المعرفة ، ولا يخلص منه إلى استخلاص الحكمة و اكتشاف الضوابط .

ومن هنا فإننا سنتجاهل كل التنظيرات البائسة و منظريها من السابقين أو المعاصرين ، إذ سينكشف لنا أن ( فلسفة التاريخ ) المعروفة اليوم ، لا تعدو كونها آراء سياسية ثبت فسادها ، أو تحليلات سطحية ثبت سرابها ، أو توصيفات ظنية ثبت عقمها .

وإنما سبيلنا ومصباحنا وعلم الهدى الذي نهتدي به إلى معرفة حقيقة التاريخ و فلسفته ، هو فيلسوف الفلاسفة ، وعبقري العباقرة ، الذي لا يقول ضنا ولا غلطا ولا شططا ولا توقعا ولا احتمالا ، ولا ينحرف عن الحق يمينا ولا شمالا ، ذلك هو المخبر بالكائنات قبل وقوعها ، و المفصّل للحوادث قبل حدوثها ، ومفسّر أسبابها ، ومبوّب أبوابها ، و محلّل مسيرتها ، و مسمّي قادتها ، وهم في أصلاب آبائهم لا تعلم الخلائق بهم أيولدون أم لا يولدون ؟ ذلك هو سيدنا و إمامنا الإنسان الذي خلقه الله قبل أن يخلق الدهور ، وما من دهرٍ مرّ على السموات والأرض إلا وهو فيه شيء مذكور(1) ، ذاك هو الإنسان الذي خلقه الرحمن وعلّمه البيان ، ذاك ثاني خير الخلق و الخليقة ، العارف بالحقيقة وليس بعده حقيقة ، ذلك هو الذي خلقه الله مع رسوله خاتم الرسل ، خلقهم من نور عظمته و خلق الناس من طينٍ لازب ، ذلك آية الله الكبرى علي بن أبي طالب عليه وعلى نبينا السلام .

وقد قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام :

إني لأكتم من علمي جواهـره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتـتنا

وقد تقدم في هــذا أبو حسنٍ إلى الحسينِ ووصى قبلهُ الحسنا

يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعـبد الوثـنا

ولَإستحلّ رجالٌ مسلمون دمي يرونَ أقبـحَ ما يأتونَهُ حَسـنا




وأما هو " الإمام علي عليه السلام " فقد قال :

لقد حزت علــم الأولين وإنني ضنين بعلم الآخرين كتومُ

وكاشف أسـرار الغيوب بأسرها وعندي حديثُ حادثٍ وقديمُ

وإني لقيــوم على كـل قيــم محيطٌ بكل العالمين عليـمُ

فمن هذا البحر الزاخر بعجائب العلوم وغرائبها ، وأصناف القرون ومراتبها ، وعالِم الاكوار و الأدوار ، من النشأة الأولى إلى نفخة الصور ، نقدم لكم شيئا يسيرا مما كشفه الله لنا بفضله ، من فلسفة التاريخ عند علي بن أبي طالب عليه السلام ، ( وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) (2) .

وسنقدم هذا البحث في فصول ، فالفصل الأول : في مرجعيتنا الفكرية للبحث وما قيل فيها ، ودور التشكيك في الأسانيد لإبطال الحق دون جدوى .

ثم الفصل الثاني في أساسيات معرفة وفهم المقادير الإلهية ، العلم و المشيئة والإرادة والقدر والقضاء والإمضاء .

ثم الفصل الثالث ، نظرية التكوير والتكرير وفهمها من خلال فهم مرامي القرآن الكريم في المقارنات والدلالات .

ثم الفصل الرابع ، شرح الأنظمة الكونية .

ثم الفصل الخامس ، بأخذ عينة بحثية محددة من التاريخ لرقعة جغرافية محددة ، ودراستها وتحليلها في ضوء الموثوق من المصادر .

ثم الفصل السادس : مقارنة هذه العينة البحثية ، مع عينة أخرى لإثبات نظرية ( التكوير و التكرير) التي استنبطناها من فكر الإمام علي عليه السلام وما يعضدها من الأحاديث النبوية الشريفة .

ثم الفصل السابع : خلاصة استنتاج البحث .

ثم خاتمة البحث : وقد حرصنا على أن نجعلها متضمنة لآرائنا ، واستقراءنا ، واستشرافنا للمستقبل ، في ضوء الأدلة المحصلة لدينا ، فإننا جعلنا كل ذلك في الخاتمة ، لكي لا يحكم حكما مسبقا على ذلك ، قبل دراسة الأدلة ومعرفة الفكرة .



1( ) قوله تعالى ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) عن الإمام الباقر (ع): إن الإنسان هنا هو علي بن أبي طالب عليه السلام .

2( ) سورة الجن 10
ولقراءة كتاب التكوير والتكرير يرجى الأنتقال الى الرابط التالي:

التكوير والتكرير .. فلسفة التأريخ عند الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام.


الأحد، 22 يناير 2012

بني إسرائيل بين التنزيل والتأويل


" بني إسرائيل "
بين التنزيل والتأويل





عامر الفيحـان




الإهداء

إلى النفس الزكية و السبعين من الصالحين
الذين يُقتلون بظهر الكوفة :
صبرٌ جميل .. و حسبكم الله و نعم الوكيل
وإنا لله و إنّا إليه راجعون



بسم الله الرحمن الرحيم
( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا * وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا * )


مقدمة
لقد قصرت أساليب التفسير المختلفة عن فهم حقائق القرآن الكريم ومراميه ، ولكل أسلوب من أساليب التفسير له نصيبه من هذا التقصير ، ولعل ما يؤاخذ على أسلوب التفسير التجزيئي ـ الأكثر شيوعا ـ والذي يفسر الآيات ، آية آية ، هو عزل عناصر موضوع السورة عن بعضها البعض ، وتفكيكها بطريقة تجعل كل عنصر مستقل عن الآخر ، بحيث تكون النتيجة ضياع جوهر الموضوع ، أو حصول التباس في فهم كل آية دون النظر إلى السورة كونها موضوعا أساسيا ، له مواضيع وعناصر فرعية تشكل في مجملها شبكة من الأوعية والأوردة والشرايين المتشعبة داخل السورة ، والمترابطة مع العديد من السور الأخرى من القرآن الكريم ، تشكل بمجموعها موضوعا اكبر يمثل ثلث القرآن ـ على رواية ـ أو ربع القرآن ـ على رواية .
وهذا بالطبع لا يجعلنا نتنكر لجهود المفسرين وفضلهم ، و جزاهم الله خيرا على كل حال ، ولكن يجب تنبيه القارئ لذلك لكي لا يتوقف عند تفسير محدد ، أو أسلوب واحد ، ويعمل فكره في البحث في مختلف الأساليب ومختلف المدارس لكي يحصل على اكبر قدر من الحقيقة و المعرفة لما يرمي إليه القرآن الكريم ، خاصة ونحن قد أظلتنا الساعة ، وقد تبغتنا في أي وقت غير متوقع ، وحاجتنا إلى المعرفة والعلم بمرامي القرآن الكريم هي حاجة الذي يسعى إلى إنقاذ نفسه من الهلكة ، من خلال معرفة حقائق القرآن الكريم .
إن لسورة بني إسرائيل ( الإسراء ) ـ كغيرها من القرآن الكريم ـ مرامي ومعاني متعددة ، ففيها ظاهر وباطن ، وفيها إشارة وعبارة ولطايف وحقائق ، وفيها إياك اعني واسمعي يا جارة ، وفيها تنزيل وتأويل، والتنزيل غير التأويل. فمن أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام :
بإسناده عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " إن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن " .
بإسناده عن حمران بن أعين عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال :
( ظهر القرآن ، الذين نزل فيهم ، وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم .)
وبإسناده عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :" نزل القرآن بـ ( إياك أعني واسمعي يا جارة . ) " . (1) .
وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : " ما من آية إلا ولها أربعة معان ، ظاهر، وباطن ، وحد ، ومطلع ، فالظاهر التلاوة ، والباطن الفهم ، والحد هو أحكام الحلال والحرام ، والمطلع هو مراد الله من العبد بها "
وعن الصادق ( عليه السلام) قال : " كتاب الله على أربعة أشياء ، العبارة ، والإشارة ، واللطائف ، والحقائق ، فالعبارة للعوام ، والإشارة للخواص ، واللطائف للأولياء ، والحقائق للأنبياء " . (2) .
وغير ذلك من أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام التي تفضي إلى حقيقة أن القرآن الكريم ابعد ما يكون عن عقول الرجال ، إلا من أعطاه الله فهما لإشارات و مرامي القرآن ، و دخل من الباب الذي جعله الله بيانا للقرآن (الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) وذلك الإنسان هو أمير المؤمنين علي عليه السلام .
إن من الأخطار العظيمة التي تحيط بنا وتُلبس الأمور علينا هي مما ورد في سورة الإسراء ، والتي تسمى أيضا " سورة بني إسرائيل " ، فماذا يقول تعالى في هذه السورة ؟ وماذا يقول المفسرون ؟ وكيف يفسرها أئمة أهل البيت عليهم السلام ؟ والاهم .. هل جاء تأويلها على ارض الواقع ، وما هو تأويلها ، ومن هم رجالها الذين تشملهم ؟ وما هو ارتباطها بباقي سور القرآن الكريم ؟ وما هو العلو الكبير ومتى يقع ؟
فهذا ما نحاول الإجابة عليه في هذا البحث بعون الله وهداه .
وسنحاول تناول ذلك في فصول ، ثم نبين ما خلصنا إليه من البحث ، ثم نستذكر و نراجع ما استجد لدينا من أمور ، بعد صدور كتاب (عولمتنا .. دولة الإمام المهدي "ع" ) ، للجواب على السؤال الأزلي الذي يعصف بالنفوس ، وهو : متى هذا الوعد ؟
ثم ـ على غير المألوف ـ نختمه بهدفنا ورجائنا من البحث .
والله ولي التوفيق

الباحث








الفصل الأول
ماذا يقول المفسرون في هذه السورة ؟
قال البيضاوي : " وقضينا " أي أوحينا إليهم قضاء مقضيا في التوراة " مرتين " إفسادين : أولاهما مخالفة أحكام التوراة وقتل شعياء وقتل ارميا ، وثانيتهما قتل زكريا ويحيى وقصد قتل عيسى عليه السلام " وعد أولهما " أي وعد عقاب أولاهما ، " عبادا لنا " بخت نصر عامل لهراسف إلى بابل وجنوده ، وقيل : جالوت ، وقيل : سنحاريب من أهل نينوى " فجاسوا " ترددوا لطلبكم " خلال الديار " وسطها للقتل والغارة " الكرة " أي الدولة والغلبة " عليهم " على الذين بعثوا عليكم وذلك بأن ألقى الله في قلب بهمن بن إسفنديار لما ورث الملك من جده كشتاسف بن لهراسف شفقة عليهم فرد أسراهم إلى الشام ، وملك دانيال عليهم ، فاستولوا على من كان فيها من أتباع بخت نصر .
أو بأن سلط داود على جالوت فقتله . والنفير من ينفر مع الرجل من قومه " فإذا جاء وعد الآخرة " وعد عقوبة المرة الآخرة " ليسوءوا وجوهكم " أي بعثناهم ليسوءوا وجوهكم ليجعلوها بادية آثار المساءة فيها " وليتبروا " ليهلكوا " ما علوا " ما غلبوه واستولوا عليه أو مدة علوهم ، وذلك بأن سلط الله عليهم الفرس مرة أخرى ، فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه جوذر ، وقيل : خردوس ، قيل : دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلي فسألهم عنه فقالوا : دم قربان لم يقبل منا ، فقال : ما صدقوني ، فقتل عليه ألوفا منهم فلم يهدأ الدم ، ثم قال : إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحدا ، فقالوا : إنه دم يحيى ، فقال : لمثل هذا ينتقم منكم ربكم ، ثم قال : يا يحيى قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك فاهدأ بإذن الله قبل أن لا أبقي منكم أحدا ، فسكن . ) (3)
وفي كنز العمال :
( من مسند علي ) عن علي (ع) في قوله تعالى : ( لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ) قال الأولى قتل زكريا (ع) , والأخرى قتل يحيى "ع" . ) (4)
وقال الطوسي في التبيان :
قال ابن عباس وقتادة : المبعوث عليهم في المرة الأولى جالوت إلى أن قتله داود ، وكان ملكهم طالوت . وقال سعيد ابن المسيب : هو بخت نصر ، وقال سعيد بن جبير : هو سنحاريب وقال الحسن : هم العمالقة) (5)
وقال الطبرسي في جوامع الجامع :
* ( مرتين ) * : أوليهما : قتل زكريا وحبس إرميا حين أنذرهم سخط الله ، والأخرى : قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى * ( عبادا لنا ) * ، وعن علي ( عليه السلام ) : " عبيدا لنا " وهم سنحاريب وجنوده .
وقيل : بختنصر. ومعنى قوله : ( بعثنا عليكم ): خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم ، فهو كقوله : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) ، وأسند الجوس إليهم وهو التردد ( خلال الديار) بالفساد ، وتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس ، وقوله : ( وعد أوليهما ) معناه : وعد عقاب أولاهما ( وكان ) وعد العقاب (وعدا) لابد أن يفعل . ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) أي : الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم ، وأظهرناكم عليهم وأكثرنا أموالكم وأولادكم ( وجعلنكم أكثر نفيرا ) أكثر عددا من أعدائكم ، وقيل : النفير : من ينفر مع الرجل من قومه . ) (6)
وقال الطباطبائي في تفسيره " الميزان" :
وقد نزل على بني إسرائيل منذ استقلوا بالملك والسؤدد نوازل هامة كثيرة فوق اثنتين - على ما يضبطه تاريخهم
والذي يظهر من تاريخ اليهود أن المبعوث أولا لتخريب بيت المقدس هو بخت نصر وبقى خرابا سبعين سنة ، والمبعوث ثانيا هو قيصر الروم اسبيانوس سير إليهم وزيره طوطوز فخرب البيت وأذل القوم قبل الميلاد بقرن تقريبا .
وليس من البعيد أن يكون الحادثتان هما المرادتان في الآيات ، فان الحوادث الأخرى لم تفن جمعهم ولم تذهب بملكهم واستقلالهم بالمرة ، لكن نازلة بخت نصر ذهب بجميعهم وسؤددهم إلى زمن كورش ثم اجتمع شملهم بعده برهة ، ثم غلب عليهم الروم وأذهبت بقوتهم و شوكتهم فلم يزالوا على ذلك إلى زمن ظهور الإسلام . ) (7)
وقال الطبري في جامع البيان:
حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : كان الفساد الأول ، فبعث الله عليهم عدوا ، فاستباحوا الديار واستنكحوا النساء واستعبدوا الولدان وخربوا المسجد . فغبروا زمانا ، ثم بعث الله فيهم نبيا ، وعاد أمرهم إلى أحسن ما كان .
ثم كان الفساد الثاني بقتلهم الأنبياء ، حتى قتلوا يحيى بن زكريا ، فبعث الله عليهم بختنصر ، قتل من قتل منهم وسبى من سبى وخرب المسجد ، فكان بختنصر للفساد الثاني .
قال : ( والفساد : المعصية . ثم قال : فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة . . . إلى قوله : وإن عدتم عدنا فبعث الله لهم عزيزا ، وقد كان علم التوراة وحفظها في صدره ، وكتبها لهم . فقام بها ذلك القرن ، ولبثوا ونسوا . ومات عزير ، وكانت أحداث ، ونسوا العهد ، وبخلوا ربهم ، فسبق من الله كلمة عند ذلك أنهم لم يظهروا على عدو آخر الدهر) (8)
و في جامع البيان للطبري :
بسنده عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن عبد الله أن الله عهد إلى بني إسرائيل في التوراة لتفسدن في الأرض مرتين فكان أول الفسادين : قتل زكريا ، فبعث الله عليهم ملك النبط ، وكان يدعى ضحابين فبعث الجنود ، وكانت أساورته من أهل فارس ، فهم أولو بأس شديد ، فتحصنت بنو إسرائيل ... ثم إن بني إسرائيل تجهزوا ، فغزوا النبط ، فأصابوا منهم واستنقذوا ما في أيديهم ، فذلك قول الله ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين ، وجعلناكم أكثر نفيرا يقول : عددا . ) (9)
وجاء أيضا في جامع البيان:
بسنده عن حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله (ص) : إن بني إسرائيل لما اعتدوا وعلوا ، وقتلوا الأنبياء ، بعث الله عليهم ملك فارس بخت نصر ، وكان الله ملكه سبع مئة سنة ، فسار إليهم حتى دخل بيت المقدس فحاصرها وفتحها ، وقتل علي دم زكريا سبعين ألفا ، ثم سبي أهلها وبني الأنبياء ، وسلب حلي بيت المقدس ، واستخرج منها سبعين ألفا ومئة ألف عجلة من حلي حتى أورده بابل قال حذيفة : فقلت : يا رسول الله لقد كان بيت المقدس عظيما عند الله ؟ قال : أجل بناه سليمان بن داود من ذهب ودر وياقوت وزبرجد ، وكان بلاطه بلاطة من ذهب وبلاطة من فضة ، وعمده ذهبا ، أعطاه الله ذلك ، وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الأشياء في طرفة عين ، فسار بخت نصر بهذه الأشياء حتى نزل بها بابل ، فأقام بنوا إسرائيل في يديه مئة سنة تعذبهم المجوس وأبناء المجوس ، فيهم الأنبياء وأبناء الأنبياء ثم إن الله رحمهم ، فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورس ، وكان مؤمنا ، أن سر بقايا بني إسرائيل حتى تستنقذهم ، فسار كورس ببني إسرائيل وحلي بيت المقدس حتى رده إليه ، فأقام بنوا إسرائيل مطيعين لله مئة سنة ، ثم إنهم عادوا في المعاصي ، فسلط الله عليهم ابطيانحوس ، فغزا بأبناء من غزا مع بخت نصر ، فغزا بني إسرائيل حتى أتاهم بيت المقدس ، فسبي أهلها ، وأحرق بيت المقدس ، وقال لهم : يا بني إسرائيل إن عدتم في المعاصي عدنا عليكم بالسباء ، فعادوا في المعاصي ، فسير الله عليهم السباء الثالث ملك رومية ، يقال له قاقس بن إسبايوس ، فغزاهم في البر والبحر ، فسباهم وسبى حلي بيت المقدس ، وأحرق بيت المقدس بالنيران فقال رسول الله ( ص ) :
هذا من صنعة حلي بيت المقدس ، ويرده المهدي إلى بيت المقدس ، وهو ألف سفينة وسبع مئة سفينة ، يرسى بها على يافا حتى تنقل إلى بيت المقدس ، وبها يجمع الله الأولين والآخرين . ) (10)
الخلاصة والملاحظات حول الفصل الأول:
إن ما نخلص إليه من كل الأقوال التي قيلت : أن هناك اختلاف في الافسادين المشار إليهما ، وفي البعث المبعوث على بني إسرائيل عقابا لهم على إفسادهم ، وهذا الاختلاف يشير إلى فترات زمنية بعيدة بين كل إفساد وآخر، وبين كل بعث مبعوث عليهم من قبل عباد أولي بأس شديد ، فما هو القول الحق ، وما هو غير الحق ؟
أما الملاحظ من هذه الأقوال : أنها تغافلت عما جرى لبني إسرائيل ـ ولليهود خاصة ـ على يد رسول الله وأمير المؤمنين عليهما أفضل الصلوات ، فكأن بني إسرائيل لم يفسدوا ولم يعلوا آنذاك ، وكأن ما فعله أمير المؤمنين عليه السلام من فتح خيبر وتدمير كيان الذين كفروا من بني إسرائيل على يديه المباركتين ليس بشيء ، وكأن كل ما نزل به القرآن الكريم فيما يخص ذلك هو ليس بشيء ، إذ قال تعالى (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا* (11) .
وقال تعالى : (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّار) (12) . فان عدم نزول عذاب الاستئصال بهم آنذاك لان أجلهم لم يأت بعد ، فكان الجلاء . حتى يأتي يومهم الموعود .
فهل كان ما حصل لهم يد رسول الله و أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، ومعهما الذين آمنوا هو مما يشتمل عليه القضاء و الوعيد ، وهل ما فعلوه برسول الله صلى الله عليه وآله من تسميمه بالشاة المسمومة حتى مات شهيدا من اثر السم ، هل هذا من العلو الكبير ، أم إن هذا أمر خارج الموضوع الذي نزلت به السورة المباركة ؟؟
وكذلك ما حصل زمن الحرب الصليبية بعد اثنى عشر قرنا ( قمريا ) ، هل هو مما تتضمنه أخبار السورة المباركة أم لا ؟
و سنلخص الأقوال التي قيلت
أولا : في الافسادين
1 ـ أولاهما : قتل شعياء وقتل ارميا ، وثانيتهما : قتل زكريا ويحيى وقصد قتل عيسى عليه السلام ( البيضاوي ) .
2 ـ الأولى قتل زكريا (ع) , والأخرى قتل يحيى "ع" ( كنز العمال ، عن علي عليه السلام ) .
3 ـ أولاهما : مخالفة أحكام التوراة ، والثاني : قتل الأنبياء
ثانيا : في المبعوثين عليهم :
1 ـ البعث الأول : بخت نصر , و البعث الثاني : سنحاريب .
2ـ البعث الأول : جالوت إلى أن قتله داود ، والبعث الثاني : جؤذر
أوخردوس ، من ملوك الفرس
3 ـ البعث الأول : بخت نصر ، والبعث الثاني : قيصر الروم "
اسبيانوس .
4 ـ البعث الأول : بخت نصر ، والبعث الثاني ، ابطيانحوس ، والبعث
الثالث : قاقس بن اسبيانوس [ اسبايوس ] ، عن حذيفة عن النبي
(ص) وهو القول الوحيد من بين روايات العامة الذي فصله إلى
ثلاث بعوث .
5 ـ انه ملك النبط ويدعى ضحابين ، وان الإفساد كان قتل زكريا ( عن ابن عباس ) .
نقول : إن هذه التفسيرات و التأويلات ليست خاطئة ولا متناقضة رغم اختلافها، ولكنها ليست دقيقة ، بل هي ناقصة و تحتاج إلى توضيح هذا الاختلاف فيما بينها ، وهذا ما سنتناوله بعد بيان الأدلة في الاستنتاج البحثي لكل فصل .
هنا نتوقف عن الشرح وننقل نصوص مما قاله الله تعالى لأنبياء بني إسرائيل وما أوصاهم به وما حذر بني إسرائيل منه ، لان هذه الأحاديث القدسية تبين لنا كثيرا من المرامي والمعاني ، وتدلنا على كثيرٍ من خفايا الأمور .

ما قاله الله تعالى لموسى (ع) :
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن عيسى ، رفعه ، قال: إن موسى ( عليه السلام ) ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الاتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب ، ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر ، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها وأنه راكع ساجد ، راغب ، راهب ، إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون ويكون في زمانه أزل وزلزال وقتل ، وقلة من المال ، اسمه أحمد ، محمد الأمين من الباقين من ثلة الأولين الماضين ، يؤمن بالكتب كلها ويصدق جميع المرسلين ويشهد بالإخلاص لجميع النبيين أمته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على حقائقه ... وبه أفتح الساعة ، وبأمته أختم مفاتيح الدنيا ، فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه ولا يخذلوه وإنهم لفاعلون..) (13) ، وهو ما فعلوه فعلا وحذفوا اسم النبي الأمي ( احمد ) من كتابهم .

ما قاله الله تعالى لعيسى (ع) :
يا عيسى كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين . يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل : غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم ، أبي تغترون أم علي تجترئون ، تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزله الجيف المنتنة كأنكم أقوام ميتون .
يا عيسى قل لهم : قلموا أظفاركم من كسب الحرام وأصموا أسماعكم عن ذكر الخنا وأقبلوا علي بقلوبكم فإني لست أريد صوركم .
يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل : يا أخدان السوء والجلساء عليه إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير . يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل : الحكمة تبكي فرقا مني وأنتم بالضحك تهجرون ، أأتتكم براءتي أم لديكم أمان من عذابي أم تعرضون لعقوبتي ، فبي حلفت لأتركنكم مثلا للغابرين . ثم أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشديد البأس الحيي المتكرم ، فإنه رحمة للعالمين وسيد ولد آدم يوم يلقاني ، أكرم السابقين علي وأقرب المرسلين مني ، العربي الأمين ، الديان بديني ، الصابر في ذاتي ، المجاهد المشركين بيده عن ديني أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه وأن ينصروه .
قال عيسى ( عليه السلام ) : إلهي من هو حتى أرضيه ؟ فلك الرضا قال : هو محمد رسول الله إلى الناس كافة ، أقربهم مني منزلة وأحضرهم شفاعة ، طوبى له من نبي وطوبى لامته إن هم لقوني على سبيله ، يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء ، أمين ميمون طيب مطيب ، خير الباقين عندي ، يكون في آخر الزمان إذا خرج أرخت السماء عزاليها وأخرجت الأرض زهرتها حتى يروا البركة وأبارك لهم فيما وضع يده عليه .....
دينه الجهاد في عسر ويسر ، تنقاد له البلاد ويخضع له صاحب الروم....
له الشفاعة وعلى أمته تقوم الساعة ، ويدي فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه أوفيت له بالجنة ، فمر ظلمة بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه ولا يحرفوا سنته وأن يقرؤوه السلام فإن له في المقام شأنا من الشأن ) (14)

ما قاله الله تعالى لاشعيا :
وفي جامع البيان :
قال الله لشعياء : قم في قومك أوح على لسانك ، فلما قام النبي أنطق الله لسانه بالوحي فقال : يا سماء استمعي ، ويا أرض أنصتي ، فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته ، واصطفاهم لنفسه ، وخصهم بكرامته ، وفضلهم على عباده ، وفضلهم بالكرامة ، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها ، فآوى شاردتها ، وجمع ضالتها ، وجبر كسيرها ، وداوى مريضها ، وأسمن مهزولها ، وحفظ سمينها ، فلما فعل ذلك بطرت ، فتناطحت كباشها فقتل بعضها بعضا ، حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير ، فويل لهذه الأمة الخاطئة ، وويل لهؤلاء القوم الخاطئين الذين لا يدرون أين جاءهم الحين .
قل لهم : كيف ترون في أرض كانت خواء زمانا ، خربة مواتا لا عمران فيها ، وكان لها رب حكيم قوي ، فأقبل عليها بالعمارة ، وكره أن تخرب أرضه وهو قوي ، أو يقال ضيع وهو حكيم ، فأحاط عليها جدارا ، وشيد فيها قصرا ، وأنبط فيها نهرا ، وصف فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب ، وألوان الثمار كلها ، وولى ذلك واستحفظه قيما ذا رأي وهمة ، حفيظا قويا أمينا ، وتأنى طلعها وانتظرها فلما أطلعت جاء طلعها خروبا !
قالوا : بئست الأرض هذه ، نرى أن يهدم جدرانها وقصرها ، ويدفن نهرها ، ويقبض قيِّـمَها ، ويحرق غراسها حتى تصير كما كانت أول مرة ، خربة مواتا لا عمران فيها .
قال الله لهم : فإن الجدار ذمتي ، وإن القصر شريعتي ، وإن النهر كتابي ، وإن القيم نبيي ، وإن الغراس هم ، وإن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة ، وإني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم . وإنه مثل ضربه الله لهم ، يتقربون إلي بذبح البقر والغنم ، وليس ينالني اللحم ولا آكله !
ويُدعًون أن يتقربوا بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرمتها ، فأيديهم مخضوبة منها ، وثيابهم متزملة بدمائها !
يشيدون لي البيوت مساجد ، ويطهرون أجوافها ، وينجسون قلوبهم وأجسامهم ويدنسونها !
ويزوقون لي البيوت والمساجد ويزينونها ، ويخربون عقولهم وأحلامهم ويفسدونها !
فأي حاجة لي إلى تشييد البيوت وليست أسكنها ، وأي حاجة إلى تزويق المساجد ولست أدخلها ، إنما أمرت برفعها لأذكر فيها وأسبح فيها ، ولتكون معلما لمن أراد أن يصلي فيها .
فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور ، ويتقوون عليه بطعمة الحرام ؟
وكيف أنور صلاتهم ، وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني ، وينتهك محارمي ؟
أم كيف تزكو عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم ؟ وإنما أوجر عليها أهلها المغصوبين .
وإني قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض قضاء أثبته على نفسي ، وجعلت دونه أجلا مؤجلا ، لا بد أنه واقع ، فإن صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب ، فليخبروك متى أنفذه ، أو في أي زمان يكون ، وإن كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاءون ، فليأتوا بمثل القدرة التي بها أمضيت ، فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
[ المعنى العام والشامل لرد الكرة " ثم رددنا لكم الكرة " ]
فإني قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء ، وأن أحول الملك في الرعاء ، والعز في الأذلاء ، والقوة في الضعفاء ، والغنى في الفقراء ، والثروة في الاقلاء ، والمدائن في الفلوات ، والآجام في المفاوز ، والبردى في الغيطان ، والعلم في الجهلة ، والحكم في الأميين ، فسلهم متى هذا ، ومن القائم بهذا ، وعلى يد من أسنه ، ومن أعوان هذه الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون ؟) (15) .
وسنحاول أن لا نتعرض كثيرا لهذه النصوص الآن ، لأنها تخص التنزيل ولا تخص التأويل ، وكما هو واضح من أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام ، التي جعلناها في مقدمة البحث فان التنزيل هو في الذين نزل بهم ، أما التأويل فهو بمستويين :
المستوى الأول : هو في أمثالهم و نظرائهم ، سواء من الأجيال اللاحقة في أزمان المستقبل من أجيال " بني إسرائيل " ، أو أمم أخرى تسلك و تحذوا سنة بني إسرائيل .
والمستوى الثاني : هو وقوع الخبر القرآني أو الخبر السماوي ـ إن كان في التوراة أو الإنجيل أو القرآن ـ وقوع هذا الخبر عيانا و قياما ، بعد إن كان كلمة سبقت في كتب الله ، أي ترجمة الخبر على ارض الواقع ، وخروجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة .
وأما ما نتعرض له بإبداء بعض الملاحظات التي تستدعي من القارئ أن يختزنها في ذاكرته لفهم مداخل و مخارج البحث :
الملاحظة الأولى :
يتضح من النصوص أن اجل بني إسرائيل و يومهم الموعود ، مؤجل إلى ما بعد مبعث النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل واسمه احمد ، ولذلك يدعوهم للإيمان به و تعزيره و مناصرته ، فهم باقون في الدنيا ولا ينزل بهم عذاب الاستئصال ، حتى يدركوا ذلك الوقت وذلك الزمان .
الملاحظة الثانية :
يتضح من النصوص السابقة وفيما عهده الله من العهد لموسى وعيسى عليهما السلام ، أن الساعة تقوم على امة هذا النبي الأمي صلى الله عليه وآله (له الشفاعة وعلى أمته تقوم الساعة ) ، وبنفس الوقت فان الله سبحانه وتعالى قد اخبر موسى عليه السلام بان الساعة ستقوم على أمته وستأتيهم بغتة ، وأمره أن يحذرهم منها ، وهو في قوله تعالى ( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى * ) (16) .
وهو يعني امة بني إسرائيل باقية إلى قيام الساعة ، وبالتالي فان الساعة ستقوم على الذين كفروا من الأمتين معا ، امة بني إسرائيل ، وأمة النبي الأمي احمد صلى الله عليه وآله .
الملاحظة الثالثة :
يتضح من النصوص السابقة مما كلم الله به أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام معنىً عاما وشاملا لـ ( ردّ الكرّة ، " ثم رددنا لكم الكرة عليهم " ) وذلك فيما ورد في النص فيما قاله تعالى لاشعيا "ع" : (فإني قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء ، وأن أحول الملك في الرعاء ، والعز في الأذلاء ، والقوة في الضعفاء ، والغنى في الفقراء ، والثروة في الأقلاء ، والمدائن في الفلوات ، والآجام في المفاوز ، والبردى في الغيطان ، والعلم في الجهلة ، والحكم في الأميين . ) فهو قلب كامل لكل الموازين حتى يكون أسفل كل شيء أعلاه ، و أعلا كل شيء أسفله.
الملاحظة الرابعة :
إن النصوص الواردة من الأحاديث القدسية ، كلها دعت إلى مناصرة وتعزير دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكنها حذرت وأنذرت بالإمام المهدي عليه السلام ( فسلهم متى هذا ، ومن القائم بهذا ، وعلى يد من أسنه ، ومن أعوان هذه الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون ؟ ) .

الفصل الثاني
ماذا يقول أئمة أهل البيت عليهم السلام في مرامي ومعاني وتأويل هذه الآيات ؟
بسنده عن إسماعيل الجعفي ، قال : كنت في المسجد الحرام قاعدا وأبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام في ناحية ، فرفع رأسه إلى السماء مرة ، وإلى الكعبة مرة ، ثم قال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) فكرر ذلك [ ثلاث مرات ] ثم التفت إلي وقال : أي شئ يقول أهل العراق في هذه الآية يا عراقي ؟
قلت : يقولون اسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس .
قال : ليس كما يقولون ، لكنه اسري به من هذه - يعني الأرض - إلى هذه - وأومئ بيده إلى السماء وما بينهما - ثم قال : إن الله تبارك وتعالى لما أراد زيارة نبيه صلى الله عليه وآله بعث إليه ثلاثة من عظماء الملائكة : جبرئيل وميكائيل وإسرافيل رفعته معهم حمولة من حمولته تعالى ، يقال لها " البراق " . فأخذ له جبرئيل عليه السلام بالركاب ، وأخذ ميكائيل عليه السلام باللجام ، وكان اسرافيل عليه السلام يسوي عليه ثيابه ، فتصاعد به في العلو في الهواء ، فانفتحت لهم السماء الدنيا والثانية والثالثة والرابعة ، فلقي فيها إبراهيم عليه السلام فقال له : يا محمد ، أبلغ أمتك السلام [ وأخبرهم ] أن أهل الجنة مشتاقون إليهم . ثم تصاعد بهم في الهواء ، ففتحت لهم السماء الخامسة والسادسة ، واجتمعوا عند السابعة. ثم فتح لهم فتصاعد بهم في الهواء حتى انتهى إلى سدرة المنتهى ، وهو الموضع الذي لم يكن يجوزه جبرئيل عليه السلام وقد تخلف صاحباه قبل ذلك ، وكان يأنس بجبرئيل مالا يأنس بغيره . ) (17)
وفي بصائر الدرجات :
على بن محمد بن سعيد عن حمدان بن سليمان عن عبد الله بن محمد اليماني عن منبع عن يونس عن صباح المزني عن ابى عبد الله عليه السلام قال : ( عرج بالنبي صلى الله عليه وآله إلى السماء مائة وعشرين مرة ما من مرة لا وقد أوصى الله النبي صلى الله عليه وآله بولاية على والأئمة من بعده أكثر مما أوصاه بالفرائض . ) (18)


وفي الكافي :
بسنده عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله تعالى : " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين " قال : قتل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وطعن الحسن ( عليه السلام ) " ولتعلن علوا كبيرا " قال : قتل الحسين ( عليه السلام ) " فإذا جاء وعد أوليهما " : فإذا جاء نصر دم الحسين ( عليه السلام ) ، بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار: " قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم ( عليه السلام ) فلا يدعون وترا لآل محمد إلا قتلوه " ، "وكان وعدا مفعولا ": خروج القائم ( عليه السلام ) " ، ثم رددنا لكم الكرة عليهم " : خروج الحسين ( عليه السلام ) في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب لكل بيضة وجهان المؤدون إلي الناس ، أن هذا الحسين قد خرج ، حتى لا يشك المؤمنون فيه وإنه ليس بدجال ولا شيطان والحجة القائم بين أظهرهم ) (19)
وفي تفسير القمي :
عن احمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبى جعفر عليه السلام قال :
وأما قوله ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ) أي أعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل وخاطب امة محمد صلى الله عليه وآله فقال ( لتفسدن في الأرض مرتين ) يعنى فلانا وفلانا وأصحابهما ونقضهم العهد ( ولتعلن علوا كبيرا ) يعنى ما ادعوه من الخلافة ( فإذا جاء وعد اوليهما ) يعنى يوم الجمل ( بعثنا عليكم عبادا لنا أولى باس شديد ) يعنى أمير المؤمنين ( ع ) وأصحابه ( فجاسوا خلال الديار ) أي طلبوكم وقتلوكم ( وكان وعدا مفعولا ) يعنى يتم ويكون ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) يعنى بني أمية على آل محمد ( وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) من الحسن والحسين أبناء على وأصحابهما فقتلوا الحسين بن على وسبوا نساء آل محمد ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ) يعنى القائم وأصحابه ( ليسوؤا وجوهكم ) يعنى يسودون وجوههم ، ( وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة ) يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وأمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه ( وليتبروا ما علوا تتبيرا ) أي يعلوا عليكم فيقتلوكم ، ثم عطف على آل محمد عليه السلام فقال ( عسى ربكم أن يرحمكم ) أي ينصركم على عدوكم ، ثم خاطب بني أمية فقال ( وان عدتم عدنا ) يعنى عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد ( ع ) ( وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) أي حبسا يحصرون فيها.) (20)
وفي تأويل الآيات :
روي عن المنهال بن عمرو قال : دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام فقلت له : كيف أصبحت يابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : أصبحنا والله بمنزلة بني إسرائيل من آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم وأصبح خير البرية بعد رسول الله يلعن على المنابر وأصبح من يحبنا منقوصا حقه بحبه إيانا. اعلم أنه ما رأى النبي هذه الرؤيا ( إلا فتنة للناس ) ليتميز المؤمنون من الكافرين ، فارتد الناس كلهم إلا القليل ، وأعلم الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله بما يكون من بعده من فعل الظالمين ، وأراه إياهم على غير صور الآدميين بل على صورة القردة لقوله تعالى * ( كونوا قردة خاسئين ) * وأراه ذلك ليخبرهم بأن الذي يعلو منبره من بعده غير أهل بيته أنهم قردة ممسوخون ، ليخوفهم بذلك ، فقال تعالى * ( ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ) * (21)

الفصل الثالث :
وسنتناول في هذا الفصل الأخطاء بعض أخطاء المفسرين ، والقول الحق دون ما يقولون .
الأخطاء الشائعة عند المفسرين
إن القرآن الكريم ـ وحسب قول الإمام الصادق (ع) ـ هو ابعد ما يكون عن عقول الرجال ، وكل المفسرين الذين فسروا هذه الآيات ما قدروها حق قدرها ولا علموا عظيم ما وراءها ، وسنقدم شرحا مبسطا مأخوذا من أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام ، لعله يسلط الضوء على شيء يسير من حقائقها .
ففي البداية ، لا يجوز إغفال مبتدأ السورة وارتباطه بالموضوع الأساسي لها ، حيث يقول تعالى ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا )
والذي يظهر من أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام التي سبقت ، ما يلي :
أولا : من قول الإمام الباقر عليه السلام في الرواية الأولى مايلي :
إن الله سبحانه وتعالى أراد أن يزوره رسوله الحبيب الأكرم عليه في المسجد الأقصى الذي لا يوجد أعلى منزلة منه ولا اقرب إلى الله منه ـ بمعنى الاختصاص وليس بمعنى المسافات ـ وهذا المسجد هو الذي في السماء السابعة ، لم يستطع اقرب الملائكة الدخول إليه ، حيث توقف جبرائيل عليه السلام عن مرافقة الرسول الكريم خوفا من أن يحترق ، فهو مسجد خاص جدا اُسري برسول الله إليه ليريه الله من آياته الكبرى ، وليوحي إليه أعظم واخطر أسرار الرسالة التي بعثه الله بها إلى أهل الأرض كافة ، بل إلى الثقلين من الإنس والجن ، (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى*.... لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى*) (22) .
ثم نوهت السورة إلى الحديث عن إرسال موسى عليه السلام بكتاب الله ورسالته إلى بني إسرائيل ، ثم إلى الحديث عن أصل بني إسرائيل والعرب كونهم من ذرية نوح ، ثم عن شكر نوح لربه على أنعام وأفضال الله عليه ، والمعنى : إن هذه الرسالة التي نحملك إياها فيها شيء مما أرسلنا به موسى إلى بني إسرائيل ، وقد كنا كلمنا موسى بكلامنا وهو في الأرض ، وأما أنت فأحضرناك واستقدمناك إلى هنا لتسمع منا دون وسيط ، وذلك لأسباب منها إن منزلتك عندنا أعظم ، ثم لنريك من الملكوت مما لم نر احد من قبلك ، ثم لخطورة وشمولية الرسالة التي بعثاك بها نوحي إليك ونخبرك بتفصيل كل شيء مما يحدث إلى آخر الدنيا لأنك آخر الأنبياء وآخر الرسل وعلى أمتك تقوم الساعة ، فلكي تنذر الناس بأشراط الساعة وما يكون من علاماتها . ومن ذلك خبر الافسادين والعلو الكبير الذي اخبرنا به بني إسرائيل أنهم فاعلوه ، ونخبرك أن أمتك تحذو حذوهم وإنهم لفاعلون ، حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل . فكن شاكرا لما نخبرك به مهما ساءتك هذه الأخبار ، فكذلك كان أبوك نوح (ع) عبدا شكورا .
ثانيا : من الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله يظهر تفريق رسول الله ما بين أمرين :
احدهما : الروايات العديدة التي يقول فيها ( لما اسري بي ) .
و ثانيهما : الروايات العديدة التي يقول فيها ( لما عرج بي ) .
وهذا تفريق واضح بين ما أوحي إلى رسول الله (ص) في الإسراء ، وما أوحي إليه في المعراج ، حيث أن الإسراء ليلا هو في الأرض ، وأما المعراج فهو في السماء ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ) (23) .
وما أوحي إليه في المعراج هو ما فصلته سورة النجم ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى* وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى* ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى* فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى* ) (24) . وهو يدل على أهمية وخطورة وتفصيل ما أوحي إليه في المعراج.
شرح بعض المفاهيم وبعض الأخطاء الشائعة في تفسير السورة
ففيما يخص الأخطاء الشائعة في فهم العبارة، دون الإشارة أو التأويل:
أولاً : ما يجمع عليه المفسرون في قوله تعالى (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ) هو أن المسلمين سيدخلون المسجد و يسُوءُوا وجوه بني إسرائيل ويتبرون ويحطمون ويفعلون بهم الأفاعيل ، إلا أن ما يقوله أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : ( لكن نجمة إسرائيل المرسومة في خطوط الدرع تبلعهم جميعا زمان وعد الآخرة لهم ، الذي يسوؤن فيه وجوه كل العرب ، وتبكي امة خالفت رسولها وأطفأت بيدها مصباحها ) (25) .
فالحقيقة أن بني إسرائيل هم الذين سيسوؤن وجوه كل العرب ، ويكشفون الهيكل ، ويدخلون المسجد الأقصى ، ويطردون منه أي مسلم يحاول الصلاة فيه ويدنسون كل شيء ويحطمون كل شيء يقع تحت أيديهم ، ورغم محاولة فساق العرب وفساق المسلمين تصوير الوضع في إسرائيل بان هناك صقور و ( حمائم ) مما بين الساسة الإسرائيليين ، وهو تصوير خادع لتبرير خيانتهم و عمالتهم ، إلا أن الساسة الذين سيكون بيده القرار في إسرائيل في آخر عام لها في الوجود سيكون بيد الأكثر تطرفا والأكثر تهورا من بين كل المفسدين والمجرمين الذين عرفهم تاريخ بني إسرائيل على الإطلاق .
فكل المفسدين و المجرمين الذين حكموا إسرائيل من أمثال مناحيم بيغن واريل شارون و اولمرت وغيرهم ، كان لهم تنسيق مواقف واتفاقات سرية مع الرؤساء العرب ( ملوك بني العباس ) ، إلا أن الذين يعلون العلو الكبير هم من أمثال ليبرمان وغيره من متطرفي يهود أوربا الشرقية ، وان أول الإهانات يوجهونها إلى ملوك العرب ( بني العباس ) ويُظهرون لهم الاحتقار الشديد علنا و تجاوزا على الأعراف الدبلوماسية السائدة قبل ذلك .
ولقد حدث عند دخولهم للعراق تحت راية ما يسمى بقوات التحالف ، أن قام جنود بني إسرائيل بتدنيس القرآن الكريم ، ثم في حادثة أخرى أطلقوا عليه الرصاص وجعلوه هدف للتدريب على الرماية ، وقد بثت فضائيات كثيرة هذا الخبر مصوراً ، دون أن يحرك ساكنا في القلوب الميتة ، وزعم الناطق الرسمي للحكومة العراقية أن الرئيس بوش اعتذر لرئيس الوزراء المالكي عن هذا التصرف !! ورغم شكنا بحصول الاعتذار ، إلا أن التصريح به علنا يعبر عن فظاعة الفساد ,
وأما سفك الدماء البريئة على يد الشركات الأمنية الإسرائيلية المتجنسة بجنسيات استرالية وأوربية شرقية وأمريكية ، فمنها ما سبب حرجا كبيرا للحكومة العراقية أحيانا ، ومنها ما كان يتم بلبس زى احد الأطراف المقاومة للاحتلال وإلقاء التهمة عليهم واصطياد عصفورين بحجر ، فمن جهة ينفذون ما يريدون ، ومن جهة يوفرون للحكومة مبررات بان هؤلاء المقاومين " خارجين على القانون " على طريقة أفلام ( الويسترن ) الأمريكية وصائد الجوائز ، وفي كل ذلك فان الشركات الأمنية الإسرائيلية غير عابئة أبدا بإخفاء أي شيء أو التستر على أي شيء ، بل هي التي تسرب الأفلام المصورة للفضائيات إمعانا في التحدي والاستفزاز ، أضف إلى ذلك الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى شخص الرسول الأكرم ( سيد ولد آدم ) صلى الله عليه وآله ، والأنظمة العربية عامة تخاف حتى من الاحتجاج على مثل هذه الإساءات .
مازالت هذه الحوادث تؤشر بوضوح على ما ورد في سورة بني إسرائيل وتأويلاتها .
ثانيا : في قوله تعالى (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) فكما ورد في النصوص أعلاه من التفاسير ، فان المفسرين يفسرونها بأنها أكثر عددا ،( والنفير من ينفر مع الرجل من قومه ) ومعاني تدور حول هذا المفهوم ، بينما الحقيقة أن الآية تتحدث عن الحول والقوة ، ومن أعظم ما انزل الله إلى رسوله ( لا حول و لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) فان النفير هو المقابل للوهن ، قال رسول الله ( ص ) : ( يوشك الأمم تداعى عليكم تداعي الأكلة على قصعتها، قيل من قلة نحن يومئذ ؟ قال بل انتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله المهابة منهم وليقذفن في قلوبكم الوهن ، قيل وما الوهن يا رسول الله ؟ قال: حب الدنيا و كراهية الموت .) (26) .
فان الحول والقوة هي بالله العلي العظيم ، وليس بالمال ولا السلاح ولا العدد ، فمن يجعل له الغلبة يجعله أكثر نفيرا ، أي أكثر رغبة وجرأة واستعدادا ومبادرة في القتال ، ويجعله الله يستهن بخصمه ويحتقر شأنه و قيمه ومبادئه ( انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) (27) .
ومن يكتب عليه الهزيمة يُلقي في قلبه الوهن :( حب الدنيا وكراهية الموت) .
ثالثا : في قوله تعالى (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) :
إن القرآن الكريم ، هذا الكتاب الذي بين أيدينا ، لا يمثل إلا بيانا مقتضبا جدا لما هو مفصل في ( أم الكتاب ) ولو أن الله سبحانه أراد أن ينزل إلينا القرآن الكريم بنفس التفصيل الذي هو في أم الكتاب لامتلأ ما بين الأرض والسماء كتباً حتى تستطيع أن تتضمن و تحتوي على كل ذلك التفصيل ، وكما قال تعالى ( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) (28) ، بل يقول تعالى (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (29) .
ولو أراد رسول الله أو احد أوصيائه صلوات الله عليهم أن يشرح آية (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) وحدها ، وكما هي في أم الكتاب ، لملأ مدينة كاملة بالكتب المسطورة .
حيث أن الأمر يتعدى هذه المحدودية التي أشارت إليها الآية الكريمة ، التي يبدو من ظاهرها أنها تختص بالسنّة الإلهية التي على ثوابتها يسوس بني إسرائيل ، بل إن كل تمليك للملك و نزع للملك يقوم على الكرات ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) ، وهذه هي مداولة الأيام بين الناس ، ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (30) ، فكل ملك ظالم يردّ الله الكرة للمظلومين فيه على الظالمين بغض النظر عن كونهم مسلمين أو مؤمنين ، شرقيين أو غربيين ، سود أو بيض ، ولكن من غير الواضح ماهية السنّة المتبعة مع الأمم الأخرى من حيث عدد الافسادات المسموح بها قبل نزول عذاب الاستئصال ، إلا أن السنّة الإلهية المتبعة مع ذرية إبراهيم عليه السلام ( خاصة بني إسرائيل ، و امة خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ) ، هي الإمهال إلى ثلاث افسادات ، ولذلك نجد أن في اشراط الساعة وعلامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، أن الأكراد يملكون الزوراء ، و العبيد يملكون ( العرش الأبيض ) أو البيت الأبيض للروم ، وهؤلاء ليسوا من بني إسرائيل ولا بني إسماعيل ولا علاقة لهم بالنبي إبراهيم عليه السلام من حيث النسب ، ولكن ردّ الكرة في وعد الآخرة ( آخر الزمان ) غير مخصوص ولا محدود ، بل هو عام و مطلق ، بين الأمم ، وبين الشعوب ، و بين الدول ، وبين الأعراق ، وبين الجماعات ، وبين الأسر و العوائل ، وبين أفراد الأسرة الواحدة ، وبين الزوج والزوجة ، فمن كان محسنا يُحسن إليه ، ومن كان مسيئا يُساء إليه ، وتفصيلها في " أم الكتاب " بأسماء الأفراد ، فردا فردا ، لكل سكان الأرض من الإنس قطعا و من الجن استنباطا و احتمالا ، ويكون آخر الكرات و خاتمتها ، هي الكرة لأهل بيت النبوة والرسالة صلوات الله عليهم ، على آل أبي سفيان الذين نزعوا ملك آل محمد ، أي للإمام المهدي عليه السلام ، على السفياني المشوه الملعون .
الفصل الرابع :
ما قاله تعالى لرسوله (ص) عند الإسراء به :
وروى عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال :
لما عرج بي إلى السماء أتاني النداء من ربى تعالى : يا محمد ! قلت لبيك رب العظمة . فأوحى إلى : يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى ؟
فقلت : الهي لا علم لي . فقال : يا محمد هلا اتخذت من الآدميين وزيرا وأخا ووصيا من بعدك .
فقلت : الهي .. ومن اتخذ ؟ اختر أنت لي يا الهي .
فأوحى إلي : يا محمد قد اخترت لك علي بن أبى طالب . فقلت : الهي ابن عمي .
فأوحى إلي : " يا محمد إن عليا وارثك و وارث العلم من بعدك وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضك .... وقد جعلت فضيلة له أن اخرج من صلبه احد عشر مهديا كلهم من ذريتك من البكر البتول ، آخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى بن مريم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، أنجى به من الهلكة واهدي به من الضلالة وأبرئ به الأعمى وأشفى به المريض .
قلت : الهي ومتى يكون ذلك ؟
فأوحى إلي : يكون ذلك إذا رفع العلم وظهر الجهل وكثر القراء وقل العمل وكثر القتل وقل الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة والخونة وكثرت الشعراء واتخذ أمتك قبورهم مساجد وحليت المصاحف وزخرفت المساجد وكثر الجور والفساد وظهر المنكر وأمر أمتك به ونهوا عن المعروف واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء وصارت الأمراء كفرة وأوليائهم فجرة وأعوانهم ظلمة وذو الرأي منهم فسقة ، وتبدو ثلاث خسوفات خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ويكون خراب البصرة على يدي رجل من ذريتك تتبعه الزنوج وخروج رجل من ولد الحسن بن علي وظهور الدجال يخرج بالمشرق من سجستان وظهور السفياني ) (31) .
وفي الأمالي للشيخ الصدوق بسنده عن عبد الله بن عباس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومن السدرة إلى حجب النور ، ناداني ربي جل جلاله : يا محمد ، أنت عبدي وأنا ربك ، فلي فاخضع ، وإياي فاعبد ، وعلي فتوكل ، وبي فثق ، فإني قد رضيت بك عبدا وحبيبا ورسولا ونبيا ، وبأخيك علي خليفة وبابا ، فهو حجتي على عبادي ، وإمام لخلقي ، به يعرف أوليائي من أعدائي ، وبه يميز حزب الشيطان من حزبي ، وبه يقام ديني ، وتحفظ حدودي ، وتنفذ أحكامي ، وبك وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي ، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي ، وبه اطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي ، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا ، وبه احيي عبادي وبلادي بعلمي ، وله اظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي ، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي ، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني ، ذلك ولي حقا ، ومهدي عبادي صدقا. ) (32)
وحديث آخر بنفس المعنى فيه توضيح خاتمة ذلك .
بسنده عن عبد الله بن عباس قال : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه فقال : ألا أخبركم باشراط الساعة ؟ ...: إن من اشراط القيامة إضاعة الصلوات وإتباع الشهوات ،... فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم وان سكتوا استباحوا حقهم ليستأثرون أنفسهم بفيئهم وليطؤن حرمتهم وليسفكن دماءهم وليملان قلوبهم دغلا ورعبا ، فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين ، ... إن عندها يؤتى بشئ من المشرق وشئ من المغرب يلون أمتي ، فالويل لضعفاء أمتي منهم والويل لهم من الله ، لا يرحمون صغيرا ولا يوقرون كبيرا ولا يتجاوزون من مسئ جثتهم جثة الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين ، ... وتسلط الأشرار على الأخيار ، ... فلم يلبثوا إلا قليلا حتى تخور الأرض خورة فلا يظن كل قوم إلا أنها خارت في ناحيتهم فيمكثون ما شاء الله ثم ينكتون في مكثهم فتلقى لهم الأرض أفلاذ كبدها ذهبا وفضة ـ ثم أومأ بيده إلى الأساطين فقال ـ مثل هذا ، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة ، فهذا معنى قوله تعالى " فقد جاء اشراطها " .) (33)
استنتاج ما تقدم من البحث :
إن فلسفة التاريخ عندنا تقوم على حقيقة واقعة وثابتة استخلصناها من دراسة خطبة البيان لأمير المؤمنين عليه السلام ، والأدلة عليها لا يمكن أن ينكرها إلا مستكبر أو جاهل ، وهذه الأدلة قدمناها في كتاب ( عولمتنا .. دولة الإمام المهدي"ع" ) ، وهذه الوقائع الثابتة التي تقوم عليها فلسفة التاريخ : هي أن المقادير الإلهية تتكرر بعد كل اثنى عشر قرنا قمريا ( القرن القمري ستون سنة قمرية ) أي بعد كل سبعمائة وعشرون سنة ، تتكرر المقادير مرة أخرى وهكذا أبدا ـ ربما إلى حدوث استدارة الفلك المرتقبة ، وتغير المقادير إلى نظام آخر ، أو البقاء على ما هي عليه فالله العالم ، فهو المقدر .. و نعم المقدر ـ وهذا الأمر العظيم هو الذي يحل كل الإشكالات و سوء الفهم لكثير من الحقائق التي نطق بها القرآن الكريم ، و تختلف الناس في فهمها ـ إلا من اخذ من أبواب مدينة العلم ( علي بن أبي طالب والأئمة المعصومون من ذريته عليهم السلام ) .
إن هذه الحقائق التي تقوم عليها فلسفة التاريخ تؤدي بنا إلى نتيجة مفادها : أن لبني إسرائيل ليس افسادان وعلو كبير في كل زمنهم الممتد إلى مجيء يومهم الموعود واجلهم المؤجل ، بل أن لهم افسادان و علو كبير في كل اثنى عشر قرنا قمريا مادام اجلهم باق ، ولهذا يقول المحققون في تاريخهم ـ كما قال الطباطبائي في تفسيره " الميزان " :
( وقد نزل على بني إسرائيل منذ استقلوا بالملك والسؤدد نوازل هامة كثيرة فوق اثنتين - على ما يضبطه تاريخهم ) .
ومن هنا عندما يقول أمير المؤمنين عليه السلام بان الإفساد الأول : هو قتل زكريا (ع) والمبعوث عيهم عقوبة على ذلك هو بخت نصر .
وان الإفساد الثاني هو قتل يحيى (ع) والمبعوث عليهم عقوبة على ذلك هو سنحاريب .
فان هذا هو القول الحق ، ولكنه فيما يخص الإثنى عشر قرنا قمريا الأخيرة قبل رسول الله و أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما.
علما إن الفترة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين السيد المسيح عليه السلام هي خمسمائة سنة حسب قول أمير المؤمنين عليه السلام ، ومنها يمكنك تخمين الفترة بين قتل كل من زكريا و يحيى عليهما السلام وبين حروب رسول الله (ص) مع اليهود ثم استشهاده صلى الله عليه وآله فتجد أن كل افسادان و علو كبير يعقبهما تكرار لذلك ، فيكون افسادان وعلو كبير خلال القرن الثاني عشر عقيب ذلك ، فيكون في ( رُبعه أو خُمسه أو ثُمنه أو عُشره الأخير ) ، فلا يتم القرن الثاني عشر إلا افسدوا خلاله مرتين و علو علوا كبيرا .
وأما ما قيل من الأقوال الأخرى التي قدمناها ، ومنها : أن المبعوث عليهم جالوت إلى أن قتله داود (ع) .
وكذلك القول بأنه ملك الأنباط ( ضحابين ) ، و القول انه ملك الروم ابطيانحوس ثم اسبيانوس ، فهو فيما يتعلق بدورات تاريخية أخرى ، فيها افسادان وعلوا كبيرا .
ونخلص من ذلك إلى بعض النقاط الهامة :
1 ـ أن هناك ثلاثة أحداث وثلاث عقوبات ، فالإفساد الأول ثم الكرة عليهم عقوبة على ذلك .
ثم الإفساد الثاني ، ورد الكرة عليهم ، عقوبة على ذلك .
ثم العلو الكبير ، وهو أعظم من الافسادين . وعقوبة العلو الكبير ـ الذي هو الإفساد الثالث ـ عقوبة ماحقة . اقلها الجلاء والنفي من الأرض وتشريدهم في الأقطار والقارات ، وآخرها ، نزول عذاب الاستئصال .
2 ـ نستنتج من قول الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام أن الفترة بين الإفساد الأول ، و الإفساد الثاني ، والعلو الكبير ، هي بحدود الفترة الفاصلة بين بيعة أبي بكر وبيعة عمر ، و معركة الجمل ثم صفين .
أو الفترة الفاصلة بين قتل أمير المؤمنين ثم طعن الإمام الحسن (ع) في المدائن أثناء الاستعداد للعودة إلى ( صفين ) ، ثم قتل الإمام الحسين عليهم السلام . وان تكون الفترة بين الإفساد الأول ثم الثاني ثم العلو الكبير بما لا يزيد عن ثلاثين سنة كحد أعلى ، أو دون ذلك .
وليس صحيحا اعتبار الإفساد الأول ثم الثاني هما مما يفصل بينهما مئات السنين .
فان الفترة بين استشهاد رسول الله و أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ـ والتي وقع فيها الافسادين و العلو الكبير هي ثلاثون سنة .
و الفترة بين استشهاد أمير المؤمنين والإمام الحسن ثم الإمام الحسين عليهم السلام هي إحدى و عشرون سنة .
وكذلك الفترة بين قتل زكريا ، و قتل يحيى عليهما السلام هي دون ذلك.
3 ـ إن هذا الذي نزلت به سورة الإسراء هو التنزيل ، وهنالك التأويل ، الذي هو غير التنزيل ، فالتنزيل في الذين نزل بهم ، والتأويل بأمثالهم و نظراؤهم من أمم أخرى أو أجيال أخرى بعيدة عن زمنهم .
4 ـ وتدل الأمثلة والتأويلات التي وردت في الروايات السابقة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، أن المقصود ببني إسرائيل الذين يُفسدون مرتين ثم يعلون علوا كبيرا ، هو ليس مخصوصا ببني إسرائيل ، بل كل من يتبوأ منزلة بني إسرائيل الذين فضلهم الله على العالمين يوم بعث إليهم الرسل والأنبياء .
أي إن المقصود بهذا القول ليس بني إسرائيل ، بل امّة النبي صلى الله عليه وآله ، و ذلك لقولهم ( ع) : ( التنزيل في بني إسرائيل و التأويل فينا) و بمعنى أوسع واشمل ، حسب تأويل الإمامين الباقر والصادق (ع) فان الخطاب القرآني موجّه إلى امة النبي (ص) بالتورية ، ومن الجانب الآخر هو خبر قرآني عمّا اُنزل إلى بني إسرائيل في التوراة ، فإن الأمتين ستسلكان ذات السلوك و تفسدان ذات الفساد و تعلوان ذات العلو ، وسيُجري الله سبحانه فيهما ذات السنّة الإلهية .
قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : " لتركبن أمتي سُنَّة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة ، شبرا بشبر و ذراعا بذراع و باعا بباع ، حتى لو دخلوا جحرا لدخلوا فيه معهم ، إن التوراة و القرآن كتبهما ملك واحد ، في رق واحد ، بقلم واحد ، و جرت الأمثال و السنن سواء " (34) .
فالذين افسدوا مرتين وعلو علوا كبيرا هم : قريش بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم الأمويون في ملكهم ، ثم بنو العباس في ملكهم ، ثم في آخر الزمان فان فجار وفساق الشيعة في ملكهم ، لهم مثل ذلك ( افسادان و علو كبير ) ، وهم المشار إليهم ببني إسرائيل .
ويدل ما ورد في تفسير القمي : ( سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان ويعملون لهم ويجبونهم ويوالونهم ، قال : ليس هم من الشيعة ولكنهم من أولئك ، ثم قرأ أبو عبد الله عليه السلام هذه الآية " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * ـ إلى قوله تعالى ـ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * " ، قال الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى .... " فنهى الله عزوجل أن يوالى المؤمن الكافر إلا عند التقية ) (35)
يدل هذا القول دلالة أكيدة أن المقصود ببني إسرائيل في آخر الزمان هم فساق و فجار الشيعة ، الذين يتولون اليهود والنصارى ( قوات الاحتلال الأمريكي وحلفاءهم ) ، فلهم افسادان وعلو كبير .
5 ـ وهو الأهم : هو أن ما تشير إليه السورة المباركة من الافسادين والعلو الكبير ، هو مما يكون في آخر الزمان ، في اشراط الساعة وظهور الإمام المهدي عليه السلام .
وهذا هو التفسير الوحيد الذي يزيل الالتباس وتنافر الأقوال ، والله العالم .

الفصل الخامس :
الافسادان والعلو الكبير في اشراط الساعة :
بناءً على ما تقدم فإننا نعتقد اعتقادا مبنيا على دراسات موضوعية وردت في كتبنا الأخرى . بان الإفساد الأول والإفساد الثاني قد وقعا فعلا ، سواءً كان من بني إسرائيل ، أو من بني العباس ، أو من فساق وفجار الشيعة . ويدل واقع الأحداث ومجرياتها على أن هؤلاء جميعا ( الذين كفروا من بني إسرائيل ، والأمويين ، والعباسيين ، و فساق الشيعة عندما يكون الملك لهم ) شركاء في الافسادين والعلو الكبير الأخيرة قبل قيام الساعة وظهور الإمام المهدي عليه السلام ، من خلال تحالفهم الإستراتيجي من اجل الدفاع عن مصالحهم ، ولذلك قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) .
فأما الإفساد الأول من بني إسرائيل وبني العباس ( دول التحالف ) ، فهو ما كان عام (1991 م) وما فعلوه بالعراق وبالشعب العراقي من قتل وتجويع وتدمير وحصار ، ولا يستبعد أن تكون أحداث الحادي عشر من أيلول وتدمير الأبراج و مبنى وزارة الدفاع وخلفية البيت الأبيض ، وتدمير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي و دار السلام ، و مقر القوات الأمريكية في الخُبر ، هي من رد الكرة على الإفساد الأول .
وأما الإفساد الثاني ، فكان بعد أثنى عشر عاما ( 2003 م) ، فكان رد الكرة نزع ملك الروم من الأسياد إلى العبيد وذهاب ملك آل بوش (لعنهم الله ) وإيتاء الملك إلى باراك اوباما ( بركات حسين أبو عمامة ) ، وملك الإفرنج إلى الرجل المجري الأصل ( ساركوزي) من أبناء البغايا المرافقات للعاملين في السفارات الأمريكية في أوربا الشرقية ، وقلب كبير للموازين في عموم الغرب وأزمات مالية واقتصادية، وفي إسرائيل على يد " حزب الله " ، وبقي العلو الكبير .

وأما فساق الشيعة :
فان الإفساد الأول الذي أفسدوه كان في حكومة ( أياد علاوي ) ، وما قامت به من قتل وتدمير وانتهاك لكل الحرمات في الكوفة والنجف وكربلاء ومدينة الصدر والفلوجة وغيرها . وبأوامر وتحالف مع بني إسرائيل , فردّ الله الكرة عليهم ونزع ملكهم ، حتى أن بعضهم هارب خارج العراق ومطلوب للقضاء على قضية سرقات أموال طائلة ، ومنهم من أعلن توبته ، ولكنها توبة ابن آوى .
والإفساد الثاني في حكومة بعدها وتفعل فعلها ، وأيضا تستهدف التيار الصدري وبأوامر وتحالف مع بني إسرائيل ، وإفسادها أكثر ظهورا وأعمّ بلاءً ، وكان ردّ الله الكرّة عليهم بنتائج انتخابات مجالس المحافظات بداية عام 2009م ، و الملاحظ أن الذين كانت على أيديهم ردّ الكرّة على الإفساد الأول ، هم الذين افسدوا الإفساد الثاني ، وكما يبدو أن الذين على أيديهم ردّ الكرّة على الإفساد الثاني ، هم الذين سيعلون العلو الكبير ـ والله العالم ـ ويؤيد هذا الاعتقاد ، علم الحروف الذي قدمنا منه شيء يسير في كتاب ( عولمتنا .. دولة الإمام المهدي "ع" ) ، و (العين) الضالة كما عن رسول الله و أمير المؤمنين صلوات الله عليهم .
وأما العلو الكبير : وهو الذي يُنتظر وقوعه وهو الذي سيكون السبب في نزول عذاب الاستئصال ، فانه لم يقع بعد ، وهو بشكل عام حربهم المشتركة على الإمام المهدي (ع) من خلال تحالفهم الإستراتيجي ، ولكن لكلٍ منهم علوه الكبير .
فأما لبني إسرائيل : فهو استخدام أسلحة الدمار الشامل وإشعال الأرض بالنار حتى تكون الأرض كلها كالبيت الخشبي الذي أوقدت فيه النار ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام :
( دخان يأتي من السماء قبل قيام الساعة يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام ، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ، ليس فيه خصاص ، يمتد ذلك أربعين يوما ) (36) ، ويظهر الفساد في البر والبحر، كما قال تعالى في اشراط الساعة (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ )(37) ، حيث يكون التلوث الإشعاعي وخطر الدخان قد افسد البيئة ومياه البحار وتهلك كثير من الأمم البرية والبحرية بسبب هذا الفساد الذي تفسده الروم وحلفاؤهم بني إسرائيل ، و تذوب طبقات الجبال الجليدية في القطب الشمالي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بعد الحرب النووية ، فتتحرر مئات ملايين الأطنان من غازات الميثان السام من تحت طبقات الجليد هذه ، وهذا كله بفعل " الناس " ، وهذا كله يحدث في الأربعين يوما الأخيرة قبل الظهور ، و إليه الإشارة بقوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) ، فعندئذ يحق عليهم القول ، ويحكم الله وهو خير الحاكمين .
وأما لبني العباس : فهو قتل النفس الزكية بين الركن والمقام .
[ (: بسنده عن محمد بن مسلم الثقفي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول : القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ... قال : قلت: يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم ؟ قال :
( .... وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام ، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية ، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه وفي شيعته ، فعند ذلك خروج قائمنا ) .
وعن الإمام الصادق (ع) قال : يا زرارة لا بد من قتل غلام بالمدينة ، قلت : جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني ؟ قال : لا ، ولكن يقتله جيش بني فلان ، يخرج حتى يدخل المدينة فلا يدري الناس في أي شئ دخل ، فيأخذ الغلام فيقتله ، فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لم يمهلهم الله عز وجل فعند ذلك فتوقعوا الفرج . ) ] (38)
وفي الإرشاد للشيخ المفيد: (ثعلبة بن ميمون ، عن شعيب الحداد ، عن صالح بن ميثم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : " ليس بين قيام القائم عليه السلام وقتل النفس الزكية أكثر من خمس عشرة ليلة " . ) (39)
وأما العلو الكبير لفساق الشيعة : فهو قتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين .
قال الإمام علي عليه السلام : ( وقتل كثير وموت ذريع ، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ، والمذبوح بين الركن والمقام ، وقتل الاسبغ المظفر صبرا في بيعة الأصنام مع كثير من شياطين الإنس ، وخروج السفياني براية خضراء وصليب من ذهب) (40) . وفسرت رواية أخرى ستمر بنا فسرت ظهر الكوفة أي : بين الكوفة و النجف ، فليس في الكوفة ولا في النجف .
وقد قال بعض فقهاء البلاطات ، أمثال الشيخ علي الكوراني ( في برنامج متلفز) ، بان النفس الزكية الذي يُقتل بظهر الكوفة هو محمد باقر الحكيم ، بعد إن قال في كتابه ( عصر الظهور) بان النفس الزكية هو محمد باقر الصدر ، وهذه أقوال لا قيمة لها لأنها صادرة عن أهواء وميول حزبية ولكسب رضا أصحاب الملك ، فكما يوجد شعراء البلاط ، فهناك فقهاء البلاط .
أما الحقيقة التي تصدح بها الروايات وخطب أمير المؤمنين عليه السلام ، وينطق بها القرآن الكريم في سورة الشمس ، فان قتل النفس الزكية بظهر الكوفة هو من أحداث سنة الظهور ، وليس قبلها بأي حال ، فهو إلى الآن لم يُقتل ، وان الذي يقتله هم فجار الشيعة بتحالف مع بني إسرائيل ومع المفسدين من بني العباس الذين يسيطرون على وزارة الدفاع و( الصحوات) ، وبعد مقتله بشيء يسير( بضعة أسابيع أو بضعة أشهر) يظهر السفياني ويسلطه الله عليهم ، ثم تقع عليهم الصيحة في الزوراء ( الجهة الغربية من بغداد و منها المنطقة الخضراء ، حيث تسمى الزوراء ، وأما الجهة الشرقية ـ ذات الغالبية الشيعية ـ فتسمى الروحاء ) ، فعندئذ يُقل لهم كما قيل لأمثالهم :
( أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ) (41) .

قتل النفس الزكية :
لقد قدم لنا أمير المؤمنين عليه السلام نموذجا ومثلا للنفس الزكية التي يكون قتلها حدا فاصلا بين الحلم والعفو من جهة ، وبين استحقاق القول ونزول العذاب ، وانقطاع كل الأعذار المانعة دون ذلك من جهة أخرى .
ففي معركة الجمل وبعد ما فعل أصحاب الجمل بعامله على البصرة ، وقتل العاملين في بيت المال ، و فضائع أخرى كثيرة ، فانه عليه السلام صبر على ذلك كله ولم يتخذ موقفا حديا إلا بعد ما جاء بما ينقض لهم كل عذر ويدحض لهم كل حجة ، فطلب إلى غلام أن يتقدم بين الفريقين ويحمل القرآن رافعا إياه ويدعو أصحاب الجمل إلى الاحتكام إليه ويقرأ قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )
ففي انساب الأشراف للبلاذري : ( وقال أبو مخنف وغيره : وأمر علي [عليه السلام ] أصحابه أن لا يقاتلوا حتى يبدؤا ، وأن لا يجهزوا على جريح ولا يمثلوا ولا يدخلوا دارا بغير إذن ولا يشتموا أحدا ، ولا يهيجوا امرأة ولا يأخذوا إلا ما في عسكرهم . ثم زحف الناس ودنا بعضهم من بعض . وأمر علي رجلا من عبد القيس أن يرفع مصحفا ، فرفعه وقام بين الصفين فقال : ادعوكم إلى ما فيه ، ادعوكم إلى ترك التفرق وذكر نعمة الله عليكم في الإلفة والجماعة . فرمي بالنبل حتى مات ، فقال علي (ع) : الآن طاب الضراب .) (42)
وفي مناقب آل أبي طالب :
في وصف استعدادات أمير المؤمنين عليه السلام لمعركة الجمل ، انه قال : أيها الناس غضوا أبصاركم وعضوا نواجذكم وأكثروا من ذكر ربكم وإياكم وكثرة الكلام فانه فشل .
ونظرت عائشة إليه وهو يجول بين الصفين فقالت : انظروا إليه كأن فعله فعل رسول الله يوم بدر ! أما والله ما ينتظر بك إلا زوال الشمس . فقال علي عليه السلام : يا عائشة عما قليل لتصبحن نادمين .
فجد الناس في القتال فنهاهم أمير المؤمنين ( ع ) وقال : اللهم إني أعذرت وأنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين . ثم أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما - الآية - " فقال مسلم المجاشعي ها أنا ذا " ، فخوفه بقطع يمينه وشماله وقتله ، فقال : لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله . فأخذه ودعاهم إلى الله ، فقطعت يده اليمنى ، فأخذه بيده اليسرى ، فقطعت ، فأخذه بأسنانه ، فقتل . فقالت أمه :
يا رب إن مسلما أتاهم * بمحكم التنزيل إذ دعاهم
يتلو كتاب الله لا يخشاهم * فزملوه زملت لحاهم
فقال عليه السلام : الآن طاب الضراب ) (43)
وبالطبع عندما يقول أمير المؤمنين عليه السلام ( الآن طاب الضراب ) أي بمعنى انه لم يبق لكم أي عذر ، وقد حق عليكم القتل و نزول العذاب دون أي شعور بالأسف أو الندم ، وتمثل هذا الأسلوب بتقديم داعي يدعوهم إلى الحق ، بأمر الإمام الذي هو خليفة الله في الأرض ، و يدعوهم إلى كتاب الله للاحتكام إليه ، وبالتالي فان هذا الداعي يمثل الإمام المعصوم شخصيا ، وان العدوان عليه هو عدوان على الإمام شخصيا ، وبلا شك فان العدوان على الإمام المعصوم هو عدوان مباشر على الله لكون أن الإمام المعصوم هو خليفة الله في الأرض .
إن هذا النموذج الفريد في إلقاء الحجة على الخصم وعلى العدو ، الذي قدمه لنا أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل هو المثل الذي سيكون عليه الأمر قبل نزول العذاب .
ويتضح من ذلك أيضا ، أن النفس الزكية لا يكون شيخا ولا كهلا ، فلا يكون إلا شابا أو غلاما لم يرتو من الدنيا بعد ، ودعوته دعوة حق ، وان قتله ظلما يكون سببا لغضب وسخط الله تعالى ، ويتضح من روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام بان (سورة الشمس) تشير إلى قتل النفس الزكية ، ومن هم الذين يقتلونه ،
ففي تأويل الآيات : عن الفضل بن العباس عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال :
وقوله تعالى " والأرض وما طحاها " - قال " الأرض " : الشيعة . وقوله " ونفس وما سواها " قال : هو المؤمن المستور وهو على الحق . وقوله " فألهمها فجورها وتقواها " ، قال : عرفه الحق من الباطل ، فذلك قوله " ونفس وما سواها " ، " قد أفلح من زكاها" ، قال : قد أفلحت نفس زكاها الله ، " وقد خاب من دساها" : الله ، وقوله " كذبت ثمود بطغواها" قال : ثمود رهط من الشيعة فان الله سبحانه يقول ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ) وهو السيف إذا قام القائم عليه السلام .) (44) .
ومعلوم أن ثمود ( قوم صالح "ع" ) هم الذين عقروا ناقة الله ، وعندما يشير القرآن الكريم إلى فساق الشيعة بـ ( ثمود ) ، و إلى بني العباس بـ ( ثمود ) لأنهما سيقتلان أعظم الأولياء وخير و ابرّ شخصين من ذرية أمير المؤمنين عليه السلام قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، احدهما من ذرية الإمام الحسن (ع) والآخر من ذرية الإمام الحسين (ع).




حقيقة و معنى " سُنّة بني إسرائيل " :
في الحديث الشريف ، قول رسول الله صلى الله عليه وآله " ستحذوا أمتي سنّة بني إسرائيل .... " (45) ، أضاف إليه الإمام الصادق عليه السلام ، دقة متناهية في سلوك الأمتين ذات السلوك أثرا بأثر بشكل غريب
( القسم بن الربيع الوراق ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن صياح المدايني عن المفضل بن عمر انه كتب إلى أبي عبد الله ( ع ) كتابا فجاءه هذا الجواب من أبي عبد الله " ع " . ( .... فقد عرفت أن السنن والأمثال قائمة ، لم يكن شئ فيما مضى إلا سيكون مثله ، حتى لو كانت هناك شاة برشاء كان هاهنا مثلها ، ولتعلم انه سيضل قوم على ضلالة من كان قبلهم ) (46) .
وهو يعني أن ما تفعله امة النبي صلى الله عليه وآله ، نسخة طبق الأصل مما فعلته بني إسرائيل ، ومن هنا يقول الإمام الصادق عليه السلام ( التنزيل في بني إسرائيل ، والتأويل فينا ) .
ولا مفر من العودة إلى الأحاديث القدسية ، وما أوحى الله تعالى لاشعيا عليه السلام أن يقول لبني إسرائيل وبيان ما هو واقع آنذاك من بني إسرائيل ، ومقارنته مع ما هو واقع عندنا اليوم ، عند ( الشيعة ) خاصة .
ففيما ورد في الحديث القدسي : ( : يا سماء استمعي ، ويا أرض أنصتي ، فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته ، واصطفاهم لنفسه ، وخصهم بكرامته ، وفضلهم على عباده ، وفضلهم بالكرامة ، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها ، فآوى شاردتها ، وجمع ضالتها ، وجبر كسيرها ، وداوى مريضها ، وأسمن مهزولها ، وحفظ سمينها ، فلما فعل ذلك بطرت ، فتناطحت كباشها فقتل بعضها بعضا ، حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير ، فويل لهذه الأمة الخاطئة ، وويل لهؤلاء القوم الخاطئين الذين لا يدرون أين جاءهم الحين ).
التأويل : عندما ردّ الله الكرة لشيعة أهل البيت على أعدائهم ، وكانوا قبل ذلك كالغنم الضائعة ، مشردون في إيران و سوريا و بلاد الأرض ، فجمع ضالتهم ، و آوى شريدهم ، و جبر كسيرهم ، واسمن جياعهم ، فإنهم بطروا ، و تناطحت كباشهم : أي قياداتهم و ميليشياتهم فيما بينهم ، و قتل بعضهم بعض ، حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير ، وتحالف بعضهم مع بني إسرائيل على البعض الآخر ، وكل ذلك من اجل المُلك و السلطة .
( قل لهم : كيف ترون في أرض كانت خواء زمانا ، خربة مواتا لا عمران فيها ، وكان لها رب حكيم قوي ، فأقبل عليها بالعمارة ، وكره أن تخرب أرضه وهو قوي ، أو يقال ضيع وهو حكيم ، فأحاط عليها جدارا ، وشيد فيها قصرا ، وأنبط فيها نهرا ، وصف فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب ، وألوان الثمار كلها ، وولى ذلك واستحفظه قيما ذا رأي وهمة ، حفيظا قويا أمينا ، وتأنى طلعها وانتظرها فلما أطلعت جاء طلعها خروبا !
قالوا : بئست الأرض هذه ، نرى أن يهدم جدرانها وقصرها ، ويدفن نهرها ، ويقبض قيِّـمَها ، ويحرق غراسها حتى تصير كما كانت أول مرة ، خربة مواتا لا عمران فيها .
قال الله لهم : فإن الجدار ذمتي ، وإن القصر شريعتي ، وإن النهر كتابي ، وإن القيم نبيي ، وإن الغراس هم ، وإن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة ، وإني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم . وإنه مثل ضربه الله لهم ، يتقربون إلي بذبح البقر والغنم ، وليس ينالني اللحم ولا آكله !
ويدعون أن يتقربوا بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرمتها ، فأيديهم مخضوبة منها ، وثيابهم متزملة بدمائها !
يشيدون لي البيوت مساجد ، ويطهرون أجوافها ، وينجسون قلوبهم وأجسامهم ويدنسونها !
ويزوقون لي البيوت والمساجد ويزينونها ، ويخربون عقولهم وأحلامهم ويفسدونها !
فأي حاجة لي إلى تشييد البيوت وليست أسكنها ، وأي حاجة إلى تزويق المساجد ولست أدخلها ، إنما أمرت برفعها لأذكر فيها وأسبح فيها ، ولتكون معلما لمن أراد أن يصلي فيها .
، فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور ، ويتقوون عليه بطعمة الحرام ؟ وكيف أنور صلاتهم ، وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني ، وينتهك محارمي ؟ أم كيف تزكو عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم ؟ وإنما أوجر عليها أهلها المغصوبين .)
التأويل : إن اشد المنكرين إنكارا و أكثرهم جدلا ، يعلم حق العلم أن هذا هو حال ولاة أمور الشيعة و مناصريهم ، فأيديهم مخضبة بدماء البعض ، وأصبحت المساجد و الحسينيات من أولويات الأعمار و اُنفقت عليها الأموال الطائلة ، ولكنها خراب من الهدى ، و خراب من ذكر الله ، و إنما الاعمار هو لأسباب الدعاية الانتخابية ، وليس الدين سوى لعق على ألسنتهم ، وأما ما ينفقه اهل السلطة منهم في المواكب و الزيارات الأربعينية و المناسبات الدينية ، فهو مال مسروق من فيء المسلمين ، والفساد الإداري و المالي ضرب رقما قياسيا فاق كل ما كان يمكن تخيله ، بينما الفقراء و الأرامل و اليتامى يزدادون جوعا و تشردا ، والحديث القدسي يقول (وكيف أنور صلاتهم ، وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني ، وينتهك محارمي ؟ ) ، فهذا هو السبب الأول لخلافنا معهم ، و يرفضون التخلي عن موالاة أعداء الله ـ الغزاة الأمريكان و بني إسرائيل ، و حلفاؤهم الآخرين .
ومن هذا يظهر بشكل جلي معنى قول الإمام الصادق عليه السلام (التنزيل في بني إسرائيل و التأويل فينا ) ويظهر واضحا من هم المشار إليهم بـ " بني إسرائيل " الذين يفسدون و يعلون في آخر الزمان .
عندما يقول تعالى ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) فهو يعني أن الله معنا على عدونا ، وعندها لو اجتمعت الإنس و الجن لتنصر عدونا لسقيت الأرض بدمائهم ولمزقهم الله شرّ ممزق ، فعندما ردّ لنا الكرة على فرعون ذو الأوتاد وحرسه الجمهوري و فيالق الطوارئ و المخابرات والاستخبارات و الأمن الخاص والأمن العام والجيش الشعبي وفر ق المنافقين والفاسقين ، فما كانت إلا أياما قلائل حتى جعلهم حصيدا خامدين ، أو أشتاتا مرعوبين وفارين ، ولا تستطيع لا أمريكا ولا بني إسرائيل ولا خوارج ولا كل جيوش العالم أن تقهرنا أو تعتدي علينا ، ولكن ذلك بشرط اشترطه الله تعالى ، قال تعالى ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها ) ، فهل أحسنوا ليحسن الله إليهم و يديم النعمة عليهم بعد إن أنجاهم من آل فرعون ؟
الواقع الذي يعلمونه جميعا أنهم لم يلبثوا إلا قليلا جدا حتى اوجدوا فرعونهم ـ وإذا أردنا أن نتخلى عن الكلام الدبلوماسي و نسمي الأشياء بأسمائها ، وكما هي على حقيقتها ـ فأنهم لم يلبثوا إلا قليلا حتى صنعوا عجلهم واتخذوه إلها ... أنها عبادة العجول التي لامناص منها لأتباع العجول . وبغى بعضهم على بعض .

أول تأويل لسورة الشمس هو أمير المؤمنين (ع) :
في مناقب آل أبي طالب : [ أبو بكر مردويه في فضائل أمير المؤمنين ، وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن انه قال سعيد بن المسيب : كان علي يقرأ : ( إذا انبعث أشقاها ) قال : فو الذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا ، وأشار إلى لحيته ورأسه .
وروى الثعلبي والواحدي باسنادهما عن عمار ، وعن عثمان بن صهيب عن الضحاك ، وروى ابن مردويه باسناده عن جابر بن سمرة ، وعن صهيب ، وعن عمار ، وعن ابن عدي ، وعن الضحاك ، والخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة ، وروى الطبري والموصلي عن عمار ، وروى احمد بن حنبل عن الضحاك انه قال النبي (ص) :
يا علي أشقى الأولين عاقر الناقة ، وأشقى الآخرين قاتلك .
وكان عبد الرحمن بن ملجم التجوبى عداده من مراد ، قال ابن عباس : كان من ولد قدار عاقر ناقة صالح ، وقصتهما واحدة ، لان قدار عشق امرأة يقال لها رباب كما عشق ابن ملجم قطاما .
سمع ابن ملجم وهو يقول : لأضربن عليا بسيفي هذا ، فذهبوا به إليه عليه السلام ، فقال : ما اسمك ؟
قال ، عبد الرحمن بن ملجم .
قال : نشدتك بالله عن شئ تخبرني ؟
قال : نعم .
قال : هل مر عليك شيخ يتوكأ على عصاه وأنت في الباب فشقك بعصاه ثم قال "بؤسا لك لشقي من عاقر ناقة ثمود" ؟
قال : نعم ،
قال : هل كان الصبيان يسمونك ابن راعية الكلاب وأنت تلعب معهم ؟
قال : نعم .
قال : هل أخبرتك أمك أنها حملت بك وهي طامث ؟
قال نعم .
قال : فبايع .
فبايع ، ثم قال : خلوا سبيله .
وروي انه جاءه ليبايعه فرده مرتين أو ثلاثا فبايعه وتوثق منه ألا يغدر ولا ينكث ، فقال : والله ما رأيتك تفعل هذا بغيرى ، فقال : يا غزوان احمله على الأشقر . فأركبه ، فتمثل أمير المؤمنين ( ع ) :
( أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد )
امض يا ابن ملجم فو الله ما أرى تفي بما قلت . ) (47)
والسؤال هنا : هل أن سورة الشمس انتهى تأويلها عند ذلك ؟ أم أن ما يقوله الإمام الباقر عليه السلام ( القرآن يجري من أوله إلى آخره ، وآخره إلى أوله ، ولكل قوم آية في كتاب الله يقرءونها ) هو يعني أنها جارية في قوم يكونون في آخر الزمان ، وهم مثال أولئك ، ويفعلون فعلهم !
فهذا ما سيبين لنا بشكل جلي لِأُولِي الْأَلْبَابِ من خلال فهم " المثال المستأنف " .

المثال المستأنف :
* أخبرنا علي بن الحسن قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا محمد بن حسان الرازي ، قال : حدثنا محمد بن على الكوفى ، قال : حدثنا عبد الله ابن محمد الحجال ، عن علي بن عقبة بن خالد ، عن أبى عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : " كأني بشيعة علي في أيديهم المثاني يعلمون الناس المستأنف . (48)
* أخبرنا على بن أحمد البندنيجي ، عن عبيد الله بن موسى العلوي ، عمن رواه ، عن جعفر بن يحيى ، عن أبيه ، عن أبي [ عبد الله ] جعفر [ بن محمد ] ( عليهما السلام ) أنه قال : " كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم ( عليه السلام ) الفساطيط في مسجد كوفان ، ثم يخرج إليهم المثال المستأنف ، أمر جديد ، على العرب شديد " .) (49) .
إن القرآن الكريم ليس مثله كتاب آخر ، ففيه كلام الله تبارك و تعالى ، كلامه الأول وكلامه الآخر ، يوم قال للسموات والأرض اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ) وفيه كلام السموات والأرض ( قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (50) ، وفيه كلام النار والملائكة والأنبياء والرسل ، وكلام الجن ، وكلام الحيوانات والحشرات والطيور وجميع أنواع الخلائق ، وكلام أهل النار وأهل الجنة ، وما ينطق وما لا ينطق .
وأعظم كلام في القرآن الكريم ، هو كلام رسول الله و علي و فاطمة والحسن والحسين و التسعة المعصومين من ولد الحسين آخرهم النذير الأكبر "صلوات الله عليهم أجمعين" ، إذ جعل الله كلامهم الذي تكلموا به قبل خلق الخلق ، ويوم بعث الله محمدا نبيا واصطفاه للرسالة نجيا ، و يتكلمون به يوم الكرة ، ويوم تقوم الساعة ويظهر الله دينه بقائمهم على الدين كله ، ويوم الرجعة ، ويوم القيامة وفي كل أيام الله الأخرى ، وكلامهم صلوات الله عليهم هو (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * ) فجعله الله فاتحة للكتاب ، وأخذه من أعظم مشهد من مشاهد أيام الله ليقرع به سمع كل سامع و يفاجئ به كل غافل ويستعبد به كل عابد ، ويتقبل به حمد كل حامد وثناء كل مثنٍ ، " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" هو كلام رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم عندما كانوا صافين مسبحين حول العرش ، ويعلنون عن أنفسهم يوم القيامة وعن منزلتهم فيقولون (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ* وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) وفي آخر كلامهم ذاك في السورة نفسها " الصافات " يقولون ( والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (51) .
وهو كلامهم في جنات النعيم (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (52) .
وهو كلام الإمام المهدي عليه السلام يوم يؤيده الله بملائكته المقربين و يؤيده بروح القدس وهو مسند ظهره إلى البيت الحرام و تبايعه الملائكة فيقول ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ* ـ[ ثم المشهد الختامي لكل ذلك ]ـ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (53) .
من هذا القول ومن هذا المشهد ، يبتدء القرآن الكريم قصة الخلق من النشأة الأولى إلى النشأة الأخرى ، يبدي و يُعيد ، إلى هلاك وفناء كل شيء ويبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام ,
كل هذا التفصيل هو في كتاب الله الناطق أبدا ، فهل القرآن الكريم هو حكايات وأقاصيص عن أمم اُهلكت فانزل الله كتابه الخاتم ليكون معبرا عن مذكراته مع تلك الأمم ؟
سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ....
فما معنى " المثال المستأنف " الذي يعلمه الإمام المهدي عليه السلام للناس ؟
إن فلانا الذي اتخذه الظالمون خليلا يوم السقيفة ولم يتخذوا مع الرسول سبيلا (يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * ) (54) ،" فلانا" الذي كان أول من بايعه إبليس عليه اللعنة ، هو مثال مستأنف ، لم يمت بموت أبي بكر أو عمر ، وإن كان التنزيل في أولئك ، إلا أن التأويل مستمر وخاصة في اشراط الساعة ، فان " فلانا" هو مثال مستأنف يعود مع كل جيل و يبايعه الظالمون محتذين حذو إبليس .
و فرعون ذو الأوتاد صاحب موسى (ع) مثال مستأنف ، يعود في كل الأزمان و ينصب الحرب للأنبياء و أولاد الأنبياء و أتباع الأنبياء ، مهما تغيرت أنواع الأوتاد التي نصبها لأتباع موسى (ع) ، فانه يعود دائما وينصب أوتاده للمؤمنين ، قد يتغير شكل الأوتاد ، من أوتاد على شكل صليب يثبته في الأرض ، إلى جذوع النخل أو الأعمدة الرخامية لقلاعه الحصينة ، أو أعمدة الكهرباء ، أو أعواد المشانق ، و كلها أوتاد و أصحابها فراعنة .
وأصحاب الأخدود ، مثال مستأنف ، تختلف أخاديدهم و تتطور إلى أخاديد تحفرها الآليات و ( الشفلات ) و تتطور إلى مبازل و انهار مملوءة بجثث الأبرياء ، و تتطور نارها ذات الوقود ، إلى أنواع متطورة من الوقود الذي يتحول إلى نار ، كالعبوات الناسفة و الألغام و السيارات المفخخة ، ولكنه مثال مضروب ، وله مثال مستأنف :
( بإسناده عن ميثم التمار قال : سمعت أمير المؤمنين وذكر أصحاب الأخدود فقال : كانوا عشرة ، وعلى مثالهم عشرة ، يقتلون في هذا السوق . ) (55) ، هذا مثالٌ مستأنف .
و كذلك إرم ذات العماد ، كلما خسف الله بها الأرض ، عاد المثال المستأنف ، وشمخت مبانيهم وناطحات السحاب والأبراج العالية ، حتى يصل الأمر إلى رعاء الناس يتشامخون بالبناء ، يبنون القصور العالية و ( دبل فاليوم ) حتى لو كان أفراد أسرته ثلاث نفر ، وكل ذلك من الأموال المسروقة من فيئ المسلمين و خبز الجياع و ميزانية الدولة .
وكذلك أصحاب الرس ، وأهل المؤتفكة و جميع ما ذكره القرآن الكريم ، هو مثالٌ مستأنف ، لا تموت الآية بموت أهلها .
وكذلك ثمود التي كذبت بطغواها ، ثمود الذين هداهم الله فاستحبوا العمى على الهدى ، ثمود الذين كانوا في زمن من الأزمان يزورون الإمام الحسين (ع) و يقيمون المواكب و ( العاشور ) ، ثمود الذين كانوا يقلدون محمد باقر الصدر ، وفلان وعلان ، عندما يأتي وعد الآخرة ، يعودون إلى ما كان يعبد آباءهم ، أي تكون مواقفهم كمواقف آباؤهم يوم الجمل ويوم الطف ، هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى ( فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ ) (56) ، وكذلك كل الناس وكل القرون و كل الأمم و كل الأحزاب والفرق ، الكل يعود إلى ما كان يعبد آباؤهم ، فيقول رسول الله ( إني لأخاف على أمتي اللبن أخوف عليها من الخمر . قيل : ولمَ يا رسول الله ؟ قال : لان الناس إذا كان وعد الآخرة يعودون إلى ما كان يعبد آباؤهم ) ويعني باللبن ، حليب الأم ، ومن اجل ذلك يقول تعالى أيضا في مارقة الروم الذين يجمعون لحرب الإمام المهدي عليه السلام ، يقول تعالى ( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ) (57) ، وهم المحافظون الجدد و فرسان مالطا وسلفية النصارى ، بعد تراخيهم عن مثل هذا القول بعدما انتشر الإسلام وظهر دين التوحيد ، عادوا اليوم لمقولتهم ( المسيح ابن الله ) .
إن المثال المستأنف في القرآن الكريم ، هو في إشاراته و لطائفه و حقائقه ، فعندما قص القرآن الكريم قصة فرعون مفصلة كل التفصيل ، واحتجاجات النبي موسى (ع) على فرعون ثم إصرار فرعون على الاستكبار والعدوان ، وعندما أهلكه الله وجعله لمن خلفه آية ، وكذلك عندما قص القرآن الكريم قصة قوم النبي صالح عليه السلام ، وهم ثمود ، وقص كل دعوات النبي لهم و احتجاجاته عليهم ، وإصرارهم على الإثم و العدوان ، ثم أخذهم الله اخذ عزيز مقتدر ، يعود القرآن الكريم إلى حديث آخر عن فرعون و ثمود : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) (58) .
فهذا الحديث ، حديث فرعون و جنوده من ثمود ، هو كحديث الغاشية : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ) (59) فهي الفتنة التي تغشى العراق ثمانية عشر عاما(60) ، وفيها تصبح الناصبةُ عاملةَ ، أي يتحول فيها النواصب من مجرد التكفير والعداء الفكري والعقائدي النظري ، إلى العمل الدموي ، ذبح ، وقتل جماعي ، وتفجيرات ومفخخات ، وقصف بالصواريخ للمنازل والمساكن والأسواق ، وغيره ، كل ذلك عندما أتت الغاشية ، وأما قبلها فلم يكن هناك ذبح على الهوية وتفجيرات و صواعق .
فعندما يقول تعالى ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ) ويقول تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ) فهذه أحاديث مستقبلية في اشراط الساعة لم تقع عند نزول القرآن ولا قبله ، ولذلك يتساءل القرآن الكريم بقوله تعالى (هَلْ أَتَاكَ ) بمعنى هل تبلغت به ؟ فإننا نبلغك ، هل علمت به ؟ فإننا نعلمك ، وهل بلغت الناس عنه وأنذرتهم منه .
ومن هنا يظهر واضحا أن حديث الجنود فرعون وثمود ، هو المثال المستأنف ، وليس الحديث عن فرعون صاحب موسى (ع) ، ولا ثمود قوم صالح (ع) ، بل " فرعون" الذي جنوده فساق و فجار الشيعة ، الذين يعيثون في الأرض فسادا ، وكما اشتركوا في قتل الحسين عليه السلام مع جيش عمر بن سعد ( لعنه الله ) ، فان في معتقلاتهم و سجونهم اليوم من بنات الحسين و أولاد الحسين و فعلوا بهم ما لم يجرؤ حتى يزيد على فعله آنذاك ، ـ فلم تذكر الوقائع التاريخية أن أي من بنات الحسين عليه السلام تعرضت للاعتداء الجنسي و الاغتصاب آنذاك ، كما يحدث اليوم ـ ، كل ذلك ليس لسبب ، إلا سبب واحد ، وهو أنهم من مقلدي السيد الشهيد محمد صادق الصدر ، وما أصبح اليوم يسمى ( التيار الصدري)، وآخر جرائم ثمود ، هو علوهم الكبير : قتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين .
وكذلك فرعون بني العباس ( عبد الله ) وجنوده من مجرمي شيعة بني العباس في الحجاز ، وآخر جرائمهم العظمى : قتل النفس الزكية بين الركن والمقام . ألا تسمع لقوله تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ *) ، وثمود ليس عندهم جنود ، بل هو " أشقاها" ، عقر ناقة الله ، و رضي باقي القوم بما فعل .
وهذا كله من كلام العرب ، ونزل على أنبياء العرب ، ولا يفقهه إلا العرب ، ولكن ليس عرب اليوم الذين يتبجح ( مثـقـفوهم) بترديد بعض مفردات ومصطلحات اللغات الأعجمية ، ليعبروا عن فساد أرواحهم واهتزاز ثقتهم بأنفسهم ، بحيث أن اللغة الدينية لأكثر من مليار و نصف مسلم ، لم يستطيعوا أن يجعلوها من اللغات الرسمية التي يمكن التكلم بها في المحافل الدولية ، كالأمم المتحدة و مجلس الأمن .
فلقد كان هذا الكلام وهذا العلم في كتاب هود (ع) ، و كتاب شعيب (ع) ، و كتاب صالح (ع) ، وكان يتكلم به ( شق اليشكري ) و ( سطيح الراهب ) وذلك قبل نزول القرآن الكريم ، ومن هنا يقول تعالى :
1 ـ ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (61)
2 ـ (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (62)
3ـ ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (63)
4 ـ ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (64) .
5 ـ ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ) (65) .
6 ـ ( وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) (66) .
7 ـ (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (67) .
وورد في سورة الرعد " حكما عربيا " : (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ) (68) .
ومن اللافت للانتباه أن ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) وردت سبع مرات ، أولها في سورة يوسف ، ويوسف بن يعقوب عليهما السلام قال تعالى في قصته
(لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ ) ويوسف (ع) من بني إسرائيل ، وقصته مثال مستأنف .
كم يوسف قتلت هذه الأمة ! وكان القتلة هم إخوة يوسف من أبيه ، فلقد كان هاشم و أمية إخوة ، وقتل بني أمية لبني هاشم أفظع بكثير من قصة يوسف ، وكان العباس و أبو طالب إخوة ، وقتل بني العباس لآل أبي طالب أفظع مما فعلت بني إسرائيل بيوسف ، وأخيرا فان الحسن و الحسين إخوة وليس كأي من الإخوة الآخرين ، بل طاهرين مطهرين ، وكان الإمام الحسن عليه السلام في اشد لحظات الألم و النزع حين كان كبده يتقطع ويلفظه قطعا من شدة السم ، كان يبكي على أخيه الحسين وما سيحل به في يومه ، ويقول ( لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ) ، ولكن قصة يوسف تأبى إلا أن تكون مثالا مستأنفا بين أبناء الأبناء ، إن لم يكن القتل ، فالتآمر و الإلقاء في الجب .
ثم وردت ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) في أربع من الحواميم السبع ، ويقول أمير المؤمنين عليه السلام ( نحن الحواميم ) ، أي فيهم أنزلت السور السبع التي تبدأ بالحروف المقطعة ( حم* ) وهي ( غافر ، فصلت ، الشورى ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف ) ، وفي السبع المثاني أقوال و آراء ، لم يذكر من بينها السور السبع "الحواميم " ، ونحن نضع علامة استفهام للبحث والتقصي .
ومن اللافت أيضا أن سبعة من أئمة أهل البيت عليهم السلام تبدأ أسماؤهم بحروف ( ح ) أو ( م ) ، وهم (حسن ، حسين ، محمد ، موسى ، محمد ، حسن ، م ح م د ) عليهم السلام ، و المشهور عن الإمام الصادق (ع) أن قوله تعالى ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) (69) ، أن الأربعة الحرم هم أربعة اسمهم علي ، وهم ( علي بن أبي طالب ، وعلي بن الحسين ، و علي الرضا ، وعلي الهادي ) سلام الله عليهم . ولم يبين السر في هذه التسمية و خصوصيتها .
وخلاصة ما نقول : إن المثال المستأنف في القرآن الكريم يفهمه كل عربي يتمعن بلغة العرب و لحنها و إشاراتها و الغمز الذي فيها ، ويقول تعالى لنبيه الكريم (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) (70) ، ويقول الإمام الصادق عليه السلام ( ليس منا من لا يلحن )
وفي التوحيد : ( عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال لي : يا أبا عبيدة إياك وأصحاب الخصومات والكذابين علينا فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه وتكلفوا علم السماء ، يا أبا عبيدة خالقوا الناس بأخلاقهم وزايلوهم بأعمالهم ، إنا لا نعد الرجل فينا عاقلا حتى يعرف لحن القول ، ثم قرأ هذه الآية (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (71).
وفي الكافي ، و مختصر بصائر الدرجات :
( بكير بن أعين قال : كان أبو جعفر عليه السلام يقول : إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر ، يوم أخذ الميثاق على الذر ، بالإقرار له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة وعرض الله عزوجل على محمد صلى الله عليه وآله أمته في الطين وهم أظلة ، وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم ، وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام وعرضهم عليه ، وعرفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وعرفهم عليا ونحن نعرفهم في لحن القول . ) (72) .
قال محمد عبده : ولحن القول ما يقبل التوجيه كالتورية والتعريض، وقال المازندراني : أي معناه وفحواه ، واللحن أيضا اللغة والنحو ويمكن أن يراد إنا نعرفهم في تكلمهم بالكلام بالأصوات .
ونقول : هو الغمز في الكلام و التلاعب بالألفاظ ، أما تقيةً ، أو مكراً ، ويعرف عند شعراء الشعر الشعبي عند أهل الجنوب بـ ( الحسكة ) ، وفي القرآن الكريم من ( الحسكة ) حدّث ولا حرج .
فتنة محمد بن عبد الله ( محمد ذو النفس الزكية ) :
في مقاتل الطالبيين ، أخبرنا محمد بن زكريا الصحاف البصري قال : حدثنا قعنب بن محرز عن المدائني عن ابن دأب قال : لم يزل محمد بن عبد الله بن الحسن منذ كان صبيا ، يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه ، ويسمى بالمهدي .
* قال أبو زيد . وحدثني محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي عن سعيد بن خالد بن عبد الرحمن قال . قدم علينا أبو أيوب بن الادبر رسولا لأبي حذيفة واصل بن عطاء داعيا إلى مقالته ، فاستجاب له محمد بن عبد الله بن الحسن في جماعة من آل أبي طالب .
* أخبرنا عمر بن عبد الله قال : اخبرنا عمر بن شبة قال : حدثني عيسى بن عبد الله قال : حدثتني أمي أم الحسين بنت عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين [ عليه السلام ] قالت : قلت لعمي جعفر بن محمد : إني - فديتك - ما أمر محمد هذا ؟ قال : ( فـتـنة ، يقتل محمد عند بيت رومي ويقتل أخوه لامه وأبيه بالعراق وحوافر فرسه في الماء ) (73)
فهذا ما يقوله الإمام الصادق عليه السلام عن ( محمد ذو النفس الزكية ) انه فتنة ، وليس سوى فتنة ، وعلى مثاله في آخر الزمان ، من هو فتنة تفتن به الفساق .
في عمدة الطالب : ( ولما بلغ أبا جعفر المنصور خروج محمد بن عبد الله ، خلا ببعض أصحابه فقال له : ويحك قد ظهر محمد فماذا ترى ؟ فقال : وأين ظهر ؟ قال : بالمدينة . فقال : غلبت عليه ورب الكعبة . قال : وكيف ؟ قال : لأنه خرج بحيث لا مال ولا رجال فعاجله بالحرب ، فأرسل إليه عيسى بن موسى بن على بن عبد الله ابن العباس في جيش كثيف فحاربهم محمد خارج المدينة وتفرق أصحابه عنه حتى بقى وحده ، فلما أحس بالخذلان دخل داره وأمر بالتنور فسجر ثم عمد إلى الدفتر الذي أثبت فيه أسماء الذين بايعوه فألقاه في التنور فاحترق ، ثم خرج فقاتل حتى قتل بأحجار الزيت ، وكان ذلك مصداق تلقيبه النفس الزكية لأنه روى عن رسول الله صلى الله وآله وسلم أنه قال : تقتل بأحجار الزيت من ولدى نفس الزكية . ) (74) .
ويبين من ذلك إن ادعاء المهدوية ، وادعاء شخصيات الأولياء والقيادات المناصرة للإمام المهدي عليه السلام ، هو ديدن سار عليه المبطلون والأدعياء والدجالون منذ استشهاد الإمام الحسين عليه السلام والى اليوم ، بل إن أول من عمل ذلك وادعاه هم من الحسنيين ، وما زالوا على هذا الأمر إلى اليوم ، وهو ما حذر منه أمير المؤمنين عليه السلام إذ قال في خطبة له عليه السلام بالكوفة حذّر فيها من دجّالين يظهرون من: أولاده وأولاد فاطمة عليهما السلام قال فيها ( ألزموا الأرض من بعدي وإيّاكم والشذاذ من آل محمد فأنه يخرج شذّاذ من آل محمد- إلى أن قال- ومن خرج من ولدي فعمل بغير عملي وسار بغير سيرتي فأنا منه بريء، وكل من خرج من ولدي قبل المهدي فهو جزور، وإيّاكم والدجالين من ولد فاطمة. فإن من ولد فاطمة دجالين، ويخرج دجال من دجلة البصرة وليس منّي، وهو مقدمة الدجالين كلهم) (75).......
وأصبح اليوم معلوما دعاوى هؤلاء الحسنيين وأولهم صاحب البصرة ، الذي خرج مدعيا انه ابن الإمام المهدي (ع) ، ويريد إن يرث الإمام حتى قبل أن يظهر الإمام عليه السلام ، وغيره من الحسنيين ما أمره كأمر (يام ) الغريق ابن نوح .
وفي مقاتل الطالبيين : ( حدثنا أبو زيد قال : حدثنا عيسى بن عبد الله ، قال : حدثني أبو سلمة المصبحي ، قال : حدثني مولي لأبي جعفر( عليه السلام ) ، قال : أرسلني أبو جعفر ، فقال : اجلس عند المنبر فاسمع ما يقول محمد فسمعته يقول : إنكم لا تشكون أني أنا المهدي ، وأنا هو . فأخبرت بذلك أبا جعفر ، فقال : كذب عدو الله ، بل هو ابني .) (76)
ويظهر مما تقدم من أمر ( محمد ذو النفس الزكية ) وتفرق أصحابه عنه ، و مما جاء في الروايات عن النفس الزكية الحق ( يقتل بظهر الكوفة بسبعين من الصالحين ) ، يظهر منها : أن النفس الزكية الذي يُقتل ما بين الكوفة و النجف له أصحاب من أهل العقيدة الراسخة و الصدق و الوفاء بالعهد ، لأنهم لا يعاهدونه طلبا للمناصب أو الأموال أو الرئاسة ، وأين يوجد اليوم مثل هؤلاء الأصحاب الذين لا يبيعون أنفسهم إلا مقابل الجنة ، هل إلا في تيار عُرف بتضحياته الجسيمة ومقابر شهدائه المضرجة بالدماء ؟
فمن زعم أن له مثل هؤلاء الأتباع ، فليختبرهم و يرى ، ولقد كان لهم في ( فدائيي صدام ) و أمنه الخاص ، وطوارئ الحرس ، والاستخبارات ، وغيرها من فيالق الحمايات التي كانت تكتب له وثائق البيعة بالدم ، إن لهم في هؤلاء لعبرة إذا جدّ الجد .

الدم الملكي في " الإسرائيليات" :
إن ما هو تحت أيدينا من الإسرائيليات التي يمكن تحليلها وفرز الموضوع منها ، ليس بما يُعتد به من حيث الكم ، ولكن من المشهور في رواياتهم في علامات الظهور ، هو " الدم الملكي " :
وملخصه : أن الشيطان في أواخر أيامه قبل وقت ( اليوم المعلوم ) ، ينطلق من عقاله ويخرج بخيله و رجله ويبحث عما يعيد إليه الحياة بقوة وحيوية يفرض سلطته فيها على الأرض ، وان الذي يعطيه هذه القوة وهذه الجرعة المنشطة شديدة الفعالية ، هو أن يشرب ( الدم الملكي ) وهو دم احد أبناء الملوك ، وليس ايٍّ من أبناء الملوك بل هو شخص محدد ومعين له سمة خاصة ولا يكون احد غيره ، فهو ـ الشيطان ـ يبحث عنه ويترصد له ، وعندما يتمكن من ذلك فانه يفرض سلطته في الأرض .
إلا أن الإسرائيليات ـ كما هي دوما ـ لا تعلم إلا شيء يسير من الحقيقة ، ولذلك فهي ـ على حد علمي ـ لا تتحدث عن اثنين ، بل واحد من أبناء الملوك ، وبالطبع فان الملك المعني هو الإمام الحسين عليه السلام ، وابنه المعني : هو النفس الزكية الذي يقتل ما بين الكوفة والنجف ، والملك الثاني ـ حسب أسبقية القتل ـ هو الإمام الحسن عليه السلام ، وابنه المعني : هو النفس الزكية الذي يُقتل بأحجار الزيت بين الركن و المقام ( عند البيت الحرام بمكة المكرمة ) .
إن هذه الصورة الرمزية لحاجة الشيطان للدم الملكي ، و نجاحه في النهاية في تحقيق أهدافه تخبرنا بحتمية مقتل النفس الزكية كسبب رئيسي و أساسي في ظهور الإمام المهدي عليه السلام ،ونجاح إبليس في إغواء فساق الشيعة بسفك " الدم الملكي " ( قتل النفس الزكية ) ، حيث يكون ظهوره بعد غضب الله سبحانه على أولياء الشيطان و عبيد الطاغوت ، وسبب الغضب الإلهي وظهور جيش الغضب ، هو مقتل النفس الزكية .
[ 1 ـ حدثنا محمد بن همام قال : حدثنا حميد بن زياد الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن على بن غالب ، عن يحيى بن عليم ، عن أبي جميلة المفضل بن صالح ، عن جابر قال : حدثنى من رأى المسيب بن نجبة ، قال : " وقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومعه رجل يقال له : ابن السوداء ، فقال له : يا أمير المؤمنين إن هذا يكذب على الله وعلى رسوله ويستشهدك ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لقد أعرض وأطول ، يقول ماذا ؟
فقال : يذكر جيش الغضب ،
فقال : خل سبيل الرجل ، أولئك قوم يأتون في آخر الزمان ، قزع كقزع الخريف ، والرجل والرجلان والثلاثة من كل قبيلة حتى يبلغ تسعة ، أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ، ومناخ ركابهم ، ثم نهض وهو يقول : باقرا باقرا باقرا ، ثم قال : ذلك رجل من ذريتي يبقر الحديث بقرا " .
وسنعود لهذا الحديث لمعرفة من هو ( النفس الزكية ) .
2 - أخبرنا على بن الحسين المسعودي قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار بقم قال حدثنا محمد بن حسان الرازي ، قال : حدثنا محمد بن علي الكوفي ، عن عبد الرحمن ابن أبي حماد ، عن يعقوب بن عبد الله الأشعري ، عن عتيبة بن سعد بن يزيد ، عن الأحنف بن قيس ، قال : " دخلت على علي ( عليه السلام ) في حاجة لي فجاء ابن الكواء وشبث بن ربعى فاستاذنا عليه ، فقال لي علي ( عليه السلام ) : إن شئت فأذن لهما فإنك أنت بدأت بالحاجة ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين فأذن لهما . فلما دخلا ، قال : ما حملكما على أن خرجتما علي بحروراء ؟
قالا : أحببنا أن نكون من [ جيش ] الغضب .
قال : ويحكما وهل في ولايتي غضب ؟ أوً يكون الغضب حتى يكون من البلاء كذا وكذا ؟ ثم يجتمعون قزعا كقزع الخريف من القبائل ما بين الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة " . ] (77) .
3 ـ سأل ابن الكواء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عن الغضب ، فقال : هيهات الغضب ، هيهات موتات بينهن موتات ، وراكب الذعلبة ، وما راكب الذعلبة ، مختلط جوفها بوضينها ، يخبرهم بخبر فيقتلونه ، ثم الغضب عند ذلك " . ) (78)
4 ـ وفي أمالي الطوسي : ( ..... وسمعت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : هيهات هيهات الغضب ! ولكن يأتيكم راكب الذعلبة يشد حقوها بوضينها ، لم يقض تفثا من حج ولا عمرة فيقتلونه ، ) (79)
والذعلبة كما هو المجمع عليه : الناقة السريعة ... ( السيارة ) ,
يتضح من هذه الروايات ، أن أمير المؤمنين عليه السلام تحدث أكثر من مرة عن جيش الغضب وعن سببه ، فمرة ذكره وذكر بعده ( باقرا باقرا باقرا ) ولم يذكر وقته بشكل محدد ، والأخرى ذكره و ذكر بعده وقت مقتله ولماذا وكيف ، ذلك لان الأول هو الذي يكون في الكوفة وسببه مقتل النفس الزكية ما بين الكوفة والنجف ، ولم يذكر في أي شهر يكون ، ولكن الرواية واضحة وضوح الشمس أن ذلك من أحداث سنة الظهور قبل السفياني ، وان السفياني مسلط على أهل الكوفة بسبب ذلك ، كما سلط الله عليهم الحجاج الثقفي بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام .
وأما الأخرى ففي شهر ذي الحجة قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام بخمسة عشر ليلة ، وهذا ما يختص بمكة ومقتل ( النفس الزكية ـ الحسني ) .
أما السؤال المتبقي ، وهو مهم جدا : من هو النفس الزكية الذي يقتل بظهر الكوفة ؟ ومتى يُقتل ؟
فاعتقد انه إذا أيقن الناس بان مقتل النفس الزكية بظهر الكوفة هو من أحداث سنة الظهور ، فقد تخلصنا من كثير من الإشكاليات و التكهنات غير المبنية على قراءة حقيقية للروايات ، ولقد خاض الباحثون كثيرا بعلامات الظهور ، و كلُّ يطبق المصاديق على هواه ، ومن أقوالهم في هذا الخصوص أقوال فيها مجافاة للحقيقة قد تخفى على القارئ .
أن مقتل النفس الزكية هو بظهر الكوفة ، وبالتحديد ـ حسب خطبة أمير المؤمنين عليه السلام الكوثرية ـ فانه يُقتل بين الكوفة والنجف ، وهو تعبير آخر و محدد لمعنى " بظهر الكوفة " .
وكما أننا نعتقد اعتقادا راسخا بان الغالبية الساحقة من علامات الظهور هي من أحداث سنة الظهور ، وذلك من خلال الدراسة المتأنية والتحقيق العلمي الدقيق لخطب أمير المؤمنين و روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام ، فان بعض الروايات كانت واضحة وضوح الشمس ، في أن ما يتحدثون عنه من الاشراط والعلامات ، هي أحداث سنة الظهور وليس قبلها .
ومن ذلك رواية الإمام الباقر عليه السلام وهو يحصي و يسلسل تلك العلامات و يحدد بشكل واضح أنها تحدث في سنة الظهور نفسها ، حيث يقول :
عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام يقول : إلزم الأرض لا تحركن يدك ولا رجلك أبدا حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة ، ....وترى مناديا ينادي بدمشق ، وخسف بقرية من قراها ، ويسقط طائفة من مسجدها فإذا رأيت الترك جازوها ، فأقبلت الترك حتى نزلت الجزيرة ، وأقبلت الروم حتى نزلت الرملة ، وهي سنة اختلاف في كل أرض من أرض العرب . وإن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات : الأصهب والابقع و السفياني، مع بني ذنب الحمار مضر ، ومع السفياني أخواله من كلب ، فيظهر السفياني ومن معه على بني ذنب الحمار ، حتى يقتلوا قتلا لم يقتله شئ قط . ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلا لم يقتله شئ قط وهو من بني ذنب الحمار وهي الآية التي يقول الله تبارك وتعالى : " فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ". ويظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد صلى الله عليه وآله وشيعتهم فيبعث بعثا إلى الكوفة ، فيصاب بأناس من شيعة آل محمد بالكوفة قتلا وصلبا ، ويقبل راية من خراسان حتى ينزل ساحل الدجلة ، يخرج رجل من الموالي ضعيف ومن تبعه فيصاب بظهر الكوفة ، ويبعث بعثا إلى المدينة ، فيقتل بها رجلا ويهرب المهدي و المنصور منها ، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم ، لا يترك منهم أحد إلا حبس و يخرج الجيش في طلب الرجلين .
ويخرج المهدي منها على سنة موسى خائفا يترقب حتى يقدم مكة ، و يقبل الجيش حتى إذا نزلوا البيداء ـ وهو جيش الهملات ـ خسف بهم فلا يفلت منهم إلا مخبر ، فيقوم القائم بين الركن والمقام فيصلي وينصرف ، ومعه وزيره . فيقول : يا أيها الناس إنا نستنصر الله على من ظلمنا ، وسلب حقنا ....) (80)
وفي هذه الرواية عدة أمور هامة تختلف عليها الناس و يختلف الباحثون في علامات الظهور في تطبيق مصاديقها ـ تناولناها في مباحثنا الأخرى وبينا حقيقتها (81) ـ ولكن ما يتعلق بالموضوع هنا ، هو أن الرجل الضعيف من الموالي الذي يخرج بظهر الكوفة فيصاب ، فهو يخرج على اثر مقتل النفس الزكية بين الكوفة والنجف ، في سنة الظهور ولو قتلت النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، لقضي الأمر .

التشابه في قصة كل من النفس الزكية :
كما مر علينا من خلال قول ابن عباس ، أن قصة عاقر ناقة صالح وقاتل أمير المؤمنين عليه السلام قصة واحدة ، وان هناك تشابه كثير بينهم ( حيث أن ابن ملجم لعنه الله كان من ولد قدار عاقر الناقة ، وكلاهما حرضته امرأة بغي كان يعشقها وهما رباب و قطام ، وكلاهما حملت به أمه وهي حائض ، فهو ابن حرام ) .
وكما هو المعلوم أن التشابه كبير بين قضية الإمام الحسين و النبي يحيى عليهما السلام ( وهي أمثال القرآن الكريم " وضربنا لكم الأمثال" ) ، فكذلك فان التشابه كبير بين قضية النفس الزكية ( الحسني ) الذي يُقتل ما بين الركن و المقام عند أحجار الزيت ، و النفس الزكية ( الحسيني) الذي يُقتل ما بين الكوفة و النجف ( وكما أظنّ بان المكان المقصود ، هو ما يُعرف اليوم بـ " الحي الاشتراكي" ) .
فان كل منهما هو من عائلة علوية معروفة بالعلم و التصدي ومن العوائل المجاهدة ، والمشهورة بالبر والتقوى ، وكلاهما يحضى برعاية خاصة من الإمام المهدي عليه السلام ـ سواء أدرك النفس الزكية ذلك أم لا ـ ، والأمر الأكثر وضوحا في ذلك ، أن كلا منهما يُقتل من عائلته ، (أعمامه أو أبناء عمومته أو أبناء عمومة أبيه ) يُقتل منهما رجل و أخته ، والرجل اسمه محمد و أخته اسمها فاطمة أو من أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام ، بحيث أن مقتل الرجل (محمد ) وأخته تصبح قضية مشهورة جدا و تتحدث بها الناس .
* حدثنا عبد القدوس عن ابن عباس قال حدثني بعض أهل العلم عن محمد بن جعفر عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال: يكتب السفياني إلى الذي دخل الكوفة بخيله بعدما يعركها عرك الأديم يأمره بالسير إلى الحجاز ، فيسير إلى المدينة فيضع السيف في قريش فيقتل منهم ومن الأنصار أربع مائة رجل ويبقر البطون ويقتل الولدان ، ويقتل أخوين من قريش رجل وأخته يقال لهما محمد وفاطمة ويصلبهما على باب المسجد بالمدينة . ) (82) وحسب روايات أخرى عن أئمة أهل البيت عليهم السلام فان ( محمد هذا وأخته فاطمة هما أبناء عم النفس الزكية (الحسني ) الذي يقتل ما بين الركن والمقام .
أما النفس الزكية ( الحسيني ) الذي يُقتل ما بين الكوفة والنجف ، فان رواية ( باقرا .. باقرا .. باقرا ) التي رواها النعماني في الغيبة ـ وقد تقدم ذكرها ـ فهي من رواية طويلة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فيها انه من عائلة ( من خيرة أبنائي في ذلك الزمان ) حسب وصف أمير المؤمنين ، و يُقتل من هذه العائلة رجل اسمه محمد و يدعى باقرا وأخته على اسم بنت محمد يقال لها ( أصل الهدى) .
فيصف عليه السلام وصفا دقيقا لصدام حسين ثم يقول :
( فالويل لأهل العراق من أتباعه المراق عندما يقتل الرجل القصير القامة البراق الثنايا كث اللحية في ما بين الكوفة والنجف وهو من خيرة أبنائي في ذلك الزمان مع أخت له على اسم بنت محمد (ص) يقال لها " أصل الهدى" . ) .
وواضح اشد الوضوح انه عليه السلام يشير بذلك إلى محمد باقر الصدر وأخته أصل الهدى ( بنت الهدى ) رحمهما الله .

رواية أمير المؤمنين (ع) :
وهي رواية طويلة يرويها أمير المؤمنين عليه السلام لسلمان بما اخبره رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد ورد ذلك عن أمير المؤمنين (ع) على لسان الكياني في كتابة الفتن ونور الأبصار ، وكما ذكر النجاشي في كتابه " تاريخ قرون الإسلام" . ، وقد نقلناه عن مخطوطة قديمة باليد موروثة عندنا ، يقول ناقلها انه نقلها عن كتاب ( شجرة الدر)، ويذكر المصادر المتقدمة .
منها يقول عليه السلام :
( كل هذا ياسلمان عندما يحكم العراق رجل يجعل العراق تحت قدميه يؤسس الفتنة والفسوق والفجور والظلم والظلالة والعصيان حتى يجعل أهل العراق يهيمون كالدواب الماشية فلا ينتهون إليها ولا يصبحون لمواجهتها ويجعل الخوف فيهم مشرئبا يدب فيهم كدبيب النمل على الصفا ويجعل الأخ يقتل أخاه.
سافك للدماء هاطل الدموع ويتملقه الناس فهو يا سلمان ستر للفاسقين وهلاك للمؤمنين وساحق لليقين وقاتل الطيبين من أبنائي وأتباعي وذريتي المتبقية من صلبي والخيرين من شيعتي ، ولا ينقص عددهم لأن قاتل الحق هالك لا محال وتتعدى سنوات حكمه ما يمتلك أحدكم من الأصابع فهي سنين مهلكة ومرة وثقيلة على المؤمنين وطيبة على الفاسقين يظل الإسلام بظلاله ويغوي المؤمنين بإغوائه وذلك هو شر البرية من خلائق الله أجمعين .
ولم انسه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله إذ قال لي : " يا علي اسمع وسجل أعوذ بالله العلي العظيم من شره ، طويل القامة أمرد الوجه ووجهه كوجه السلطان وقلبه قلب الشيطان [مزهو] الهيئة ، المعروج الشمال ، إذا مشى يخبط الأرض برجليه ويتبختر في سيره ، معلل النفس خائف الروح قبيح المنظر اسود الشعر ، في عينيه سفك الدماء في كلامه غرور الشر في منطقه ظلالة العصور، ملفلغ الحنك اسمر اللون كبير الأنف واسع الفم اشهل العينين ، فهو المقلاص المغرور الخبيث الخبيث الجبان المتخلف ، وهو خيمة للكافرين وينبع من ارض خبيثة يقال لها ما بين هيت والأنبار وهي أخبث طينة وأنجس مغرس وهو أقبح صلب يلبس الأخضر من الثياب [ أي: الزيتوني ، وهي ملابس قادة الجيش] يتملق الناس له كتملقه الأقصى ويتلونون تلونه كإسلوب الحرباء ويلوح كلوح العقرب ويعض كعضة الكلب للذئب ، طبعه المراهقة والخداع والليونة والشدة ، يعيد حضارة بابل القديمة ، ويعلق القلائد [ أنواط الشجاعة ] ويعطي الأموال ويوعز النساء ويأخذ فلذة الأكباد ، مكتوب على جبينه كافر ، فلا يراها الناس حتى يعرفها ويقرأها ذلك الرجل من أبنائي والذي اسمه على اسم النبي محمد صلى الله عليه وآله ، يحاربه فتكون خراب البصرة من العراق على يده ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، ويلتف حوله ناس غايتهم التملق والتمنطق ، همج رعاع لا يعرفون غير الكذب والنفاق ، ويلتف حوله حثالات العرب من الأصلع والقصير والأبرص والأصهب والأبهك والأحول واليماني ، ويدعي انه من أهل بيتي وهم منه براء وأنا منه برئ هو والله رجل الفتنه والبلاء أساس صليم الأكراد .
يسلمه الفتنة رجل يأتي من الشام قصير القامة مكبول الظهر كبير السن قبيح المنظر [ يعني : ميشيل عفلق] حتى يضعها بيد الحاكم في العراق الشيطان الأكبر المارد الأندر الصبياني له اسم في السماء يقال له آكل الأكباد وله اسم في الأرض السفاك .
فقام إليه سليمان الفارسي(رض) وقال وما يعني ذلك يا أمير المؤمنين فإجابة الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام : وذلك نظرا لما يسفك من دماء المسلمين في أخر الزمان يا سلمان .
[ ثم قبل سليمان الفارسي (رض) يديه وجبهته واقشعر جسمه لما أورده الإمام علي (ع) من ذكر الفتن والملاحم التي تحدث في آخر الزمان والبلاء الذي يصل فيه العالم بما لا أذن سمعت ولا عين رأت بمثل ذلك في سابق الأزمنة ولا خطر على قلب احد من قبل .
إلى أن قال (ع) وتنفس الصعداء الجالسون على أثره وضج الناس بالصلاة والتكبير ثم ضج الناس بالبكاء والإمام علي ابن أبي طالب (ع) قد شبك يديه ووضعها تحت بطنه الشريفة واخذ يكثر من الإستغفار ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ثم قال أرواحنا لمعنى كلامه الفداء ] :
فالويل لأهل العراق من أتباعه المراق عندما يقتل الرجل القصير القامة البراق الثنايا كث اللحية في ما بين الكوفة والنجف وهو من خيرة أبنائي في ذلك الزمان مع أخت له على اسم بنت محمد صلى الله عليه وآله يقال لها (أصل الهدى) ، وبعدما يقتل هذا الرجل ولا يبقى بيت من أهل العراق إلا ودخلته الصيحة والفتنة والهلع والرعب حيث ترون على كل بيت علامة سوداء يزدحم الناس ويكثر الهلع وينشأ الزنا والرشا والربا والهرج والمرج ، ذلك خليف النساء ومقوض الكعاب وهاتك الأرباب وداعي مشراب الشراب والراشد إلى الفتن والخبائث حيث يقطع دابر الدين ويعطي الراية لنسوة الفاسقين من الفاجرات صابغات الشعور الملطخة للدين ، الجسوم المسمنة بسمنة الحرام [ البرياكتين ] ومظهر الفسق المبطلين وسائل لمجليات اليقين وآمر بالشر والزنا والكفر والفسوق يا سليمان وذلك في دولة الكفر والباطل في ذلك الزمان
فعندها ياسليمان وولدي إحتجب بالنور فلا احد يراه ، وبحق محمد صلى الله عليه وآله وما ولد ، ولاصبح بدون أي الأحوال [ هكذا في النص وهو غير واضح ] ليخلده تأريخ العقول إنه إذا ظهر الكفر والنفاق لحاربته منك رجال يا سليمان أشداء أقوياء لا يهابون الموت ولا يخافون ، يتهافتون على النصر يا سليمان ، يطالبون بالحق فلا يعطونه ثم يأخذونه بحد السيف وبقوة الإيمان ، فو الذي نفسي بيده والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليفرقنكم عددا بدوا في معركة تحمل نفس الإسم يحثهم قائد على النصر حتى يصل الأمر إلى رجل من أبنائي اسمه على اسمي [ يحتمل أن يكون المقصود السيد علي خامنئي، أو اسم الحسني الذي يظهر من الديلم ] ، فيأخذ بسلطان الأمور حتى يحكم الله سبحانه وتعالى وهو خير الحاكمين ، تلك هي والله وحبيبي رسول الله محمد صلى الله عليه وآله هي خير عصابة تظهر عليكم من شرق الأرض ، يحيون الإسلام الأول حتى ينصرهم الله سبحانه وتعالى على غير علم من الناس فيفتحون العراق ويصل أمرهم إلى أطلال فلسطين مع عصبة الشام فمن نصرهم نصره الله عز وجل ومن خذلهم خذله الله تعالى ولو زحفا على الركاب حتى نفق بصرى بالشام ثم تعود عليكم فتنة شديدة آكلة الأخضر واليابس عندها تصل فيها دمائكم إلى ركاب الخيل [ بحسب اعتقادنا : هو دخول تنظيم القاعدة ] عندما يدخل المحمدون من مفاتيح بغداد الزوراء من منطقة يقال لها خانقين أو مندلي حتى يقتل في الزوراء ثمانون ألفا وترفع في كل بيت مقصلة عندما يكون جمعهم شتاتا ثم لا يأوي إلى مأوى حتى يصيرون كالبهائم الهائمة بلا كساء ولا غطاء ثم يفنون على دكائك الزوراء في نهاية أمرهم وكأني بالأعاجم يعلمون العرب القرآن ثم يصل الأمر إلى رجل من أبنائي يشيد الدين ويتبعه على ضعفه ويوطد ناصيته ويسمى ((باقرا...باقرا .. باقرا)) فإن لم يكن الأول فالثاني وان لم يكن الثاني فالثالث لا محال ، ثم يحييي الدين ويوطد ناصيته ويعيد شريعته بعد قرار والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين .)
وما يبين من الرواية بعد تحليل أخبارها وما جرى على ارض الواقع ، و بتفسيرها برواية النعماني في ( الغيبة ) ، أن باقرا باقرا باقرا يعني التالي :
1 ـ انه يبقر الحديث بقرا ، فما معنى أن الرجل يبقر الحديث أو يبقر العلم ؟
في الخرائج والجرائح: ( أن أعرابيا أتى أمير المؤمنين عليه السلام وهو في المسجد . فقال : مظلوم . قال : أدن مني . فدنا ، فقال : يا أمير المؤمنين مظلوم . قال : أدن . فدنا حتى وضع يديه على ركبتيه قال : ما ظلامتك ؟ فشكا ظلامته . فقال : يا أعرابي أنا أعظم ظلامة منك ، ظلمني المدر والوبر ، ولم يبق بيت من العرب إلا وقد دخلت مظلمتي عليهم ، وما زلت مظلوما حتى قعدت مقعدي هذا ،.... فقام رجل يساوي برأسه رمانة المنبر فقال : أنا أبرأ من الاثنين والثلاثة . فالتفت إليه أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : بقرت العلم في غير أوانه ، لتبقرن كما بقرته . فلما قدم ابن سمية أخذه وشق بطنه ، وحشا جوفه حجارة ، وصلبه . ) (83) .
ولقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله تسمية الإمام محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام بـ ( الباقر) وعرف النبي ذلك بأنه يبقر العلم بقرا ، ولكن الإمام الباقر عليه السلام ورث من علم النبي و علم آبائه صلوات الله عليهم من العلوم الربانية ما يجعله عالما بطرق السماء اعلم من العالم بطرق الأرض ، وليس عنده شيء خاص به من دون آبائه أو أبنائه الأئمة عليهم السلام ، ولكن الظروف التي تهيأت له مكنته من بث الكثير من علوم أهل البيت عليهم السلام ، ويتفرغ لها و يبوبها و ينشرها ، فهو عالم غير معلَّم .
وأما الرجل الذي يبقر الحديث بقرا ، فهو ليس بعالم رباني ، أي ليس لديه صحف إبراهيم و موسى ولا علم الكتاب ولا العلم المزبور وعلم الجفر وغيره من علوم الإمام المعصوم ، وإنما يبقر الحديث بالتأمل و البحث و التفكر و التحقيق و الدراسة المستفيضة ، وذلك كله بفضل الله وليس بفضل نفسه ، أي : إن الله يمن عليه بشيء من الفضل في العلم يبقر به أسرار و خفايا ما لم يتوصل إليه غيره من أمثاله من البشر ، من دون الأئمة المعصومين عليهم السلام ، أي انه يصيب و يخطئ ، ولكنه يصيب أكثر بكثير مما يخطئ ، ويتوصل إلى معرفة حقائق الأمور و حقائق الأشياء بسابقة وفضل له على غيره من أمثاله ، ولهذا قال الإمام علي عليه السلام لذلك الرجل ( بقرت العلم في غير أوانه ) لان نظراءه من الناس الذين سمعوا ما سمعوا من ظلامة أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك الوقت تململوا و حاصوا ولم يرقهم ما قاله أمير المؤمنين ، على انه طعن غير مقبول لديهم في ( الاثنين و الثلاثة ) وهم ، الاثنان : الرجلان من تيم و عدي ( أبو بكر و عمر ) و الثلاثة من بني أمية .
وفي واقع الأمر فأن هذا الرجل الذي بقر العلم في غير أوانه ، قام بن سمية ببقر بطنه ـ كما أنبأ بذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، و مثلوا به بحشوا جوفه بالحجارة .
وكذلك حدث مع معلي بن خنيس من أتباع الإمام الصادق عليه السلام ، كما نقل صاحب الذريعة عن الكشي ، قال:
( ومعلى بن خنيس هو أبو عبد الله الكوفي . كان من موالي بني أسد وانتقل إلى ولاء الإمام الصادق. ضرب عنقه وصلبه شرطة داود بن علي والى المدينة ، وهو بعيد عن أهله وولده ، فدعى الصادق على قاتله فمات من ليلته .
وقال الصادق عليه السلام في حقه : " رحم الله معلي بن خنيس فقد أذاع سرنا ومن أذاعه يعضه الحديد ". هذا ما قاله الكشى ) (84) .
نتحصن بالحي الذي لا يموت ذي الملك و الملكوت والعز و الجبروت من شر كل شيء ذي شر ، و نسال الله أن لا نكون قد أذعنا شيئا في غير وقته ، بل إننا نظن أن الوقت يداهمنا و أن الساعة تباغتنا بغتة .
على أية حال ، يبين مما سبق أن الذي يبقر الحديث أو العلم في غير أوانه فانه شهيد ـ وقد ترحم عليه الإمام الصادق (ع) ـ ولكنه ( يُبقَر) ولا يُقتل إلا بقراً ، بالرمح أو بالسيف أو بالاطلاقات النارية ، فهو بقر ، فلا يُقتل لا بسيارة مفخخة ولا عبوة ناسفة ولا دهسا ولا شنقا ولا مسموما ولا مريضا ولا حريقا ولا غريقا ، بل بقراً ( إطلاقة بندقية أو مسدس ، وغير مستبعد أن تكون شظية صغيرة تبقر بطنه ولا تمزقه ولا تقطعه أوصالا ) وهذا من عجيب ما قدره الله عزوجل ، فسبحانه من مقدّر . وهكذا بُقٍرَ محمد باقر الصدر و محمد محمد صادق الصدر .
2 ـ لقد تكرر الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام بان قال ( باقرا باقرا باقرا ) والواضح مما بعده من توضيح ، أن التكرار ليس تأكيدا ، بل أنهم ثلاثة ، حيث قال (ع) : ( إن لم يكن الأول فالثاني ، فان لم يكن الثاني فالثالث لا محالة ) ، ثم عرّف احدهم تعريفا واضحا لدينا ولا لبس فيه ، وهو الأول ، حيث قال عليه السلام في وصف صدام : (مكتوب على جبينه كافر ، فلا يراها الناس حتى يعرفها ويقرأها ذلك الرجل من أبنائي والذي اسمه على اسم النبي محمد صلى الله عليه وآله ) ، هذا في الرواية عن سلمان ، فاسمه محمد ، و من ثم " يسمى باقرا " ، ومن ثم " يُقتل مع أخت له على اسم بنت محمد صلى الله عليه وآله يقال لها أصل الهدى" ، وهي إشارة واضحة إلى ( بنت الهدى ) رحمها الله شقيقة السيد الشهيد محمد باقر الصدر .
3 ـ انه على اثر مقتله تقع الصيحة ، ويظهر "جيش الغضب" ، ولذلك عندما زعم ابن الكواء بأنه أراد أن يكون من جيش الغضب ، تكلم أمير المؤمنين عليه السلام عن وقت و أسباب و علامة ظهور جيش الغضب و ربطه بمقتل ( باقرا باقرا باقرا ) .
4 ـ لقد وقعت ( صيحة ) بعد مقتل السيد الشهيد محمد باقر الصدر ، وهي عبارة عن قصف بغداد بصواريخ ارض ارض الإيرانية ، و صيحات النساء في بيوت عوائل ضحايا الحرب ، و لف السواد اغلب بيوت العراقيين . وقد جاء في رسالة السيد الشهيد محمد باقر الصدر إلى صدام اللعين ما يلي :
( وأعجب ما في أمركم مجيئكم لي بحيلة الناصحين ، تنتقون القول و تزورون البيان ، فوالله لن تلبثوا بعد قتلي إلا أذلة خائفين ، تهول أهوالكم و تتقلب أحوالكم , و يسلط الله عليكم من يجرعكم مرارة الذل و الهوان ، يسوقكم مصاب الهزيمة و الخسران ، و يذيقكم ما لم تحتسبوه من طعم العناء ، و يريكم ما لم ترتجوه من البلاء ، لا يزال بكم على هذه الحال حتى يحول بكم شرّ فأل ، جموع مثبورة ، صرعى في الروابي و الفلوات ، حتى إذا انقضى عديدكم و فلّ حديدكم ، و دمدمت عروشكم و تُركتم أيادي سبأ ، أشتات بين من أكلتم بواترهم ومن هاموا على وجوههم في الأمصار ، و أورث الله المستضعفين أرضكم و دياركم و أموالكم ، فإذا قد أمسيتم لعنة تتجدد على أفواه الناس ، و صفحة سوداء في أحشاء التاريخ ) .
إلا أن هذه الحال من انتقام الله ، التي تنبأ بها السيد الشهيد محمد باقر الصدر ، لم تتحقق بعد قتله بالصورة التي وصفها ، إلا بعد ما يقارب العشرة أعوام ، وكان ذلك في ما يسمى ( عاصفة الصحراء ) التي عصفها بوش الأب لعنه الله ، وذلك عام 1991 م
ووقعت ( صيحة ) بعد مقتل السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر ، وهي اعنف بكثير وبما لا يُقاس مع الصيحة الأولى ، وهي التي يسميها الأمريكيون ( الصدمة ) وذلك عام 2003 م ، حيث أطلقت على بغداد عشرات آلاف الصواريخ خلال ساعات الحرب الأولى ، ثم أكمل ذلك بتدمير العراق بملايين الأطنان من المتفجرات و الصواعق واليورانيوم المنضب بإشعاعاته القاتلة و الممرضة ، و امتلأ العراق بالصراخ و العويل والى اليوم .
ولكن أي من هاتين الصيحتين ليست هي ( الصيحة ) الموعودة في كتاب الله ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ) (85).
فتلك الصيحة ـ نعوذ بالله منها ـ صيحة عذاب الاستئصال ، وهي تكون في ثوان أو لا تستغرق سوى دقائق ، و" ما لها فواق" : أي لا يحتاج الأمر إلى ما يعززها بشيء آخر لإهلاكهم ، حيث أن الفواق : هو فواق الناقة ، دفقات الحليب الذي يخرج من ضرع الناقة بالضغط والسحب فيخرج على شكل دفقات مترادفة ، يسمى واحدها " فواق" .
وهذه الصيحة هي التي تقع في زمن السفياني ، وهي لم تقع بعد ، وعلى أثرها يكون ظهور الإمام المهدي عليه السلام .
5 ـ أن هؤلاء النفوس الزكية الثلاثة هم آل الصدر ، وان الثالث ( لا محالة ) يكون قضاء الأمر بإحيائه للدين و توطيد ناصيته ، وهو السيد مقتدى الصدر في واقع الحال .
وخلاصة ما نستنتجه من البحث هو أن النفس الزكية الذي يقتل ما بين الكوفة والنجف هو من عائلة آل الصدر ، وانه لم يُقتل بعد ، وان مقتله في سنة الظهور ، وانه هو العلو الكبير الذي ستعلوه فساق الشيعة بعد ما افسدوا مرتين ، وهم المشار إليهم بـ ( ثمود ) في قوله تعالى (كذبت ثمود بطغواها ) وذلك في آخر الزمان .
وهنا ربما يبرز السؤال الأهم و الأخطر ، وهو : هل إن ذلك يعني أن السيد مقتدى الصدر هو النفس الزكية الذي سيُقتل ما بين الكوفة و النجف ؟
انه ليعزّ علينا قول ذلك أو وقوع ذلك ، وهو أمر يجدد علينا المصاب ، ويدمي منا القلوب ، ويزيد من ألمنا و حسرتنا على قتل الإبرار الأتقياء من ذرية أمير المؤمنين عليه السلام سواء كان من عائلة آل الصدر أو أي من العوائل العلوية السائرة على سيرة أمير المؤمنين والإمام الحسين عليهما السلام . ونعلم انه تجديد المصاب على سيدة النساء عليها السلام ، ونعلم انه آلم لقلب الإمام المهدي عليه السلام و أمرّ عليه من مرّ النوائب .
ولكن كما قال أبي الفضل العباس عليه السلام ( إن القتل لنا عادة ، و كرامتنا عند الله الشهادة ) ففي ذلك عزائنا أن تكون كرامة خصّ الله بها الأبرار الأوفياء من عباده .
وأما ما يخصّ النفس الزكية الذي يُقتل ما بين الكوفة و النجف ، فان كرامته عند الله ، هو أن الله سبحانه هو الذي سيغضب لمقتله و سينتقم لمقتله ، وكذلك فان الإمام المهدي عليه السلام عندما ينادي ( يالثارات الحسين ) لان فاجعة الإمام الحسين عليه السلام لم تتوقف أبدا ، وان الذين قتلوه من بني أمية أو أعوانهم و جنودهم من فساق الشيعة ، هي قضية متجددة و مستمرة ، فإنهم لم يسمحوا للجراح أن تندمل أبدا ، ولم يجعلوا القضية قضيةُ تاريخية طوتها الأيام ، وذهبت بها الحوادث .
فان أبا الأعور السلمي الذي قاتل الإمام الحسين (ع) ، سيكون له من ذريته ( عوف السلمي ) حاضرا وفعالا في قتل شيعة أهل البيت :
( روى حذلم بن بشير قال : قلت لعلي بن الحسين عليهما السلام : صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ . فقال : يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له : عوف السلمي بأرض الجزيرة ، ويكون مأواه تكريت وقتله بمسجد دمشق ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند . ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك . ) (86)
وان عبد الرحمن بن ملجم ، ابن قدار عاقر ناقة صالح ، سيكون له من ذريته " أشقاها " وهو قاتل النفس الزكية ، وهو من ( العين الضالة ) مثل أبيه ، و هؤلاء يعرفهم الإمام المهدي عليه السلام كما يعرف الراصد المرصود ، وكما يعرف الشاهد المشهود ، وهو اعلم بحالهم و نواياهم ، ولذلك ففي حين أن البعض يعتقد بان هؤلاء هم من ( الشيعة ) فان الإمام المهدي عليه السلام يعلم حقيقتهم و نسبهم ونواياهم وما سيفعلون ، فهم من ألد أعدائه ، وان خفيت حقيقتهم على الناس .
وعلى أية حال ، فنقول : إن مما يبين من الروايات ، هو إننا نصبح قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام ( كالمعز المهولة .. بلا قائد ولا سند نسند إليه أمورنا ) وذلك في الأشهر القليلة الأخيرة في سنة الظهور المبارك .
ففي غيبة النعماني ،عن الإمام علي (ع) قال: ( لا تنفك هذه الشيعة حتى تكون بمنزلة المعز، لا يدري الخابس على أيها يضع يده ، فليس لهم شرف يشرفونه ، ولا سناد يستندون إليه في أمورهم .) (87) .
وفيه أيضا ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : (لا تزالون تنتظرون حتى تكونوا كالمعز المهولة ، التي لا يبالي الجازر أين يضع يده منها ، ليس لكم شرف تشرفونه، ولا سند تسندون إليه أموركم ) (88) .
وهو يعني أن القيادات التي نسند إليها أمورنا اليوم ـ وخاصة القيادات الداعية إلى الحق ـ فإنها تكون غير موجودة آنذاك ، في الأشهر والأسابيع الأخيرة قبل الظهور ، ليكونوا من أهل الرجعة .
وأما القيادات الداعية إلى الباطل ، فمنهم من يسلط الله عليه القتل ، ومنهم من يقتله الإمام المهدي عليه السلام ، وهم سبعين قياديا ، وهم الذين يكذبون على الله و رسوله .
كما أن الرواية التي رواها نعيم بن حماد عن الإمام الباقر عليه السلام تؤشر بوضوح إلى السيد مقتدى الصدر :
في كتاب الفتن: حدثنا سعيد أبو عثمان عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون ..... وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة ، ويُقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين يدعو إلى أبيه ، ويظهر رجل من الموالي فإذا استبان أمره وأسرف في القتل قتله السفياني ) (89) .
وقد بينا في كتاب ( عولمتنا ... ) أن الشك هو من الراوي ، فان الرجل هو من ولد الحسين عليه السلام ، وهو الوحيد الذي يدعوا إلى أبيه ، بينما يدعوا كل الباقين إلى أنفسهم .
فقد ورد في كتاب الفتن لنعيم بن حماد رواية اخرى ليس فيها "او" : حدثنا سعيد أبو عثمان عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا اختلفت كلمتهم وطلع القرن ذو الشفاء لم يلبثوا إلا يسيرا حتى يظهر الأبقع بمصر يقتلون الناس حتى يبلغوا إرم ثم يثور المشوه عليه فتكون بينهما ملحمة عظيمة ، ثم يظهر السفياني الملعون فيظفر بهما جميعا ، ويرفع قبل ذلك ثنتي عشرة راية بالكوفة معروفة ، ويقبل بالكوفة رجل من ولد الحسين يدعو إلى أبيه ، ثم يبث السفياني جيوشه .) (90) .
وورد في الكثير جدا من الروايات إن الفترة القصيرة قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام فان الشيعة تتحير في أمرها وتفقد قياداتها ، وتبقى البقية الباقية مستوية لا فضل لأحد على احد ، وليس بينهم من هو أهل للقيادة لينصبوه قائدا لهم ، حتى يظهر الإمام المهدي عليه السلام :
( علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حنان بن سدير ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : " إنما نحن كنجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم ، حتى إذا أشرتم بأصابعكم وملتم بأعناقكم ، غيب الله عنكم نجمكم ، فاستوت بنو عبد المطلب ، فلم يعرف أي من أي ، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربكم . ) (91) .
ومع كل ذلك فانه ليس من الحكمة أن نزعم بأننا نستطيع تحديد شخص " النفس الزكية ـ الحسيني " بشكل قاطع ، رغم الأدلة القوية ، إلا أن هذه الأدلة ربما تكون عند البعض أدلة ظنية أو احتمالية .
وحسب القاعدة القائلة بان الاحتمال يبطل الاستدلال ، فإننا لا نحتمل أن يكون " النفس الزكية ـ الحسيني " من عائلة آل الصدر ، بل هي أدلة تأخذ بالأعناق ، وهو ليس بظن ولا احتمال ، أما أن يكون فلانا أو غيره من عائلة آل الصدر ! فالله اعلم . و نقبل بقول من سيقول لنا انه دليل ظنّـي .
فان كان ما نظنه ، غير المقصود ، فتلك التي نحب ، وان صدق ما نظن ، فعزاؤنا انه قربانٌ آخر يقدمه الإمام الحسين عليه السلام لمقدم ولده الإمام المهدي عليه السلام ، الثائر بدماء الأنبياء و أولاد الأنبياء ، ذلك أن الشاب الذي نظنّـه ، هو أهل لأنْ يكون هو الذي يغضب الله لمقتله ، وجعل الله مقتله علامة محتومة من علامات الظهور المبارك ، فطوبى له هذه الكرامة التي خصّه الله بها ، و سلام عليه يوم ولد ، ويوم يستشهد ، و يوم يقوم مع الأشهاد . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

متى هذا الوعد ؟
قبل أن نختم هذا البحث ، نجد انه لابد لنا من الخوض مجددا في محاولة الإجابة على السؤال الأزلي الذي يعصف بالنفوس : (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) ؟
فلقد كان في الأدلة التي قدمناها في كتاب ( عولمتنا .. دولة الإمام المهدي"ع" ) ما يشفي طلب الطالب ، ونريد هنا أن نسترجع مذاكرة الأدلة السابقة ، و نقيّمها مع ما استجد من أمور اشرنا إليها قبل وقوعها ، ثم مدلولاتها على وقوع الوعد الموعود .
بعض الأدلة التي وردت في كتاب (عولمتنا .. دولة الإمام المهدي"ع" )
1 ـ انه يكون ـ حسب تقسيم الإمام علي (ع) للتاريخ ـ في القرن الثاني عشر القائم الآن ، أي في السنوات الفردية مما تبقى من هذا القرن الذي بدأ بسنة 1380 هج و ينتهي بسنة 1439 هج .
2 ـ النصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه و آله بان ظهور السفياني في خمس و ثلاثين أو سبع و ثلاثين أو تسع و ثلاثين ، وهو ما يتوافق تماما مع ما يقوله أمير المؤمنين عليه السلام .
3 ـ الفتنة التي تقيم ثمانية عشر عاما ، وقد بدأت في 17 / 1 / 1991 م ، وانتهت في 17/1/2009 ، وكان آخر يوم من الحرب الإسرائيلية على غزة ، التي استمرت (22 ) يوما ثم بعدها بثلاثة أيام انتهت فتنة بوش ، وتسلم ( اوباما ) رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ـ وقد اشرنا إلى هذا الأمر في حاشية صفحة (59 ) من هذا البحث .
4 ـ الأدلة الكثيرة التي قدمناها ، التي تفسر فلسفة التاريخ في ضوء المقادير الإلهية ، وهذه الأدلة ترجح سنة 1431 هج بناء على ما جرى في الدورة التاريخية السابقة ، و الدورات التاريخية الأسبق منها ، وهي تقول إن ردّ الكرة يكون بعد سبع سنين من تاريخ الإفساد الثاني بالنسبة للغزاة ، فيكون توقع الموعود بعد سنة ( 1424 هج ) بسبع سنين .
ففي البداية و النهاية يصف ابن كثير أحداث سنة ( 663 هج ) بعد سبع سنين من غزو هولاكو لبغداد ، يقول :
[ ثم دخلت سنة ثلاث وستين وستمائة ، فيها جهز السلطان الظاهر عسكرا جما كثيفا إلى ناحية الفرات لطرد التتار النازلين بالبيرة ، فلما سمعوا بالعساكر قد أقبلت ولوا مدبرين ، فطابت تلك الناحية وأمنت تلك المعاملة ، وقد كانت قبل ذلك لا تسكن من كثرة الفساد والخوف ، فعمرت وأمنت وفيها خرج الملك الظاهر في عساكره فقصد بلاد الساحل لقتال الإفرنج ، ففتح قيسارية في ثلاث ساعات من يوم الخميس ثامن جمادى الأولى يوم نزوله عليها ، وتسلم قلعتها في يوم الخميس الآخر خامس عشره فهدمها وانتقل إلى غيرها ، ثم جاء الخبر بأنه فتح مدينة أرسوف وقتل من بها من الإفرنج وجاءت البريدية بذلك. فدقت البشائر في بلاد المسلمين وفرحوا بذلك فرحا شديدا . وفيها ورد خبر من بلاد المغرب بأنهم انتصروا على الإفرنج وقتلوا منهم خمسة وأربعين ألفا ، وأسروا عشرة آلاف ، واسترجعوا منهم ثنتين وأربعين بلدة منها برنس وإشبيلية وقرطبة ومرسية .... . وفيها جاءت الأخبار بأن سلطان التتار هولاكو هلك إلى لعنة الله وغضبه في سابع ربيع الآخر بمرض الصرع بمدينة مراغة ، ودفن بقلعة تلا ، ..... وفي ذي القعدة ختن الظاهر ولده الملك السعيد المذكور ، وختن معه جماعة من أولاد الأمراء وكان يوما مشهودا .] (92)
وفي جامع البيان ، وبحسب تاريخ الطبري ، فان الفترة بين الافساد الثاني و ردّ الكرة التي كان فيها هلاك سنحاريب ، كانت سبع سنين :
( فخرج سنحاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده ، فقال له كهانه وسحرته : يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ، و وحى الله إلى نبيهم ، فلم تطعنا ، وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم ، فكان أمر سنحاريب مما خوفوا ، ثم كفاهم الله تذكرة وعبرة ، ثم لبث سنحاريب بعد ذلك سبع سنين ، ثم مات .) (93)
وهذا يجعلنا نترقب وقوع الملحمة العظمى في سنة 1431 هج ، فإن لم يكن فنترقب ( 1433 ، أو1435هج ) والله العالم .
أما الأمور المستجدة التي نريد التنويه إليها ، فنلخصها بما يلي :
أولا : ما يحدث في إيران ، فلقد اشرنا إلى ما يسمى بالتيار الإصلاحي في إيران في الجزء الأول ، واشرنا إلى محمد خاتمي بـ ( غورباتشوف إيران ) ، وكان هذا قبل غزو العراق وفي بداية رئاسة محمد خاتمي ، وحسب ملاحظاتنا و استقراءنا للوضع قلنا انه هو الذي يشير إليه أمير المؤمنين عليه السلام بـ " المشفق" :
[ وقوله عليه السلام ( فالحذر كل الحذر من المشفق إذا ظهرت بخراسان الزلازل ونزلت بهمدان النوازل، فرجفت الأراجيف بالعراق وتاخم الكفر عند العناق ) ، ولعل المشفق هو محمد خاتمي والله العالم] (94) ، وكل الإشارات إليه في الجزء الثاني بالبرجوازي الذي ينادي بحوار الحضارات .
والآن نقول : لقد تكشفت الأقنعة بعد ظهور نتائج الانتخابات الإيرانية وظهر الخط المعادي لثورة السيد الخميني على حقيقته ، فان محور (خاتمي ـ رفسنجاني ـ مير حسين موسوي ـ منتظري ـ كروبي ) هو محور أمريكي يريد أن يأكل الثورة باسم الثورة ، كما أكل العباسيون ملك العرب باسم الثار للإمام الحسين عليه السلام ثم انقلبوا على أعقابهم ، وكما أكل الانتهازيون و المنافقون ملك العراق اليوم باسم محمد باقر الصدر ( قدس ) ثم انقلبوا على أعقابهم ، وهذا أسلوب المنافقين دائما .
ولكن هذا الوضع ـ وكما اشرنا إليه في الجزء الخامس ـ هو الذي ستكون نتيجته نزع ملك إيران من أولاد فارس إلى ( الخراساني ) ، فليس لأولاد فارس إلا نطحة او نطحتان كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ) (95) ، ثم يظهر قوم المشرق ، ويملك ما يبقى من إيران (الخراساني ) وهو من ذرية خراسان .
وعلى أية حال نعيد القارئ إلى تلك الاستنتاجات التي أثبتت صحتها ، وقد أصبح اليوم يسمى هذا الخط في إيران بـ ( المنشقين ) وهم منشقون فعلا ، بل متآمرون ، ولكن الأهم من ذلك هو:
إن الروايات التي قدمناها في بداية الجزء الخامس عن ظهور المذنبات في صفر أو ربيعين ـ إذا صدق ظننا بان سنة ( 1431 هج) هي السنة الموعودة ـ فان انتخابات البرلمان العراقي ستصادف في شهر صفر و يصادف في ك2 عام 2010 م ، وهذا يعني أن ما شاهدناه في إيران بعد فرز نتائج الانتخابات سيكون نظيره في العراق له نتائج كارثية على العراق يقوم بها دعاة الباطل من الخط العراقي المتأمرك ( أمريكي الهوى ) وسوف يكون في العراق ليس ( مير حسين موسوي ) واحد ، بل عشرات منه ، ولسوف يمزقون البلاد ، ولكن ذلك كله إلى خير بالنسبة لأهل الخير إن شاء الله ، ونعتقد بان العلو الكبير ( قتل النفس الزكية ) سيكون للانتخابات البرلمانية المزمع إقامتها وإصرار نظراء (خاتمي و موسوي ) على الانقلاب على الآخرين بالافتراء و الدعاوى الباطلة ، سيكون لها دور مهم في العلو الكبير ، وحسب تجربة سابقة فان التزوير العلني سيكون وسيلتهم للاستيلاء على الملك ، فإما أن يكون الملك لهم وحدهم ، أو فلتحترق روما و ما فيها .
ثانيا : فيما يخص موضوع " استدارة الفلك " و ظهور "كويكب العذاب " الذي يقلب محاور الكواكب ، فلقد نشرت وكالة ناسا الأمريكية للفضاء مؤخرا ، اكتشافها للكوكب الموعود ، وادعت أن أول ظهور له في ( 15 / 5 / 2011 م ) ثم يستمر إلى 2012 م حيث تتوقف الأرض عن الدوران لمدة ثلاث أيام ، ويبقى إلى عام 2013 م ، و يختفي في عام 2014 م ، وذكرت انه يظهر كل ( 3600 ) عام ، وانه ظهر لأول مرة في ومن نوح (ع) ، وانه سيفعل بالأرض كما فعل بها في زمن نوح (ع) ، وهذه المعلومات بشكل ملخص ، وهي منشورة على الكثير من مواقع الانترنيت ، ونشرتها الفضائيات و الصحافة العالمية و العربية .
ونقول : ليس لدينا تعلقات كثيرة على ما نشرته وكالة ناسا ، لأنه متوافق كثيرا مع الصورة و المخطط الذي رسمناه بناء على الروايات و تحليلها ، ولكن فقط لدينا تعليق واحد مهم ، وهو : إن الله سبحانه يقول :
(هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) (96) .
ويقول تعالى ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمْ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (97) .
فان ظهور الكوكب الموعود سيكون مباغتا وفي وقت غير الذي يتوقعونه ، وسرعته غير السرعة التي يحسبونها ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، فقد تواترت الروايات بان الحسابات الفلكية سواء لمرصد هابل ، أو وكالة ناسا سوف تسقط ، و يكون ظهور الكوكب مفاجأة لهم:
( بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال : إثنان بين يدي هذا الأمر : خسوف القمر لخمس ، وكسوف الشمس لخمس عشرة و لم يكن ذلك منذ هبط آدم عليه السلام إلى الأرض ، وعند ذلك يسقط حساب المنجمين ) (98)
و بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام : ( إن بين يدي هذا الأمر انكساف القمر لخمس تبقى ، والشمس لخمس عشرة وذلك في شهر رمضان ، وعنده يسقط حساب المنجمين " . ) (99) .
ولذا فان توقعاتنا لا تؤثر فيها حسابات وكالة ناسا ، لأننا نأخذ الأخبار من السماء ، ومع ذلك فالفرق ليس كبيرا ، بل إن ما تقوله الوكالة يجب أن يكون مصدقا لما نقول ودليلا على صحة استنباطاتنا ، و الله العالم .
ثالثا : فيما يخص قوم المشرق ، الذين يخرجون من ( شيلا ) ، فقد قلنا هناك : إننا لا نعلم ما هو الحق الذي يطلبه هؤلاء من أهل الصين ، و ترفض الصين إعطاءهم حقهم ، فبحمد الله أصبح هذا الأمر واضحا الآن من الصراع الدموي العنيف بين قومية الـ ( أيغور المسلمين ) و الـ ( هان ) في مقاطعة تشنغ يانغ غرب الصين ، و نتوقع امتداد هذا الأمر و استفحاله إلى ( شيلا ) في المرحلة اللاحقة وهي مقاطعة شنغهاي الصينية ، ذات الديانة المسلمة ، حتى وإنْ تم تطويق الوضع مؤقتا ، وهو يوحي بان السنة القادمة هي سنة الفصل إن شاء الله .



خاتمة البحث
إن الله سبحانه وتعالى خاطب رسوله الكريم قائلا (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) (100) ، ونجد أن اليوم هناك الكثير من المتحدثين والخطباء والباحثين يتكلمون بقضية الإمام المهدي عليه السلام ، وفي غالبيتها العظمى فان الكلام على سبيل التبشير بقرب ظهور الإمام عليه السلام ، ولكن قلما نجد من ينذر و يحذر ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله ليس مبشرا فقط ، بل هو نذير بين يدي عذاب الله ، كما أن من أسماء الإمام المهدي عليه السلام ( النذير الأكبر ) كما في كلام أمير المؤمنين عليه السلام .
وقد وردت مخاوف رسول الله صلى الله عليه وآله على أمته في الأحاديث الصحيحة ، منها : ( قال النبي صلى الله عليه وآله أخاف عليكم الهرج . قالوا وما الهرج يا رسول الله ؟ قال القتل قالوا وأكثر مما يقتل اليوم ، إنا لنقتل في اليوم من المشركين كذا وكذا ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : " ليس قتل المشركين ولكن قتل بعضكم بعضا " قالوا : وفينا كتاب الله ؟ قال : وفيكم كتاب الله عزوجل ، قالوا : ومعنا عقولنا ؟ قال : انه ينتزع عقول عامة ذلك الزمان ويخلف هباء من الناس يحسبون أنهم على شئ وليسوا على شئ .) (101)
ويخاف على أمته الدجال ، ولكن أخوف منه على أمته أئمة الضلالة :
(بسنده عن أبي ذر قال : كنت امشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لغير الدجال أخوفني على أمتي قالها ثلاثا " ، قال قلت : يا رسول الله ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك ؟ قال : أئمة مضلين ) (102) . ومنهم هذه القيادات المجنونة بالملك والسلطة .
ولذلك فإننا نهدف من هذا البحث أولا وآخرا هو إنذار الناس و تحذيرهم من بأس الله ، فإننا مشفقون ، خائفون مما سيقع ، ويقول تعالى ( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ) (103) .
ويقول تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ) (104) ويقول الإمام الصادق عليه السلام ، أن هؤلاء الذين يمارون في الساعة ، هم الذين يقولون في الإمام المهدي عليه السلام " متى ولد ؟ وأين هو ؟ ولماذا لا يظهر إن كان حقا موجود ؟ ولماذا هو غائب ؟ كل ذلك شكّا في أمر الله " .
إننا نأمل أن يكون هذا البحث وما فيه من كشف للحقائق ، إحياءً للضمائر السيئة ، و تطهيرا للسرائر الخبيثة ، وتحذيرا و إنذارا من انتقام الله و شدة بأسه ، انه عزيزٌ ذو انتقام .
فهذا هو اليوم الذي تُبلى فيه السرائر ، و يُحاسب الناس على ما يُضمرون في أنفسهم ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ* وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ* وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا* ) (105)
انتهى
والحمد لله رب العالمين

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال ( لن يزال على هذا الأمر عصابة على الحق ، لا يضرهم من خالفهم ، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ) (106)


  • نشر هذا البحث على الانترنيت عام 2007 م
  • وقد تم تنقيحه وطبعه في تموز / 2009 م ، رجب / 1430 هج




مصادر البحث

() تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي أبي علي الفضل بن الحسن ـ مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم
(2) التفسير الصافي ـ الفيض الكاشاني المولى محسن ـ مكتبة الصدرـ طهران .
(3) تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي عبد علي بن جمعة العروسي ـ مؤسسة اسماعيليان ـ قم
(4) تفسير القمي – ألقمي أبي الحسن علي بن إبراهيم ـ دار الكتاب ـ قم ,
(5) تفسير العياشي – العياشي محمد بن مسعود بن عياش ـ المكتبة العلمية الإسلامية ـ إيران .
(6) التبيان - الشيخ الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي ـ دار إحياء التراث العربي .
(7) تفسير الميزان – الطباطبائي السيد محمد حسين ـ جماعة المدرسين ـ قم..
(8) جامع البيان - الطبري محمد بن جرير بن رستم ـ دار الفكر للطباعة والنشر .
(9) كنز العمال - المتقي الهندي علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت .
(10) نوادر المعجزات ـ الطبري محمد بن جرير بن رستم ـ مؤسسة الإمام المهدي (ع) ـ قم المقدسة .
(1) بصائر الدرجات- الصفار محمد بن الحسن بن فروخ ـ مؤسسة الأعلمي ـ طهران .
(2) الكافي - الشيخ الكليني محمد بن يعقوب بن إسحاق ـ دار الكتب الإسلامية
(3) تأويل الآيات - الحسيني الموسوي عبد الحسين شرف الدين
(4) الإرشاد - الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان
(5) كتاب الغيبة- النعماني محمد بن إبراهيم ـ مؤسسة النشر الإسلامي
(6) المحتضرـ الحلي حسن بن سليمان ـ المطبعة الحيدريةـ النجف الاشرف
(7) مختصر بصائر الدرجات ـ الحلي حسن بن سليمان ـ المطبعة الحيدرية
(8) كتاب سليم ـ سليم بن قيس الهلالي
(9) كمال الدين وإتمام النعمة ـ الشيخ للصدوق محمد بن علي بن بابويه ألقمي
(20) الأمالي- الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه ألقمي
(2) التوحيد- الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه ألقمي
(22) انساب الأشراف - البلاذري احمد بن يحيى بن جابر ـ مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ـ بيروت ـ لبنان
(23) مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب مشير الدين محمد بن علي ـ الحيدرية ـ النجف الاشرف
(24) تأويل الآيات ـ الحسيني الموسوي عبد الحسين شرف الدين
(25) الملاحم والفتن ـ ابن طاووس علي بن موسى ـ مؤسسة أل البيت (ع) .
(26) كتاب الفتن ـ المروزي نعيم بن حماد ـ دار الفكر ـ بيروت
(27) الخرائج و الجرائح ـ الراوندي قطب الدين ـ مؤسسة الإمام المهدي، قم.
(28) المفاجأة ـ محمد عيسى بن داوود
(29) مقاتل الطالبيين- الأصفهاني أبو الفرج ـ مؤسسة دار الكتاب ـ قم .
(30) عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب - ابن عنبة ـ المطبعة الحيدرية
(31) الأمالي- الشيخ الطوسي محمد بن الحسن بن علي
(32) الذريعة - آقا بزرگ الطهراني ـ دار الأضواء ـ بيروت
(33) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 14 ، ج 52
(34) البداية و النهاية ـ ابن كثير ، أبي الفداء إسماعيل الدمشقي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت
(35) المستدرك – النيسابوري أبي عبد الله الحاكم ـ دار المعرفة ـ بيروت
(36) مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل ـ دار صادر ـ بيروت

الفهرست
الموضـوع الصفحة
1 ـ المقدمة 3
2 ـ الفصل الأول 6
3 ـ الملاحظات حول الفصل الأول 11
4 ـ الفصل الثاني 20
5 ـ الفصل الثالث 24
6 ـ الفصل الرابع 31
7 ـ استنتاج ما تقدم من البحث 34
8 ـ الفصل الخامس 38
9 ـ قتل النفس الزكية 43
10 ـ حقيقة و معنى سنّة بني إسرائيل 47
11 ـ أول تأويل لسورة الشمس 51
12 ـ المثال المستأنف 53
13 ـ فتنة محمد " ذو النفس الزكية " 64
14 ـ " الدم الملكي " في الإسرائيليات 67
15 ـ التشابه في قصة كل من النفس الزكية 72
16 ـ الرواية عن أمير المؤمنين (ع) 74
17 ـ متى هذا الوعد 89
18 ـ خاتمة البحث 95
19 ـ مصادر البحث 98
20 ـ الفهرست 100

1( ) التفسير الصافي ـ الفيض الكاشاني ج 1 ص 29
2( ) التفسير الصافي ـ الفيض الكاشاني ج 1 ص 31
3( ) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 14 ص 352 :
4( ) كنز العمال - المتقي الهندي ج 2 ص 452 :
5( ) التبيان - الشيخ الطوسي ج 6 ص 448 :
6( ) تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي ج 2 ص 360 :
7( ) تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 13 ص 44 :
8( ) جامع البيان - إبن جرير الطبري ج 6 ص 408 :
9( ) جامع البيان - إبن جرير الطبري ج 15 ص 28 :
10( ) جامع البيان - إبن جرير الطبري ج 15 ص 29 :
11( ) سورة الأحزاب 26 ـ 27
12( ) سورة الحشر 2 ـ 3

13( ) الكافي - الشيخ الكليني ج 8 ص 42 :


14( ) الكافي - الشيخ الكليني ج 8 ص 138 :


15( ) جامع البيان - إبن جرير الطبري ج 15 ص 32 :

16( ) سورة طه الآيات 11 ـ 16

17( ) نوادر المعجزات ـ محمد بن جرير الطبري ( الشيعي ) ص 66
18( ) بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار ص 99 :
19( ) الكافي - الشيخ الكليني ج 8 ص 206 :
20( ) تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي ج 2 ص 14 :
21( ) تأويل الآيات - شرف الدين الحسيني ج 1 ص 282 :


22( ) سورة النجم 10 ، 18
23( ) سورة سبأ 2
24( ) سورة النجم 4 ـ 10
25( ) المفاجأة ، محمد عيسى بن داوود ص 190


26( ) الملاحم والفتن ـ ابن طاووس ص 157
27( ) التوبة 41
28( ) االكهف 109
29( ) لقمان 27
30( ) آل عمران 140
31( ) المحتضر ـ حسن بن سليمان الحلي ص 140
32( ) الأمالي- الشيخ الصدوق ص 731 :
33( ) تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي ج 2 ص 303 :
34( )كتاب سليم بن قيس الهلالي ص163 . قال سلمان ، قال رسول الله (ص) : الحديث
35( ) تفسير القمي ـ علي بن إبراهيم ج 1 ص 167
36( ) التفسير الصافي ـ الفيض الكاشاني ج 4 ص 405
37( ) سورة الروم 41
38( ) كمال الدين للصدوق ص 330 ، 334
39( ) الإرشاد - الشيخ المفيد ج 2 ص 374 :
40( ) مختصر بصائر الدرجات ـ حسن بن سليمان الحلي ص 201
41( ) سورة هود 68
42( ) انساب الأشراف - البلاذري ص 240 . .
43( ) مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب ج 2 ص 341 :
44 ( - تأويل الآيات ـ شرف الدين الحسيني ج 2 ص 803
45 ( - تأويل الآيات ـ شرف الدين الحسيني ج 2 ص 803
46 ( - تفسير القمي - علي بن ابراهيم القمي ج 2 ص 413 : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ولا تخطؤن طريقتهم شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع حتى أن لو كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه ، قالوا اليهود والنصارى تعني يا رسول الله ؟ قال : فمن أعني ! لينقض عرى الإسلام عروة عروة ، فيكون أول ما تنقضون من دينكم الإمامة ، وآخره الصلاة . ،،،،
وفي فتح الباري - ابن حجر ج 13 ص 255 : أخبرني يحيى بن أيوب عن هشام بن عروة انه سمع أباه يقول لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيما حتى حدث فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم فأحدثوا فيهم القول بالرأي وأضلوا بني إسرائيل ، قال : وكان أبي يقول " السنن السنن ، فان السنن قوام الدين " .
47 ( - مناقب آل ابي طالب - ابن شهر آشوب ج 3 ص 92 :
48 ( - كتاب الغيبة- محمد بن ابراهيم النعماني ص 318 :
49 ( - كتاب الغيبة- محمد بن إبراهيم النعماني ص 319 :
50 ( - فصلت 11
51 ( - الصافات 165 ، 166
52 ( - يونس 10
53 ( - غافر ـ آخر السورة
54 ( - الفرقان 28
55 ( - تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي ج 5 ص 547 :
56 ( - هود 109
57 ( - الكهف 4 ـ 5
58 ( - البروج 17 ـ 22
59 ( - الغاشية 1 ـ 3
60 ( - كتاب الفتن ـ نعيم بن حماد ص 139 قال في حديث مرفوع : الفتنة الرابعة عمياء مظلمة تمور مور البحر لا يبقى بيت من العرب والعجم إلا ملأته ذلا وخوفا ، تطيف بالشام وتغشى بالعراق ، وتحيط بالجزيرة بيدها ورجلها تعرك الأمة فيها عرك الأديم ويشتد فيها البلاء حتى ينكر فيها المعروف ويعرف فيها المنكر لا يستطيع أحد يقول مه ولا يرقعونها من ناحية إلا تفتقت من ناحية ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ) وفي ص 421 قال : (( الفتنة الرابعة تقيم ثمانية عشر ثم تحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتلوا عليه حتى يقتل من كل تسعة سبعة ) ، وقد استمرت ثمانية عشر عاما من 17 / 1 / 1991 ـ 17 / 1 / 2009 م وهو آخر يوم من الحرب الإسرائيلية الشرسة على غزة وقُتل فيها أكثر من أربعة آلاف عدا الجرحى ودمرت فيها غزة تدميرا هائلا ، ثم بعدها بثلاث أيام انتهت الفترة الرئاسية لبوش الابن و انتهت فتنة بلابوش ، و دخلنا في " البغتة " . و تسمى الغاشية لأنها تغشى العراق غشاوة كاملة ، كالظلمة الحالكة . ثم تنتشر ظلمتها لتغشى الجميع .
61 ( - يوسف 2
62 ( - الزخرف 3
63 ( - طه 113
64 ( - الزمر 27 ، 28
65 ( - الشورى 6 ، 7
66 ( - الاحقاف 12
67 ( - فصلت 3
68 ( - الرعد 37
69 ( - التوبة 36
70 ( - سورة محمد 30
71 ( - التوحيد- الشيخ الصدوق ص 458 :
72 ( - مختصر بصائر الدرجات- الحسن بن سليمان الحلي ص 171 : ، الكافي - الشيخ الكليني ج 1 ص 438 :


73 ( - مقاتل الطالبيين- أبو الفرج الأصفهاني ص 168
74 ( - عمدة الطالب- ابن عنبة ص 104 :
75- الملاحم والفتن لابن طاووس ص123
76- مقاتل الطالبيين ـ لأبي فرج الاصفهاني ص 164
77 ( - كتاب الغيبة- محمد بن إبراهيم النعماني ص 311 :
78 ( - كتاب الغيبة- محمد بن إبراهيم النعماني ص 268
79 ( - الأمالي- الشيخ الطوسي ص 230 :

80- بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 52 ص 222 : وكذلك تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي ج 1 ص 64
81- راجع كتاب ( عولمتنا .. دولة الإمام المهدي "ع" ) و كتاب ( عتيق العرب " اليماني " )

82- كتاب الفتن- نعيم بن حماد المروزي ص 199 :


83- الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي ج 1 ص 180 :


84- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني ج 24 ص 380 :
85- سورة ص 15
86- الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي ج 3 ص 1155 : الغيبة- الشيخ الطوسي ص 443 :
87( ) الغيبة ـ محمد بن إبراهيم النعماني ص 191
88( ) الغيبة ـ محمد بن إبراهيم النعماني ص 193
89( ) كتاب الفتن ـ نعيم بن حماد ص 174
90( ) ـ كتاب الفتن ـ نعيم بن حماد ص 169
91( ) الكافي - الشيخ الكليني ج 1 ص 338 :
92( ) البداية والنهاية - ابن كثير ج 13 ص 283 :
93( ) جامع البيان - إبن جرير الطبري ج 15 ص 32 :
94( ) عولمتنا .. دولة الإمام المهدي " ع" ) ص 372
95( ) كنز العمال - المتقي الهندي ج 12 ص 303 ، كتاب الفتن- نعيم بن حماد المروزي ص 292 :
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنما فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعد الروم ذات القرون كلما ذهب قرن خلفهم قرن مكانه أصحاب صخر وبحر هيهات هيهات إلى آخر الدهر هم أصحابكم ما كان في العيش خير )
96( ) الزخرف 66
97( ) العنكبوت 53
98( ) كمال الدين وتمام النعمة- الشيخ الصدوق ص 655 :
99( ) كتاب الغيبة- محمد بن إبراهيم النعماني ص 271 :
100( ) الأحزاب 45
101( ) المستدرك - الحاكم النيسابوري ج 4 ص 451 :
102( ) مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل ج 5 ص 145 :
103( ) الأنبياء 49
104( ) الشورى 17 ، 18
105( ) الطارق 9 ـ 17
106( ) مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل ج 2 ص 340 :