الجمعة، 3 فبراير 2012

*الجزء الرابع أ

عولمتنا - دولة الأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
الجزء الرابع  " أ "


الأمر الألهي :
الكوفة وأحداث الظهور :

عندما تذكر الكوفة في أحداث الظهور وعلاماته فإنها تذكر بمعنيين مختلفين. فمرة يعني بها الكوفة الحالية والتي كانت فيما مضى عاصمة الخلافة الإسلامية في زمن الإمام علي عليه السلام. وتُذكر مرة أخرى كمصر من الأمصار، أي إنها تشمل رقعة واسعة من منطقة الفرات الأوسط وتشمل أجزاء من محافظات النجف وكربلاء والحلة والديوانية ويسكنها بشكل عام شيعة أهل البيت (ع)، والأحداث المهمة والخطيرة التي تحدث في الكوفة تبدأ في الاختلاف، والاختلاف هو السمة العامة للعالم وعلاقاته بشكل عام، اختلاف بين الدول واختلاف بين الشعوب واختلاف بين الأمم و اختلاف بين أفراد المجتمع الواحد.
قال الإمام الصادق (ع) : ( يظهر القائم (ع) على اختلاف شديد وزلازل)1.
ثم يتخصص هذا الاختلاف فيما بعد إلى اختلاف بين الأمة الواحدة التي اقترب أجلها، فتحدثت الروايات عن اختلاف بين العرب ثم اختلاف بين بني العباس.
قالوا عليهم السلام ( إذا بُنيت مدينة على شاطئ الفرات ظهر الاختلاف بين بني العباس) الإرشاد للشيخ المفيد. والمدينة الموعودة كما تحققنا من ذلك، وورد في خطبة الإمام علي (ع) التي أوردناها في الجزء الأول التي يقول فيها ( إذا بُنيت مدينة ذات أثل وأنهار وحكم فيها الفسّاق والفجّار ) هي ذات المدينة المشار إليها في الخطبة والرواية وهي مدينة بابل والقصور والرئاسية التي أُقيمت على شاطئ شط الحلة، وهو من الفرات.
قال أرطاة ( إذا بنيت مدينة على شاطئ الفرات ثم أتتكم الفواصل والقواصم وانفرجتم عن دينكم ، كما تنفرج المرأة عن قبلها ، حتى لا تمتنعوا عن ذل ينزل بكم وإذا بنيت مدينة بين النهرين بأرض منقطعة من أرض العراق أتتكم الدهماء) 2.
وقد قال المجلسي في البحار ان المدينة المشار اليها هي سامراء ، وقوله صحيح فيما يخص الدورة التاريخية السابقة ( أي قبل اثنى عشر قرن قمري ) ، أما في هذه الدورة ، فالمدينة الأولى ـ كما نعتقد ـ فهي بابل التاريخية ، والمدينة الثانية (مدينة بين النهرين بأرض منقطعة من أرض العراق ) فهي (مدينة الثرثار ) وهي غير معروفة للناس ، لأنها مدينة خاصة بصدام وحاشيته وخواصه يمارسون فيها الفجور ، وقبل سقوط نظامه بقليل عندما أيقن بزوال ملكه قام بتوزيع الكثير من بيوتها ومرافقها على الخواص من منتسبي ديوان رئاسة الجمهورية لكسب ولائهم ، فلم ينفعه ذلك ، ولا يمكننا وصف هذه المدينة لأننا نسمع بها ولم نشاهدها ، وهي حول سد الثرثار .
وفيه عن أرطأة، قال: (إذا بنيت مدينة على الفرات فهو النقف و النقاف، وإذا بنيت مدينة على ستة أميال من دمشق، فتحزّموا للملاحم .) (3) ، و قال " النقف و النقاف ، أي القتل و القتال .
وفيه عن محمد بن الحنفية قال ( لا تزال الرايات السود التي تخرج من خراسان في أسنتها النصر حتى يختلفوا فيما بينهم فإذا اختلفوا فيما بينهم رفعت ثلاث رايات بالشام .) (4)
وبدأ الاختلاف بين بني العباس – أي الحكومات العربية السنّية المذهب – تماماً بعد إكمال بناء هذه المدينة ( بابل ) عندما قام صدام باحتلال الكويت وجرى بعد ذلك ما هو معروف.
أمّا الاختلاف الذي نتحدث عنه هنا، وتتحدث عنه الروايات فهو اختلاف الشيعة فيما بينهم.
قال الإمام علي (ع) لمالك بن ضمرة : ( كيف بك إذا رأيت شيعتنا وقد اختلفوا هكذا ، ثمََ شبك أصابعه شبكا شديدا فقال: لا خير في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: بل كل الخير في ذلك الزمان فأنه أوان ظهور قائمنا)5. وفي غيبة النعماني:
( الخير كله عند ذلك ،يا مالك عند ذلك يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلا يكذبون على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) فيقتلهم ، ثم يجمعهم الله على أمر واحد .) (6) .
ويمكن النظر إلى بداية الاختلاف الموعود إلى انشقاق المرجعية الدينية بين السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر، ، وبين السيد علي السيستاني كاختلاف بين تيارين، تيار مقاوم يدعو للتجديد والتمهيد للظهور المبارك وتيار محافظ. لكن هذا ليس إلاّ بداية للاختلاف ولكن الاختلاف ألأكبر والأخطر هو ما ورد في الرواية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في علامات الظهور ( وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدّعي الإمامة لنفسه ليسوا على شيء)7، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب يعني في الحقيقة تعدد المرجعيات الدينية الشيعية حتى تصبح اثني عشرة مرجعية، ولأول مرة في تاريخ الشيعة.
وبدأ الاختلاف أساساً ليس لأسباب فقهية كما هو المعهود في أسباب الاختلاف الديني، بل اختلاف سياسي، وهو اختلاف مواقفهم من الاحتلال وطريقة التعامل معه. وسنتحاشى التعبير بصراحة عن استنتاجاتنا وتحليلاتنا بسبب الحساسية الكبيرة التي يثيرها هذا الموضوع، ولكننا سندع الروايات والأحاديث هي التي تتكلم. وكيفية مجيء تأويلها على أرض الواقع كما حصل ما حصل منها حتى الآن. ولكن الموضوعية تحتّم علينا عدم تجاهل بعض الحقائق مهما كانت غير مرضية للبعض، فرضا الله وحجته هو الأهم عندنا.
قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : " لتركبن أمتي سُنَّة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة ، شبرا بشبر و ذراعا بذراع و باعا بباع ،حتى لو دخلوا جحرا لدخلوا فيه معهم ، إن التوراة و القرآن كتبهما ملك واحد ، في رق واحد ، بقلم واحد ، و جرت الأمثال و السنن سواء " (8) .
وظهور اثنا عشر رجل من آل أبي طالب هي سنّة ومَثل من أمثال بني إسرائيل، فهؤلاء هم نظراء أولاد يعقوب (عليه السلام) الأثنى عشر وما جرى منهم ومعهم. إذ أجمعوا أمرهم أن يلقوا يوسف (ع) في غيابة الجب نفاسةً عليه وحسداً له لمقامه من أبيه. وأجمع آل أبي طالب هؤلاء على التربص بأحدهم والمظاهرة عليه بسبب موقفه السياسي من الاحتلال واختيار طريق المقاومة.
فقد ورد في كتاب الفتن لنعيم بن حماد : حدثنا سعيد أبو عثمان عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا اختلفت كلمتهم وطلع القرن ذو الشفاء لم يلبثوا إلا يسيرا حتى يظهر الأبقع بمصر يقتلون الناس حتى يبلغوا إرم ثم يثور المشوه عليه فتكون بينهما ملحمة عظيمة ثم يظهر السفياني الملعون فيظفر بهما جميعا ، ويرفع قبل ذلك ثنتي عشرة راية بالكوفة معروفة ويقبل بالكوفة رجل من ولد الحسين يدعو إلى أبيه ثم يبث السفياني جيوشه .) (9) .
وهذا الرجل من ولد الحسين (ع) الذي يدعو إلى أبيه هو السيد (مقتدى الصدر) بلا شك ، وأصبحت دعوته تُعرف بالتيار الصدري نسبة إلى أبيه محمد محمد صادق الصدر ، ومعنى انه يدعو إلى أبيه بمعنى : انه لم يبلغ بعد مرحلة الاجتهاد وليس له أطروحات خاصة ولا نظريات خاصة ، بل يدعو إلى أطروحات و نظريات و اجتهادات أبيه.
وسنعود إلى هذه الرواية في الحديث عن بيعة الأصنام .
وفي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة حذّر فيها من دجّالين يظهرون من أولاده وأولاد فاطمة عليهما السلام قال فيها: ( ألزموا الأرض من بعدي وإيّاكم والشذاذ من آل محمد فأنه يخرج شذّاذ من آل محمد- إلى أن قال- ومن خرج من ولدي فعمل بغير عملي وسار بغير سيرتي فأنا منه بريء، وكل من خرج من ولدي قبل المهدي فهو جزور، وإيّاكم والدجالين من ولد فاطمة. فإن من ولد فاطمة دجالين، ويخرج دجال من دجلة البصرة وليس منّي، وهو مقدمة الدجالين كلهم)(10).. ـ والدجالين الذين هم على عقيدة الدجال و أتباعه من اليهود والنساء و الأعراب كما جاء عن النبي ( ص ) ـ.
وهذا أيضا من سنّة بني إسرائيل وما صرّح به القرآن الكريم فيهم بقوله تعالى
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) (11) وقوله تعالى ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله).
وهذه السنن والأمثال جرت في صدر الأمة بعد أن قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وكانت الشيعة في منجاة منها حتى ظهور(الفتنة الرجوف) واحتلال العراق من قبل الروم وبني قنطورا وزوال ملك بني العباس في الزوراء. إلاّ إن الفتن بدأت تعصف بالشيعة منذ ذلك اليوم وستبقى حتى الظهور المبارك لصاحب الأمر (ع) وفق ما أخبرت به الأحاديث الشريفة والروايات.
وفي نهج السعادة ، قال السيد أبو طالب : بسنده عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : إنما هلك من كان قبلكم بارتكابهم المعاصي ، ثم لم ينههم الربانيون والأحبار ، فلما فعلوا أنزلت بهم العقوبات. ألا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ! ! ! فان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقدم أجلا ولا يدفع رزقا.) (12)
وعلى أية حال. تبدأ الأحداث الخطيرة في الكوفة وفق الروايات بهذه الصورة التي وصفها أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته المسمّاة خطبة (المخزون) قال فيها (... ولذلك آيات وعلامات، أوّلهن أحصار الكوفة بالرصد والخندق وتخريق الزوايا في سكك الكوفة وتعطيل المساجد أربعين ليلة)13.
والذي حصل على أرض الواقع، هو أنه منذ بداية الغزو الأمريكي ودعوة السيد مقتدى الصدر لمقلدي والده الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر للمضي قُدماً باستكمال المشروع الذي بدأه والده (قده) بإعداد العدّة لنصرة الإمام المهدي (عج) وتهيئة القواعد القتالية والعسكرية، بعد أن هيّأ الأب القواعد الشعبية، وتتويج ذلك بتشكيل ( جيش الإمام المهدي (ع)) واندفاع الشبيبة المؤمنة لتلبية الدعوة، وهو ما فاجئ المخططين للمشروع الأمريكي، أقول- منذ ذلك الوقت بدأت المؤامرات متسارعة لتدمير المشروع الصدري – إن جاز التعبير- قبل استفحاله. وتم تتويج هذه المؤامرات باتخاذ قرار الحرب الشرسة على هذه القواعد وهذا التيار وروافده بكل أشكالها.
وقبل الدخول في هذا الموضوع لابد من لفت الانتباه إلى موضوع هام جدا :


من هو محمد محمد صادق الصدر ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) (14) ، ومن البين أوضح البيان ، أن هذا يكون في زمن الغيبة وليس في زمن وجود الأئمة المعصومين الناطقين عليهم السلام ، فلا يترك الله الأمة مهملة ، بل يبعث لها عالما مجتهدا يجدد لها دينها، وما يشعر به الحديث أن ذلك يكون في نفس العقد من كل مئة سنة .
فلو عرفنا احدهم ، وفي أي سنوات كان ، أمكننا معرفة الآخرين
قبل ألف سنة تماما من ظهور السيد الشهيد الصدر( محمد بن محمد ) ، أرسل الإمام المهدي (ع) رسالته الشهيرة إلى الشيخ المفيد ( محمد بن محمد " النعمان ") ، وفيها : (فقف أمدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه ،على ما نذكر واعمل على تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله ... ـ إلى أن قال (ع) ـ ولا يعزب عنا شيء من أخباركم و الزلل الذي أصابكم ، فقد جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا ، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم ، كأنهم لا يعلمون ) (15) . وكانت الرسالة مؤرخة ، لأيام بقيت من صفر سنة عشرة وأربعمائة هج .
وورد على الشيخ المفيد كتاب آخر من قبله - صلوات الله عليه - يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة ، سنة اثنتي عشرة وأربعمائة . نسخته :
( من عبد الله ، المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ، ودليله .
بسم الله الرحمن الرحيم ، سلام الله عليك أيها الناصر للحق ، الداعي إليه بكلمة الصدق ، فانا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو ، إلهنا وإله آبائنا الأولين ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين ، وعلى أهل بيته الطاهرين . وبعد : فقد كنا نظرنا مناجاتك - عصمك الله - بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه ، وحرسك به من كيد أعدائه ، وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا ينصب في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفا من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان .... ) (16) ، وبالطبع فان رسائل الإمام المهدي عليه السلام إلى الشيخ المفيد خاصة ، تدل على ان الشيخ المفيد مبعوث لتجديد الدين ، ومن ثم فقد كانت هاتان الرسالتان سنة ( 410 هج، 412 هج ) والحديث الشريف يقول :
(إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) أي إن العالم المجتهد الذي يبعثه الله ليجدد به الدين ، يكون في العقد الثاني من كل مائة سنة .
بعد ألف سنة من ذلك التاريخ ( اعتبارا من سنة 1411 هج ـ 1419 هج ) كان (محمد بن محمد" الصدر") ولكن ليس من " موالينا " ، بل "ولدنا" محمد بن محمد ، الذي طالما صدح بصوته في صلاة الجمعة (حبيبي هذه الصلاة مؤيدة من الله ) ، وكان أول بروز جماهيري له في الانتفاضة الشعبانية سنة 1411 هج ، ثم تصديه لقيادة المرجعية ثم إقامة صلاة الجمعة المأمومة ، وكانت ظروف ظهوره في ظروف مماثلة تماما للظروف التي وصفتها رسائل الإمام المهدي (ع) من حيث أوضاع الشيعة من انحراف وتردي على جميع المستويات .
هل لـ ( محمد بن محمد ) شأن في الكتاب الذي مع الإمام المهدي (ع) ، الذي ما من غائبة في السماء و الأرض إلا فيه ، وهو يبحث عن" محمد بن محمد" ؟
انك لا تقرا وتتفكر إلا وصلت إلى نتيجة : كأن الرسائل ذاتها مبعوثة إلى( محمد بن محمد ) قبل ألف سنة و بعد ألف سنة ، ومن غريب المصادفات أن يقول السيد الصدر : " لقد هدمت مخططات ألف سنة " .
فأقول : وعلى رأس الألف سنة بعد (محمد بن محمد " النعمان" ) كان ( محمد بن محمد " الصدر" )، وقد ورد في رواية ( إذا قُتل ولدنا محمد بن محمد فترقبوا عد الأصابع ) لا ادري لعلها في " قلائد الدرر" ، أو شجرة الدر، فمن كان هذا الكتاب تحت يده فليبحث.
و هو الذي يذكره الإمام علي (ع) في خطبة البيان ( ثم يخرج الهمام ، فيصلي بالناس إمام ، فيقتل بعد برهة من الزمان بين الخدام والخلان ، فعندها يخرج من المغرب أناس على شهب الخيول بالمزامير والأعلام والطبول ، فيملكون البلاد ، ويقتلون العباد ؟ ) (17)
فلقد كان أول من " صلى بالناس إمام " بعد مئات السنين من انقطاع صلاة الجمعة ، وكان عالي الهمّة ، ثم قُتل ، وعلى اثر مقتله خرجت خيل المغرب (الغزو الأمريكي ) ، وحسب اعتقادنا انه هو المقصود.
على أية حال ، بدأ الأمر بالاستفزاز بإغلاق صحيفة ، واعتقال بعض القياديين من هذا التيار ومن (جيش الإمام المهدي(ع)) الذي يُعتبر الذراع المسلح للتيار. ورد هؤلاء بمظاهرات سلمية احتجاجية. ولكن (الأحزاب) كانوا قد أعدّوا عدّتهم أيضا وانتظروا هذه الفرصة، فأطلقوا النار على المتظاهرين في الكوفة وقتلوا العديد منهم ، وكان رد هؤلاء أسرع من المتوقع فسرعان ما تفرّقوا وعادوا بالسلاح وبدأ القتال.
كانت البداية كما نعرفها نحن أمر أكثر مرارة و اشد إيلاما ، ولكن لكي نكون حياديين ـ رغم انه لا يوجد حيادية في الموقف بين الحق و الباطل ـ مع ذلك نحيل القارئ إلى كتاب الحاكم الأمريكي للعراق " بول بريمر" كتابه ( عام قضيته في العراق ) ، فان القليل من الاعترافات و القليل من الفضائح التي فيه تكفي لمعرفة ما تشير إليه الروايات من مؤامرات قيادات شيعية ، وتحالفها مع الذين غضب الله عليهم (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) .
وعلى أية حال فقد وقع ما لابد منه ، بين ( جيش الإمام المهدي(ع)) والقوات السلفادورية و الأسبانية( أو أهل الأندلس كما في الروايات) المكلفة آنذاك بالسيطرة على النجف ، ولكن هؤلاء كانوا مأمومين، وأئمتهم (الكساكس) كما وصفهم الإمام علي (ع) فسرعان ما جاء الكساكس (الأمريكيين) وبدأت المواجهة الدموية الشرسة بين الطرفين، وبدأ إحصار الكوفة وتخريق الزوايا ، أي إقامة المتاريس ، وبدأت عملية تدمير الكوفة أولاً، ثم فيما بعد إلى مدينة النجف ، و كربلاء و مدينة الصدر و المدن الجنوبية . ولكن قبل الخوض في هذه المواجهات وانعكاساتها علينا أن نعود مرة أخرى إلى الروايات لتتحدث عن واقع النجف والكوفة.
ففي رواية إن الإمام السجّاد عليه السلام عندما عاد وأهله من الأسر في الشام أمر دليل الموكب أن يمر بالكوفة أولاً وعندما ورد مسجد الكوفة وقف الإمام السجاد (ع) وبكى بكاءاً مريراً وقال (هي هي يا نجف)18، أي إن أهل النجف والكوفة يكون موقفهم من الإمام الحسين عليه السلام في معركة ألطف هو موقفهم من الإمام القائم المهدي (عج)، فكما كانوا مع الإمام الحسين (ع) حيث وصفهم الإمام مسلم بن عقيل (ع) ( قلوبهم معك وسيوفهم عليك) فهكذا هم عند ظهور الإمام القائم (ع) في أحداث الظهور ولا يتوقع منهم غير ذلك، إلاّ من رحم الله ، وقليل ما هم ، وهذا الموقف بالطبع لا يقتصر على محافظة النجف. بل منطقة الفرات الأوسط.
فإذا قفزنا إلى النتيجة وأخذنا الروايات التي تتحدث عن أخبار الملحمة العظمى وما يحدث فيها ، و ما بعد اليوم الموعود ، فإننا سنعرف ماذا سيفعلون من الآن وإلى ذلك اليوم.
ففي خطبة (المخزون) لأمير المؤمنين عليه السلام قال: ( ويسبى من الكوفة أبكاراً لا يكشف عنها كف ولا قناع حتى يوضعن في المحامل ويزلف بهن إلى الثوية ثم يخرج عن الكوفة مائة ألف بين مشرك ومنافق حتى يضربوا دمشق لا يصدّهم عنها صاد ، وهي ارم ذات العماد).
وكان هنا يتكلم عليه السلام عن الجبار العنيد الذي يحكم الزوراء والذي يسميه الكاهن الساحر وهو قبل السفياني. وأردنا من هذا المقطع أن نظهر لكم كم سيظهر من الكوفة من مشركين ومنافقين ، فقد أحصى عليه السلام في هذا الموقف وحده ( مائة ألف)19.
ومن الخطبة نفسها قال عليه السلام في أحداث الظهور المبارك ومسيرة الإمام القائم المهدي (عج) قال ( حتى ينزل ارض الهجرة مرتين، وهي الكوفة ، فيهدم مسجدها ويبنيه على بنيانه الأول ويهدم ما دونه من دور الجبابرة) (20). وننتبه في هذا المقطع إلى قوله عليه السلام ( دور الجبابرة) لتعرف هل إن سكان النجف والكوفة كلهم شيعة لأهل البيت كما يزعمون؟ أما دور الجبابرة التي تبنى الآن في النجف بفيء المسلمين وبأرزاق الجياع والأرامل ، ، فان أهل النجف وغير النجف يضجون منها ومن جبابرتها إلى الله .
وفي الخطبة نفسها، قال عليه السلام: (وقتل كثير وموت ذريع ، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ، والمذبوح بين الركن والمقام ، وقتل الاسبغ المظفر صبرا في بيعة الأصنام مع كثير من شياطين الإنس وخروج السفياني براية خضراء وصليب من ذهب أميرها رجل من كلب ) .

بيعة الأصنام :
ان البيعة تكون بين طرفين ، احدهما مُبايِع والآخر مُبايَع له ، وفي حال عدم تشخيص أي من الطرفين هم الأصنام يكون المقصود أن كلا الطرفين ( أصنام )
وفي هذا القول يمكن أن نحتمل احتمالان :
الاحتمال الأول : فإن الكثير من أهل الكوفة وعشائرها ستبايع لقائد جيش السفياني حسب ما تشير إليه الخطبة ، وحسب الرواية التالية التي تقول ( يقتل عشرة عشائر من أهل الكوفة ) وهم الذين يبايعون لقائد جيش السفياني ، ويحتمل أن تكون هي التي يسميها أمير المؤمنين(ع) بيعة الأصنام ، وإذا صدق هذا الاحتمال فسيكون الاسبغ المظفر هو من الموالي كما سيبين من الرواية التوضيحية .
الاحتمال الثاني : أن بيعة الأصنام تسبق ظهور السفياني ، وهذه البيعة هي بيعة سرية ، والهدف هو اغتيال ( رجل من ولد الحسين "ع" ) .
في كتاب الفتن: حدثنا سعيد أبو عثمان عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون ..... وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة ، ويُقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين يدعو إلى أبيه ، ويظهر رجل من الموالي فإذا استبان أمره وأسرف في القتل قتله السفياني ) (21) .
وقد اشرنا إلى هذه الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام من قبل ، وبالسند نفسه رواها نعيم بشكل مختلف ، ففي الأولى قال ( ويقبل رجل من ولد الحسين ) وهنا قال ( يُقتل ) بدل ( يُقبل ) ، ولكن فقط ننبه إلى أن الشك هو من الراوي (رجل من ولد الحسن أو الحسين) ويتضح ذلك من الرواية الأولى ، كما انه لا يوجد احد من أولاد الحسن يدعو إلى أبيه ، بل جميعهم يدعون لأنفسهم ، فالرجل هو من ولد الحسين(ع) ، وقاتله هو أشقاها ( إذ انبعث أشقاها) وهو أشقى الشيعة .
إذن هناك ثلاث شخصيات مهمة تُقتل قبل الظهور وهي من علاماته القريبة وهم (النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ) و ( الاسبغ المظفر صبرا في بيعة الأصنام ) و ( النفس الزكية المذبوح بين الركن و المقام ) ، فأما النفس الزكية الذي يُقتل ما بين الركن والمقام ، فأمره واضح ولا إشكال فيه ، والروايات واضحة وصريحة باسمه ، ونسبه ، وعمره ، ويوم مقتله :
[ في كمال الدين : بسنده عن محمد بن مسلم الثقفي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول : القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ... قال : قلت: يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم ؟ قال :
( .... وخروج السفياني من الشام ، واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء ، وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام ، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية ، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه وفي شيعته ، فعند ذلك خروج قائمنا ) ص330 .
وفي صفحة 334 عن الإمام الصادق (ع) قال : يا زرارة لا بد من قتل غلام بالمدينة ، قلت : جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني ؟ قال : لا ، ولكن يقتله جيش بني فلان ، يخرج حتى يدخل المدينة فلا يدري الناس في أي شئ دخل ، فيأخذ الغلام فيقتله ، فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لم يمهلهم الله عزوجل فعند ذلك فتوقعوا الفرج .
وفي صفحة 649 عن شعيب الحذاء ، عن صالح مولى بني العذراء قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول : ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية إلا خمسة عشر ليلة . ) ] (22) .
فهو غلام ، من ذرية الإمام الحسن (ع) ، اسمه ( محمد بن الحسن ) ، ويُقتل في الخامس و العشرين من ذي الحجة قبل الظهور بخمسة عشر ليلة .
ولكن المشكلة في النفس الزكية الذي يُقتل في ظهر الكوفة في سبعين ، وقد كثُرت المقالات فيه ابتداءً من استشهاد السيد محمد باقر الصدر والى اليوم ، فكلما قُتل احد مع مجموعة من الشهداء ، قيل هو النفس الزكية ، بل قيل ذلك في بعض الحسنيين ، رغم أن الذي يُقتل بظهر الكوفة هو حسيني وليس حسني .
إن مراجعاتنا المستفيضة للروايات و الخطب ( خطب أمير المؤمنين عليه السلام ) وتسلسل الأحداث ، تحصل لدينا منه قناعة أكيدة أن ( مقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ) ، هو من أحداث سنة الظهور وليس قبلها ، ووقوع الصيحة في الزوراء من أهم أسبابها هو مقتل النفس الزكية ، والذي يقتله هو ( أشقاها ) في سورة الشمس إذ يقول تعالى ( إذ انبعث أشقاها ) وهو أشقى الشيعة ، كما كان اللعين عبد الرحمن بن ملجم من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ثم مرق من الدين مروق السهم من الرمية ، سواء بسواء .ومن هنا يقول الإمام الباقر (ع) في قوله تعالى ( كذبت ثمود بطغواها ) قال :" ثمود رهط من الشيعة" وسيمر بنا النص كاملا مع النصوص المؤكدة له ـ وللمزيد من التفصيل و الاستفاضة ، راجع بحثنا ( بني إسرائيل بين التنزيل والتأويل ) والمنشور على الانترنيت ـ.
وعليه فإننا نستنتج من الاستدلال برواية الإمام الباقر على كلام أمير المؤمنين عليهما السلام ثم الروايات الأخرى مايلي :
يقول أمير المؤمنين (ع) : وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ، والمذبوح بين الركن والمقام ، وقتل الاسبغ المظفر صبرا في بيعة الأصنام .
ويقول الإمام الباقر (ع) : ويقتل بالكوفة رجل من ولد الحسين يدعو إلى أبيه ، ويظهر رجل من الموالي فإذا استبان أمره وأسرف في القتل قتله السفياني .
أي أن قول أمير المؤمنين (ع) في قتل النفس الزكية بظهر الكوفة ( النجف ) ، يفسره قول الإمام الباقر عليه السلام : " يُقتل رجل من ولد الحسين يدعو إلى أبيه" ، والله العالم ، وسيمر بنا حديث أكثر تحديدا وصراحة في سورة الشمس .
وعدا ما تقدم سنحاول تصنيف الروايات في أحوال الشيعة إلى أصناف :
التفرق إلى فرق
الارتداد العقائدي
رفع العلم من بين أظهرهم
فقدان القيادات ذات الجدارة

أولا : التفرق إلى فرق :
في كتاب سليم بن قيس الهلالي ، قال سليم : ( سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول ، إن الأمة ستفترق على ثلاث و سبعين فرقة ، اثنان و سبعون فرقة في النار، و فرقة في الجنة ، و ثلاث عشرة فرقة من الثلاث و السبعين تنتحل محبتنا أهل البيت ، واحدة منها في الجنة ، و اثنتا عشرة في النار . ) (23).
و الرواية لها تكملة عن أناس خارج هذه الفرق لا ينتمون لمذهب محدد يعملون بالتحوط و يتركون ما فيه اختلاف ، يكونون من الناجين ، سنمر بذكرهم إن شاء الله ، ولكن نلفت الانتباه إلى تفسير هذه الرواية بالرواية التي تشير إلى ظهور اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعون بالإمامة إلى أنفسهم ـ ليسوا على شيء ـ فهي تعني : أن الثلاث عشرة فرقة التي يذكرها أمير المؤمنين عليه السلام ، فان اثنتي عشرة فرقة منها هي مرجعيات دينية ( لهم مراجع تقليد ) من آل أبي طالب ـ يعني أن منهم من هو من ذرية جعفر ، ومنهم من هو من ذرية عقيل ، ومنهم من هو من ذرية علي بن أبي طالب (ع) منهم حسنيين ومنهم حسينيين ـ وقد يعني هذا أن منهم مشايخ ( بعمامة بيضاء ) وليسوا علويين ، وعلى هذا فإنه يشمل مشايخ لهم مرجعيات تقليد ، والرواية تقول (ليسوا على شيء ) .
وفرقة ليس لهم مرجع تقليد حي يفتي بالفتاوى والاجتهادات ، بل هم (مكتب ديني ) فقدوا إمامهم ( أي مرجع تقليدهم ) ولكنهم متمسكون به حتى بعد استشهاده (وهو مكتب السيد الشهيد الصدر ( قدس ) ، ولذلك ورد في الرواية عن الإمام الباقر (ع) ( رجل من ولد الحسين يدعو إلى أبيه ) .
وفي كتاب الفتن لنعيم : ( أرض يقال لها البصرة إلى جنبها نهر يُقال له دجلة ونخيل كثير فينزل بهم بني قنطورا فيتفرق الناس ثلاث فرق، فرقة تلحق بأصلها فهلكوا، وفرقة تأخذ على نفسها فكفروا. وفرقة يجلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلون ... قتلاهم شهداء يفتح الله على أيديهم)24.
ثانيا : الارتداد العقائدي .
وفي غيبة الطوسي عن أبي جعفر عليه السلام : ( والله لتمحّصُنّ يا معشر الشيعة ، شيعة آل محمد كمخيض الكحل في العين ، لان صاحب الكحل يعلم متى يقع في العين ولا يعلم متى يذهب ، فيصبح احكم وهو على شريعة من أمرنا، فيمسي و قد خرج منها ، ويمسي وهو على شريعة من أمرنا فيصبح و قد خرج منها ) (25) .
وفيه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام : (ولله لتكسرنّ كسر الزجاج و إن الزجاج يُكسر ويعاد فيعود كما كان ، لتكسرنّ كسر الفخار ، وان الفخار لا يعود كما كان ) (26) . أي لا يرجى معه صلاح أبدا
وعن الإمام الباقر (ع) قال ( إذا قام القائم (ع) سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر آلاف أنفس يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له ارجع من حيث أتيت فلا حاجة لنا في بني فاطمة فيضع في السيف حتى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة فيقتل كل منافق مرتاب، ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله جلّ وعلا) (27).
وفي الملاحم والفتن لأبن طاووس، قال عليه السلام ( يقتل عشرة عشائر من أهل الكوفة وعشرة آلف يُدعون البترية ) .
ولابد أن نقف على حقيقة ما يقول أئمة أهل البيت عليهم السلام من معاني وكيف (فيصبح أحدكم وهو على شريعة من أمرنا، فيمسي و قد خرج منها ، ويمسي وهو على شريعة من أمرنا فيصبح و قد خرج منها ) وكيف تتقلب القلوب بهذه السرعة غير المعقولة وغير المفهومة ؟
لعل البعض يعتقد أن ذلك نوع من المبالغة أو نوع من التصوير ، وليس وقوعه على الحقيقة ، وبالطبع من معايشتنا لواقع تأويل ما أخبرت به الروايات يجعلنا نتفهم صعوبة فهم ذلك على من لم يُدرك الفتنة ، ومن خلال معايشتنا لها وجدناها كالتالي :
إن الإيمان ليس قولا باللسان ، بل أحيانا لا يكون حتى بالشعائر والأعمال العبادية التقليدية التي يقوم بها المؤمن يوميا . بل إن الإيمان في زمن الفتنة هو موقف ، وهو موقف أكثر منه أي شيء آخر ، وهذا الموقف قد يُتخذ في لحظة ، أو في ساعة ، أو في بضع ساعات ، وقد يُتخذ هذا الموقف دون تفكير ملي في عواقب اتخاذ هذا الموقف ، فكما إن ( الحر الرياحي) صاحب الإمام الحسين (ع) اتخذ موقفه في لحظات حاسمة ، وانحاز إلى معسكر الإمام الحسين (ع) ، هكذا يكون سلوك أو فعل أو شعور الكثير من الناس أثناء الفتنة ، وبالذات في ساعات احتدام صراع عسكري ، أو سياسي ، ففي أثناء معركة تقع بين قوات الاحتلال ـ التي تساندها الحكومة واجهزتها المسلحة ـ وبين المقاومة الوطنية ، قد يجد الإنسان نفسه في لحظة حرجة تتطلب منه اتخاذ موقف ، أين يكون ! في صف اليهود والنصارى وأولياؤهم ويقتل المؤمنين من أبناء شعبه ، أم إلى جانب المؤمنين ؟ في هذه اللحظة إذا أخطأه حسن الحظ والتوفيق للهداية ووقف إلى جانب العدو وقتل مؤمنا واحدا ، فقد خرج من الإيمان إلى الكفر ، وقد لا يوفق للتوبة بعدها أبدا .
أما في الجانب السياسي ، فقد يتخذ موقفا سياسيا في لحظة حاسمة يُخرجه هذا الموقف من الإيمان إلى الكفر ، كالتصويت لصالح قرار تتخذه الحكومة لشرعنة فعل الغزاة من اليهود والنصارى في مؤامرتهم على الإسلام وبلاد المسلمين ، فان هذا الموقف يُخرجه من الإيمان إلى الكفر إلى غير رجعة ، لما يترتب على ذلك القرار من خطر شديد على المؤمنين ، وقد يجد مرضى القلوب وضعاف النفوس في لحظة حاسمة ، انه يشي ببعض إخوانه المؤمنين لدى الغزاة وعملائهم فيؤدي بالمؤمن إلى الهلاك ، فحينها يكون قد خرج من الإيمان إلى الكفر إلى غير رجعة . ومثل هذه المواقف وأشباهها هي التي تشير إليها الروايات في أن الرجل يمسي مؤمنا ، ويصبح كافرا بعد تلك الفعلة ، أو يصبح مؤمنا لم يرتكب شيء من هذا ، وفي ساعة من النهار يفعل ذلك ، فيكون قد خرج من الإيمان إلى الكفر .
وفي تفسير القمي : ( حدثني أبي قال حدثني هارون بن مسلم عن مسعدة ابن صدقة قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان ويعملون لهم ويجبونهم ويوالونهم ، قال ليس هم من الشيعة ولكنهم من أولئك ثم قرأ أبو عبد الله عليه السلام هذه الآية " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * " ، قال الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى وقوله " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " قال كانوا يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ويأتون النساء أيام حيضهن ، ثم احتج الله على المؤمنين الموالين للكفار " وترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم - إلى قوله - ولكن كثيرا منهم فاسقون " فنهى الله عزوجل أن يوالى المؤمن الكافر إلا عند التقية ) (28) .

ثالثا : رفع العلم .
* قال الإمام علي (ع): ( يأتي زمان على الكوفة يأرز عنها العلم كما تأرز الحية عن جحرها). وفي غيبة النعماني عن الإمام الصادق(ع) ( يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة، يأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم نجمهم) (29).
* قال الإمام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى ( ألم تر إنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) (30)، قال (ع) : هو نقص العلماء والصالحين وذلك قبل ظهور قائمنا.)
* قال الإمام الهادي (ع) : إذا رفع العلم من بين أظهركم فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم)31.
رابعا : فقدان القيادات ذات الجدارة .
ففي غيبة النعماني ،عن الإمام علي (ع) قال: ( لا تنفك هذه الشيعة حتى تكون بمنزلة المعز، لا يدري الخابس على أيها يضع يده ، فليس لهم شرف يشرفونه ، ولا سناد يستندون إليه في أمورهم .) (32) .
وفيه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: ( لا تزالون تنتظرون حتى تكونوا كالمعز المهولة ، التي لا يبالي الجازر أين يضع يده منها ، ليس لكم شرف تشرفونه، ولا سند تسندون إليه أموركم .) (33)، فحسبنا الله و نعم الوكيل ، بعد إن أصبحنا يتامى آل محمد بعد غيبة إمامنا وفقد العلماء الأعلام الأبرار من ذرياتهم .
وفي رواية عن الإمام الصادق (ع) حين سُئل عن الظهور وعلاماته، فإنه تنهد وبكى وقال (ع) : ( يا لها من طامة إذا حكمت في الدولة الخصيان والنسوان والسودان وأحدث الإمارة الشبان والصبيان وخُرب جامع الكوفة من العمران وانعقد الجسران فذلك الوقت زوال ملك بني العباس، وظهور قائمنا أهل البيت عليهم السلام)34. ولعل الجسران المقصودان هو جسر العباسيات المزدوج ، الذي دمرته القوات الأمريكية ، وكان زوال ملك بني العباس( صدام ) حينئذ . او جسر آخر يبنى في مدينة الكوفة فيكون علامة زوال ملك بني العباس كليا وظهور ملك بني أمية ( السفياني ) .
وفي رواية عن الإمام الصادق (ع) قال : ( و لترفعنّ اثني عشر راية مشتبهة لا يدري ايّ من أي ، قلت فكيف نصنع ؟ فنظر إلى الشمس داخلة في الصفة وقال : ترى هذه الشمس ، قلت نعم ، قال : والله أمرنا أبين من هذه الشمس .) (35) .
و بالطبع فانه (ع) يشير بالرايات الاثنى عشر المشتبهة إلى رايات ( آل أبي طالب) ، أي المرجعيات الشيعية ، فهي التي يشتبه أمرها على الشيعة ولا يعرفون ايّ من ايّ ..فكلهم (آيات عظمى!!!) ولكن أمورهم و مواقفهم و اختلافهم أعجب و أعظم.
والظاهر من هذه الروايات التي تقدمت وروايات ستمر بنا في محلها بان القيادة التي ( تعزّ دينا او تدفع ضيما ) ستُقـتِل ( تصرعها المنيّة ) ليكونوا من اصحاب الرجعة ان شاء الله ، حتى تكون الشيعة بلا قيادة ولا قائد ( كالمعز المهولة ) .
وبعد تقديم هذه العيّنة من الروايات نعود إلى أصل الموضوع للبحث ليس عن الحقيقة فقط بل – وهو الأهم – للبحث عن أصحاب الصراط السوي وعن سبيل النجاة من المهالك. حيث يتبين من هذه الروايات ، إن شيعة ما قبل الغزو هم غير شيعة ما بعد الغزو، حيث يكون ارتداد خطير عند الشيعة ، ويخرج كثير منهم عن مذهب أهل البيت (ع)، ويقع بينهم اختلاف شديد لم تعهده الشيعة من قبل .
أما القول في هذا الاختلاف ، فقد قال المنافقون وتبعهم المتفيقهون قديماً ( الاختلاف هو رحمة للأمة). بينما قال الله تعالى (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِمَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (36). وقال أمير المؤمنين: ( ما اختلفت دعوتان إلاّ كانت إحداهما على باطل) نهج البلاغة لمحمد عبده.
فالاختلاف ليس رحمة بل هو بغي إذا كان بعد البينات ، وقد يكون من الجهل إذا كان قبل ذلك ، ولذا قال تعالى ( وما اختلفتم فيه فردوه إلى الله و الرسول و أولي الأمر ) ليبينوا لهم الحق من الباطل ، فقد يكون المختلفين كلهم على باطل، أو أحدهم على الحق والآخر على الباطل ، فالباطل يختلف مع الحق ومع الباطل، ولكن الحق لا يختلف مع الحق.
وعن عن الأصبغ بن نباتة قال : كنت واقفا مع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل فجاء رجل حتى وقف بين يديه فقال: يا أمير المؤمنين كبّر القوم وكبّرنا ، وهلّل القوم وهلّلنا ، وصلّى القوم وصلينا ، فعلى ما تقاتلهم ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : (على ما أنزل الله جل ذكره في كتابه . فقال : يا أمير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في كتابه أعلمه فعلمنيه . فقال علي عليه السلام : ما انزل الله في سورة البقرة . فقال يا أمير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في سورة البقرة أعلمه فعلمنيه . فقال علي عليه السلام هذه الآية : " وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ " ، فنحن الذين آمنا وهم الذين كفروا . فقال الرجل : كفر القوم ورب الكعبة . ثم حمل فقاتل حتى قُتل رحمه الله . ) (37).
فهل نقول كما قال الوضّاعون على رسول الله صلى الله عليه وآله (أصحابي كالنجوم بمن اقتديتم اهتديتم ) ؟ فنقول إن هؤلاء المختلفين كلهم نجوم بمن اقتدينا اهتدينا ؟ وهل يمكننا أن نطمئنّ بأننا على سلامة من ديننا ؟ وهذا يحتّم علينا الدخول فيما لا نحب ، وهو بحث أسباب الاختلاف ومنشأه وكيف استفحل بهذا الشكل الخطير.
البداية كانت في عهد نظام صدام، وما قدمنا له بشكل يكاد يعطي صورة واضحة في الجزء الأول، وما مر به العراق من فتنة الحروب والضغوط التي كان يمارسها صدام على الشيعة، وكثرة القتل بينهم وسوء رعيّته لهم واستخدام سياسة الترغيب والترهيب بشكل غاية في الإفراط ، وهو ما نشأ عنه تفعيل غريزة الدفاع السلبي في الصراع من أجل البقاء ، وذلك بتملق السلطة الجائرة والسعي بالوشاية لديها بكل من يضمر لها الكراهية أو ينتقد سياستها، بما نشأ عنه أن أعقبهم في قلوبهم نفاقاً كان يكبر ويستفحل حتى مردوا على النفاق ، وهذه الحالة كان من السنن الإلهية في الخلق أن يركسهم الله بما أدغلوا قلوبهم به من النفاق، قال تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم). فابتلاهم الله سبحانه أن جعل منهم داعية يدعوهم إلى الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويبشرهم بقرب الظهور المبارك لصاحب الأمر (عج) وهو السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر فافترقت الشيعة فرقتين ، فرقة أطاعته واستجابت لدعوته ، وفرقة مردت على النفاق ، وتعلم بشكل جيد إنه عدو للسلطة، والسلطة عدوّة له وإن المأساة هي مصيره المنتظر. وعملت بغريزة الدفاع السلبي في صراعها من أجل البقاء ، بأن أظهرت عداءها له بشكل مبالغ فيه ، ليس انطلاقاً من تقييم الدعوة ، وما إذا كانت دعوة حق أو باطل. بل تبرّءاً منه أمام سلطة صدام ، وكانوا يقولون بشكل دائم (الحائط له آذان)، وخوفاً من الحائط الذي لم تكن له آذان في أي يوم من الأيام كانوا يسبّون السيد الصدر ويتبرءون منه حتى عند الحائط ، عسى أن " يشهد لهم عند الأمير" ، ثم أصبحوا يسبونه في خلواتهم عسى أن تشهد لهم شياطينهم بأنهم من معسكر عمر بن سعد ، وليسوا من معسكر الحسين ولا أي حسيني يسير على طريق الحسين (ع)، حتى جرى هذا الشعور في نفوسهم مجرى الدم في البدن. وهكذا اتخذوا من بعض المرجعيات الدينية ملاذاً سياسيا، وليس عقيدة دينية، وأغلبهم من الذين كانوا يحملون الأسلحة لمحاربة زيارة المراقد الشريفة ( الجيش الشعبي ) بتكليف من حزب البعث وأجهزته الأخرى ، وهذه حقيقة لا ينكرها أكثرهم جدلاً وعناداً .
وكانت الشيعة قبل هذه الفترة المتّقدة بالفتن عادةً يكون لها مرجع أعلى ومراجع أخرى دون المرجع الأعلى ، ومن عقائد الشيعة هي مسألة التقليد وهي الالتزام بأحد المراجع وأخذ الفتاوى والمسائل الشرعية منه ، ولم يكن بين المرجع الأعلى والمراجع الأخرى إلاّ الاحترام والمودة ، وإقرار الجميع بعلمية وكفاءة الجميع، دون وجود أي حساسية ظاهرة فيما بينهم ، وكان السيد الشهيد الصدر من هذا الطراز ابتداءً ، فسمّى مرجعيته ( المرجعية الناطقة) والأخرى أي مرجعية السيد السيستاني (المرجعية الساكتة) أو (الصامتة)، وهذه التسمية، هي تسمية قرآنية مأخوذة من تأويل أئمة أهل البيت (ع) لآيات القرآن الكريم ، من قوله تعالى (وبئر معطّلة وقصر مشيد)38. قال الإمام الصادق (ع) (البئر المعطلة أي الإمام الصامت أو الساكت والقصر المشيد الإمام الناطق).
وهذا يكون عند وجود إمامين معلومين في وقت واحد ، كوجود الإمامين (الحسن والحسين(ع)) ، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه و آله أعلن إمامتهما في حياته ، ولكن لا يجوز للإمام الصامت أو الساكت أن يتكلم بوجود الإمام الناطق الذي ورث الوصاية حتى يأتي أجله. أي لا يحق للإمام الحسين (ع) الكلام بأمور الولاية ما دام الإمام الحسن (ع) في المجلس , فإذا غاب عن المجلس أو جاء اجله ، أصبح الإمام الحسين هو الناطق، و الذي يرثه أي الإمام السجاد(ع) هو الصامت ، وهكذا ، ولذلك كان أئمة أهل البيت (ع) لا يعلن الإمام عن الإمام الذي يرثه في الوصاية إلاّ في أواخر أيامه ، لكي لا تنقسم الناس بين إمامين ، ومن هنا سمّى السيد الصدر مرجعيته (الناطقة) لأن الأخرى هي التي اختارت الصمت والسكوت آنذاك ، ولا بد من أن يكون أحد (ناطق).
وعلى أية حال. فعندما وقعت الفتنة وبدأت الحرب ظهر ما وعد الله ورسوله وأخبر به (ص)، وهو ظهور إثنى عشر من آل أبي طالب كلهم يدّعي الإمامة لنفسه ، كما جاء في الرواية. وظهر الاختلاف والتحزّب بين الشيعة.
وبالطبع فإن الرأي دائماً له رأي مضاد، وكل رأي مبني على التنظير والتحليل قد يصيب ويخطئ، ولذا لن نعبّر عن رأينا في هذا الاختلاف.
ولكننا سندع الروايات والأحاديث الشريفة تتكلم.


دعاة الحق في هذا الاختلاف:
بعد إن قدمنا الروايات التي تذكر بني قنطورا و تفرق الناس عند دخولهم البصرة إلى فرق يبرز السؤال المهم وهو :
من هم بنو قنطورا؟.
عن عبد الله بن عمر قال ( يوشك أن ينزل بكم بنو قنطورا ينزلون بشاطئ دجلة فيربطون بكل نخلة فرس فيخرجوكم حتى يلحقوكم بركبة والثنى. فقلنا : ما بنو قنطورا؟ فقال : ( يعني بن عمر) قال : الله أعلم ، أما الاسم فهكذا نجد في الكتاب ، وأما النعت فنعت الترك) (39).
أقول:هناك روايتان عن قنطورا:
الأولى: إنها جارية لإبراهيم (ع) ولدت له الترك والصين. وهي رواية ضعيفة لا تتطابق مع الواقع التاريخي أبداً ، و تكذبها رواية الإمام علي الهادي (ع) اللاحقة.
الثانية: ( وهي الأصح والأثبت تاريخياً ) إن قنطورا من بنات نوح (ع) ولدت الترك والصين ( كما في مروج الذهب للمسعودي ) .
وتشتمل الأجناس الصينية: الصين واليابان والكوريتين ودول جنوب شرق آسيا وما بينها، وتشمل التتر المغول ، وجاء من هؤلاء إلى البصرة ودجلة ( الفلبين، والسلفادور، وكوستاريكا، وتايلاند، وكوريا الجنوبية، واليابان) .
أما الأجناس التركية فتشمل تركيا ودول الاتحاد السوفيتي سابقا ودول حلف وارشو سابقاً والبلقان) وجاء منهم ( بولندا وبلغاريا وهنكاريا وسلوفاكيا وأوكرانيا و رومانيا وجورجيا ) وهم الذين كأن وجوههم المجان المطرّقة كما في الأحاديث الشريفة (أي نحاسية حمراء) ويذكرونهم في الروايات يقولون (جاءت الطماطم، جاءت الطماطم). إلا إن الأخطر ما فيهم هم الأمريكيين من بني قنطورا حيث إن أمريكا أمم مختلفة كما هو معلوم وكما يسميهم أمير المؤمنين (ع) بلد الأخلاط والامشاج.
وعن الإمام علي الهادي(ع) قال : { كان نوح(ع) نائما في السفينة يوما، فهبت ريح فكشفت عورته، فضحك حام و يافث، فزجرهما سام(ع) } ..... إلى أن قال : { فرفع نوح (ع) يديه إلى السماء يدعو و يقول : اللّهمّ غيّر ماء صُلب حام حتى لا يولد له إلا السودان ، اللّهمّ غير ماء صُلب يافث . فجميع السودان حيث كانوا من حام ، و جميع الترك و السقالبة و يأجوج و مأجوج و الصين من يافث حيث كانوا ، و جميع البيض سواهم من سام (ع) (40) . } ، لذا لا علاقة للترك و الصين ( بني قنطورة ) بالنبي إبراهيم (ع) لكونه من شجرة النبوة من سام (ع)
ونعود الآن إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، والفرق الثلاث التي افترق عليها أهل العراق والشيعة خصوصاً فأقول: إن هذا التفرق قد وقع وتفرق الناس إلى هذه الفرق الثلاث، وهذا التفرق هو مثل من أمثال السابقين وسننهم ، وحصل هذا التفرق في الصدر الأول من الإسلام بعد مقتل عثمان وتولي الإمام علي(ع) للولاية.
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذه الفرق وأوقات حصولها، فهي ليست المرة الأولى ولا الأخيرة ، بل هناك تفرق آخر سيقع ، سنأتي عليه ، ولكن يجب أن نعرف التفرق الأول لكي يفسر لنا التفرق الثاني ويزيل أي تمويه يمكن أن يموّه به المنافقون.
من كتاب الفتن للسليلي، قال رسول الله(ص): (إن أمتي ستفترق على ثلاث فرق. فرقة منها على الحق لا ينقص الباطل منه شيء يحبونني و يحبون أهل بيتي، مثلهم مثل صاحب الذهبة الحمراء أوقد عليها فلم تزدد إلاّ خيرا، وفرقة منها على الباطل لا ينقص منهم الحق شيئا يبغضوني ويبغضون أهل بيتي، مثلهم مثل صاحب خبث الحديد أوقد عليها فلم يزدد إلاّ شرّا، وفرقة منهم مدهدهون فيما بين هؤلاء ، على ملّة ألسامري ، ولكن لا يقولون لا مساس بل يقولون لا جهاد، وإمامهم أبو موسى الأشعري). (41)
إذن أصبح الآن ومن هذه المقارنة بالإمكان معرفة الفرق الثلاث التي تفرقت عليها الشيعة حتى الآن من خلال موقفهم من بني قنطورا، ففرقة تتبع أصلها وتعود إلى الشرك وتكون عملاء للمحتل ويقاتلون معه، وتبين الروايات إنهم يصبحون مرتزقة لدى الاحتلال يقاتلون معه في حربه القادمة ضد إيران وضد الشام. وهؤلاء هلكوا ، وهم بالمقارنة كالأمويين.
والفرقة الثانية "تأخذ على نفسها فكفروا "، فهم الذين قطعوا على أنفسهم العهد للاحتلال أن لا يعرقلوا مخططاته ويرفعون شعار (التقية) في غير محلها، فهم على ملة ألسامري لا يقولون لا مساس ، بل يقولون لا جهاد ، وتضم هذه الفرقة الأحزاب الإسلامية الشيعية الراضية بالاحتلال، والبقية من آل أبي طالب الأثني عشر الذين كلهم يدّعي الإمامة لنفسه ، وهم ليسوا على شيء كما جاء في الرواية.
والفرقة الثالثة التي جلت ذراريها خلف ظهرها وقاتلتهم وقتلاهم شهداء يفتح الله على أيديهم: هم نار على علم ، فهم جيش الإمام المهدي (ع) الذي يقوده السيد مقتدى الصدر. ومن يريد أن يتجنى على هذه الحقيقة فإنما يتجنى على نفسه. ولكن هذا ليس نهاية المطاف ، فأمامنا هناك تفرّق آخر أعنف وأشد، وسيكون حسب الرواية عقيب غزو إيران. فسيأتي بني قنطورا من بلاد فارس إلى البصرة وسيحصل تفرق آخر، وأيضا على ثلاث فرق.
فنقل ابن طاووس، وذكر كذلك نعيم بن حماد قال: قال النبي (ص) (فيفترقون ثلاث فرق، فرقة تمكث، وفرقة تلحق بآبائها منابت الشيح والقيصوم، وفرقة تلحق بالشام، وهي خير الفرق) (42) . والذي يبدو إن هذا يكون بعد الغزو الأمريكي لإيران والغزو الأمريكي للشام وظهور الخراساني وتوجه الخراساني و اليماني إلى الشام بعد الكوفة بالرايات التي ليست قطن ولا حرير ولا كتان، كما جاء في الرواية – والتي يبدو لي إنها صواريخ أرض أرض – والله أعلم. حيث تقول الرواية (إنها حيث تطير بالمشرق يوجد ريحها كالمسك الأذفر بالمغرب) وتقول الرواية ( إنها مختومة بختم السيد الأكبر)، وذكر الرواية الشيخ علي الكوراني في (عصر الظهور) معتقداً إن (السيد الأكبر) هو آية الله الخميني، يقول :
( وخاتم السيد الأكبر قد يكون معناه شعار ( الله ) الذي هو شعار الجمهورية الإسلامية الذي اختاره سيدها الأكبر الإمام الخميني .) (43) وهو اعتقاد خاطئ
حيث يشير أئمة أهل البيت في عدة روايات بـ ( السيد الأكبر) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. كما في حديث الإمام الصادق (ع) مع المفضل بن يسار، وكذلك في بعض الأدعية المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام .
وهنا إشارة لا بد من التطرق لها حول هذا التفرق إلى ثلاث فرق فقد ورد في قول الإمام علي عليه السلام (لو شئت لأوقرت سبعين بعير من تفسير سورة الحمد). فأي عجائب وغرائب في هذا الكتاب الذي عجزت الإنس والجن أن تأتي بسورة من سطر واحد منه ؟ وما هي الفرق الثلاث الدائمة الذكر في السنن الإلهية في الخلق وفي سنن الخلق وأمثالهم. إذ قال تعالى في سورة الحمد، صراط( الذين أنعمت عليهم) – وهي الفرقة الأولى –غير(المغضوب عليهم) – وهي الفرقة الثانية –ولا ( الضالين) – وهي الفرقة الثالثة -. فهل هي حسراً بالمسلمين واليهود والنصارى ، كما يقول المفسرون ؟ أم إن السبعين بعير التي يريد الإمام علي (ع) أن يوقرها من تفسير هذه السورة وحدها هي عجائب وغرائب سلوك البشر باختلاف أجناسهم ودياناتهم ومذاهبهم واعتقاداتهم و أزمانهم. وتفرقهم دائماً بهذه الصورة الثلاثية العجيبة إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال والسابقون السابقون ، و إلى ( مهتدين ، و ضالين ، و مغضوب عليهم )، وكم من الخفايا والأسرار في بواطن آيات الكتاب الكريم ؟ وما هي الأسرار في تناظر وتماثل سلوك الفرق والأمم والمذاهب ؟ وكيف أصبح للشيعة بشكل مفاجئ سامريهم وحبترهم وعثمانهم ومروانهم ويزيدهم ؟ ألم يحاولوا أن يجعلوا من ( مجيد الخوئي) عثمان الشيعة المظلوم ؟ ولكن قال أئمتنا عليهم السلام (كفوا ألسنتكم) فسمعاً وطاعة. وعلى أية حال لنبقى في الكوفة محطتنا الحالية.


رفع العلم :
لقد قدمنا عينة فقط من الأحاديث و الروايات التي وعدت برفع العلم، وجاء تأويل ذلك بحملة من الاغتيالات و القتل، والموت الطبيعي أحيانا لأفاضل العلماء خلال فترة التسعينيات، والى ما قبل الحرب، أمثال { السيد الخوئي ، والسبزواري ، ومحمد صادق الصدر، والغروي ، والحمامي ، والبروجردي، وغيرهم} ، ولكنا ما زلنا نسمع المهاترات بين هذا الطرف أو ذاك حول (الأعلمية) . إلا أن واقع الأحداث اثبت سعة و شمولية في رفع العلم يتعدى المفهوم الديني للعلم ، أي انه غير مقصور على علماء الدين ، بل تعدى ذلك إلى علوم أخرى كثيرة تمثل ذلك باستهداف العلماء و الخبراء و الأطباء و المهندسين و أساتذة الجامعات بالقتل و التشريد ، وقد اشترك في التنفيذ جهات متعددة ، و لكل أهدافه الخاصة ، بدأتها الموساد الإسرائيلي ، ومنظمات فرسان مالطا متمثلة بـ ( بلاك ووتر) ثم عصابات القتل و الخطف للابتزاز ، ثم تنظيمات لها أهداف سياسية .
وظهرت مصاديق روايات رفع العلم في المجال الديني مع الدعاوى الباطلة والتشجيع على الانتخابات، وتحليل وتحريم بغير هدى ؟ وإن الذي لا ينتخب ففي نار جهنم ؟ و الدعوات لكتابة الدستور الذي يطلبون بحياء وخجل الموافقة على أن يكون القرآن احد مصادر التشريع فيه ؟ و بينما تخوض الأمة في فتن الظلال والشرك والارتداد. فللمسلم الحق في أن يعرف الحق من هذه الشبهات، والدليل على إنها الباطل، وإن الحق فيما نقول، فعلى القارئ أن يعود إلى قراءة موضوع ( الأمانة والولاية- في الجزء الثاني من هذا البحث).
أي الولاية على الدماء والأموال والفروج ، أي الحكم . وقول رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث قدمناه سابقاً وهو الحديث السلّم أو المنبر ذو السبع درجات،وجاء فيه (فلا يبقى أهل بيت إلاّ ملكوا قبلنا لئلاّ يقول أحد ... لو أنا ملكنا لفعلنا مثل محمد وآل محمد)، هو الذي يعطينا الصورة الحقيقية عن ولاية هؤلاء الذين يزعمون مقدرتهم على حمل الأمانة ويرشحون أنفسهم للانتخابات، وعاقبة الذين ينتخبونهم. فهو استعراض لكل اللصوص والمفسدين والخونة والأدعياء والجهلة، فلا يبقى أحد منهم إلاّ وابتلاه الله بالتورط في حمل هذه الأمانة ، ليظهر للناس فسادهم وكذبهم وخيانتهم. ولمّا كانوا كثر. فقد أصبح الأمر كما قال الإمام الصادق (ع): ( يذهب حكم السنين والأعوام ويأتي حكم الشهور والأيام) .
ومع هذه النصوص فإن نظراء ( مروان و الحجّاج وبسر وبني أبيهم ) نصبتهم الشيعة و بايعتهم بالانتخابات ، و بمباركة و تشجيع المرجعيات الشيعية من آل أبي طالب ، رغم مجاهرتهم بعلمانيتهم ومعاداتهم للمتمسكين بدينهم ،
ولكن الروايات تفسر كل شيء مما نحن فيه و إن كان الآخرون يُنكرون ذلك .
وفي الكافي، عن الإمام الصادق(ع) قال للثمالي : إياك و الرياسة، وإياك أن تطأ أعقاب الرجال. فقلت : جعلت فداك ، أما الرئاسة فقد عرفتها، وأما أن أطأ أعقاب الرجال، فما ثلثا ما في يدي الاّ مما وطأت أعقاب الرجال، فقال: ( ليس حيث تذهب ، إياك أن تنصب رجلا دون الحجة ، فتصدقه في كل ما قال ) (44) .
و في أجوبة مسائل المفضل للإمام الصادق (ع): ( يا مفضل ، كل بيعة قبل ظهور قائمنا بيعة كفر و نفاق و خديعة ، لعن الله المبايِع لها و المبايَع له ) (45).

السنن والأمثال :
خصصنا الجزء الثالث من هذا البحث للسنن الإلهية، وربما أصبح واضحاً ومفهوماً معنى (السنن) ولكنّا اقتصرنا على ( السُنة الإلهية) وربما من المفيد توضيح السُنة بشكل أعم ومعنى (الأمثال) وما الفرق بينهما، وذلك لكي نفهم التاريخ والوقائع بشكل صحيح، وذلك من خلال المقارنات.
أوردنا بعض الآيات الكريمة التي تذكر السنة الإلهية وسنذكر هنا آيتين كريمتين من سورة الأحزاب لتلاحظ معنى السُنة الإلهية.
قال تعالى (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سُنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدورا)46.
قوله تعالى في المنافقين والمرجفين في المدينة (ملعونين أينما ثُقفوا أُخذوا وقتّلوا تقتيلا سُنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسُنة الله تبديلا) (47).
والمعنى واضح جداً، فهي السياسة التي يسوس الله بها الخلق على ثوابت غير قابلة للتبديل والتحويل. وقد تكون قابلة للتأجيل والتعجيل كما يشاء الله، ولكنه سبحانه وتعالى لا يغيرها أبداً. فيتعامل مع الأنبياء والرسل بنفس التعامل وإن اختلفت أزمانهم وأممهم، ويتعامل مع المنافقين والكافرين بنفس الثوابت ونفس التعامل مهما اختلفت أزمانهم وأممهم.
أما سُنة الرسول فهي أمر مختلف وهي ليست ثابتة، وقابلة للتغيير في أولها ثابتة في آخرها ، وذلك إن سُنة الرسول هي مجموع وخلاصة أقوال وأفعال وسلوكيات وتصرفات الرسول، وكونه المثل الأعلى للأمة، ولكون أن الله أمر الأمة بالإقتداء به فإنه يفعل ويقول ويسلك ما يأمره به الله سبحانه وتعالى، فعلى سبيل المثال فإن الرسول يأمر بشيء ثم ينهى عنه لاحقاً، والأمر والنهي كلاهما بأمر من الله سبحانه، وتراه يصلي إلى قبلة ثم يعدل عنها إلى قبلة أخرى، وكلا القبلتين إتخذهما بأمر من الله سبحانه، ثم تراه ينهى عن شيء ثم يأذن به لاحقاً، والنهي والترخيص كلاهما من الله سبحانه وتعالى. فسُنة الرسول هي آخر ما أمر، وآخر ما فعل ، وآخر ما سلك ، وآخر ما دعا إليه ، وآخر ما أخبر به، فإنه كمال وتمام الدعوة والرسالة عبر كل مراحل نزولها وتبليغها، وتسمى ( سُنة النبي أو الرسول).
أما سنة الأمم كالحديث الشريف عن سلوكنا سنة بني إسرائيل – فهي مجموع سلوكيات وأخلاقيات وأعراف الأمة وكل تقاليدها التي تميزها عن بقية الأمم وتشتهر بها،
وأما ما جاء في كتاب ظهر مؤخرا عن محاضرات للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (المدرسة القرآنية) ، وقوله بوجود ( سنة التاريخ) ، وهو محاكاة لأقوال الفلاسفة و المتكلمين الأوائل ، فهو قول لنا عليه ملاحظة، لأن التاريخ لا يسوس شيء ، وإنما هو تدوين وذكر لفعل السائس و المسوس في الأزمان المختلفة فالتاريخ ليس بفاعل ولا سائس ، إلاّ أن يكون للتاريخ ( سنّة ) بمعنى تكرار الحدث وفق متوالية زمنية ، وهو ما سنأتي عليه في شرح و تأويل خطبة البيان لاحقا ، وهو غير ما يذهب إليه السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) كما سيبين في محله ، وكما ذكرنا شيء منه في استدارة الفلك ، ويسميها أمير المؤمنين (ع) المقادير الإلهية .وهنا اختلطت على العلماء( المقادير الالهية ) مع ( السنن) وجل الامثلة التي ضربها السيد الشهيد (قدس ) هي من المقادير الالهية (48).
أما الأمثال:
فالأمثال هي شيء آخر، فهي تناظر الأحداث ، وتناظر الشخصيات ، وتناظر الوقائع ، ومن تناظر الشخصيات التي يوردها القرآن الكريم في السنن والأمثال هو ما جاء في قوله تعالى : ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً )49.
فقد قال الإمام علي عليه السلام ( صاحب البينة محمد (ص) والشاهد التالي أنا) وعدا هذا التصريح و هو القول الفصل، فإن صاحب البينة ورد في القرآن الكريم في الآيات التالية ، قال تعالى على لسان النبي نوح (ع) :
( قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ.) (50) .
وقال تعالى على لسان النبي صالح (ع) :
( قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ...) (51).
وقال تعالى على لسان النبي شعيب (ع) :
( قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ.) (52) .
وهكذا ترى إن أصحاب البينة هم الرسل والأنبياء كما ورد في القرآن الكريم ، وفي هذه الآية محل الشاهد ، فإن قوله تعالى (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) هو الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ، وقوله تعالى (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) فلا يستطيع أحد من الأولين ولا الآخرين أن يزعم أو يدّعي إنه( من صاحب البيّنة) أي من النبي محمد (ص) غير الإمام علي (ع) وقوله تعالى (منه) أي من أهل بيته حسباً ومن طبيعته وخلقه وأخلاقه نفساً وذلك هو الإمام علي (ع) لا يشاركه أحد في هذه الصفة. والتفتت الآية إلى السنن والأمثال والنظائر إلى ما سبق فقال تعالى (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً) أي إن الشاهد من صاحب البينة هو كَمَثَل ما كان من أمر موسى وهـارون.
فما معنى ( إِمَامًا وَرَحْمَةً ) ؟
فمن قوله تعالى (وجعلنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيّا)53. فالرحمة هو هارون (ع) بينما الإمام هو موسى (ع) أي إمام الشريعة ، كما قال إبراهيم (ع) "و اجعلني للمتقين إماما" ، وكذلك فإن رسول الله (ص) هو الإمام ، أي إمام الشريعة ، والإمام علي (ع) هو الرحمة. أي رحمة للرسول (ص) كمعين على إقامة الشريعة ، ورحمة للأمة ، لاستمرار اتصال السبب بين السماء والأرض بعد ارتفاع الرسول (ص) .
وهو وزير بنص قوله تعالى:(ولقد أتينا موسى الكتاب وجعلنا له أخاه هارون وزيرا) (54).
و المعنى الذي تقوله الآية الكريمة ، وهو أن الله تبارك و تعالى عندما جعل لرسول الله (ص) وزير و معين له من أهل بيته ليكون الشاهد له و شاهد على الأمة من بعده ، فان ذلك ليس بدع من السنن الإلهية ، بل هناك سابقة لذلك (ومن قبله كتاب موسى إماما و رحمة ) فكما جعلنا لموسى وهو الإمام ، جعلنا له برحمة منا وزيرا و معينا و مناصرا يشد أزره به ، كذلك جعلنا للرسول محمد (ص) برحمة منا، وزيرا و معينا و مناصرا من أهل بيته ، (يتلوه) أي يلي من بعده و يقوم بأمر الولاية على الناس و يكون شهيد عليهم في الدنيا يشهد أعمالهم ، و شاهد يوم القيامة يشهد عليهم .
ومن هنا جاءت أحاديث الرسول(ص) في الإمام علي (ع) (علي مني وأنا منه) و( يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى) فهو من نص القرآن الكريم وهذه الآية محل الشاهد.
وكذلك فإن قول رسول الله (ص): (حسين مني وأنا من حسين) هو من هذا النص القرآني لكون الحسين (ع) هو الشاهد الثالث على الأمة ، وكذلك قول الرسول (ص) : ( المهدي مني يملأها قسطا و عدلا . ) لكونه الشاهد الثاني عشر من الأشهاد ـ كما سيأتي بيان ذلك في تأويل سورة البروج ـ فإن كل شاهد من الأشهاد هو( من رسول الله) بنص الآية ولا يمكن أن يكون من خارج أهل البيت (ع) لقوله تعالى (شاهد منه) أي من أهل بيته، ويتصف بصفاته الأخلاقية و النفسية و العلمية ، وان الله هو الذي اصطفاه .
واما قول الرسول صلى الله عليه وآله ( علي مني وانا منه ) (حسين مني وانا منه ) فقوله ( مني ) مفهوم وواضح لا يحتاج الى شرح لكونه هو الاصل وتتفرع منه الفروع ، ولكن قوله ( وانا منه ) فهذا الذي لابد من بيانه ، فنقول : ان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ( وانا منه ) بمعنى ان موقفي من موقفه في كل المواقف التي سيتخذها عندما تؤول اليه الامامة ، فلا يقول احد ان علي او الحسن او الحسين او علي بن الحسين .... الى المهدي عليهم السلام ، يعملون برأيهم او يقولون برأيهم ، بل ان موقفنا واحد وامرنا واحد في كل ما يجري عليهم ، وفي كل ما يتخذونه من قرارات ، فأنا منهم .
وبعد فهمنا للسنن والأمثال نعود إلى موضوع الاختلاف فنقول ، إن كل ما حصل أسّس له إتباع هذه الأمة وهذه الطوائف تباعاً سُنة بني إسرائيل.
فلو إنهم أي الشيعة تجنبوا الحسد واخلصوا النيّة وصدقوا القول في ما عاهدوا الله عليه – بألسنهم دون قلوبهم- ووقفوا صفّاً واحداً وقلباً واحداً مع إخوانهم الذين تكفلوا بالواجب وقاتلوا وجاهدوا في سبيل الله، لكان الشأن غير الشأن والأمر غير الأمر، ولكن هيهات، فكل نفس بما كسبت رهينة. ولسوف يسوطها الله سبحانه كما يُساط القدر، حتى يختلط العلق بالعرق وتضيق الأرض بما رحُبت ، فأينما تولّوا وجوهكم فليس إلاّ جبار عنيد مُرقل نحوكم يريد إبادتكم ، وليس إلاّ القحط يعضّ أحشاءكم ، أم تقولون إن الآن حالكم أفضل والأمور تسير إلى خير!! فالأسواق امتلأت والسيارات كثرت والرواتب ازدادت والديمقراطية تحققت والانتخابات نجحت ، فذلك قوله تعالى (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) (55)، وقوله تعالى (حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) (56).
ثم ابشروا بحكم الصبيان والنسوان والخصيان وأولاد الزنا كما قال أئمة أهل البيت عليهم السلام .
ففي غيبة الطوسي : عن إسماعيل بن مهران ، عن عثمان بن جبلة ، عن عمر بن أبان الكلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( كأني بالسفياني أو لصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة ، فنادى مناديه : من جاء برأس رجل من شيعة علي فله ألف درهم ، فيثب الجار على جاره يقول: هذا منهم ، فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم . أما إن إمارتكم يومئذ لا تكون إلا لأولاد البغايا ، و كأني أنظر إلى صاحب البرقع قلت : ومن صاحب البرقع ؟ . فقال : رجل منكم يقول بقولكم يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولا تعرفونه ، فيغمز بكم رجلا رجلا ، أما إنه لا يكون إلا ابن بغي.) (57)
وليس بعدها إلاّ الخراب والدمار. وذلك في قوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمّرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فَََدمّرناها تدميرا).
وذلك بالفتن والحروب والسيارات المفخخة ثم بعد ذلك كله وفي نهاية المطاف بـ (الأمر) . (وكان أمر الله مفعولا).
فلقد كانت أكبر وأعظم فتنة مرت بها الأمة في صدرها الأول هي فتنة (الشيوخ والشباب)، التي أسست لكل هذا الخراب والدمار والهلاك الذي هلكت به الأمة. وهي فتنة الشيخين، والحكمة التي يمتلكها الشيوخ افتراضاً، والهيبة التي تبدو في وجوه الشيوخ، وحسن التدبير الذي يعرفه الشيوخ افتراضاً، والتصرف الصحيح الذي يتصرفه الشيوخ افتراضاً، وبُعد النظر الذي يرى به الشيوخ افتراضاً. ويقابل ذلك التهور وعدم التروّي وقلة الخبرة التي يمتاز بها الشباب افتراضاً، حتى لو كان هذا الشاب هو علي بن أبي طالب (ع) الذي نزلت به ما يقرب ثلاثمائة آية في كتاب الله. ووردت بحقه مئات الأحاديث المخصوصة من رسول الله (ص) وذكرته كتب الأولين بـ ( إيليا) و( أليا) عند اليهود والنصارى.
ولكن هذا الشاب الذي أوصى له رسول الله (ص) بالولاية أسقطت عنه كل هذه الفضائل أمام شيبة وشيخوخة (أبو بكر)، رغم كل جهاد علي (ع) وكل صدقة وكل علمه، وكل وفائه وإخلاصه، ورغم حججه،لم يصمد أمام شيبة وشيخوخة أبو بكر في معايير الأمة وأخلاقياتها وسلوكياتها.
والشيعة ساقوا عبر كل تاريخهم من الاحتجاجات والبراهين والدلائل القاطعة ما لم يأتي به مثلهم في إظهار حق هذا الشاب المظلوم.
والآن هم يحسبون أنفسهم في منجاة من أمثال الأولين وسنّتهم ولم يتفكروا في قوله تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين من قبلكم) (58)، والآن نفس الفتنة ونفس الأمثال ونفس المظالم.
إن كانت الشيعة صادقة في دعواها في علي بن أبي طالب (ع) الذي لا يتجاوز عمره الشريف آنذاك عمر مقتدى الصدر الآن، فأن الأمور ( أمثال) – كما قال الله تعالى ، وألا فليس من الحق الطعن في مشروعية المقاومة التي تبناها السيد مقتدى الصدر و الخط الصدري بحجة حداثة السن، بعد إن قعد (الشيوخ العلماء ) عن القيام بواجبهم .
أنها دعوة نوجهها لكل من يحسب نفسه شيعة لأهل البيت عليهم السلام، أن يقفوا مع أنفسهم موقف الذي يشرف على يوم القيامة ويطلب النجاة من الهلكة، أن يقفوا مع أنفسهم قبل فوات الأوان ، وقبل ظهور السفياني اللعين ويتفكروا ، ثم يبحثوا بينهم عن نظراء (الزبير وطلحة) الذين أرادوا الغدرة لا العمرة وعن (مروان ) الذي أشعل الحرب على النجف والكوفة وكربلاء ومدينة الصدر ، وعن (عثمان) الذي يريد أهلاك البلاد وقتل العباد ليحتفظ بالقميص الذي (ألبسه إياه الله) كما يزعم، أو ألبسه إياه بوش كما يؤمن في قلبه ، وعن يزيد الذي يريد رأس مقتدى الصدر، برماح الشيعة وسيوفهم ، وعن الحجّاج الذي يرى أن رؤوس التيار الصدري أينعت وحان قطافها. وعن بسر بن أرطأة الذي يرى أن الكعبة وحرم أمير المؤمنين مجرد أحجار ، إننا نعرفهم واحداً واحداً ، ولكن لله أمر هو بالغه ، وكان أمر الله قدراً مقدورا .
يقول " بول بريمر " في كتابه : ( في اليوم نفسه طلب موفق الربيعي ، العضو الشيعي في مجلس الحكم الذي اصطحب وفدا إلى النجف لبحث أزمة مقتدى ، مع السيستاني ، مقابلتي حاملا رسالة عاجلة من آية الله .
وجد الربيعي أن " آية الله ، يخشى التهديد الذي يشكله مقتدى " ، فقبل ليلتين وصل مقتدى مع مجموعة من أتباعه دون إخطار مسبق ، وطلب رؤية آية الله العظمى ، رفض السيستاني و أرسل ابنه محمد رضا للتحدث إلى المجموعة ، و تحول الاجتماع إلى مباراة في الصراخ حيث صاح مقتدى على رجال الدين ، ابلغ السيستاني الربيعي أن خياره المفضل هو أن لا يبقى مقتدى ، و افترضت بذلك انه يريد أن يُقتل الشاب . ) (59).
فمن هو الذي يكذب من هؤلاء ؟ إذا كان بريمر يكذب فلتكن لديهم الشجاعة لتكذيبه ، أو فليفسروا ما بأنفسهم .
و ننصح القارئ بملاحظة الأسلوب الذي يتحدث به بريمر عن كل القيادات الدينية و السياسية الشيعية بكل ما يستطيع من الاحتقار و الاستهزاء .
وعلى اية حال فقد قال تعالى (} وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) (60)
فلَبِئْسَ الْمَوْلَى ... مولاكم ، وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ... عشيركم .
يقول السيد محمد باقر الحكيم في تقديمه لكتاب ( دليل الناسك) للسيد محسن الحكيم ، يقول في تقريراته :
[ الخامسة : تنمية الخط الجهادي والسياسي في الأمة ، حيث كانت الأمة في العراق قد أصيبت بمرض الاستكانة والاستسلام للأوضاع القائمة ، خصوصا وان الأكثرية الساحقة لأبناء الأمة كانت معزولة عن القرار السياسي ، وهم الشيعة الذين يشكلون الأكثرية في العراق ، خصوصا المنتمين إلى الشعب العربي ، وكذلك الأكراد الذين يمثلون أكثرية أهل السنة في العراق . وكانت الأوضاع في العراق تدار من قبل طبقة من السياسيين النفعيين والموظفين الإداريين ، الذين ورثوا السلطة من العهد العثماني حيث بادروا إلى التعاون والاتفاق مع الغزاة الانكليز ، للقيام بدور النيابة عنهم في هذا المجال . وقد حاولت الأمة في بعض الأدوار الانتفاضة على هذه الأوضاع ، إلا أنها سرعان ما كانت تتعرض للقمع أو الخداع ،] (61) ....!!!! فما عدا مما بدا ؟ وكيف اصبح الغزاة الانكليز حلفاء اليوم ؟؟؟
وفي جواب الإمام المهدي عليه السلام على أسئلة الشيخ الكليني:
( حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام : ( أما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا ، فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة ، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح عليه السلام .) (62) .

الأراذل:
لم تقم أي دعوة من دعوات الرسل والأنبياء إلاّ على شريحتين من شرائح المجتمعات والأمم التي أُرسلت لها. الشريحة الأولى هي الشريحة الواعية المثقفة بالعلم والتي تفقه قول الرسول أو النبي فقه وعاية ودراية وتمييز الحق من الباطل، وهي شريحة أقل من القليل، والشريحة الثانية هي الطبقات المعدومة والمظلومة والكادحة تسوقها وتقودها سلامة الفطرة إلى إتباع الحق. وعادة هي الشريحة الأكبر، وتتميز عادة بطيبة النفس ودماثة الأخلاق واستعداد عالي للتضحية مهما كانت جسيمة. وكانت هذه الشريحة دائماً، ومع كل دعوات الرسل والأنبياء هي محط احتقار واستهجان الطبقات البرجوازية والمتوسطة.
وذكر القرآن الكريم قصص الكثير من هؤلاء متّبعي الحق، والحرب التي شنّتها عليهم الطبقة البرجوازية. وأول ما ذكر القرآن الكريم منهم متّبعي النبي نوح عليه السلام (وما نراك اتبعك إلاّ الذين هم أراذلنا بادئ الرأي)63، وأرادوا منه أن يطردهم. فقال: ( وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوماً تجهلون)64.وجرى الأمر هكذا مع كل الأنبياء والمرسلين حتى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، وموقف ذلك البرجوازي الذي عبس بوجه الأعمى الذي جاء يتزكى وتولّى عنه لكونه من (الأراذل)، بينما يتصدى للبرجوازيين ليكسبهم إلى الحزب والدين، ليكون دين الطبقة الراقية ودين الأرستقراطية، كما بينت ذلك سورة (عبس وتولى) وهكذا شنّت الطبقة البرجوازية الدينية، على الفرقة الثالثة التي كانت على الحق (قتلاهم شهداء يفتح الله على أيديهم) عند حربهم على بني قنطورا وأئمتهم الكساكس، وذلك لأن الغالبية العظمى منهم هم من (الأراذل) بسراويلهم السوداء وقمصانهم الشاحبة وأيديهم الخشنة، فهم عند الناس (حواسم وإرهابيين وغوغاء ومتمردين وخارجين على القانون ومشاغبين) ولكنهم عند الله (أولئك خير البرية). فهم (ليوث في النهار ورهبان في الليل).
ومما ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وعن الأئمة الأطهار عليهم السلام. فإن هؤلاء هم خير المؤمنين على الإطلاق، وفيهم نصوص كثيرة مشهورة، وسبب هذا التفضيل لهم على غيرهم، هو إيمانهم بالغيب، فقد بايعوا الإمام القائم المهدي (عج) ونذروا أنفسهم جنودا له يقاتلون عن قضيته، ويعدّون العدّة لنصرته وتعزيره، وكل ما يعرفونه عن الإمام وعن النبي وعن القرآن هو كلام في قراطيس أو أحاديث يتكلم بها الدعاة، لم يشاهدوا نبياً ولم يشاهدوا إماماً ولم يروا معجزات، ولهذا مدحهم النبي والأئمة عليهم السلام، وبعد فإن الله هو الأعلم بما في نفوس الخلق وبنواياهم وصِدق عهدهم، فإذا كانوا قد صدقوا في تلبية دعوة رجال مثل محمد محمد صادق الصدر، ومثل مقتدى الصدر وخرجوا يواجهون القنابل العنقودية وصواريخ الأباتشي وأف ثمانية عشر، وصواريخ الدبابات وقنابل المدافع، وداعيهم رجل لا يملك لنفسه ضر ولا نفع ولا دفع، لا يملك سيارات مكرمة للشهداء ولا قطع أراضي سكنية، ولا دفاتر دولارات، وليس في اتّباعه إلاّ الشهادة والقتل العنيف، والتمثيل بالجثث. فكيف إذا دعاهم إمامهم (عج) وهو الذي يقاتل معه جبريل وميكال وإسرافيل والملائكة المسومين والمردفين ونقباء الجن الصالحين، ويقاتل معه دابة الأرض وبين يديه الجنتان المدهامتان أو الهلاك بالعذاب. تُرى كيف سيكون حال هؤلاء عند ذلك. لقد امتحنهم الله واختبرهم. فنجحوا وما زال أمامهم الصبر على الموقف والثبات عليه. بانتظار إخوانهم الشهداء أن يحشرهم الله في رجب الذي فيه العجب بإذن الله ، ليقاتلوا مرة أخرى على الدين، وويل لمن ظلمهم ويل لمن قتلهم ، ويل لمن افترى عليهم الكذب. أولئك حزب الله ، وجنود الله ، وأولياء الله، فطوبى لهم وحسن مآب ، إذ يؤبون في الرجعة والكرة ، والله لا يخلف الميعاد .
ففي كتاب الفتن لنعيم عن ارطأة قال ( و يخرج قوم من سواد الكوفة يقال لهم العُصَب ليس معهم سلاح الاّ قليل و فيهم نفر من أهل البصرة فيدركون أصحاب السفياني فيستنقذون ما في أيديهم من سبي الكوفة ) 65 ، و العُصَب في الأرجح بمعنيين
الاول هم الذين يعصبون رؤوسهم بالعصائب أثناء المعارك و القتال ، و اشتهر ( جيش المهدي ) بهذه الصفة أثناء اقتتاله مع الأمريكيين كما كانوا يظهرون على شاشات التلفزة .
والثاني : ان هذا الجيش سيتعرض الى تمحيص شديد وضغط شديد بحيث يتحول في النهاية من شكل المقاومة الشعبية الى " مجاميع اصغر" وتعمل بشكل سري على طريقة حرب العصابات ، فيقال لها ( العصب ) ، وحاول البعض استغلال التسمية للدعاية وهم ليسوا لها بأهل .

المنافقون والقتال :
ومن أمثال الأولين هو هذا الخُلُق الذي جبلت عليه قلوب المنافقين وانعقدت عليه ضمائرهم وإنْ اختلفت الأزمان والأجيال. فعندما أمرهم الله سبحانه بالنفور في سبيل الله كانوا على طبقات. فمنهم طبقة (الأعراب المخلفون أشدّ كفراً ونفاقاً)، ومنهم الذين يقاتلون من أجل العَرَض القريب والسفر القاصد، ومنهم المتربصين ريب المنون. ومنهم المعذّرون الذين يقولون بيوتنا عورة و ما هي بعورة.
في قوله تعالى ( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيد ٍتُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) 66 ، سئل الإمام علي (ع) عن هؤلاء القوم أولي البأس الشديد، فقال عليه السلام: هم قوم يظهرون في آخر الزمان وقبل ظهور القائم من آل محمد صلوات الله عليهم، وهم هؤلاء الأمريكيون وحلفاؤهم. وكان الأعراب المخلفين قد رفضوا القتال مع رسول الله صلى الله عليه وآله. وعندما نزل بهم القرآن وقوله تعالى (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدوّاً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين)67. فخافوا من عاقبة ذلك وجاءوا النبي (ص) يبررون ويختلقون الأعذار والأكاذيب، ولكن ذلك لم يفلح أمام إحاطة الله سبحانه علماً بما في نفوسهم. ومع ذلك فلم يتركهم يقنطوا من رحمة الله، فوعدهم ما وعد بني إسرائيل من قبل حين تمادوا بالمعصية والكفر، إذ وعد بني إسرائيل بالنبي الأمي صلى الله عليه وآله ، الذي يحل لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ويرفع الآصار التي وضعها الله عليهم، فإن ينصروه ويعزّره يتقبل الله منهم ويدخلهم في الصالحين ويجعلهم من المفلحين. قال تعالى (الذين يتّبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل.... أولئك هم المفلحون)68.
وهكذا وعد الله سبحانه الأعراب المخلفين بالإمام القائم المهدي (عج)، ودعاهم إلى مقاتلة القوم أولي البأس الشديد أو يسلمون. وهم الروم وبني قنطورا والكساكس وبني إسرائيل الذين جاءوا لمحاصرة قضية الإمام المهدي (عج)، وإحباطها بالحرب الاستباقية، فلم يكتفي هؤلاء بعدم مقاتلتهم ودعوتهم إلى الإسلام، بل منهم من ظاهرهم، ومنهم من عوّق عن قتالهم (قد يعلم الله المعوقين) ومنهم من ينظر بطرف خفي ليشفي غيظه بالشماتة، ومنهم من يقول محلاتنا وفنادقنا وتجارتنا، ومنهم من يقول إنها حرب على الخارجين على القانون. وغيرهم على مقولات أخرى. ولكن هؤلاء جميعهم ذرّية أولئك الأعراب المخلفين. وموقفهم هو هو، كما كان موقف اليهود هو هو. أما الأمر العجيب من هؤلاء فإنهم لا يكرهون القتال الذي يكرهه المؤمنون بطبيعتهم (كُتب عليكم القتال وهو كره لكم) 69 ، ولكنهم ينفرون للقتال إذا كان فيه غنائم وفرهود وملك وسلطان، أما قتال في سبيل الله ..... فلا.
في كتاب الفتن لنعيم بن حماد ، قال كعب ( قد استنفر الله الأعراب في بدء الإسلام فقالت ( شغلتنا أموالنا و أهلونا ) فقال تعالى ( ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) يوم الملحمة .. فيقولون كما قالوا في بدء الإسلام ( شغلتنا أموالنا و أهلونا ) فتحل بهم الآية ( يعذبكم عذابا أليما ) (70) .
وفي تفسير ابن كثير : اختلف المفسرون في هؤلاء القوم الذين يدعون إليهم الذين هم أولو بأس شديد على أقوال ، وقال كعب الاحبار: "هم الروم " وعن ابن أبي ليلى وعطاء والحسن وقتادة : وهم فارس والروم ، وبه عن الزهري في قوله تعالى " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " قال لم يأت أولئك بعد" ، وعن أبي هريرة في قوله تعالى " ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد " قال هم البارزون وقوله تعالى " تقاتلونهم أو يسلمون " : يعني شرع لكم جهادهم وقتالهم فلا يزال ذلك مستمرا عليهم ولكم النصرة عليهم أو يسلمون ، فيدخلون في دينكم بلا قتال بل باختيار، ثم قال عز وجل " فإن تطيعوا " أي تستجيبوا وتنفروا في الجهاد وتؤدوا الذي عليكم فيه " يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل " يعني زمن الحديبية حيث دعيتم فتخلفتم " يعذبكم عذابا أليما " . ثم ذكر تعالى الأعذار في ترك الجهاد ، فمنها لازم كالعمى والعرج المستمر، وعارض كالمرض الذي يطرأ أياما ثم يزول ، فهو في حال مرضه ملحق بذوي الأعذار اللازمة حتى يبرأ ، ثم قال تبارك وتعالى مرغبا في الجهاد وطاعة الله ورسوله " ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول " أي ينكل عن الجهاد ويقبل على المعاش " يعذبه عذابا أليما " في الدنيا بالمذلة وفي الآخرة بالنار والله تعالى أعلم . ) (71) .
قال الله تعالى (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ) (72) ، فكم كانوا توّاقين للقتال عندما كان الأمر فيه (فرهود) قصر شيرين، والمحمّرة، والكويت. وكم أصبحوا ليوث ضارية في النجف، وكربلاء، ومدينة الصدر، والكوفة، والفلوجة، عندما أصبح الأمر فيه دولارات أمريكية فلم يهابوا لا سيارات مفخخة ولا قتل ذريع ولا عواقب أخروية ولا عار ولا خزي دنيوي، بل الأعجب من ذلك إن ( الأقزام) أصبحوا يهددون بإسقاط كل من طهران ودمشق بهؤلاء الخوالف.. قال الإمام علي (ع) : (ثم يخرج عن الكوفة مئة ألف ما بين مشرك ومنافق حتى يضربوا دمشق لا يصدهم عنها صاد وهي أرم ذات العماد)73.
فإنهم سيكونون رأس الحرب والمبرر والذريعة، للحرب الأمريكية الإيرانية وحرب احتلال الشام. بعد إن كانت طهران ودمشق هي الملاذ الآمن (للمعارضة) العراقية التي أصبحت مجلس الحكم ثم الحكومة المؤقتة، ثم يعدون العدّة للحكومة (المنتخبة) وبالطبع فإن هذه هي الفرقة الأولى من هؤلاء.
أما الفرقة الثانية:
فهي ككل الفرق على أصناف : ففي رواية عن الامام الباقر (ع) تقول :
(إذا قام القائم (ع) سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف أنفس يدعون (البترية) عليهم السلاح .. ويضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم) (74).
في المسائل الجارودية للشيخ المفيد : " افترقت الزيدية ثلاث فرق : بترية وجريرية ، وجارودية . فقالت البترية أن عليا عليه السلام كان أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأولاهم بالإمامة ، وان بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ ، لان عليا عليه السلام سلم لهما ذلك ، بمنزلة رجل كان له حق على رجل فتركه له ، ووقفت في أمر عثمان ، وشهدت بالكفر على من حارب عليا ، وسموا البترية ، لأنهم نسبوا إلى كثير النوى ، وكان المغيرة بن سعيد يلقب بالأبتر.) (75)
وفي اوائل المقالات للشيخ المفيد ،قال المحقق ابراهيم الانصاري : والظاهر أن بقية فرق الزيدية انقرضت ولم يبق منهم إلا الجارودية ، نعم الزيدية موجودون إلى زماننا في اليمن وبعد هجوم الرئيس المصري عبد الناصر عليها وتغيير حكومتها استولى على اليمن الجنوبي السلطة المصرية ، وعلى اليمن الشمالي السلطة الوهابية ) (76) . وبالتالي فان البترية ، هم في الكوفة ، وان كانت غير ظاهرة او معروفة ، فاننا لا نعلم ما يخفي الناس في انفسهم ، وهم متشيعون وبنفس الوقت يؤمنون بصحة خلافة جميع ( الخلفاء) .
البترية و ارتباطاتهم :
وفي المسائل الجارودية للشيخ المفيد : ( يحصى من الزيدية ما تبلغ ثماني فرق : من فرقة ابي الجارود الذي جمع بين الاعمال الحربية وبين القول بتاليه الائمة ، إلى فرقة مسلمة بن كهيل الذي اقتصر في تمسكه بمذهب الزيدية على مجرد الميل إلى الشيعة وكانت الحاذ شبيهه بذلك في المذهب الاعتقادي للزيدية ، وهم لم يصبحوا جماعة متحدة الا بعد ان تولى قيادتهم الروحية رجال من العلويين الذين كانوا يدعون الإمامة ، وإذا نحن اعتمدنا على ما لدينا حتى الآن من معلومات وثيقة وجدنا انه لا يستحق هذا الوصف من العلويين الا رجلان :
اولهما الحسن بن زيد الذي اسس منذ حوالي سنة 250 دولة زيدية جنوب بحر الخزر ، وثانيهما القاسم الرمي وهو ابن ابراهيم طباطبا بن اسماعيل الديباج بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب ( المتوفى سنة 246 ه‍ ((77) !!!!!!
و هذا هو الصنف الأول من الفرقة الثانية .أي الأحزاب الإسلامية الشيعية التي تحالفت مع الاحتلال .
وأما الصنف الثاني : فهم الأمناء الخونة والعلماء الفسقة كما جاء عن الإمام الصادق(ع) في علامات الظهور78 .
وفي حديث المعراج عن النبي صلى الله عليه و آله عند ذكره للمهدي (ع) قال ( قلت : إلهي فمتى يكون ذلك ؟ فأوحى إلي عزّ و جلّ ، يكون ذلك إذا رُفع العلم وظهر الجهل ، و كثر القرّاء ، و قلّ العمل ، و كثر الفتك ، و قلّ الفقهاء الهادون ، و كثر فقهاء الضلالة الخونة .) 79 .
وأما الصنف الثالث فلنا معهم كلام كثير، وهم المعذّرون، أي الذين لديهم أعذارهم حتى وإن كانت واهية، وهم على طبقات فمنهم المخدوعون ومنهم الخاطئون ومنهم المشتبهون. ، وهم بشكل عام متعصّبون وجاهلون تدفعهم الحمية والعشائرية أكثر مما يدفعهم أي إيمان بصحة الدعوة أو بطلانها .
وعودٌ على بدء وقبل بسط الكلام مع هذه الفرقة بطبقاتها فسنورد لكم هنا جواب (هشام بن الحكم) عن سؤال سأله به (بنان) وهو من الحرورية ، فسأله عن أصحاب الإمام علي (ع) يوم التحكيم خلال حرب صفين، وعن أصحاب معاوية. وكان هشام بن الحكم ممّن تلقى العلم من الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وعرف أجوبة المسائل منه ، ولم يقل برأيه أو اجتهاده. ففي أصحاب الإمام علي (ع) قال: (كانوا ثلاثة أصناف. صنف مؤمنون، وصنف مشركون، وصنف ضالون.
فالمؤمنون من قالوا: إن علياً (ع) إمام، ومعاوية لا يصلح لها، فآمنوا بما قال الله عز وجل في علي (ع) وأقرّوا به.
وأما المشركون، قوم قالوا علي (ع) إمام، ومعاوية يصلح لها، فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع علي (ع).
وأما الضالون، فقوم خرجوا عن الحمية والعصبية للقبائل والعشائر فلم يعرفوا شيئاً من هذا وهم جُهّال.
ثم قال: وأصحاب معاوية كانوا ثلاثة أصناف، صنف كافرون، وصنف مشركون، وصنف ضالون.
فأما الكافرون: فالذين قالوا إن معاوية إمام وعلي (ع) لا يصلح لها، فكفروا من جهتين، إذ جحدوا إمام من الله عزّ وجل ونصبوا إماماً ليس من الله.
وأما المشركون: فقوم قالوا معاوية إمام ، وعلي يصلح لها، فأشركوا معاوية مع علي (ع).
وأما الضالون: فعلى سبيل أولئك خرجوا بالحمية والعصبية للقبائل والعشائر)80.
وأوردت نص هذا الحديث والأجوبة التي مصدرها الأصل هو الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ، لترى إن التفرق الدائم بهذا الشكل على ثلاث فرق أو أصناف ، هي ثلاثية غير مخصوصة بل هي مثل من أمثال الأولين. وفي القرآن الكريم لها نظائر كثيرة كأصحاب طالوت (ع) ففرقة رفضت الخروج معه أصلاً، وفرقة خرجت معه وعصت أمره حين أمرهم أن لا يشربوا من النهر، فتفرّقوا عنه، وفرقة أطاعته بالكامل وقاتلت معه ، وهم المفلحون. وهكذا فعليك أن لا تستغرب من تفرق الناس إلى ثلاث فرق أو تصنيف الفرقة الواحدة إلى ثلاثة أصناف، فهكذا شاء الله سبحانه أن يجعل الخلق وله الأمر من قبل ومن بعد. و بالطبع فان هذا يعني وفق رؤيتنا هذه .. إن الخط الصدري أو ( التيار الصدري كما أصبح يسمى. ) غير مستثنى من هذا التصنيف ،والغربلة مستمرّة . و لو تفكّرنا في نسبة الذين يهلكون قبل الظهور كما اخبر بها الإمام الصادق ( ع ) وهي ( من كل تسعة سبعة ) كما ذكرناها سابقا ، لوجدنا إنها لا تخرج من إطار هذه الثلاثية . فالسبعة تمثّل من التسعة .. ثلثين و ثلث الثلث ، أي بمعنى آخر، فرقتين ، و ثلث الفرقة الثالثة ...
وعلى أية حال ولكي لا نطيل في الكلام – فإنه ذو شجون- فسنتكلم مع هذه الفرقة الثانية بأصنافها الثلاثة ونعرض وجهات نظرهم واحتجاجاتهم الافتراضية ـ أي نحن نفترضها ولم نسمعها منهم ـ ونقارنها مع مقولات الفرقة الثالثة التي قاتلت بني قنطورا وأئمتهم وكانت (قتلاهم شهداء يفتح الله على أيديهم) كما جاء في الحديث الشريف.
فأقول: إن كل من الفرقة التي على ملّة ألسامري (إلا إنهم لا يقولون لا مساس بل يقولون لا جهاد) والفرقة التي قاتلت. وبالطبع في ظاهر الأمر الذي نعرفه نحن كبشر ودون ما يعلمه الله سبحانه الذي يعلم ما تخفي الأنفس وما تُكن الصدور – فعلى الظاهر فإن كل منهم يحتج بالأحاديث والروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. فأما الذين يقولون (لا جهاد) فهناك الكثير من الأحاديث الشريفة والروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وخاصة خطب أمير ألمؤمنين (ع)، ما يأمر بذلك صراحة ويوحي بذلك أحياناً، ومن هذه الأحاديث:
قال رسول الله (ص) (تكون آية في رمضان .... إلى أن يقول، ثم ناقة خفيفة خير من دسكرة تغل مائة ألف)81.
(إذا بلغت الرايات الصفر مصر فاهرب في الأرض جهدك هرباً، وإن بلغك إنهم نزلوا الشام وهي السرة فإن استطعت أن تلتمس سلّماً في السماء أو نفقاً في الأرض فافعل)82.
عن النبي (ص) (إذا أقبلت فتنة من المشرق وفتنة من المغرب والتقوا فبطن الأرض يومئذٍ خير من ظهرها)83.
قال الإمام علي (ع) (ينجو من أهل ذلك الزمان كل مؤمن نومه، وسُئِل عن النومة فقال: الساكت في الفتنة لا يبدو منه شيء)84. وفسرها الإمام الصادق(ع) بأنه نوَّمة أي يبدو للآخرين نائماً بينما هو ليس كذلك ، فهو في يقظة و ترقُّب .
وأحاديث كثيرة لا تُحصى كقول الإمام علي (ع) (كونوا أحلاس بيوتكم) وقوله (ع) (ألزموا الأرض ولا تحركوا أيديكم وسيوفكم بهوى ألسنتكم). وورد عن جميع أئمة أهل البيت عليهم السلام مثل هذه الأحاديث.
أما الفرقة الأخرى التي قاتلت وتصر على القتال والجهاد فلديهم الكثير من الأحاديث الشريفة، ومنها ما أوردناه من حديث الفرق الثلاث وقوله (ص) (قتلاهم شهداء يفتح الله على أيديهم).
وقوله (ص) (كأني بقوم يظهرون من المشرق يطلبون الحق فلا يعطون ثم يطلبون الحق فلا يعطون، فيحملون سيوفهم على عواتقهم ويقاتلون، فيُعطون ما سألوا فلا يقبلون، فيقاتلون ويصبرون حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي يملأها عدلاً وقسطاً فمن أدركهم فليذهب إليهم ولو حبواً على الثلج). وسنعود لبيان هؤلاء القوم لاحقا ، حيث إن الكثير يحاول استغلال خبرهم بالادعاء الباطل
وكذلك قولهم (ع) :(اليماني أهدى الرايات فإن أدركتموه فاذهبوا إليه ولو حبواً على الثلج).
قول الإمام علي (ع) (إنثالوا للقاح حربهم إذا استراح قومٌ إلى الفتن)85
وقدمنا الكثير من هذه الأحاديث في صفات المستخلفين في الجزء الثالث، والسؤال هو أين الحق وأين الشبهة في الاختلاف فيما تأمر به هذه الأحاديث والخطب والروايات.
فهذا ما سنستعرضه في موضوع (الأمر الإلهي ) الذي هو أخطر وأهم المواضيع وفيه وفي فهمه يقع الالتباس.

الأمر الإلهي
تطرقنا في الجزء الثالث في موضوع (السنن الإلهية) وبيّنا في سنّة الهلاك، كيف سيتم هلاك كفار هذه الأمة والأمم المعاصرة لها وذكرنا ذلك بشكل عام أن يكون بثلاث مراحل، وذكرنا إن المرحلتين الثانية والثالثة هما حرب الدمار الشامل، وحرب الإمام المهدي (عج) التي تكون بفصلين.
إلاّ إن هذا البسط للموضوع بهذه الصورة المبسّطة رغم كونه كافياً لأولي الألباب لمعرفة الخطوط العريضة للموضوع برمّته، كان فيه عدم استفاضة وتخصيص (الأمر الإلهي) لاعتقادنا بأن تضمين الأمر لجميع السنن الإلهية فيه ما يشفى طلب الطالب وسلكنا في ذلك ما قدّمه القرآن الكريم ولم نرغب في تقديم أسلوب آخر للتوضيح.
ولكن الاختلاف في قراءة الأحاديث الشريفة والروايات واستخلاص العبرة منها يدعونا أن نعود إلى المرحلتين الثانية والثالثة لنبحثهما بشكل أكثر تفصيلاً ودقّة، ونرى لماذا أمر أهل البيت عليهم السلام هذه الأوامر التي يبدو فيها اختلاف الفرقتين.

وهنا نعود إلى أصل الموضوع لنرى ما هو (الأمر)
وابتدءا قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ )(86).
و قوله تعالى ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) (87) .
والآيتان صريحتان وواضحتان وليستا بحاجة إلى شرح فالمخاطب بها نحن الذين أدركنا فتنة اليهود والنصارى الذين غزو بلادنا.
ولكنا نلفت الانتباه بالخطاب إلى ( الذين في قلوبهم مرض ) فهم الذين يروجون لعقيدة المحتل ، ويبررون أهدافه للغزو ، ويعوقون عن قتاله بدعوات أصبح الأصم والسميع يسمعها منهم ، وقوله تعالى حكاية عنهم ( نخشى أن تصيبنا دائرة) فهي قولهم (التقية) وقولهم (لولاهم ما تحررنا من صدام) وقولهم (إنها قوة عظمى ولا طاقة لنا بها) وقولهم (إعمار العراق) وقولهم (ديمقراطية وانتخابات) وقولهم (يجب الدخول في العملية السياسية فهل تترك الأمور لهم) وقولهم (إنها فرصتنا) وقولهم (محاربة الإرهاب)، و قولهم ( لا نستطيع أن نطلب من قوات التحالف الانسحاب حتى نصبح قادرين على الدفاع عن أنفسنا )
فهؤلاء وصفهم الله سبحانه وتعالى بأن في قلوبهم مرض، أي (منافقون) ، وهي الصفة التي يصف الكتاب الكريم عادةً المنافقين بها ، وقوله تعالى (فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين ) فإنهم يخفون في أنفسهم غير ما يقولون بألسنتهم فهم يعلمون أنهم على باطل ، ولكن رغبتهم بالملك جعلتهم يتولون اليهود و النصارى (قوات الاحتلال ) غير عابئين بسلامة موقفهم الديني ، فأنذرهم الله سبحانه وتعالى بأمرين، الأول ( الفتح) والثاني (أو أمرٍ من عنده).
فما (الفتح)؟ وما ( أمرٍ من عنده)؟
أما الفتح: فبلا أي حاجة إلى كلام طويل واستشهاد ودلالات ، فهو ظهور الإمام القائم المهدي (عج) ، والذي تحدثت عن هذا الفتح الكثير من آيات القرآن الكريم. كقوله تعالى (ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين) ألم السجدة، وسورة(النصر) ، و سورة الفتح ( إنا فتحنا لك فتحا مبين ) ، و قول الإمام الحسين (ع) " و من تأخر لم يدرك الفتح" وغيرها كثير، ولا موجب لمجادلة أهل الباطل بأكثر من هذا.
أما الإنذار الثاني فهو (أمر من عنده).
والأمر: عادة في السنن الإلهية بسبق الفتح. والفتح ليس مخصوصاً بالإمام المهدي (عج) وحده، بل كما قلنا في السنن الإلهية ، الفتح هو كل استخلاف لنبي وأمة، واستخلاف الإمام القائم من آل محمد (عج) هو فتح من الفتوح ، ولكنه فتح الفتوح، وهذا الفتح يسبقه (الأمر)، وكما هو الجاري عادة في السنن الإلهية من غير تبديل ولا تحويل.
وفي آية أخرى قال تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ). (88)
فقوله تعالى ( حتى يأتي الله بأمره) فهو الأمر الذي يسبق الفتح ويسبق ظهور القائم من آل محمد (عج) وما يعقب ذلك من الكرّة لهم ورجعتهم صلوات الله عليهم.
و الأوضح من كل ذلك الآية التي ابتدأت بالأمر وقوله تعالى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) ، وبينا الأمر في موضوع الصيحة في الجزء الثاني ، و كيفية ظهور سحابة سوداء على شكل الترس أي خوذة الرأس ، وما أقربه إلى شكل نبتة الفطر ) .
وقبل الدخول في تفاصيل هذا (الأمر)، لننظر باختصار كيف جاء (الأمر)، في السنن الإلهية في الأولين وماذا كانت نتائجه.
ففي قوم نوح (ع)، قال تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)89.
وبعد أن فعل نوح عليه السلام ما أمره الله أن يفعله وركب السفينة هو والمؤمنون من قومه، قُضي (الأمر) قال تعالى (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)90.
وفي قوم هود (ع)، قال تعالى (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ)91.
وفي ثمود قوم صالح (ع)، قال تعالى (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ)92.
وفي قوم شعيب (ع) ، قال تعالى (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ) 93
وفي قوم لوط (ع)، قال تعالى (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ)94 .
وفي هؤلاء الذين سبق ذكرهم وفي فرعون وملأه ، قال تعالى (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ)95
وفي هذه الأقوام جميعها وفي الأمم التي تأتي بعدها إلى يوم القيامة بالإجمال، قال تعالى (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )96.
والآن لندخل في صلب الموضوع ونرى ما هو (الأمر) وكيف سيأتي ، كما أنْذرت به هاتين الآيتين محل الشاهد ، أي قوله تعالى (فعسى أن يأتي الله بالفتح أو أمرٍ من عنده)97 وقوله تعالى( فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره).
فأما قوله تعالى ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) فقال فيه الإمام أبو جعفر (ع) : (هو أمرنا أمر الله عز و جل أن لا تستعجل به حتى يؤيده الله بثلاثة أجناد ، الملائكة و المؤمنين و الرعب ، و خروجه عليه السلام كخروج رسول الله ، و ذلك قوله و تعالى " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ).98.

معنى وتأويل سورة (العصر):
قال تعالى : ( و العصر * إن الإنسان لفي خسر * الاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ) العصر ، فهل المقسوم به هنا هو مطلق العصر كما يقولون؟ رغم إن كثيرا من المفسرين تجاوز عن البحث و التفسير في الآية ( و العصر) ، فما هي عظمة السورة والإعجاز الذي فيها والتحدي الذي تحدّى به القرآن الكريم الإنس والجن أن تأتي بسورة واحدة من مثله إذا كان الأمر بهذه البساطة ؟
إن بحثنا في إيجاد الترابط بين السور القرآنية الكريمة وبين الأحاديث النبوية والروايات عن أهل البيت (ع) فيدلّنا على الأمر التالي:
إن المقسوم به هو ليس مطلق العصر كوقت من أوقات اليوم ، وإن كان هو آية بحد ذاته، ولكن المقسوم به هو ما سينزله الله سبحانه من آيات كبرى وعظمى في عصر يوم من الأيام، أي عصر يوم معلوم ومحدد، والقسم بهذه الآية ليس بالوقت بل بما وراء المقسوم به، كما إن القسم هذا ليس من التأكيد وإثبات صدقية القول بل هو من باب الوعيد، أي إن الله سبحانه وتعالى يتوعد الإنسان بالخسارة (إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) وذلك عصر ذلك اليوم ، وسيتبين لهم إنهم هم الخاسرون. والسؤال ما الأمر العظيم الذي توعّد الله سبحانه كل أعدائه وأعداء أوليائه في عصر هذا اليوم :
قال الإمام الصادق (ع) في تفسير السورة ..
(إن الإنسان لفي خُسر) قال: بنو أُمية وشيعتهم.
(إلاّ الذين آمنوا) قال: بآياتنا.
(وعملوا الصالحات) قال: واسوا إخوانهم المؤمنين.
(وتواصوا بالحق) قال: ولايتنا. وفي حديث آخر قال : الإمامة
(وتواصوا بالصبر) قال: انتظار الفرج.99
أقول: قوله (ع) (إلاّ الذين آمنوا ... بآياتنا ) فما هي الآيات المقصودة هنا في هذه السورة؟
قال الإمام الباقر (ع) في علامات الظهور (ركود الشمس مابين زوال الشمس إلى وقت العصر، وبروز صدر رجل ووجهه في عين الشمس يُعرف بحسبه ونسبه، ذلك في زمان السفياني وعندها يكون بواره وبوار قومه)100. إذن فهذا العصر وما ينزل فيه من الآيات هو المقصود في السورة.
أما لماذا يخسر المبطلون والذين كفروا تحديدا عصر ذلك اليوم؟
قال أمير المؤمنين (ع) في خطبة طويلة منها (وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلك تُرفع التوبة، فلا توبة تُقبل ولا عمل يُرفع ولا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا)101. ولا أظن إن هذا الكلام بحاجة إلى توضيح فحتى الذي يؤمن ويتوب بعد هذا العصر هو خاسر ولا يوفقه الله للتوبة. و طلوع الشمس من مغربها هو ما تحدثنا عنه في استدارة الفلك و كيف سيكون . و رجوع الشمس ولبوث الفلك عصر ذلك اليوم ، وهو ما أشار إليه قوله تعالى ( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في إيمانها خيرا ) 102.
وإذن فهذه البداية والتمهيد للأمر حيث تُرفع التوبة وتُطوى صحف الأعمال منذ بداية نزول الآيات، وأولها هذه الآية العظمى.
ونحن عندما نقول في الإمام علي (ع) في شهادتنا له بالولاية وتسليمنا عليه (وصلي على عليّ أمير المؤمنين ... وآيتك الكبرى والنبأ العظيم). فإن المعاني العميقة و البعيدة لهذا المعنى ، هي ابعد و أعمق كثيرا مما يفهمه الناس ـ إلا قليلا ـ و لكن ظهوره (ع) كآية كبرى و نبأ عظيم ، تأويل ذلك (أي ترجمته على أرض الواقع) يكون ظاهرا ظهورا مبينا من هنا ، من هذه البداية حيث ظهور صورة رجل في عين الشمس ونداءه بثلاث نداءات من السماء يسمعها الإنس والجن أجمعين:
قال الإمام علي الرضا (ع) (... ينادون في شهر رجب ثلاثة أصوات من السماء، صوتاً: ألا لعنة الله على الظالمين، والصوت الثاني: أزِفت الآزفة يا معاشر المؤمنين، والصوت الثالث: يرون بدناً بارزاً في عين الشمس يقول: هذا أمير المؤمنين قد كرَّ في هلاك الظالمين)103.
ومن هنا أيضا سيكون ظاهرا ظهورا مبينا بأنه (قائد الغر المحجّلين) ، ذلك بان ما قاله أمير المؤمنين عن نفسه في خطبة البيان التي سبقت ، كان مثار استنكار ذوي العقول الضعيفة دائما ، لاستعظامهم أمر الله ، وورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام ( لقد أيّد الله بك الأنبياء و المرسلين السابقين سرّا ، و أيدني بك جهرا ) (104)
وسنعود لهذا الأمر في حديث الرجعة.
ولكن هناك ملاحظة نود لفت الانتباه إليها ، وهي صورة البدن البارز في عين الشمس ، حيث إن الإمام عليه السلام يقول( رجل معروف بحسبه و نسبه ) ففيها أمر محير ، فإذا كان هو الإمام علي (ع) أو الإمام المهدي (ع) مثلا فبالطبع هم معروفون بحسبهم و نسبهم ، و لكن من يعرف صورتهم الحقيقية منا نحن أهل هذا الزمن ؟ ولذا فان من الممكن أن تكون صورة الرجل الذي ينادي بالنداءات ـ وهو ما اشارت اليه وتوعدت به السيدة العقيلة زينب عليها السلام في خطبتها مجلس يزيد ـ هو رجل من الأبرار من أبناء أهل البيت (ع) ، و يعرفه كل العالم من خلال نشر صورته على الفضائيات قبل وقوع الآية ، و ربما يُعرف من خلال مظلوميته لأهل زماننا ، و صورته معروفة للجميع ، فكأن يكون السيد الشهيد الصدر( قدس) مثلا و الله العالم ، وهو أهل لذلك ، وإذا صدق هذا الظن ، فيكون لخصوصية وجه السيد الشهيد الصدر بشيبته وشاربه وحاجبيه اللواتي كأنها القطن الأبيض ووجهه المميز من بعيد كما هو من قريب ، يكون له دلالة ومغزى ، وكذلك صوته المميز والله العالم .
معنى ، و تأويل سورة الزلزلة :
قال تعالى ( إذا زلزلت الأرض زلزالها * و أخرجت الأرض أثقالها * و قال الإنسان مالها * يومئذ تحدث أخبارها * بان ربك أوحى لها ) الزلزلة . ولهذه السورة المباركة ودلالاتها على أمور أخرى غير الأمر الإلهي فإذا عرفنا ما ترمي إليه السورة عرفنا من بين ما يمكن معرفته : أين هلكت النصارى بقولهم ( المسيح ابن الله ) ؟ و سنتناوله في موضوع ( ابن الإنسان ) .
وسيبين لنا من الملحمة في الجفر الأعظم ، إن الزلزلة التي انزلها الله سبحانه في سورة مخصوصة ، هي ذاتها ما أشار إليه قوله تعالى (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) (105) .فهي من اشراط الساعة وعلامات الظهور التي نزل بها القرآن الكريم . وقوله تعالى ( إذا ) في هذه السورة وفي كل السور التي ابتدأ بـ ( إذا) كقوله تعالى ( إذا وقعت الواقعة ) وغيرها ، هو جواب على سؤالهم (متى ) ، " متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " ، " متى هذا الفتح ‘ن كنتم صادقين" فهي اشراط الوعد و الفتح ـ ظهور الامام المهدي عليه السلام .
تفسير وتأويل سورة (الذاريات).
قال تعالى (والذاريات ذرواً* فالحاملات وقرا* فالجاريات يُسرا* فالمقسّمات أمرا* إن ما توعدون لصادق*و إن الدين لواقع*) (106 ) .
في المستدرك : ثنا أبو الطفيل قال رأيت أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه قام على المنبر فقال سلونى قبل أن لا تسألوني ولن تسألوا بعدى مثلى ، قال ، فقام ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا ؟ قال : الرياح قال : فما الحاملات وقزا : قال السحاب ، قال : فما الجاريات يسرا ؟ قال: السفن قال فما المقسمات أمرا ؟ قال : الملائكة ، هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ) (107 ) ،
وللمفسرين وللباحثين المعاصرين أقوال مختلفة يمكن الإطلاع عليها من مظانّها . وإنما نقول نحن، إن هذه السورة المباركة تتحدث عن (الأمر) الذي يسبق الفتح.
أقول: لقد فسر القرآن الكريم الذاريات بأنها (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم) ولذلك تسمى الذاريات . وفي دعاء الندبة المروي عن أئمة أهل البيت (ع) ما يدل على المعنى الباطن للذاريات ( يا بن طه و الذاريات ، يا بن يس و المحكمات ) وهو ما يدل على أن تأويلها هو في ظهور الإمام المهدي (ع) ، وذلك يوم الملحمة العظمى ، فتكون على ما يصفه أمير المؤمنين (ع) أن لها أكثر من معنى وأكثر من تأويل ، فتأويلها يوم الملحمة ( الذاريات ) : لا يبعد أن تكون قاذفات القنابل الذرية ، حيث يقول في الجفر (وينذر الروم بإطلاق سراح موت فتاك محبوس بقنينة عجيبة ، فينذرهم المهدي سلاح اسمه الصارخ ) فهي رياح كما يقول عليه السلام .. ولكن أي رياح ؟ ، والحاملات وقرا : سحاب ، ولكن أي سحاب ، فتذكروا الرواية ( سحابة سوداء كالترس تطلع من جهة المغرب ، فينادي منادي من السماء : أتى أمر الله ) ، والجاريات يُسرا : السفن ، كما يقول عليه السلام ، ولكن ما في الجفر يشير إلى حاملات الطائرات والمدمرات والبوارج الحربية لحلف الأطلسي من جانب ، وروسيا والصين وحلفاؤهم من جانب ، جاريات يُسرا : بالطاقة النووية لبعضها ، وبطاقة الوقود للبعض الآخر ، ليست بحاجة إلى رياح وأشرعة ومجاديف ، بل تسير بيُسر حيث تشاء ، ويسلطها الله يومئذ على أعدائه ، وقد شرحت الآيات التي بعدها ( الآية 41، 42 ) من السورة ماذا ستفعل هذه الرياح ، قال تعالى ( مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيم ) ، أما بعد الحرب النووية ، فستكون رياح أخرى بإمرة أمير المؤمنين عليه السلام ، وهي الريح الصرصر الدبور .
وفي شرح أصول الكافي : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، وهشام بن سالم ، عن أبي بصير عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إن لله عز وجل جنودا من رياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه ولكل ريح منها ملك موكل بها فإذا أراد الله عز وجل أن يعذب قوما بنوع من العذاب أوحى إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها قال : فيأمرها الملك فيهيج كما يهيج الأسد المغضب ، قال : لكل ريح منهن اسم أما تسمع قوله تعالى : * ( كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا * عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر ) * وقال : * (الريح العقيم ) * وقال : * ( ريح فيها عذاب أليم ) * وقال : * ( فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ) * وما ذكر من الرياح التي يعذب الله بها من عصاه ) (108)
معنى وتأويل سورة (الضحى).
قوله تعالى (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خيرٌ لك من الأولى).
فهل المقسوم به هو مطلق الضحى. أم ضحى يوم معين فيه من الآيات العظمى؟ فما نذهب إليه إن السورة المباركة هي توعد أعداء الله وأعداء الحق ضحى يوم من أيام وعد الآخرة لقوله تعالى (وللآخرة خير لك من الأولى).
ففي حين تكلمت سورة الشمس ( والشمس وضحاها ) عن السنن الالهية ووقوع ما وقع على قوم صالح من الصيحة ، وقول رسول الله (ص) : " الصيحة في النصف من رمضان يوم الجمعة ضحى" ، فقد نزلت سورة الضحى في امر الهي آخر وقت الضحى .
ففي هذه السورة ( و الضحى )، قال الإمام الصادق(ع) ( وللآخرة خير لك من الأولى) هي الرجعة لرسول الله صلى الله عليه و آله 109..
و في كتاب الأوائل للطبراني و صححه البخاري، عن عبد الله بن عمر عنهما عن رسول الله (ص) قال : ( أول الآيات ، طلوع الشمس من مغربها أولها، وخروج الدابة على الناس ضحى ، فأيتهما كانت قبل ، الأخرى على أثرها قريب.) 110 . وعلى هذه الأطروحة يكون المقصود بالضحى هو آية خروج دابة الأرض ، والله العالم ،علما إن الثابت عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إن طلوع الشمس من المغرب قبل خروج الدابة ، كما في خطبة المخزون .
ويدل سياق السورة على التأييد الإلهي ، و التطمين لرسوله الكريم ، كما أيد موسى (ع) بالعصا عند الضحى ( قال موعدكم يوم الزينة و أن يُحشر الناس ضُحى ) 111 ، و سيمر علينا حديث الدابة إن شاء الله تعالى ، حيث أن الدابة (ع) عنده عصا موسى (ع) .
4. تأويل قوله تعالى (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم* دمّر الله عليهم* وللكافرين أمثالها)112.
فقوله تعالى وللكافرين أمثالها- وكما قلنا في الجزء الثالث- هو جريان جميع سنن الله في جميع الأمم التي ذكرنا آيات (الأمر) فيهم كما تقدم فإنها واقعة عند مجيء (الأمر) قبل الفتح، وتشمل هذه الآية بالإجمال آيات كثيرة جداً لا يُحاط بها سيقع تأويلها على أرض الواقع. وسنأخذ بعض الأمثلة التي لا تمثل إلاّ القليل القليل مما سيكون.
من خطبة (المخزون) وهي خطبة طويلة لأمير المؤمنين عليه السلام نأخذ هذه المقتطفات.
أ ـ(فإذا استدار الفلك وقلتم مات أو هلك بأي وادٍ سلك، فيومئذٍ تأويل هذه الآية (ثم رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا)113.
ب-(حتى إذا توسطوا الصفايح البيض بالبيداء يخسف بهم فلا ينجوا منهم أحد إلاّ رجل واحد يحول الله وجهه إلى قفاه لينذرهم وليكون آية لمن خلفه. فيومئذ تأويل هذه الآية (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأُخذوا من مكان قريب) ، وكان هنا يتحدث عن جيش السفياني.
ج- (فيكون مجتمع الناس كلها بالفاروق فيقتل يومئذ ما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف ألف من اليهود والنصارى، يقتل بعضهم بعضاً فيومئذٍ تأويل هذه الآية (فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين) بالسيف وتحت ظل السيف.
د- (ويخلف من بني الأشهب الزاجر اللحظ في أُناس من غير أبيه هراباً حتى يأتوا سبطرى عوّذاً بالشجر، فيومئذٍ تأويل هذه الآية (فلّما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أُترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تُسألون).
هـ- ( ويأتيهم يومئذٍ الخسف والقذف والمسخ، فيومئذٍ تأويل هذه الآية (وما هي من الظالمين ببعيد).
و- (ويبعث الله الفتية من كهفهم إليهم، رجل يُقال له تمليخا والآخر كمسلمينا وهما الشهداء المسلمون للقائم (ع) فيبعث أحد الفتية إلى الروم فيرجع بغير حاجة، ويبعث الآخر فيرجع بالفتح، فيومئذٍ تأويل هذه الآية (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً أو كرهاً).
ز- (ثم يبعث الله من كل أمةٍ فوجاً ليريهم ما كانوا يوعدون فيومئذٍ تأويل هذه الآية (ويوم نبعث من كل أمةٍ فوجاً ممّن يكذّب بآياتنا فهم يوزعون).
ح- (ويقذف الله في قلوب المؤمنين العلم فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم، فيومئذٍ تأويل هذه الآية (يغني الله كُلاًّ من سعته).
ط- (ويقول القائم عليه السلام كلوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية، فيومئذٍ تأويل هذه الآية (وجاء ربك والملك صفاً صفّا).
ي- فلا يقبل الله يومئذٍ إلاّ دينه الحق إلاّ لله الدين الخالص، فيومئذٍ تأويل هذه الآية (ألم يروا إنّا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون، ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين، قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم يُنصرون)114.
5. تأويل قوله تعالى (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة الأرض تكلّمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يؤمنون):
قال الإمام الصادق (ع): (انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام هو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحرّكه رسول الله (ص) برجله ثم قال: قم يا دابة الله، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال (ص): لا والله ما هو إلاّ له خاصة، وهو الدابّة التي ذكر الله في كتابه، ثم قال (ص): يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تَسِم به أعداءك)115. أقول الوسم هو قوله تعالى كما قالوا (ع) في آية (سنسمه على الخرطوم) 116 ، فيسم أعداءه على اشفارهم ويختم جباهم بالخاتم. هذا مؤمن وهذا كافر. قال الإمام علي عليه السلام أولاً يصف خروج الدجال إلى أن قال (ألا إن بعد ذلك الطامّة الكبرى، قلنا وما ذلك يا أمير المؤمنين، قال: خروج دابة عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى (ع).
6.تأويل قوله تعالى (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدبٍ ينسلون).
وللمفكرين و الباحثين المعاصرين خاصة أقوال في يأجوج ومأجوج وأشهر الأقوال فيهم (إنهم الحضارتان الماديتان).
أقول كما ذكرنا في الجزء الثالث، إنه منذ وقت نزول الآيات التي وعد الله سبحانه بإنزالها، ومنذ العجب في رجب، ليس عليكم أن تبحثوا عن تأويلات وتفسيرات ورموز. لأنكم ستشاهدون الآيات التي سألها الأولون. ولم ينزلها الله سبحانه في ذلك الوقت واجّل نزولها إلى اليوم الموعود، لأن في نزول الآيات هو (الأمر) الذي هو الهلاك ومجيء أجل الأمم التي سترى الآيات، وإذن فيأجوج ومأجوج هم مخلوقات بشرية ممسوخة وهم أمم عديدة ، وصفاتهم وأفعالهم ذُكرت في الكثير من المصادر المتيسرة ، وسنفصل بعض شأنهم في الحديث عن أمم الملحمة. ولكن فقط، إنهم كما وصفهم أئمة أهل البيت عليهم السلام من دون زيادة ولا نقصان. وفتح يأجوج ومأجوج، أي دك الردم الذي يمنعهم من الخروج سيكون ضمن فترة نزول (الأمر) قبل ظهور الإمام القائم (عج) بقليل.
7. تأويل سورة (النازعات)
قال تعالى (والنازعات غرقاً* والناشطات نشطاً* والسابحات سبحاً* فالسابقات سبقاً* فالمدبرات أمراً* يوم ترجف الراجفة* تتبعها الرادفة*قلوب يومئذ واجفة*)117.
قال الإمام الصادق (ع): الراجفة هو الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وهو أول من ينفض رأسه من التراب، والرادفة هو أمير المؤمنين (ع). وأما تفصيل السورة وتفضيل نزول (الأمر) في هذه السورة، قال الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يستشهد: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي:[ يا بني أنك ستساق إلى العراق. وهي أرض قد التقى فيها النبيّون وأوصياء النبيين، وهي أرض تُدعى عمورا، إنك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا: يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، يكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم ]، فابشروا،فوالله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا (ص) ثم أمكث ما شاء الله ، فأكون أول من تنشق الأرض عنه، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين (ع) وقيام قائمنا (ع)، وحياة رسول الله (ص)، ثم لينزلنّ عليَّ وفد من السماء من عند الله عزّ وجل لم ينزلوا إلى الأرض قط، ولينزلنّ إليّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة، ولينزلنّ محمد وعلي وأنا وأخي وجميع من منّ الله عليه في حمولات من حمولات الرب، خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق، ثم ليهزنّ محمد (ص) لواءه وليدفعنّه إلى قائمنا (ع) مع سيفه)118.
أقول، كما قال الإمام علي عليه السلام عن نفسه إنه هو (دابة الأرض) وفي هذه السورة هو (الرادفة) وغيرها كثير، فلا يجب أن يختلط عليك الأمر،فقد قال الإمام علي (ع) (وإن لي الكرّة بعد الكرّة، والرجعة بعد الرجعة، وأنا صاحب الرجعات والكرّات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات) (119). فإنه عليه السلام ليس له خرجة واحدة ولا كرّة واحدة ولا رجعة واحدة، فمنها ما هو قبل الظهور – أي قبل يوم الفتح – وفيما بين رجب الذي فيه العجب والعاشر من محرم وفيها ظهور وخروج ثم اختفاء، والأخطر والأعظم بعد الظهور. سنأتي عليه في وقته في حديث الرجعة. وترى من قول الإمام الحسين (ع) كيفية مجيء (الأمر) تقوم بتنفيذه أعظم الملائكة وحقيقته أكبر من أن يستطيع العقل تخيّلها وتصوّرها، وللحديث بقية.
و أما النازعات : قال تعالى على لسان عيسى بن مريم (ع) ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ) والتوفي هو استرجاع الأمانة في علاقة يغلب عليها طابع الحسنى بين المستأمن و صاحب الأمانة ، و اشدّ منه الأخذ ويوحي بعلاقة يغلب عليها طابع الرفض من قبل المستأمن وشدّة و عنف من قبل الآخذ أو المسترجع ( وكذلك اخذ ربك القرى وهي ظالمة ) ، و اشدّ منه الانتزاع ويوحي بعلاقة يغلب عليها طابع المقاومة من قبل المستأمن ، وغضب وسخط من قبل صاحب الأمانة ، فينتزعها بأسلوب يسبب ضرر بالغ و أذى شديد نتيجة المقاومة و ما يقابلها من السخط ، قال تعالى ( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ* تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (120) فهي النازعات ،ولكنه سبحانه ذكرها هنا بصفة فعلها،ولعلها أنواع من الـ ( تسونامي ) أي الزلازل البحرية البالغة القوة تختطف بلاد و عباد وتغرقهم في البحار الهائجة والله العالم ،. وقال المسعودي في أخبار الزمان : ( النزع : هو القلع ) . أي يقتلعهم كما تقتلع النخلة و تأخذ جذعها و أطرافها للاستفادة ، و تترك العجز وبقية ما كان تحت الأرض من الجذع خاويا لا فائدة منه ، وعلى هذا المعنى قد يكون المقصود منها الأعاصير التي تلتف حول نفسها مرتفعة من الأرض إلى الأعلى وهي تحمل في سورتها مخلوقات و مصنوعات و منشآت ، وتهوي بها من علو شاهق ، والله العالم
أما ما قاله المفسرون ، فكما في الدر المنثور: بان النازعات هي وتر القوس ، وغرقا بمعنى إغراق في التوتير و الشد ، وهو قول متهافت كما تلاحظ ، ولا يتناسب مع أهوال الأمر الإلهي .
8. تأويل الآية (سنريهم آياتنا في الآفاق في أنفسهم حتى يتبين لهم إنه الحق)121. قال الإمام علي(ع) الآيات في الآفاق هو انتقاص الآفاق عليهم بالغزو، وفي أنفسهم : المسخ الكثير.
فأما آيات الآفاق ، فقد بدأت بالغزو الأمريكي ، وأما آيات الأنفس(المسخ ) فتأويلها بعد رجب الذي فيه العجب . وروي أنها صبيحة اليوم التالي لطلوع الشمس من مغربها . وروي أنها في الأربعين يوم الأخيرة قبل الظهور، والله العالم .

9. تأويل سورة (الفجر)
قال تعالى( والفجر وليالٍ عشر* والشفع والوتر* والليل إذا يسرْ* هل في ذلك قسم لذي حجر* ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرَمَ ذات العِماد* وثمود الذين جابوا الصخر بالواد* وفرعون ذو الأوتاد* الذين طغوا في البلاد* فأكثروا فيها الفساد* فصب عليهم ربك سوط عذاب* إن ربك لبالمرصاد*)122
وللمفسرين أقوال في الليالي العشر، ونقل السيد الطباطبائي في الميزان روايات إنها الليالي العشر التي تأخّر فيها موعد تسلم ألواح التوراة في قوله تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة* وأتممناها بعشر*)، وأكثر المفسرين قالوا هي العشر الأول من ذي الحجة التي فيها شعائر الحج.
أقول: إذا كانت هذه هي الليالي العشر التي ترمي إليها السورة المباركة، فما علاقتها بالفجر؟ وما هذا الوعيد الذي يتوعد فيه سبحانه وتعالى بسنّته في الأولين؟ - ألم تر كيف فعل ربك بعاد....!!
وبدون كلام طويل نقول ما نفهمه من السورة هو الآتي:
إن هذا القسم هو توعّد بما وراء المقسوم به أكثر مما هو قسم لإثبات صدق القول، والفجر الذي يتوعد الله سبحانه وتعالى به هو فجر العاشر من محرم(وليال عشر)، ونزول الأمر الأعظم. كما يتبين لك هنا.
قال الإمام الصادق (ع) وهو يصف ليلة السبت العاشر من محرم إلى طلوع الفجر، ثم ما بعده.(يأتي البيت وحده، ويلج الكعبة وحده، ويجنّ عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون، وغسق الليل نزل إليه جبرائيل وميكائيل عليهما السلام والملائكة صفوفاً، فيقول له جبرائيل: يا سيدي قولك مقبول وأمرك جائز. فيمسح يده على وجهه ويقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين. ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول: يا معشر نقبائي وأهل خاصّتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ائتوني طائعين. فيرد صيحته (ع) عليهم وهم في محاربيهم وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل، فيجيئون نحوها ولا يمضي لهم إلاّ كلمح البصر حتى يكون كلهم بين يديه (ع) وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجل، بعُدة أصحاب رسول الله (ص) يوم بدر. فيسند القائم (ع) ظهره إلى الحرم ويمد يده، فترى بيضاء من غير سوء، ثم يقول : هذه يد الله وعن الله وبأمر الله، ثم يتلو هذه الآية [ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم* فمن نكث فإنما ينكث على نفسه] فيكون أول من يقبّل يده جبرائيل (ع) ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء)123
أقول: قوله عليه السلام (ولا يمضي لهم إلاّ كلمح البصر حتى يكون كلهم بين يديه)، هو قوله تعالى (وما أمرنا إلاّ واحدة كلمحٍ بالبصر).
وفي حديث آخر للإمام الصادق (ع) قال: (ينادى باسم القائم (ع) في يوم 26 من شهر رمضان، ويقوم يوم عاشوراء وهو اليوم الذي قُتل فيه الحسين (ع) لكأني به في يوم السبت العاشر من محرم قائماً بين الركن والمقام، جبريل بين يديه ينادي بالبيعة له، فتصير شيعته من أطراف الأرض وتُطوى لهم طيّاً حتى يبايعونه فيملأ الله به الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً)124
وإلى هذا النداء ذاته فجر العاشر من محرم أشار قوله تعالى (واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب* يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج*)125 .
وعلى العموم فمعنى الآية هو وعيد بفجر هذا اليوم العظيم وما سينزل فيه من الأمر العظيم، وما سيكون عليه مصير أعداء الله ورسوله من كافرين ومكذبين ومنافقين، فإن مصيرهم هو ذاته مصير عاد وثمود وفرعون ذو الأوتاد. وكذلك فإن الله بالمرصاد لكل من هو على هذا السبيل لا يستثني احد ولا يفوته أحد.
فإن القرآن الكريم دأب على تناول الحدث العظيم مرات متعددة في سور مختلفة وبأساليب متعددة ومن وجوه مختلفة، وإنما الأحاديث الشريفة والروايات هي التي تكشف لنا إن الموضوع الذي تتحدث عنه هذه السور المباركة هو ذات الموضوع. وسيبين لنا من سورة ( الطور ) إن الليالي العشر من محرم فيها أمور عظيمة أخرى ، منها نزول الكتاب المسطور على الطور .
وقال رسول الله (ص) (والمحرم وما المحرم – قالها ثلاث – هيهات هيهات يقتل فيه الناس هرجاً هرجاً).
وأما معاني ما رمت إليه ، فقد قال الإمام الباقر (ع) : ( الفجر جدي رسول الله ، و ليال عشر هم الأئمة ، و الشفع أمير المؤمنين ، و الوتر اسم القائم ، عليهم السلام .) 126 .
وقال الإمام الصادق (ع) : ( الفجر هو القائم (ع) ، وليال عشر هم الأئمة من الحسن إلى الحسن ، و الشفع هو أمير المؤمنين و فاطمة ، و الوتر هو الله وحده لا شريك له ، والليل إذا يسر هي دولة حبتر ، فهي تسري إلى دولة القائم عليه السلام . ) 127 وحبتر هو الثعلب يرمي به الى عتيق وعمر .
10 ـ تأويل سورة العاديات : قال تعالى ( والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فأثرن به نقعا * فوسطن به جمعا * إن الإنسان لربه لكنود ) 128 . ولم أجد من الاختلاف في الروايات مثل ما في نزول سورة العاديات ، و الغريب أن العدول من الصحابة المنتجبين يختلفون في رواية نزولها فيمن ، و أين ، و كم عددهم ، إلا أن جميع الروايات تتحد و تتفق في أمر واحد ، وهو أن رسول الله (ص) أرسل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان إلى قوم يريدون شرا برسول الله و المسلمين ، فرجعوا عنهم ، ثم أرسل الإمام علي (ع) فعاد بالنصر المبين .
ولكن ليس هذا هو الأمر الأهم عندنا ، فهو أمر مشهور ولا ينكره منكر ، إنما المراد منها و النازلة فيهم ، عندنا أهم ، لاعتقادنا بان لها تأويل آخر في ظهور الإمام المهدي (ع) ، و إليه أشار ما ورد في دعاء الندبة ( يابن الطور و العاديات ) .
وعن الإمام علي (ع) : (إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى المزدلفة ، فإذا أدوا إلى المزدلفة أوروا النيران، و المغيرات صبحا من المزدلفة إلى منى ، فذلك جمع ،وإما قوله تعالى " فأثرن به نقعا " فهو نقع الأرض حين تطؤه بخفافها و حوافرها) 129
وفيه عن أبي هريرة قال: ( قال رجل : يا رسول الله ، ما العاديات ضبحا ؟ فاعرض عنه ، ثم رجع إليه من الغد فقال : ما الموريات قدحا ؟ فاعرض عنه ، ثم رجع إليه الثالثة فقال : ما المغيرات صبحا ؟ فرفع العمامة و القلنسوة عن رأسه بمخصرته فوجده مقرعا رأسه ، فقال : لو وجدتك حالقا لوضعت الذي فيه عيناك ، ففزع الملأ فقالوا ولم يا رسول الله ! قال : انه سيكون أناس من أمتي يضربون القرآن بعضه ببعض ليبطلوه ، ويتبعون ما تشابه منه ويزعمون أن لهم في أمر ربهم سبيلا ،ولكل دين مجوس وهم مجوس أمتي و كلاب النار) 130 يتضح من الجمع بين قول الإمام علي (ع) ـ الذي يتحفظ أحيانا على أسرار النبوة و أمر ظهور الإمام المهدي (ع) ولا يتكلم بها إلا مع أهلها ـ وبين قول رسول الله (ص) الذي كما يظهر من الحديث انه أيضا حاول الإعراض عن الإجابة ولكن إلحاح السائل أغضبه فقال ما قال .. يتضح من كل ذلك ، إن ميدان العاديات و ساحة تأويل أمر الله فيها ، هو ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام ،أي بين عرفات و المزدلفة و منى ، و أما الفعل و النتيجة فهي ما قاله رسول الله (ص) و الله العالم ، أما قوله تعالى "فالموريات قدحا" ، فهو من عجائب القرآن التي لا تنقضي و لها تأويل مختلف في كل وقت ، وحسب فهمنا : إن العاديات يمكن أن تكون غير الإبل و غير الخيل في زمن يبعد عن زمن نزول القرآن الكريم ، فيمكن أن يكون هدير محركات الآليات العسكرية المتطورة كالدبابات و المدرعات فتضبح كما تضبح الإبل أو الخيل ، وعليه فان النار التي توريها بالقدح هي القذائف الصاروخية و القنابل ، توريها من سبطانات المدافع أو منصات إطلاق الصواريخ المنصوبة عليها و الله العالم ، ويمكن أن يكون لها تأويل أعجب و اغرب فيما يأتي من الأزمان .
وأما المخصوصون بأمر العاديات ، فهم الذين توعدهم الله في هذه السورة ( إن الإنسان لربه لكنود ) أي هم الكفار من صنف الكنود ، و الكنود هو الكفور ، ولكن ليس كل كفور هو كنود ، وأما الكنود فهو الحقود الحسود ، فان الكفار لهم مذاهب و طبائع و أهواء مختلفة ، وإنما الكنود : هو الكفور الذي منبع كفره هو الحقد على أهل البيت و الحسد لهم، وهو اشد الكفر ، قال تعالى ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) وهي في الإمام علي و أولاده الأوصياء عليهم السلام ، و أكثر هؤلاء يتواجدون اليوم في مكة المكرمة وعند عرفات و المزدلفة و منى ، بمدارسهم الدينية و دور الفتوى التي ليس لها هم اكبر من محاربه أهل بيت رسول الله و مذهبهم و ملتهم ، بالكفر و الأباطيل و الضلالات وفق عقيدة الوهابية ، و اجتهادات ابن تيمية و أمثاله . وهذا الطرح بناء على ما ورد من سبب النزول ، كما في اغلب التفاسير عند الفريقين .
ولكن رواية عن الإمام الصادق (ع) وردت مع الروايات السابقة ، لفتت انتباهنا إلى أمر :
قال الإمام الصادق (ع) : ( هذه السورة نزلت في أهل وادي اليابس . ) ثم قال ( أن أهل وادي اليابس اجتمعوا اثني عشر ألف فارس ، و تعاهدوا و تعاقدوا أن لا يتخلف رجل عن رجل ، ولا يخذل أحدا أحدا ، ولا يفر رجل عن صاحبه ، حتى يموتوا كلهم على خلق واحد ، و يقتلون محمد و علي صلوات الله عليهما.) والرواية طويلة جدا لا يسع المجال لسردها ، قال (ع) في آخرها : ( فما غنم المسلمون مثلها قط ، إلا أن يكون خيبر ، فإنها مثل خيبر)131.
أقول : قال أئمة أهل البيت عليهم السلام بان السفياني يخرج من ( الوادي اليابس ) ، وهنا يقول الإمام الصادق (ع) " نزلت في أهل وادي اليابس " فهو نفسه الذي خرج منه هؤلاء الذين ضبحت عليهم خيل الإمام علي (ع)
وفي دعاء الندبة للإمام المهدي (ع) ( .... يا بن طه و العاديات ) ، فتفكر فيما وراء ذلك من الأمر الإلهي الذي ترمي إليه السورة.

خلاصة ما تقدم :
وخلاصة القول فيما تقدم من مرامي السور القرآنية ، يمكننا أن نفهم (الأمر) والسور القرآنية والآيات المتفرقة التي تحدثت عن الأمر بالشكل التالي.
إن ما توعد الله سبحانه به أعدائه وأعداء أوليائه هي أمور متعددة منها ما هو بيّن وواضح ومنها ما هو رمزي ومنها ما هو كناية وتعريض ومنها ما هو أسرار بينه وبين رسوله إلى الخلق. ويمكن تقسيمها من خلال ذكر القرآن الكريم لها إلى أصناف منها:
1. الأسلحة
2. القادة
3. الوقائع
4. الأوقات
5. الأسرار الخفية
6. القرارات

1 ـ الأسلحة :
ويتبين من كثير من آيات القرآن الكريم إن الله سبحانه وتعالى عندما ينذر أعدائه ويتوعدهم بالهلاك والعذاب، يذكر لهم الأسلحة التي يستخدمها ضدّهم ويهلكهم بها دون ذكر المزيد من الأمر والتوضيح عن ذلك، فمجرد ذكر الأسلحة التي تعمل بأمره يزلزل النفوس ويرعب القلوب، ولكن ذلك ينفع إذا كان هؤلاء الأعداء لهم قلوب تخشع وآذان تسمع وعقول تفقه، والمقصود من ذكر الأسلحة هو الأمر الإلهي الذي يتم تنفيذه بهذه الأسلحة.
ومن الأمثلة على ذلك:
قوله تعالى (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا* فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا*)132
قوله تعالى (والذاريات ذروا* فالحاملات وقرا* فالجاريات يُسرا*)133.
قوله تعالى (والنازعات غرقاً* والناشطات نشطاً*)134.
قوله تعالى ( و العاديات ضبحا * فالموريات قدحا )
قوله تعالى (فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا*)135ثم يعطف عليه قوله تعالى (وللكافرين أمثالها)136
قوله تعالى (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا)137
فالمرسلات عرفا : هي الآيات التي قال تعالى عنها ( وما منعنا ان نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ) ثم قال تعالى ( سيريكم آياته فتعرفونها ) فمن الآية الأولى فالمرسلات هي الآيات التي سيرسلها بعد إن ارتفع مانع الإرسال ، وهو الهلاك للمكذبين ، فقد جاء اجلهم ، وفي الآية الثانية ( فتعرفونها ) لذلك قال : عرفا ، أي الآيات التي المعروفة التي جاء اجل إرسالها ، وأما العاصفات عصفا فهي الريح العاصف ، ولا يستثنى من ذلك (العصف النووي ) فالاسلحة النووية عاصفات ايضا ، وهو مما تشير اليه الآية ...فهذه الآيات كلها استعراض للأسلحة دون ذكر المزيد من الأمر، إلاّ في البعض منها فتأتي على ذكر بعض القادة، أو القيادات العسكرية التي تقوم باستخدامها وتخوض الحروب بها أو يرجع أمر توجيهها إليهم بتخويل من الله سبحانه كما سيتبين لك في محلّه إن شاء الله .
2 ـ القادة:
ومما يتوعد بها الله سبحانه من الأمر أحياناً فإنه يكتفي بذكر القيادات التي ستقوم بتنفيذ الأمر والمقصود هو ذات الأمر. ومن الأمثلة عليه:
قوله تعالى ( فالملقيات ذكراً* عذراً أو نذرا*)138
والقادة الموعودون هنا هم الملائكة عليهم السلام.
قوله تعالى ( فإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابةً من الأرض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يؤمنون). وتكلمنا عن هذا القائد الذي يتوعد الله به في تنفيذ الأمر وهو الأمام علي بن أبي طالب (ع) كما تقدم.
قوله تعالى ( يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة) وهذا القائدان هما الإمام الحسين (ع) وأمير المؤمنين (ع) كما ورد عن الأمام الصادق (ع).
قوله تعالى ( والسماء ذات البروج* واليوم الموعود* وشاهد ومشهود )139 والقادة الموعودون هنا هم في قوله تعالى (وشاهد) وهم الموعودون في هذا الوعيد هو الشاهد في قوله تعالى(وشاهد ومشهود) والشاهد هو أمير المؤمنين (ع) بدلالة قوله تعالى (أفمن كان على بيّنة من ربه ويتلوه شاهد منه)140. وتجري صفة الشاهد على الشهود الذين يتلوه واحداً تلو الآخر حتى يكونوا بعدد بروج السماء ، ومن هنا جاء ذكر الشاهد واليوم الموعود وهو ظهور صاحب الأمر (عج) مقترناً بذكر السماء ذات البروج، أي اثنا عشر برجاً سماوياً واثنا عشر شاهداً، والشاهد عموماً هو الذي يشهد على الخلق يوم القيامة ولا تخلو الأرض من واحد منهم بدلالة قوله تعالى عن لسان عيسى بن مريم (ع) في قوله تعالى (وكنت شهيداً عليهم ما دمت فيهم فلمّا توفّيتني كنت أنت الرقيب عليهم)141. والتفت إلى التفريق بين (الشهيد) و(الرقيب) وهو يعني إن الشهيد يرتفع ويحل محله شهيد آخر والرقيب عليهم هو الله سبحانه وتعالى، ولا معنى أن يكون على جيل من أجيال الأمة شهيد ولا يكون كذلك على أجيال أخرى. وهكذا يكون القادة الموعودون في هذه الآية هم أمير المؤمنين (ع) والإمام القائم المهدي (عج) وما بينهما من الشهود، وذكر هؤلاء القادة المقصود منهم هو (الأمر) الإلهي الذي سيقومون بتنفيذه. وما يدل على أن الشهود ، أو الِشهداء ، أو الأشهاد هم أئمة أهل البيت خاصة دون غيرهم، هو قوله تعالى في سورة الحج (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنْ النَّاسِ .. الى قوله تعالى ,,وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) 142 ، فيبين من هذه الآيات بما لا يقبل صرف عن الحق : إن الشهداء على الناس هم المصطفين من أولاد إبراهيم(ع) ، وان الرسول صلى الله عليه وآله هو الشهيد على هؤلاء الشهداء ، ولما كانوا من المصطفين من أولاد إبراهيم ، فإنه حتى الآن لم يتجرأ أحد فيزعم انه من المصطفين ، سوى ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله عن أهل بيته أنهم هم المصطفين من ذرية إبراهيم (ع) ،وهم المنصوص عليهم في الآية الكريمة ،وعليه فإن الشهداء على الناس والذين رسول الله صلى الله عليه وآله شهيدا عليهم هم الأئمة المعصومون من عترته (ع) المشار إليهم في الآية الكريمة ، أما قوله تعالى في المقسوم عليه (قُتل أصحاب الأخدود ) وقُتل، أي لُعن كما قال الإمام علي (ع) و أصحاب الأخدود له مرامي و مصاديق أحاط الله بها في سابق علمه ، ومنهم أصحاب المقابر الجماعية ( صدام و أعوانه ) ، الذين خدوا الأخاديد للشيعة عند الانتفاضة الشعبانية عام ( 1991 م ) واحرقوهم بالمتفجرات و الألغام و الطلقات النارية ودفنوهم أحياء و أموات ، وفي بابل وحدها من الأخدود ما تقشعر له الأبدان بحيث أن المبازل التي خلف معمل الطابوق بين الحلة و المحاويل أثارت رعب الذين أرادوا تطهيرها بعد الانتفاضة الشعبانية من كثرة ما ظهر من الهياكل العظمية والجثث المتفسخة في هذه المبازل ، ناهيك عن اخاديد في معسكر المحاويل ما زالت تنتظر النشور .
ومنهم أصحاب الأخاديد المفخخة لقتل الشيعة التي يقوم بها الزرقاويون و حلفاؤهم ، وذلك بالعبوات الناسفة و السيارات المفخخة ، وهم متربصين حولها و بأيديهم أجهزة التفجير عن بُعد ، ويصورون ذلك بكاميراتهم و يبثونه على الفضائيات . ومنه الأخدود الذي فجروا به ضريحي الإمامين العسكريين عليهما السلام في سامراء . فالأخدود كل شق سواء كان بالمعاول او بالحفارات والشفلات و آلات الحفر الحديثة ، وفيه وقود يتحول الى نار ، سوء كان هذا الوقود حطب ، أو قير وقطران ، أو ألغام و متفجرات وعبوات ناسفة ، ويصدق الأخدود حتى على السيارات المفخخة كأخدود فوق سطح الأرض . وأما اليوم فان نهر ديالى ، ونهر ( القائد ) وغيرها الكثير تشهد على أخاديد تنظيم القاعدة و الزرقاويين لعنهم الله .
و في البداية و النهاية، عن أسباط عن ألسدي قال : ( كان الأخدود ثلاثة ، خد بالشام و خد باليمن و خد بالعراق ، ) وقال عن أخدود العراق ( كان في بابل في زمن بخت نصر حين صنع الصنم ، و أمر الناس بالسجود له فسجدوا و امتنع دانيال و صاحباه عزريا و مشايل ، فأوقد أتون و ألقى فيه الحطب و النار فالقاهما فيه ، فجعلها الله عليهم بردا و سلاما ) 143 .
و نقول : إن قوله تعالى (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ) 144 ، وقد ذكر الحصيد ( أي الأمم التي أهلكت ) دون ذكر شيء واضح عن القائم ( أي الحاضر ) يدل على إن القرآن الكريم يتكلم عن الحصيد ( الذين هلكوا ) وهو يشير به إلى الحاضر في آخر الزمان ، أي أصحاب الأخدود من هذه الأمة .

3- الوقائع:
ومما يتوعد الله به الكافرون من الأمر الإلهي ما يكتفي به من ذكر الوقائع دون ذكر المزيد من الأمر أو أي شيء عن الأسلحة والقيادات ولكن يذكر الوقعة فقط والمقصود هو الأمر الإلهي الذي نتيجته تلك الوقعة، ومن الأمثلة على ذلك:
قوله تعالى (إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ *)145
قوله تعالى (فإذا نُفخ في الصور نفخة واحدة* وحُملت الأرض والجبال فدكّتا دكّةً واحدة* فيومئذٍ وقعت الواقعة*)146
والوقائع الموعودة كثيرة نعلم منها ما ذكره أمير المؤمنين (ع) قال: إذا وقعت الواقعة ببابل ومعها خسف كثير، إذا وقعت الواقعة بين همدان و حلوان)147، وقال (ع) : (فيجتمعون عقيب الشتات من فلك النجاة إلى الفرات فيسيرون الواقعة إذ لا مناص وهي الفاصلة المهولة قبل المغاص)148 ولعل الكلام هنا هو عن الواقعة الفاصلة المهولة في ملحمة ( جزيرة ربيعة )، حيث تستمر شهر كامل ، وسيمر حديثها في الملحمة.

قوله تعالى (إذا زُلزلت الأرض زلزالها* وأخرجت الأرض أثقالها*)149.
والأثقال الموعود إخراجها على ثلاثة:
الأول: هو كتاب الله وعترة الرسول صلى الله عليه و آله ، و الكتب السماوية السابقة ، وذلك قول رسول الله (ص) : إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله و عترتي أهل بيتي ...
هم أهل الرجعة من أصحاب القبور.
الثاني:هي كنوز الأرض، قال الإمام علي (ع) ( وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها) نهج البلاغة.
ب ـ قوله تعالى ( و النجم إذا هوى * ما ضلّ صاحبكم و ما غوى * و ما ينطق عن الهوى * ) سورة النجم ، و واقعة هوي النجم الموعود ( وهو ـ ذو الشفا ـ كما ورد عن الإمام الصادق ( ع ) هي من الأمر ، وهو الذي يقوم بالدور في استدارة الفلك كما بيّنا إطروحة ذلك في الأجزاء السابقة . على إن استدارة الفلك لها معنى باطن آخر نذكره هنا ، فعندما ذكرها الإمام الصادق (ع ) في علامات الظهور ( قلنا ما استدارة الفلك ؟ قال اختلاف شيعتنا . ) ... فلا حول ولا قوة الاّ بالله .

4


ـ الأوقات:
ومما يتوعّد الله به الكافرين من (الأمر) الإلهي ما يشير إليه فقط بذكر وقت وقوعه أو نزوله دون ذكر المزيد والمُراد به هو ذكر (الأمر) الإلهي الذي ينزّله الله سبحانه في ذلك الوقت وهو وقت محدد من يوم محدد كما تقدّم وكما يبدو لنا والله أعلم.
ومن الأمثلة على ذلك:
قوله تعالى (والعصر) سورة العصر.
ب-قوله تعالى (والضحى) سورة الضحى.
ج- قوله تعالى (والفجر* وليالٍ عشر*) سورة الفجر.
د- قوله تعالى (وما أدراك ما ليلة القدر) سورة القدر.
والمقصود هو الأمر الإلهي الذي ينزل عصر يوم من أيام رجب الذي فيه العجب، وضحى يوم الجمعة في النصف من رمضان، وفجر العاشر من محرم، وليلة القدر فيها النداء الموعود بإسم الإمام المهدي ( ع ) بصوت جبريل ( ع ) . رغم إن ليلة القدر غير مخصوصة بالظهور وحده ، الاّ إن هذا ما يتعلّق بها من الموضوع و الله اعلم ، وما نفهمه من هذه الآيات بدلالة الأحاديث الشريفة وأقوال أئمة أهل البيت (ع) ، أنها آيات لها مرامي و مصاديق ما دامت السماوات و الأرض قائمة ولا يحدها حد لأنها كلمات الله سبحانه و تعالى، ولكن هذا تأويلها عند مجيء الوعد الإلهي بظهور الإمام المهدي (ع)، ولها تأويلات و مصاديق أخرى مشابهة في اشراط يوم القيامة ، ولها تأويلات ومصاديق أخرى منذ خلق الله سبحانه آدم (ع) .
فارتبط الفجر بجريان قدر الله ونفاذ مشيئته وأمره كرها أو طوعا، منذ نفخ الروح في جسد آدم(ع) ومنها شرّعت صلاة الفجر، و إليه و إلى فجر العاشر من محرم ، و فجر يوم القيامة، و إلى كل فجر يأتي فيه أمر الله تشمله الآية الكريمة ، و لذلك فإننا نجد بعض الاختلاف فيما جاء عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في تأويل الآية ، فكما مر علينا روايتان مختلفتان عن الإمامين الباقر و الصادق : (الفجر هو جدي رسول الله و الوتر هو القائم ) و الرواية الثانية : (الفجر هو القائم (ع) و الوتر هو الله وحده لا شريك له ) فالمعنى انه للآية أكثر من تأويل ، فلكل وقت يأتي فيه الأمر الإلهي لها تأويل ، ففي ظهور الإمام المهدي (ع) فانه هو الوتر لأنه هو الموتور بآبائه الذين قتلوا ولم يقتص أولياء أمر الدم من قاتليهم ، لذلك يسمى في دعاء الندبة ( الوتر الموتور) ، بينما تأويل الآية يوم القيامة فان الوتر : "هو الله وحده لا شريك له " ، فقد انتهت قضية الإمام المهدي (ع) في وقتها ، ولكن الآية باقية ناطقة أبدا لا تموت ولا تنهي، وهكذا المعاني الأخرى .
وارتبط الضحى بالتأييد الإلهي لآدم وخلفائه من ذريته منذ أمر الله سبحانه الملائكة بالسجود له ، والى حشر الناس ضحى لموسى عليه السلام عندما أيده الله بالآيات التسع في قوله تعالى ( موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى) سورة طه ، والى تأييد الإمام المهدي (ع) بالصيحة و دابة الأرض ، والى يوم القيامة إذ يعطى الرسول صلى الله عليه و آله الشفاعة في قوله تعالى( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) الضحى .
وفي تأويل الآيات : عن الفضل بن العباس عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال (والشمس وضحاها ) الشمس : أمير المؤمنين عليه السلام " وضحاها " قيام القائم عليه السلام ( لان الله سبحانه قال ( وأن يحشر الناس ضحى ). (والقمر إذا تلاها ) الحسن والحسين عليهما السلام . ( والنهار إذا جلاها ) هو قيام القائم عليه السلام . ( والليل إذا يغشاها ) حبتر ودولته قد غشى عليه الحق . وأما قوله (والسماء وما بناها ) قال : هو محمد - عليه وآله السلام - هو السماء الذي يسموا إليه الخلف في العلم . وقوله (والأرض وما طحاها - قال " الأرض " الشيعة . - ونفس وما سواها - ) قال : هو المؤمن المستور وهو على الحق . وقوله ( فألهمها فجورها وتقواها - قال : عرفه الحق من الباطل ، ( فذلك قوله - ونفس وما سواها - ). - قد أفلح من زكاها - قال : قد أفلحت نفس زكاها الله - وقد خاب من دساها ) الله . وقوله ( كذبت ثمود بطغواها ) قال : ثمود رهط من الشيعة فان الله سبحانه يقول ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ) وهو السيف إذا قام القائم عليه السلام .) (150)
وقد ذكرنا هذا الحديث في الدجالين من الشيعة ، وهنا ذكر محله المناسب في القيادات الشيعية المسيطرة على مقاليد السلطة ، وتقوم بقتل الشيعة الذين عرّفهم الله الحق وزكّى أنفسهم ، فتطغي هذه القيادات كما طغت ثمود بقتلها ناقة الله ، ورضا فساق وفجار الشيعة بأعمال هذه القيادات لمصالح سياسية دنيوية ، وبالطبع إن هذا القتل للنفس التي ألهمها الله تقواها ، هو بأوامر من ( دك تشيني ، وبوش ، وكروكر، وبترايوس) ، ولذلك ستقع عليهم الصيحة في الزوراء .
وقد خاطبهم القرآن بقوله تعالى ( وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ *) (151) ، أي سكنوا في قصور صدام حسين وقصور وزرائه وحاشيته ، ولكنهم لم يتعظوا بما فعل الله باولئك الظلمة ، بل يفعلون مثل فعلهم بقتل المؤمنين والأبرياء ، أما مكرهم (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) فهو تبرير قتلهم للمؤمنين بتهمة الخروج على القانون ، حيث يسمونهم ( خارجين على القانون ) واستخدام انواع من المكر للتزوير في الانتخابات وغيره من الاساليب الماكرة للسيطرة على الحكم باسم القانون والدستور والمحكمة الاتحادية وغير ذلك مما انبأ به القرآن الكريم ، واخبر عن قسمهم الذي اقسموا به وقالوا ( بعد ما ننطيها ) أي لا نعطي السلطة لاحد غيرنا .
وأما ( أشقاها) فهو أشقى الشيعة وقائدهم الذي انتخبوه ،فهو الذي يتولى عقر( ناقة الله ) ، وأما الناقة التي سيعقرونها ، فهي فصيل الناقة ، إذ الناقة عُقرت ، وهو ( صاد ) الاب ، فوقعت عليهم ( صاد ) أي (الصدمة) كما سماها الأمريكيون وهو رديف الصيحة .
وان الفصيل والناقة ( والده ) هما مما تشير إليهما سورة (ص) :" ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ " ، ولمن يفهم في أسرار علم الحروف فان اسم أو كنية النفس الزكية الذي يُقتل بظهر الكوفة يوجد هنا ، فتقع عليهم (صاد) الصيحة (وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) سورة "ص" 15 ، وهذا تفصيله في الروايتين التاليتين :
عن أمير المؤمنين (ع) : ( وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ) (152) .
عن الإمام الباقر (ع) : (وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة ، ويقتل بالكوفة رجل من ولد الحسين يدعو إلى أبيه ) . كما تقدم النص عن نعيم بن حماد في كتاب الفتن ، وهذا ما يشير إليه أمير المؤمنين عليه السلام (أنا راقب المرصاد – أنا ترجمة الصاد ) فإنا لله وإنا إليه راجعون ، والويل لكم يا ( ثمود ) من علي بن أبي طالب في كرّته ورجعته .
وفي غيبة النعماني : (بسنده عن جابر قال : حدثنى من رأى المسيب بن نجبة ، قال : " وقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومعه رجل يقال له : ابن السوداء ، فقال له : يا أمير المؤمنين إن هذا يكذب على الله وعلى رسوله ويستشهدك ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لقد أعرض وأطول ، يقول ماذا ؟ فقال : يذكر جيش الغضب ، فقال : خل سبيل الرجل ، أولئك قوم يأتون في آخر الزمان ، قزع كقزع الخريف ، والرجل والرجلان والثلاثة من كل قبيلة حتى يبلغ تسعة ، أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ، ومناخ ركابهم ، ثم نهض وهو يقول : " باقرا باقرا باقرا " ، ثم قال : ذلك رجل من ذريتي يبقر الحديث بقرا " ) (153) ، وهذه الرواية في غيبة النعماني مقتطعة ، واصلها الكامل في كتاب شجرة الدر ـ ولدينا مخطوطة باليد منه ـ يقول فيها ( ثم يصل الأمر إلى رجل من أبنائي يشيد الدين ويتبعه على ضعفه ويوطد ناصيته ويسمى " باقرا باقرا باقرا " فإن لم يكن الأول فالثاني ، وان لم يكن الثاني فالثالث لا محالة ) .
وقبل ذلك يقول عليه السلام في ذات الخطبة في وصف صدام بعد قتله للسيد الشهيد الصدر محمد باقر ( فالويل لأهل العراق ، من أتباعه المراق ، عندما يُقتل الرجل القصير القامة ، البراق الثنايا ، كث اللحية ،في مابين الكوفة والنجف وهو من خيرة أبنائي في ذلك الزمان مع أخت له على اسم بنت محمد (ص) يُقال لها (أصل الهدى) وبعدما يُقتل هذا الرجل لا يبقى بيت من أهل العراق إلا ودخلته الصيحة والفتنة والهلع والرعب ) ، ومن الواضح انه يشير إلى ثلاثة من بيت واحد أو عائلة واحدة يبقرون الحديث بقرا ( محمد باقر الصدر) وأخته (أصل الهدى ) هو لحن من أمير المؤمنين عليه السلام يشير إلى ( بنت الهدى ) رضوان الله عليهم أجمعين ، إلا أن الأول والثاني طوال القامة ، والقصير القامة هو الثالث ، ونلفت انتباه القارئ إلى أن أمير المؤمنين عليه السلام فرّق هنا في هذه الرواية بين الإمام الباقر (ع) وبين الرجل من خيرة أبنائه في آخر الزمان ، فالإمام الباقر عليه السلام وصفوه بأنه ( يبقر العلم بقرا ) لأنه عالم غير معلَّم ، وأما هذا الرجل البار فانه يبقر الحديث بقرا ، فهو يقرأ الأحاديث النبوية وروايات العترة الطاهرة ويبقر ما فيها من علم كما لم يفهم احد قبله ذلك .
والمتواتر عن أهل البيت عليهم السلام أن أول ترجمة للسورة ، هو أمير المؤمنين عليه السلام وقاتله عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله ، وبالطبع فان ابن ملجم كان من الشيعة الذين مرقوا من الدين مروق السهم أثناء معركة صفين (الخوارج ) ، وهكذا يحدث في اشراط الساعة وظهور الإمام المهدي (ع) سواء ، فان " أشقاها " شيعي يمرق من الدين ، ويؤيده فجار الشيعة ، والذي يُعقر هو من الأبرار من أولاد علي من ذرية الحسين عليهما السلام ، ومما لا شك فيه عندنا أن ذلك ( قتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ) هو من أحداث سنة الظهور ، فهو إلى الآن لم يُقتل . ومن الواضح جدا من قول أمير المؤمنين عليه السلام ، بأنه عند ذلك يكون ( الغضب ) و ( جيش الغضب ) ، فالذي يكون على الكوفة هو جيش السفياني من جهة والصيحة من جهة ، والنار التي من جهة كناسة بني ثقيف وتحرق أعداء آل محمد (ص) من جهة أخرى ، وهي التي يقول عنها الإمام الباقر عليه السلام ( سال سيل بعذاب واقع ) ، وأما( الغضب) الذي يكون على الحجاز، فبعد مقتل (الغلام الحسني ) وهو في أواخر ذي الحجة أو في محرم الحرام ، حيث الحديث الشريف (والمحرم وما المحرم هيهات يُقتل فيها الناس هرجا) والله العالم .
وأما العصر : فقد ارتبط العصر بالفرصة الأخيرة للتوبة والمغفرة منذ المعصية الأولى لآدم وزوجه استغفار آدم و زوجه عن معصيتهما في أكل الشجرة الممنوعة : ( روي عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام أنه قال : " وأما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل آدم عليه السلام فيها من الشجرة فأخرجه الله عزوجل من الجنة فأمر الله عزوجل ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة واختارها لأمتي فهي من أحب الصلوات إلى الله عزوجل وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات ، ) (154)
والى عصر استدارة الفلك قبل ظهور الإمام المهدي (ع) , والى تكوير الشمس و انطفاء ضوءها و نور القمر وإنكدار النجوم قبل القيامة وهي من اشتراطها وذلك عصر ذلك اليوم في قوله تعالى ( إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت... إلى آخر الآية ) التكوير ، وهذا المعنى جاء في وصف أمير المؤمنين عليه السلام لأشراط يوم القيامة في خطبة (تطنجية) ، وهكذا كل الأوقات الأخرى والله العالم .

5 ـ الأسرار الخفية:
ومما يتوعد الله به من (الأمر) الإلهي الذي سينزله في حينه هي أسرار خفية من الحروف المقطّعة في بدايات السور القرآنية ومن الأمثلة عليه:
أ-قوله تعالى (حم* عسق*). عن عبد الله بن عباس قال:
ح :- حروب.
م :- مسخ.
ع :- عذاب.
س :- سنة ، بمعنى القحط والجوع، من قوله تعالى (وأخذناهم بالسنين)).
ق :- قذف من السماء.155
وعن أرطاة بن المنذر عمن حدثه عن ابن عباس أنه أتاه رجل وعنده حذيفة فقال يا بن عباس قوله تعالى ( حم* عسق ) ؟ فأطرق ساعة وأعرض ساعة ، ثم كررها فلم يجبه بشئ ، فقال حذيفة : ( أنا أنبئك قد عرفت لم كرهها، إنما نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإله أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق يبني عليه مدينتان يشق النهر بينهما شقا جمع فيها كل جبار عنيد) (156)
وعن أحمد بن مهران وعلي بن إبراهيم جميعا قالا : حدثنا محمد بن علي بإسناده عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام وقد أتاه رجل نصراني وسأله عن مسائل منها : أنه قال له : إني أسألك أصلحك الله ؟ قال : سل : قال : أخبرني عن كتاب الله عزوجل الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وآله ونطق به ثم وصفه بما وصفه ( وإن له تفسيرا ظاهرا وباطنا ، فقوله عزوجل ) ( حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم ) ما تفسيرها في الباطن ؟ فقال :
( أما حم : فمحمد صلى الله عليه وآله وهو في كتاب هود الذي أنزل عليه ، وهو منقوص الحروف ، وأما الكتاب المبين : فهو أمير المؤمنين ، وأما الليلة المباركة : فهي فاطمة وقوله ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) يقول : يخرج منها خير كثير ( فرجل حكيم ، ورجل حكيم ، ورجل حكيم ). وقوله تعالى : ولقد اخترناهم على علم على العالمين ) (157) .
ب- قوله تعالى (ق* والقرآن المجيد). قال الإمام علي (ع): (ق. والقرآن المجيد كلمات خفيّات الأسرار وعبارات جليّات الآثار وينابيع عوارف القلوب من مشكاة لطايف الغيوب، لمحات العواقب كالنجوم الثواقب، نهاية الفهوم بداية العلوم)158.
ج ـ وكذلك كثير من الحروف المقطعة مثل ( الم ، المر ، حم ، طسم ) فهي مما يبين من قول أمير المؤمنين عليه السلام ، فهي كتب الأمر الإلهي ، إذ أن لكل أمر كتاب ، كما قال تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) 159 ، ولكل أمر عناصر تستعرضها الآية وتتوعّد بها . وسيمر بنا في الجزء الخامس معنى أكثر أعجوبة في معنى قوله تعالى ( حم * ) وذلك في أسرار الجفر وأسرار ( بسم الله ) .
د ـ أسرار وردت في سورة الكهف عن ( الرقيم ) سنتناولها في ( الملحمة) .

6 ـ القرارات:
ومما يتوعد الله سبحانه به من الأمر الإلهي ما يشير به إليه من القرارات العظيمة التي قضاها في سابق القضاء وسينزلها عند مجيء الوقت المضروب لنزولها متضمّنة الأمر الإلهي العظيم ،
ومن الأمثلة على ذلك:
قوله تعالى (والطور* وكتاب مسطور* في رقٍّ منشور)
وربما يظن البعض إن المقصود هو ما نزل على موسى (ع) على جبل الطور، ولكن ما نزل على موسى (ع) لم يكن كتاب (في رقٍّ منشور) بل كما قال تعالى (ألواح) (وكتبنا له في الألواح من كل شيء ) (160)
وأما هذا في هذه الآية فهو نزول رسول الله (ص) على الإمام القائم المهدي (ع) وتسليمه العهد المعهود من رسول الله (ص) للقيام بالأمر:
وفي دلائل الإمامة : حدثنا أبو علي ، عن جعفر بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن سماعة الصيرفي ، عن المفضل بن عيسى ، عن محمد بن علي الهمذاني ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : الليلة التي يقوم فيها قائم آل محمد ينزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) ، وجبرئيل ( عليه السلام ) ، على حراء ، فيقول له جبرئيل ( عليه السلام ) : أجب . فيخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رقا من حجزة إزاره ، فيدفعه إلى علي ( عليه السلام ) ، فيقول له : اكتب : " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا عهد من الله ، ومن رسوله ، ومن علي بن أبي طالب ، لفلان بن فلان " باسمه واسم أبيه ، وذلك قول الله (عزوجل ) في كتابه : * ( والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور ) * ) وهو الكتاب الذي كتبه علي بن أبي طالب (عليه السلام ) ، والرق المنشور الذي أخرجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من حجزة إزاره . قلت : والبيت المعمور ، أهو رسول الله (صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : نعم ، المملي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والكاتب علي (عليه السلام ) (161).
و قال الإمام علي ( ع ) في فصل من خطبة البيان بعد إخباره عن كثير من الغيوب ثم نزول الأمر ، أشار إلى هذه الآية فقال ( فطوبى لمن استمسك بعروة هذا الكلام و صلّى خلف هذا الإمام، فإنه يقف على معاني الكتاب المسطور و الرق المنشور ثمّ يدخل البيت المعمور و البحر المسجور . ) 162
ونكتفي بهذا القدر من الشرح المبسط للصورة الواقعية التي أخذناها لفهم (الأمر الإلهي) وكل ما أخذناه لا يمثل إلاّ سطراً واحداً في كتاب عظيم وإلاّ فإن (الأمر) أوسع وأكبر من أن نحيط به بما لدينا من القدر المتواضع من المعرفة، فقد قال أئمة أهل البيت عليهم السلام ( القرآن أثلاث، ثلث فينا وثلث في عدونا وثلث في الأحكام) وكيف نحيط بثلثي كتاب الله الذي لا يعلم تأويله إلاّ الله، وعلّم ذلك للراسخين في العلم وحدهم .
على إن ما نقصده بقولنا (تأويل السورة) هو المعنى الثاني مما جاء به القرآن الكريم، حيث ورد التأويل بمعنيين. المعنى الأول هو المعنى الباطن دون الظاهر، أي ما ترمي إليه الآيات من باب الكناية والتعريض وأسرار لا يعلمها إلاّ صاحب الرسالة (ص) وعلّمها لأوصيائه عليهم السلام، والمعنى الثاني، هو تحققها على ارض الواقع أو كما يُقال ترجمتها على ارض الواقع، بعد أن كانت وعد وكلمة سبقت في كتاب الله ، وتأويلها هو جعلها فعل مفعول. وهو قوله تعالى (وكان أمر الله مفعولا).
ومن هنا نلاحظ أن هناك تشابه كثير بين اشراط الساعة، وهي ظهور الإمام المهدي (ع) وبين اشراط يوم القيامة ، وهذا موضوع داخل في اهتمام بحثنا قد نوفق للعودة إليه .

قضـاء الأمـر:
وردت في الكتاب الكريم آيات تفيد بقضاء الأمر، ويعني بقضاء الأمر تمامه واكتماله، ومما ورد من الآيات التي تفيد باكتمال تنفيذ الأمر الإلهي هو ما ورد في قوم نوح (ع) إذ قال تعالى( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقُضيَ الأمر) 163 ، فيتبين هنا معنى قوله تعالى ( قضي الأمر) أي تمّ إهلاك الكافرين ( وقيل بُعداً للقوم الظالمين)، وقام استخلاف جديد . فكيف سيكون قضاء الأمر الإلهي عند استخلاف الإمام المهدي(ع) وفق ما أخبرت به الآيات الشريفة ؟
قال تعالى: ( ويوم تشقّق السماء بالغمام ونزِّل الملائكة تنزيلا ) 164 وبالطبع كان نزول هذه الآية ردّا على طلب الكافرين و المكذبين ( لولا اُنزل علينا الملائكة ) 165 ، فاخبر الله سبحانه إن نزول الملائكة ورؤية الناس لهم سيكون عند انقضاء الأمر، أي بهلاكهم و استخلاف الإمام المهدي(ع) والذين آمنوا معه . قال تعالى ( هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ضُلل من الغمام و الملائكة وقُضيَ الأمر والى الله ترجع الأمور) 166 ، فتشرح لنا هذه الآيات كيفية قضاء الأمر بتشقّق السماء بالغمام ونزول الملائكة بالأمر الإلهي، وسيتبين لنا من رواية الإمام الصادق(ع) في هذه الآية، في حديث الرجعة ، بان تنزيل الملائكة و الغمام بأمر الله هو نزول رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذلك في الرجعة حيث يقوم(ص) بطعن إبليس اللعين، بحربة من نور فيقتله ، وذلك بعد قضاء الأمر و تمامه وإنجاز الاستخلاف الموعود ، فتحدثت هذه الآيات عن قضاء الأمر الإلهي غيبيا كأنه واقع كما سيقع ( وكان أمر الله مفعولا )، وفي سورة غافر عندما كان الكفار يطالبون بنزول آيات ، قال تعالى (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ، فإذا جاء أمر الله قُضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ) 167 ، أي إن الآيات التي يطلبونها سيشاهدونها، ولكن ذلك عند مجيء الأمر الإلهي ، وعند مجيء الأمر سيكون قضائه وخسارتهم بهلاكهم في هذا الأمر .
وفي سورة الشعراء قال تعالى (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) 168 ، وهذه صورة أخرى يقدمها القرآن الكريم عن حال الذين كفروا يوم قضاء الأمر ، و حسرتهم على ما فرطوا في جنب الله .
وفي سورة الرحمن ، قدم لنا صورة أخرى و من جانب آخر عن مجيء الأمر الإلهي و تشقق السماء و نزول الملائكة عليهم السلام ، فقال تعالى ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان * فبأي آلاء ربكما تكذبان ) 169
وفي سورة الانشقاق ، جعلها الله كشرط من اشراط الساعة ، فقال تعالى :
( إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ* وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ *)170
ويبين من أقوال أمير المؤمنين (ع) أن انشقاق السماء ثم مد الأرض ، ثم إلقائها ما فيها و تخليها ، هو من نتائج الزلزلة ( و أخرجت الأرض أثقالها ) ومنها الثقلين اللذين ذكرهما رسول الله صلى الله عليه وآله ( إني تارك فيكم الثقلين ... ) وكنوز الأرض ، ومد الأرض هو في الهدة و الرج التي تكون ليلة الصيحة (توقظ النائم و تقعد القائم و تخرج العواتك من خدورها ) ، فيكون مد الأرض هو رفع كل منخفض ، و خفض كل مرتفع ، وهو ما أشارت إليه سورة الواقعة بقوله تعالى ( إذا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ* إِذَا رُجَّتْ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسًّا* فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) 171 . وهنا ستكون الأرض كما وصفها الإمام الصادق (ع) " كفاتورة الفضة " .

وبعد هذا التقديم المبسّط (للأمر) نعود إلى موضوعنا:
موضوع الاختلاف في قراءة الأحاديث والروايات، والاختلاف في التزام كل فرقة بصنف من هذه الأحاديث والروايات، فنقول:
لقد تبين لكم من مجيء الأمر كيف يتم وكيف يكون، ثم تبين مما تقدمه كيف كان في السابقين، فإن الأمر لا يقوم به إلاّ عظماء الملائكة وجنودهم وجنود الله الأخرى كالصواعق والزلازل والطوفان والخسف والرياح المحرقة والرياح الجليدية والعواصف الثلجية التي لا يقف أمامها شديد أو منيع، وهي محكومة بالأمر الإلهي ووكّل الله سبحانه وتعالى السيطرة عليها وتوجيهها ملائكة لكل صنف ولكل أمر كما وصفته السور القرآنية المباركة.
وإذا نظرنا في بعض (الأمر) الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على الأمم السابقة التي أُهلكت بالأمر عرفنا لماذا كان يقول الرسول والأئمة عليهم السلام ( كونوا أحلاس بيوتكم ).
ففي قوم لوط وما نزل عليهم من الأمر قال تعالى ( قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فاسْرِ بأهلك بقطعٍ من الليل ولا يلتفت منكم أحد)172.
فأمرتهم الملائكة أن لا يلتفتوا لئلاّ يشاهدوا نزول الأمر، لما فيه من الأهوال والفزع الذي لا يستطيع البشر تحمل رؤيته أو حتى البقاء في منطقة نزوله، وقول لوط ( ع ) عندما جاءت الملائكة لتنفيذ الأمر( قال هذا يوم عصيب). و قول الملائكة ( ع ) لإبراهيم (ع ) عندما جادلهم محاولا إثناءهم عن تنفيذ الأمر ( يا إبراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء أمر ربك * إن أمره غير مردود ) هود.
وفي سؤال بني إسرائيل للرؤية وعند دك الجبل قال تعالى (فجعله ربه دكّاً وخر موسى صعِقا)، فحتى موسى (ع) الرسول من أولي العزم صُعِق وخرّ مغشياً عليه من هول ما رأى من دك الجبل عندما نزل الأمر. ناهيك عن بني إسرائيل الذي ماتوا عند مشاهدة نزول الأمر، ثم أحياهم الله رحمةً بهم.
ومن هنا كانت الأحاديث والروايات تحذّر المؤمنين والناس من هذه الفترة التي ينزل فيها (الأمر) وهو ليس أمر واحد، بل كما قالت ( سورة الذاريات) (فالمقسّمات أمراً)173 فهي أوامر متعددة ولكل أمر أجل ولكل أمر ملائكته الموكولة بتنفيذه وكما يبدو إنه يستمر من (الصيحة) في النصف من رمضان، وإلى فجر العاشر من محرم، ثم لا يعلم إلاّ الله كيف سيكون تفصيل ما بعد ذلك.
وبشكل يكاد يكون هو المعبّر عمّا ترمي إليه الآيات المباركة والأحاديث الشريفة والروايات. هو إن مجيء الأمر كأنما يقول الله لعباده المؤمنين الذين استضعفوا في الأرض: والآن اتركوا أعدائي لي وتنحّوا جانباً.
كقوله تعالى (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) وقوله تعالى ( إنّا كفيناك المستهزئين).وقوله تعالى في هؤلاء
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا* إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتْ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا) 174
وقوله تعالى في ابليس (ذرْني ومن خلفت وحيداً، وجعلت له مالاً ممدوداً* وبنين شهوداً * ومهدت له تمهيدا* ثم يطمع أن أزيد* كلا إنه كان لآياتنا عنيداً* سأرهقه صعودا*)175.
أضف إلى كل ذلك ، إن في الملحمة التي يكون الظهور على أثرها يختلط الحق بالباطل و يأكل أعداء الله بعضهم بعضا ، و يفني بعضهم بعضا ، حتى انه ذكرت الروايات عن إحدى المعارك وهي معركة قرقيسيا ، أن مناديا من السماء ينادي " هلم يا طير السماء و يا سباع الأرض للشبع من لحوم الجبارين " وسميت " مأدبة الله في الأرض " ذلك أن المتقاتلين كلهم ، أعداء الله ، بل إن كثير من هذه الآيات هي وصف ليوم الملحمة و الواقعة التي تقع في ( وادي مجدون ) أو هرمشدون كما هو المشهور ، وبالطبع هذا ليس استنباطا منا أو قول برأينا ، بل هو قول أمير المؤمنين عليه السلام في " الجفر الأعظم " كما سيأتي النص الذي عثرنا عليه مؤخرا ، و الحقناه بالجزء الخامس .
من هنا نصحت الروايات بالتنحي عنهم حتى يقضي الله أمره فيهم و يذيق بعضهم بأس بعض، و المؤمنون في حالة ترقب و استنفار ينتظرون دعوة إمامهم عليه السلام .
أمّا قبل هذا الأمر ومجيئه ، فمن زعم إن الله سبحانه أو رسوله الكريم أو أئمة أهل البيت (ع)، نهوا عن الدفاع عن الأنفس والحرمات والأعراض والأموال والعيال والأوطان بحجة (التقية) التي يحتجّون بها، فإنه افتراء على الله وعلى رسوله والأئمة (ع). فإذا كان في الخروج على السلطان الظالم (تقية) فما وجه التقية لأتباع الشيطان وحزب الشيطان الذين لا يريدون إلاّ الفساد في الأرض ونشر الكفر؟ أليس في الأمر بالتقية إعانة على الإثم. خاصة وأن الذين يقاتلونهم لم يدعوا إلى نفير ولا إلى إعلان الجهاد، بل تكفّلوا بالأمر بأنفسهم طاعة لأمر الله ، فلماذا هذا التعويق وقال تعالى (قد يعلم الله المعوقين منكم)، وإذا رضوا هم أن يكونوا مع الخوالف، لماذا يأمرون غيرهم أن يكون من الخوالف. ألم يدعهم الله سبحانه وتعالى إلى قوم أولي بأسٍ شديد يقاتلونهم أو يُسلمون ؟ فها هم القوم جاءوا ولم يكتفوا بالقعود عن قتالهم، بل ظاهروهم على من قاتلهم بالحرب الخفيّة مرة ، وبالفتاوى مرة، وبالسكوت الذي فيه غمز ولمز، وبالطعن في نيّة المقاتلين مرة، وبالتجسس مرات ومرات. فعليهم ألا يحسبوا أنفسهم بمفازة من العذاب إذا جاء أمر الله.
قال تعالى ( حتى إذا رؤوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصراً وأقل عدداً)176.
وبعد، فإن قبل نزول الأمر، أمور عظام وجيوش ظالمة من كل بقاع الأرض ومن كل الأمم لا يقوم لها شيء من بني حام وبني قنطورا وبني الأصفر وبني إسرائيل وفجّار ومنافقين وسيوف قاطعة يقتل بعضها بعض ويفني بعضها بعض. قال تعالى( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) 177 .
وفي آخر الكلام في هذا الموضوع نختم بهذه الرواية عن الإمام الباقر (ع) قال :
( ليس منا أهل البيت احد يدفع ضيما ولا يدعوا إلى حق إلا صرعته المنية ، حتى تقوم عصابة شهدت بدر، لا يوارى قتيلها ولا يداوى جريحها . قلت : من هم ؟ قال عليه السلام : الملائكة . ) 178.

الـرجعـة

إن المصيبة الحقيقية لهذه الأمة والتي لا تضاهيها مصيبة هي إن (الذين يتلون القرآن حق تلاوته) كما قال تعالى قد ضيعتهم الأمة ثم فقدت أكثر أثرهم فلو إنهم يتلون القرآن حق تلاوته ويفهمون معانيه كما عُني بها الله سبحانه وتعالى لما ضلّ أحد ولا حدث اختلاف ولا ارتدت الأمة على أعقابها.
ومن ذلك هو الرجعة والآيات البينة والظاهرة وأحياناً التي بحاجة على تفسير الراسخين في العلم، التي تتحدث عن الرجعة ووقتها والمشمولين بها.
وسنقفز من مقدمة الموضوع الى نهايته بجملة اعتراضية أو دليل اعتراضي لترون فقط أين مصيبتنا وكيف إننا نقرأ القرآن بمعنى ظاهري بينما هو في معنى آخر كما يعلمه الراسخون في العلم.
ففي خطبة طويلة للإمام علي (ع) كان يردد كثيراً (فيا عجباً كل العجب بين جمادى ورجب) وبعد تكرار تعجبه (ع) وتكرار السؤال عن الشيء الذي يعجب منه قال: (وأي عجب يكون أعجب من أموات يضربون هامات الأحياء على الدين – قيل له: وأنّى يكون ذلك يا أمير المؤمنين. فقال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة كأني أنظر إليهم وقد تخلّلوا سكك الكوفة وقد شهروا سيوفهم على مناكبهم يضربون كل عدو لله ولرسوله (ص) وللمؤمنين وذلك قول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تتولّوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئسوا الكفار من أصحاب القبور) (179).
فما يقوله المفسرون ، كما عند الشيخ الطوسي : "يئس الكفار من أصحاب القبور " قال الحسن الذين يئسوا من الآخرة أي اليهود مع الإقامة على ما يغضب الله ، كما يئس كفار العرب أن يرجع أهل القبور أبدا ، وقيل هم أعداء المؤمنين من قريش قد يئسوا من خير الآخرة ، كما يئس سائر الكفار من العرب من النشأة الثانية . وقيل " كما يئس الكفار من أصحاب القبور ، من حظ الآخرة . وقيل : قد يئسوا من ثواب الآخرة كما يئس الكفار من النشأة الثانية ذكره ابن عباس ، وقال مجاهد : قد يئسوا من ثواب الآخرة كما ئيس منه أصحاب القبور ، لأنهم قد أيقنوا بعذاب الله ) (180) .
فهذا هو المعنى الظاهري والمفهوم ، أما قراءة أمير المؤمنين عليه السلام وتأويله لها فهو، إن أصحاب القبور هم أهل الرجعة الذين يبعثون في رجب الذي فيه العجب، وصولاتهم العظيمة على الكفار، وقد يئس الكفار من أن ينالوا من أحدهم نيلاً أو ضربة يدفع بها القتل عن نفسه أو يشفي غليله، فهم كالأشباح التي لا يختل فيها الحديد ولا يمكن مسّها بالنسبة للكفار فيجعلهم هذا اليأس في أشد الجزع وأشد الهلع وفي أخسر الخسارة.
والمسلم يكبر الله في كل يوم عشرات المرات عند إقامة الصلاة وفي كل ركوع وكل سجود يقول (الله أكبر) ولا يعي بقلبه حقيقة ما يقول، وهو إن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل وصف وكل قول وكل ظن وكل ما تتوهّمه العقول. و مع ذلك عندما تتحدث معه عن رجعة في الحياة الدنيا قبل يوم القيامة، يكبر هذا القول على عقله وينكره ويقول (هذه أساطير الأولين)، و (خرافات الشيعة). وبعد ، فنعود إلى تقديم الموضوع فنقول:
إن الوعد الإلهي الذي تحدثنا عنه بشكل مفصّل في الجزء الثالث يقوم على عناصر كثيرة، ومن هذه العناصر إحقاق الحق بشكل غير منقوص، ومن الحقوق التي تعاد لأصحابها وأهلها هي حق الحياة لمن سُلبت منه حياته في سبيل الله، فمن الطبيعي مما هو معلوم من رب العالمين سبحانه وتعالى الذي يجعل الحسنة الواحدة عشرة حسنات ويضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف ... أن يكون من كرمه وجوده ورحمته أن يرد إلى الذين اشتروا مرضاته عنهم بأرواحهم وأنفسهم وحياتهم، أن يرد لهم ما سلبه الكفار منهم بأفضل مما فقد منهم وانفع لهم وخير من الأولى.
وفي حديث الإمام الباقر عليه السلام قال: [ كنت مريضا بمنى، وأبي (ع) عندي، فجاءه الغلام فقال، هاهنا رهط من العراقيين يسألون الإذن عليك، فقال أبي(ع): أدخلهم الفسطاط،وقام إليهم ودخل عليهم، فما لبث إن سمعت ضحك أبي(ع) قد ارتفع، فأنكرت ووجدت في نفسي من ضحكه وأنا في تلك الحال، ثم عاد إلي فقال ( يا أبا جعفر عساك وجدت في نفسك من ضحكي) فقلت: وما الذي غلبك منه الضحك جعلت فداك؟ فقال: ( إن هؤلاء العراقيين سألوني عن أمر كان مضى من آباءك وسلفك ،يؤمنون به ويقرون، فغلبني الضحك سروراً إن في الخلق من يؤمن به ويقرّ ) فقلت: وما هو جُعلت فداك؟ قال: (سألوني عن الأموات، متى يُبعثون فيقاتلون الأحياء على الدين ؟ ) 181.
وبالطبع أن هؤلاء العراقيين سمعوا ذلك من أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة .
إلاّ إن البعث وإعادة الحياة ليس عاماً لا لكل شهيد ولا لكل مؤمن، بل هو مخصوص، فيقول الإمام علي (ع) (هو لمن مُحِّض الإيمان محضاً ومن مُحِّض الكفر محضاً). أي إنه حشر منتخب لفريقين من الناس هم أئمة الضلالة وأئمة الهدى وأتباعهم من الذين قال فيهم تعالى (لو تعلمون علم اليقين لترونّ الجحيم) فهي للذين يعلمون علم اليقين، فإذا ذُكرت الجنة فكأنهم شاهدوا نعيمها، وإذا ذكرت النار فكأنهم وقد ألهبهم حرّها، وإذا بايعوا فكأن يد الله فوق أيديهم، وإذا جاهدوا فكأن الله يستنصرهم ليدفعوا عنه الأعداء، وإذا تصدّقوا فكأن يد الله هي التي تأخذ من أيديهم الصدقة.وإذا ذُكر الإمام المهدي (ع) فكأنهم عاشوا معه ردحاً من الزمن وحضروا ولادته وحضروا مجلسه وحضروا وصية رسول الله صلى الله عليه وآله به وحضروا كل ما يتعلق به. فهؤلاء هم المخصوصون بالرجعة سواء كانوا شهداء أو موتى، فأما الموتى فيُبعثون ويقاتلون معه ويستشهدون بين يديه، وأما الشهداء فيُبعثون ويقاتلون معه ويعيشون معه في دولته حياة طويلة منعّمة مكرّمة.
وهم على صنفين، الصنف الأول المعصومون من أنبياء ورسل وأئمة. والصنف الثاني هم المؤمنون.
فأما الصنف الأول فيُحشرون على دفعات كما سيأتي تفصيل ذلك وأسبابه.
وأما المؤمنون فالذي يظهر من الأحاديث والروايات فالمسلمون منهم يُحشرون دفعة واحدة والله اعلم. وذلك في شهر رجب قبل شهر محرم الذي فيه الظهور المبارك لصاحب الأمر (عج).
والفريق الثاني الذي يحشرهم أئمة الضلالة وأئمة الكفر وكبار الطواغيت والمجرمين.
وهذا باختصار ما جاء عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وخاصةً عن أمير المؤمنين والإمام الصادق عليهما أفضل الصلاة والسلام. وسنورد بعض الآيات القرآنية الكريمة في كل فريق من الفرقتين وفي كل صنف من أصناف الفرقتين.
الفرقة الأولى:
الأنبياء والمرسلون والمعصومون (ع)
ويأتي على رأسهم سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله:
أ.قوله تعالى (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)
قال الإمام الصادق (ع) في هذه الآية عندما ذكرها (لا تنقضي الدنيا حتى يجتمع رسول الله (ص) وأمير المؤمنين فيقيمان مسجد ما بين الحيرة وكربلاء له إثنى عشر ألف باب)182.
ب. قوله تعالى (هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقُضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور)183.
عن الإمام الصادق (ع) (فكأني أنظر إلى أصحاب أمير المؤمنين (ع)وقد رجعوا على نفسهم القهقرى، وكأني أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات فعند ذلك يهبط الجبار عزّ وجل في ظلل من الغمام والملائكة وقُضي الأمر، ورسول الله (ص) أمامه بيده حربة من نور، فإذا رآها إبليس رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه، فيقولون له أصحابه أين تريد وقد ظُفرت، فيقول (إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله رب العالمين)، فيلحقه النبي (ع) فيطعنه طعنة بين كتفيه فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه)184.
في رجعة الأنبياء والمرسلين:
قوله تعالى (وأخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنّه).
قال الإمام علي (ع): (يعني لتؤمنن بمحمد (ص) وتنصرن وصيه وسينصرونه جميعاً- إلى أن قال- وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها وليبعثهم الله أحياء من آدم إلى محمد (ص) كل نبي مرسل يضربون بين يديّ السيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً ... يلبون زمرة زمرة: لبيك لبيك يا داعي الله)185.
قوله تعالى (إننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).
قوله تعالى (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي)
قال الإمام الصادق (ع) في الآيتين (ذلك والله في الرجعة، أما علمت إن أنبياء الله كثير لم يُنصروا في الدنيا وقُتلوا، وأئمة قد قُتلوا ولم ينصروا،فذلك في الرجعة)186.

في رجعة الإمام علي (ع) والأئمة المعصومين (ع).
وفي حديث طويل للإمام علي (ع) مع لفيف من الخوارج وعلى رأسهم (ابن الكواء) عن الرجعة، التي لم يكن هؤلاء يؤمنون بها قال (ع) : (ويلك، تعلم إن الله عز وجل قال في كتابه (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا) فانطلق بهم معه ليشهدوا له إذا رجعوا عند الملأ من بني إسرائيل، إن ربي قد كلمني، فلو إنهم سلموا ذلك له وصدّقوا به لكان خيراً لهم، ولكنهم قالوا لموسى (ع) (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) ثم قال الله عز وجل (فأخذتهم الصاعقة) يعني الموت (وانتم تنظرون* ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون). افترى يابن الكواء أن هؤلاء قد رجعوا إلى منازلهم بعد ما ماتوا ؟ فقال ابن الكواء: وما ذاك؟ ثم أماتهم مكانهم.
فقال الإمام علي (ع): ويلك أو ليس أخبرك الله في كتابه حيث يقول (وظلّلنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى) فهذا بعد الموت إذ بعثهم)187.
والكلام طويل احتجّ به أمير المؤمنين بقصة عزير الذي أماته مائة عام وبعثه كما قص القرآن الكريم ذلك. حتى قال (ع): (فلا تشكنَّ يابن الكواء في قدرة الله عز وجل).
وإذن فلمن لا يشك بقدرة الله عز وجل فقد نزلت في رجعة الإمام علي (ع) سور وآيات كثيرة جداً. ومحدودية هدف هذا البحث هو ما يمنعنا من سوق كل الأدلة وبحث كل الآيات والسور القرآنية المباركة الواردة في ذلك وقد تناولتها المباحث الخاصة في ذلك ولم يقصروا فجزاهم الله خير الجزاء، ولا نريد تكرار ما قاموا هم به، إلاّ بقدر ما يكمل هدفنا من البحث.
وسنذكر البعض منها فقط:
قوله تعالى: ( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) 188 ، وقد تطرقنا لها بشكل يفي بالغرض والطلب.
قوله تعالى (عم يتساءلون* عن النبأ العظيم* الذي هم فيه مختلفون* كلاّ سوف تعلمون* ثم كلاّ سوف تعلمون*)189. وطبعاً نحن نحدث العقلاء الذين يطلبون الحق، لا المعاندين ولذا سنتجاوز عن الجدل حول المقصود بالنبأ العظيم، ولكن فقط نبين إن قوله تعالى (كلا سوف يعلمون* ثم كلا سوف يعلمون) ليس كما يحاول الأفّاكون صرف الآية عن مراميها حيث يزعمون إن تكرار القول (كلا سوف يعلمون) هو للتوكيد.
وإنما هو أمران، الأول في الرجعة ..سوف يعلمون
والثاني يوم القيامة الكبرى.. سوف يعلمون.
وباختصار سنورد ما قاله الإمام (ع) عن نفسه في كتاب الله ونوضح بعض المقاصد،
ففي خطبة البيان قال عليه السلام: (أنا آلاء الرحمن – أنا محكم الطواسين – أنا إمام الياسين – أنا حاء الحواميم – أنا قَسَم ألم – أنا سايق الزمر – أنا آية القمر – أنا راقب المرصاد – أنا ترجمة الصاد – أنا صاحب النجم – أنا راصد الرجم – أنا جانب الطور – أنا باطن الصور – أنا عتيد قاف – أنا واضع الأحقاف – أنا مؤيد الصافات – أنا مساهم الذاريات – أنا متلو سبأ والواقعة – أنا أمان الأحزاب – أنا مكنون الحجاب – أنا بر القسم – أنا الشاهد والمشهود – أنا العهد المعهود ـ أنا ن والقلم – أنا مصباح الظلم – أنا سؤال متى – أنا الممدوح بهل أتى – أنا النبأ العظيم – أنا الصراط المستقيم ..... إلى أن قال عليه السلام بعد تعريف طويل بهويته ومقامه ومنزلته العظيمة قال: معاشر المؤمنين، أبمثلي يستهزئ المستهزئون أم عليّ يتعرض المتعرضون! أيليق لعلي أن يتكلم بما لا يعلم أو يدعي ما ليس له بحق. وأيمّ الله لو شئت ما تركت عليها كافراً بالله ، ولا منافقاً برسول الله ، ولا مكذباً بوصيه ، إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، وأعلم والله ما لا تعلمون)190.
. فقد شكّك غير قليل من الشيعة أنفسهم في هذه الخطبة المذهلة. وذلك لسبب السند الذي جاءت عن طريقه الخطبة في ظاهر الأمر ، وفي الحقيقة لما ورد فيها من علوم لا يحتملها العقل ، و بالتالي فانها تفتح بابا أوسع للنواصب و التكفيريين لرمي الشيعة بما لم يستطع كثير من الشيعة أنفسهم ممن كانوا بصحبة الإمام علي (ع) تصديق ما يقول .
وقد قال الإمام علي (ع) (أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ثلاث، ملك مقرّب، أو نبي مرسل، أو مؤمن نجيب امتحن الله قلبه بالإيمان .
وعن الامام الباقر (ع) :حدثنا عبد الله بن محمد عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبى هاشم عن عمرو بن شمر عن أبي جعفر عليه السلام قال:
( إن حديثنا صعب مستصعب ، اجرد ذكوان ، وعر شريف كريم ، فإذا سمعتم منه شيئا ولانت له قلوبكم فاحتملوه واحمدوا الله عليه ، و إن لم تحتملوه ولم تطيقوه فردوه إلى الإمام العالم من آل محمد صلى الله عليه وآله ، فإنما الشقي الهالك الذي يقول " والله ما كان هذا " ، ثم قال يا جابر إن الإنكار هو الكفر بالله العظيم . ) 191 .
ومن العجب في هذا الزمان اننا نسمع من كثير من مشايخ الشيعة انفسهم ممن يرد او يشكك بكثير من الروايات التي لا تحتملها عقولهم ، ويجادلون في سندها ، وردها الى علم الرجال ، مع انها في القرآن الكريم ليست باقل وضوحا منها في الرواية .
وبهذا الخصوص نقول : إن الروايات و الأحاديث الشريفة التي بناءاً على صحتها تبنى الأحكام الفقهية أو معرفة التشريعات أو تفاصيل الفرائض أو المناسك و الشعائر و ما شابه ذلك ، لا بدّ من التشدّد ألسندي للتأكّد من صحّة صدورها عن المعصومين (ع) أو عرضها على الكتاب الكريم كما أمر بذلك رسول الله (ص) في حال توفر المقدرة العلمية للاستنباط ، و أما الروايات أو الأحاديث أو الخُطب التي تتحدث عن أخبار الزمان المقبل أو الملاحم و الفتن ولا علاقة لها بالحلال و الحرام ، فان التشكيك بالسند يصبح غير موضوعي إذا كانت هناك روايات و أحاديث أخرى صحيحة السند تعطي نفس المضمون و نفس المعنى ولا يوجد أي اختلاف بين المضامين ، و أما ما هو متحقق في الواقع و تأويله قد جاء ، فلا معنى للتشكيك بالسند ولا يمكن طرح الرواية أو الحديث جانبا شكّاً بصحة السند.
و السؤال هنا هو: هل إن خطبة البيان تأولت أو تحققت أخبارها في الواقع ؟ فالجواب هو نعم وبكل تأكيد ، بما لا يقبل مجالا لصرف أخبارها يميناً أو شمالاً ، ولكن بشرط فهمها و فهم مغزاها و معرفة خصوصيتها . و سنبحث هذا الموضوع المهم في محله لاحقا إن شاء الله
وعلى أية حال فان قوله (ع) (أنا آلاء الرحمن)،ففيما يتعلق بالرجعة مما ذكرته سورة (الرحمن) قوله تعالى (ولمن خاف مقام ربه جنتان* إلى قوله تعالى* ومن دونهما جنتان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* مدهامّتان* فبأي آلاء ربكما تكذبان)192 قال الإمام علي (ع) (الجنتان المدهامتان هما في الحياة الدنيا في الرجعة ) و عند رجعة الأنبياء و الرسل و الشهداء بعد ظهور الإمام القائم المهدي (ع)، فان الإمام علي (ع) هو صاحب الآلاء كلها في السورة التي قال فيها رسول الله (ص) (إنها عروس القرآن ) لان الله زفّ الدنيا لمحمد و آل محمد و الثابتين على ولايتهم كما تزف العروس، و ذلك بالإمام القائم من آل محمد صلوات الله عليهم وذلك في سورة (الرحمن) المباركة. بل إن الإنسان الذي علمه الله البيان في هذه السورة ، بقوله تعالى( خلق الإنسان* علمه البيان) هو خصوصا الإمام علي (ع) كما قال الإمام الصادق (ع)، فخطبة البيان ، مما علمه الله ذلك البيان .
وأما كل ما قاله عن نفسه عليه السلام ، فحديث يطول به المقام ، نلخصه بما يلي :
عن ابن عباس قال في قوله تعالى ( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا ) أن موسى و هارون عليهما السلام لما دخلا على فرعون ، أوجسا منه خيفة ، فإذا فارس يقدمهما ، لباسه من ذهب و بيده سيف من ذهب ، و كان فرعون يحب الذهب ، فقال الفارس لفرعون : اجب هذين الرجلين و إلا قتلتك . فانزعج فرعون لذلك ، و قال ، عودا إلي غدا ، فلما خرجا دعا البوابين و عاقبهم ، و قال ، كيف دخل علي هذا الفارس بدون إذن ؟ فحلفوا بعزة فرعون انه ما دخل إلا هذان الرجلان ، وكان الفارس مثال علي بن أبي طالب عليه السلام ، الذي أيد الله به النبيين سرا ، و أيد به محمد صلى الله عليه و آله جهرا ، لان علي (ع) هو كلمة الله الكبرى ، أظهرها الله لاولياءه فيما شاء من الصور ، فنصرهم بها ، و بتلك الكلمة يدعون الله فيجيبهم ، و إليه الإشارة بقوله تعالى ( وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا.) 193.
قوله (عليه السلام ) أنا إمام الياسين – أنا حاء الحواميم – إلى آخر صفاته التي وردت في القرآن الكريم فهي حق كما قال (عليه السلام) و المجال لا يتسع لتتبعها فذلك يعني أن نفسر القرآن و هو خروج عن البحث . و لكن ذلك كما قلنا كله من ( الأمر الإلهي ) الذي يكون قبل الفتح . ثم في هذه الحالة في الرجعة و الكرة . وسنتناول شرح بعض مصاديق الخطبة في الاستنتاج البحثي .

في رد المؤمنين إلى الحياة ورجعتهم:
قال تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) قال الإمام الصادق (ع) (من قتل من المؤمنين رد حتى يموت ومن مات رد حتى يقتل وتلك القدرة فلا تنكرها)194.
قوله تعالى (ويوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون* حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً أم ماذا كنتم تعملون) 195
قال الإمام الصادق (ع) لأحد المكذبين بالرجعة في هذه الآية قال (ع) ( أيحشر الله في يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين ؟ لا .... ولكنه في الرجعة، وأما آية القيامة "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " . )196
2.قوله تعالى (ثم لننزعنّ من كل شيعة أيّهم أشد على الرحمن عتيّا)197.فهي آية بينة لا تحتاج إلى توضيح، فهو حشر للذين محضوا الكفر محضاً وهم أئمة الجبابرة وكبار الطواغيت والمجرمين ، وهذا حشر منتخب يختلف عن حشر يوم القيامة، وهو في الرجعة.
3. قال تعالى (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدّا* حتى إذا رأوا ما يوعدون إمّا العذاب وإمّا الساعة فسيعلمون من هو شرٌ مكاناً وأضعف جندا*)198.
والفرق بين الوعدين في الآية ، فالوعد الأول هو العذاب ، وورد في بعض الروايات انه بخروج دابة الأرض ، وهو الأمر الذي يسبق الفتح ، والساعة وهو ظهور الإمام القائم المهدي (ع)
وهي كما قال تعالى في سورة القمر (والساعة أدهى وأمر) وأمّا العذاب فهو بالمقارنة – داهية مريرة.
وفي غيبة النعماني ، عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ما معنى قول الله عز وجل ( بل كذبوا بالساعة واعتدنا لمن كذّب بالساعة سعيرا) 199 ؟ فقال لي : ( إن الله خلق السنة اثني عشر شهرا ، وجعل الليل إثنى عشر ساعة، والنهار اثني عشر ساعة، ومنا إثنى عشر مُحَدّثاً، وكان أمير المؤمنين من تلك الساعات . ) 200.
وعن محمد بن المفضل عن المفضل بن عمر قال : سألت سيدي الصادق " ع " هل المأمول المنتظر المهدي ( ع ) من وقت موقوت يعلمه الناس؟ فقال :
( حاشا لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا. قلت يا سيدي ولم ذاك قال:
( لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى "ويسألونك عن الساعة قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا وهو ثفلت في السموات والأرض" ، وهو الساعة التي قال الله تعالى "ويسألونك عن الساعة أيان مرسيها " ، وقال "عنده علم الساعة " ولم يقل إنها عند احد ، وقال " هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء اشراطها"، ، وقال " اقتربت الساعة وانشق القمر " ، وقال " ما يدريك لعل الساعة تكون قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد " ، قلت: فما معنى يمارون ؟ قال : يقولون متى ولد ومن رآه وأين يكون ومتى يظهر وكل ذلك استعجالا لأمر الله وشكا في قضائه ودخولا في قدرته ( أولئك الذين خسروا الدنيا وان للكافرين لشر مآب ) ( 201) .
ومن حق القارئ أن يقول : أن هذا القول وهذا القرآن يتناقض مع ما تتوقعونه من توقعات بناءا على تحليل الروايات والاحاديث النبوية الشريفة .
فنقول : ان ما يبدو لنا من خلال فهمنا للاحاديث والرايات والقرآن الكريم ، مجتمعة وليس مختلفة ، وتصديق بعضها لبعض ، و تفسير بعضها لبعض ، يبدو لنا ان الغيب الذي لا يعلمه الا الله ـ فيما يخص هذا الموضوع ـ هي مفاتح الغيب ، أي بمعنى : متى تبدأ الآيات الموعودة في كتاب الله ؟ فذلك من مفاتح الغيب بقوله تعالى ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) ، فان من الصلاة المستحبة التي يوصي بها أئمة أهل البيت عليهم السلام هي صلاة الغُفيلة ، وفي الركعة الثانية تقرا بعد الحمد آية (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.... ) لان مفاتح الغيب ، هو وقت نزول الآيات العظمى المؤكدة والحتمية التي نزل بها القرآن الكريم كآيات طلوع الشمس من مغربها و المنادي وغيرها ، فلا يعلم احد متى تبدأ وفي أي سنة بالتحديد ، حتى مع حصول يقين وأدلة واضحة بأننا في سنوات الظهور ، وهذه المفاتح هي عند الله وحده احتفظ بها كسرّ من أسرار الساعة ، واشترط الله على أنبياءه عليهم السلام البداء فيها ، فقبلتها الأنبياء ، وقبلها رسول الله وأئمة أهل البيت عليهم السلام ، واما ما بعد ذلك فليس من الغيب عند رسول الله واوصياءه صلوات الله عليهم ، بقوله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) ( 202) ومعنى قوله تعالى (إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) فليس عند الله رسول مرتضى وغير مرتضى ، ولا يبعث الله رسولا وهو غير مرضي عنه ، بل ان الله هو الذي اصطفاه ، ولكنه يعني الوصي المرتضى من الرسول ، أي رضي الرسول به وصيا ووزيرا له ، وهو علي بن ابي طالب عليه السلام ، ومن اسمائه عليه السلام ( علي المرتضى ) وقد اظهره الله على الغيب بعد الرضا .


التنويهات:

1- الملاحم والفتن لإبن طاووس
2- كتاب الفتن لنعيم بن حماد ص 119
3( ) كتاب الفتن لنعيم ص 178
4( ) كتاب الفتن لنعيم ص 132
5-البحار ج52 ص 115
6( ) غيبة النعماني 206
7- الإرشاد للشيخ المفيد وعصر الظهور ص100
8( )كتاب سليم بن قيس الهلالي ص163 . قال سلمان ، قال رسول الله (ص) : الحديث
9( ) ـ كتاب الفتن ـ نعيم بن حماد ص 169
10- الملاحم والفتن لابن طاووس ص123
11- التوبة 34
12- نهج السعادة ـ الشيخ المحمودي ج 3 ص 108
13-مختصر بصائر الدرجات ص199
14- ينابيع المودة في ذوي القربى للقندوزي ج 3 ص 213 .، و المزار ـ للشيخ المفيد ص 8
15- بحار الانوار 52 / 175
16- المزار ـ للشيخ المفيد ص 9
17- الزام الناصب ـ علي اليازدي ج 2 ص 240
18- الملاحم والفتن لابن طاووس ص198
19- مختصر بصائر الدرجات ص200
20- مختصر بصائر الدرجات ـ حسن بن سليمان الحلي ص199 ـ 201
21- كتاب الفتن ـ نعيم بن حماد ص 174
22- كمال الدين وتمام النعمة ـ الشيخ الصدوق ص 330 ، 334 ، 649
23( ) كتاب سليم بن قيس ص 169
24-عن ابن طاووس ص128 ورواية أخرى من غير مصدر ص170 ، وفي كتاب نعيم بن حماد ص 128
25( ) غيبة الطوسي 339
26( ) غيبة الطوسي ص 340
27 ( - بحار الانوار للمجلسي ج52 ص338
28 ( - تفسير القمي ـ علي بن ابراهيم القمي ج 1 ص 167
29( ) غيبة النعماني ص 159
30( ) الأنبياء 44 والحديث في كمال الدين للصدوق
31- إكمال الدين ـ الشيخ الصدوق ص381
32( ) غيبة النعماني ص 191
33( ) غيبة النعماني ص 193
34- الملاحم والفتن لابن طاووس ص 198
35( ) الزام الناصب ج 2 ص 163
36( ) البقرة 213
37( ) الاحتجاج ـ الشيخ الطبرسي ج 1 ص 248
38- سورة الحج 45
39 - ملاحم ابن طاووس ص127
40( ) علل الشرائع ج1 ص 32
41( )الملاحم والفتن لابن طاووس ص 111 .
42- الملاحم والفتن بن طاووس ص92 ، وكتاب الفتن لنعيم ص 128
43- عصر الظهور ـ علي الكوراني ص 129
44( ) بحار الانوار ج 70 ص 150
45( ) مختصر بصائر الدرجات ص 183
46 ( - الأحزاب 38
47) - الأحزاب 61 - 62
48) - لاهمية هذا الموضوع وسعته ودقته فقد صدر كتابنا ( فلسفة التاريخ عند الامام علي (ع) نظرية التكوير والتكرير )
49- هود 17
50- هود 28
51- هود 63
52- هود 88
53- سورة مريم 53
54- الفرقان 35.
55( ) الأنعام 44
56( ) يونس 24
57( ) الغيبة ـ الشيخ الطوسي ص 450
58( ) البقرة 214
59( ) كتاب بول بريمر ، عام قضيته في العراق ص 253 ـ 254 .
60( ) سورة الحج 11 ـ 13
61( ) دليل الناسك- السيد محسن الطباطبائي الحكيم ص 58 :
62كمال الدين وتمام النعمة ـ الشيخ الصدوق ص 483
63-سورة هود 27
64-سورة هود 29
65- الفتن لنعيم بن حماد ص 187
66( - التوبة 16
67)-سورة التوبة 83
68)- الأعراف 57
69 ( - البقرة 216
70 )-كتاب الفتن لنعيم بن حماد ج 6 ص270
71 )-تفسير ابن كثير ج 4 ص 204
72 )-التوبة 24
73 )- مختصر بصائر الدرجات ص200
74-البحار ج22 ص338
75-المسائل الجارودية ـ الشيخ المفيد ص 10
76-اوائل المقالات ـ الشيخ المفيد ص 278
77-المسائل الجارودية ـ الشيخ المفيد ص 13
78- بحار الانوار ـ المجلسي ج 52 ص 277 ، و المحتضر ـ حسن بن سليمان الحلي في حديث المعراج
79-بحار الانوار ج 52 ص 276
80-إكمال الدين للشيخ الصدوق ص349
81-ملاحم ابن طاووس ص42
82-ملاحم ابن طاووس ص38
83-نفس المصدر ص49
84- نفس المصدر ص49
85شرح النهج
86( ) المائدة 50، 51
87( ) سورة النحل 1
88( ) التوبة 24
89 هود 40
90هود 44
91هود 58
92هود 66
93هود 94
94هود 82 ، 83
95هود 101
96هود 102
97المائدة 51
98 غيبة النعماني ص 198
99-إكمال الدين وإتمام النعمة
100- أعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ص248
101-مختصر بصائر الدرجات ص 22
102-المائدة 158
103- مختصر بصائر الدرجات ص38
104- مدينة المعاجز ج 1 ص 127
105- سورة الحج 1 ، 2
106- الذاريات
107- المسترك ـ الحاكم النيسابوري ج 2 ص 466 ، وكنز العمال ـ المتقي الهندي ج 2 ص 565
108شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني ج 12 ص 1
109اكمال الدين واتمام النعمة
110ـ كتاب الاوائل للطبراني ص 61
111ـ سورة طه
112- سورة محمد 10
113-الإسراء
114- مختصر بصائر الدرجات ص201-202
115-مختصر بصائر الدرجات ص42
116-سورة القلم 16
117-النازعات 1-8
118-مختصر بصائر الدرجات ص37
119- بصائر الدرجات ص37
120- سورة القمر 19 ، 20
121-فصّلت 53
122-سورة الفجر
123- مختصر بصائر الدرجات ص182-300
124- أعلام الورى بأعلام الهدى ص 430
125- سورة ق 41- 42
126-مناقب ابن شهر آشوب 1 / 281
127- تأويل الآيات 2 / 792 ح1 .
128- العاديات 1 ـ 6
129-الدر المنثور 6/ 384
130-الدر المنثور 6 /385
131-تفسير فرات الكوفي ص 603
132- الصافات 1 ـ 3
133-سورة الذاريات 1-3
134-سورة النازعات 1-2
135-سورة العنكبوت 40
136-سورة محمد 10
137- سورة المرسلات 1-4
138-سورة المرسلات 3-6
139-البروج 1-3 .
140- هود 17
141- المائدة
142- سورة الحج 75 ـ 78
143- البداية والنهاية لابن كثير ص 156
144- سورة هود 100
145- الواقعة 1-2
146 - الحاقة 13-15
147 - إلزام الناصب ص195
148 - إلزام الناصب ص240
149- الزلزلة 1-2
150 ( - تأويل الآيات ـ شرف الدين الحسيني ج 2 ص 803
151 ( - سورة ابراهيم 45 ـ 46
152 ( - مختصر بصائر الدرجات ـ حسن بن سليمان الحلي ص 201 خطبة المخزون
153 ( - كتاب الغيبة ـ محمد بن إبراهيم النعماني ص 312
154 ( - من لا يحضره الفقيه ـ الشيخ الصدوق ح 1 ص 211
155- الملاحم والفتن لإبن طاووس
156- كتاب الفتن انعيم بن حماد ص 119
157- تأويل الآيات ـ شرف الدين الحسيني ج 2 ص 573
158- إلزام الناصب ـ علي اليازدي ص 240
159- سورة الحديد 22
160- الأعراف 145
161- دلائل الامامة ـ محمد بن جرير الطبري ( الشيعي ) ص 478
162- الزام الناصب ص 241
163- هود 44
164- الفرقان 25
165- الفرقان 21
166- البقرة 201
167- غافر 78
168- سورة مريم 39
169- الرحمن
170- الانشقاق 1 ـ 5
171- الواقعة 1 ـ 6
172- هود 81
173- الذاريات
174- المزمل 11 ـ 14
175- المدثّر 11- 17
176- الكهف 24
177- الكهف 99
178- غيبة النعماني ص 195
179- مختصر بصائر الدرجات ص198
180- التبيان ـ الشيخ الطوسي ج 9 ص 598
181- مختصر بصائر الدرجات ص 20
182-بصائر الدرجات
183-سورة البقرة 210
184-البرهان في تفسير القرآن ص 209
185- مختصر بصائر الدرجات ص33
186- مختصر بصائر الدرجات ص18
187-مختصر بصائر الدرجات
188- النمل 82
189- سورة النبأ
190-إلزام الناصب ص 219-221
191-بصائر الدرجات ـ محمد بن الحسن الصفار ص 42
192- الرحمن
193- مدينة المعاجز 1/ 143
194- مختصر بصائر الدرجات ـ حسن بن سليمان الحلي ص23
195- سورة النمل 83
196- الكهف
197- مريم 69
198- مريم 75
199- الفرقان 11
200- غيبة النعماني ص 84
201- مختصر بصائر الدرجات ص 179
202- الجن 26 ، 27

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق