السبت، 28 يناير 2012

** التكوير والتكرير

فلسفة التأريخ عند الأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام )

نظرية التكوير والتكرير.






مقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب السموات و الارضين ، ورب الأولين والآخرين ، بارئ النسم وذراي الأمم ، محصي عددهم ، وراقب رصدهم ، مستنسخ أعمالهم و أقوالهم ، ومسمي آجالهم ، و جامعهم ليوم الجمع لا ريب فيه ، و موفيهم أجورهم ولا يُظلًم عند ربك أحدا ، وصلى الله على محمد وآله صلاة ينجز بها لم ما وعد ، انه لا يخلف الميعاد .

أما بعد :

إذا كان التاريخ يعني سجل حوادث الأيام و الأزمان و الدهور ، وما مر على الأمم و البلدان و الشعوب من تغير الأحوال أو مصارع الآجال ، أو مداولة الأيام بينهم بين فاتح و مفتوح وآكلٍ ومأكول ، وإذا شهد تاريخ الأمم بضعة مواقف من رجحان العقول ، و تحالف الفضول، وتلاقح الأصول ، فان فلسفة التاريخ تبحث في ما وراء الحدث ، ومجرى الحدث ، من كيفية ونوعية ، وهل من نظام يتحكم بعوادي الدهر و نوائبه ! وجيشان فتنه و مصائبه ! وعمران الأرض وخرابها ، و ربيع الأنفس و عذابها !

أم هي العشوائية والاعتباطية ! أم هو التربص واقتناص الفرص ! أم هي حيلة المقهور .. التمسكن و التعامي حتى يغفل القاهر ! أم هي المصادفات ، وليتني أصادف مصادفة واحدة أقيم بها الأود ، و اُجهش بها العدد ، و اُشفي صدور الأحرار و الأخيار من الكمد . ولكن .. هيهات ورب العرش العظيم ، فكل شيء عنده بمقدار .

ولقد فكرت لبعض الوقت ، أن اسلك سبيل من هم من بين يدي و من قبلي ، من باحثين و مفكرين و كتاب ، واستعرض خوض الخائضين في فلسفة التأريخ ، وفطاحل الترف الفكري ، و تجديف العصافير المبللة لانتشال تيتانك التاريخ من أمواج المحيط وجبال الجليد ، كتقديم تقليدي للدخول إلى صلب الموضوع ، إنما أثناني عن ذلك ما هو قائم بالفعل ، وذلك إرهاق فكر الطالب للمعرفة بالكثير من الكلام الذي لا يفضي إلى المعرفة ، ولا يخلص منه إلى استخلاص الحكمة و اكتشاف الضوابط .

ومن هنا فإننا سنتجاهل كل التنظيرات البائسة و منظريها من السابقين أو المعاصرين ، إذ سينكشف لنا أن ( فلسفة التاريخ ) المعروفة اليوم ، لا تعدو كونها آراء سياسية ثبت فسادها ، أو تحليلات سطحية ثبت سرابها ، أو توصيفات ظنية ثبت عقمها .

وإنما سبيلنا ومصباحنا وعلم الهدى الذي نهتدي به إلى معرفة حقيقة التاريخ و فلسفته ، هو فيلسوف الفلاسفة ، وعبقري العباقرة ، الذي لا يقول ضنا ولا غلطا ولا شططا ولا توقعا ولا احتمالا ، ولا ينحرف عن الحق يمينا ولا شمالا ، ذلك هو المخبر بالكائنات قبل وقوعها ، و المفصّل للحوادث قبل حدوثها ، ومفسّر أسبابها ، ومبوّب أبوابها ، و محلّل مسيرتها ، و مسمّي قادتها ، وهم في أصلاب آبائهم لا تعلم الخلائق بهم أيولدون أم لا يولدون ؟ ذلك هو سيدنا و إمامنا الإنسان الذي خلقه الله قبل أن يخلق الدهور ، وما من دهرٍ مرّ على السموات والأرض إلا وهو فيه شيء مذكور(1) ، ذاك هو الإنسان الذي خلقه الرحمن وعلّمه البيان ، ذاك ثاني خير الخلق و الخليقة ، العارف بالحقيقة وليس بعده حقيقة ، ذلك هو الذي خلقه الله مع رسوله خاتم الرسل ، خلقهم من نور عظمته و خلق الناس من طينٍ لازب ، ذلك آية الله الكبرى علي بن أبي طالب عليه وعلى نبينا السلام .

وقد قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام :

إني لأكتم من علمي جواهـره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتـتنا

وقد تقدم في هــذا أبو حسنٍ إلى الحسينِ ووصى قبلهُ الحسنا

يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعـبد الوثـنا

ولَإستحلّ رجالٌ مسلمون دمي يرونَ أقبـحَ ما يأتونَهُ حَسـنا




وأما هو " الإمام علي عليه السلام " فقد قال :

لقد حزت علــم الأولين وإنني ضنين بعلم الآخرين كتومُ

وكاشف أسـرار الغيوب بأسرها وعندي حديثُ حادثٍ وقديمُ

وإني لقيــوم على كـل قيــم محيطٌ بكل العالمين عليـمُ

فمن هذا البحر الزاخر بعجائب العلوم وغرائبها ، وأصناف القرون ومراتبها ، وعالِم الاكوار و الأدوار ، من النشأة الأولى إلى نفخة الصور ، نقدم لكم شيئا يسيرا مما كشفه الله لنا بفضله ، من فلسفة التاريخ عند علي بن أبي طالب عليه السلام ، ( وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) (2) .

وسنقدم هذا البحث في فصول ، فالفصل الأول : في مرجعيتنا الفكرية للبحث وما قيل فيها ، ودور التشكيك في الأسانيد لإبطال الحق دون جدوى .

ثم الفصل الثاني في أساسيات معرفة وفهم المقادير الإلهية ، العلم و المشيئة والإرادة والقدر والقضاء والإمضاء .

ثم الفصل الثالث ، نظرية التكوير والتكرير وفهمها من خلال فهم مرامي القرآن الكريم في المقارنات والدلالات .

ثم الفصل الرابع ، شرح الأنظمة الكونية .

ثم الفصل الخامس ، بأخذ عينة بحثية محددة من التاريخ لرقعة جغرافية محددة ، ودراستها وتحليلها في ضوء الموثوق من المصادر .

ثم الفصل السادس : مقارنة هذه العينة البحثية ، مع عينة أخرى لإثبات نظرية ( التكوير و التكرير) التي استنبطناها من فكر الإمام علي عليه السلام وما يعضدها من الأحاديث النبوية الشريفة .

ثم الفصل السابع : خلاصة استنتاج البحث .

ثم خاتمة البحث : وقد حرصنا على أن نجعلها متضمنة لآرائنا ، واستقراءنا ، واستشرافنا للمستقبل ، في ضوء الأدلة المحصلة لدينا ، فإننا جعلنا كل ذلك في الخاتمة ، لكي لا يحكم حكما مسبقا على ذلك ، قبل دراسة الأدلة ومعرفة الفكرة .



1( ) قوله تعالى ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) عن الإمام الباقر (ع): إن الإنسان هنا هو علي بن أبي طالب عليه السلام .

2( ) سورة الجن 10
ولقراءة كتاب التكوير والتكرير يرجى الأنتقال الى الرابط التالي:

التكوير والتكرير .. فلسفة التأريخ عند الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق